-->

رواية جديدة خبايا الهوى لهاجر التركي - الفصل 28 - 1 - الخميس 6/6/2024

 

قراءة رواية خبايا الهوى كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى






رواية خبايا الهوى

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة هاجر التركي

الفصل الثامن والعشرون

1

تم النشر الخميس

6/6/2024


وقفَ بين العُمال اللذينَ ينقلون البضائع الجديدة إلي المخازن، كان بين يديه دفتره الخاص يدون بهِ كل شئ بخصوص تلك الشُحنة الصيفية الجديدة قبل أن يتم توزيعاها علي التُجار صباح الغد، ظل يتنقل بينهم هُنا وهُناك، لأكثر من ساعتين وهو علي تلك الوضعية، يُريد أن يُشرف علي كل شئ بنفسهِ، فالحاج" حلمي " كلفهُ أمر تلك الشُحنة لكي يتولي كل شئ خاص بها من حيث التخزين والتوزيع...... 


العُمال يعملون بجدٍ علي قدم وساق، وكان هو يُساعدهم أيضًا فالنقل بكل تواضع، ما أن ينتهي من تدوين ما يحتاجه ينجرفُ معهم ويُساعدهم......... أكثر ما يُسعده هذه الفترة أن العمل في تقدم كبير، كل يوم يري وجوده ومجهوده اللذي شكل فارقًا كبيرًا في عملهم، والحاج "حلمي" لا ينكر هذا بتاتًا بل دائمًا ما يُثني عليهِ ويذكره أنه ذو فضلاً كبيرًا عليهِ مُنذ أنّ أتي وعملَ معهم، كم أحبَ هذهِ المهنة وأصبحَ مُرتاحًا بها بشكل كبير، مؤخرًا أصبح راضيًا عن كل شيء يسير حولهِ.... 


بداية من أنهُ أصبح يُتقن العمل بشكل جيد للغاية مما ذاد بداخلهِ تعلقه وحبه لذالك العمل، زوجتهُ بجانبهِ تُساندهُ وتُعاونه بكل طاقتها، لا يعلم ماذا كان سيفعل أن لم تكن هي بحياتهِ، حقًا لقد أضائتها..... 


شقيقتهِ شبه أصبحت جيدة بعد خروجها من علاقة فاشلة مؤذية، وقد بدأت تنتبه لنفسها أكثر وتطمح إلي تحقيق ذاتها بنفسها دون تدخل من أحد، ويري كل يومًا تغيرًا يطرأ عليها، فأصبحت أكثر حيوية، أكثر نشاطًا، أكثر تفائلاً للقادم.... 


ووالداتهِ التي أصبحت مُرتاحة للغاية للسكن معهُ، وأصبحت صديقة حميمة إلي والدة زوجتهِ، وكأنهم يعرفون بعضهم البعض مُنذ زمن وليس فترة قصيرة فقط، وأيضًا السيدة "سُعاد" تُحب والداته للغاية وتقربت منها في فترة وجيزة، وقد عادَ ذالك بالأيجاب علي والداتهِ ونفسيتها أصبحت مُتحسنة بعد كل ما حدث، مالها هذهِ العائلة الصغيرة، أهي مُتخصصة في ترميم كل ما هو مُمزق أو تالف، أنه فعلاً محظوظ للغاية....... 


إنتهي من تدوين بعض الملاحظات، أخذ يفتح ازرار قميصهِ أسود اللون لأنه شعر لوهلة بالحر الشديد، وكان أيضًا مُشمرًا ساعديهِ، الطقس حار اليوم، عاد ليندمج في مُتابعة العُمال، أرتفعَ رنين هاتفهُ، فأخرجهُ من جيب سروالهِ، وجدها زوجتهِ الحبيبة، أبتسم تلقائيًا ما أن وقعت عينيهِ علي إسمها المُزين لشاشة هاتفهُ...... 


أبتسم بسعادة، وفتحَ الخط مُجيبًا عليها بكل مرح وبشاشة: 


_أي يا زبادي لحقت أوحشك.... 


لم يأتهِ رد لعدة ثواني فقط يستمع أصواتها اللاهثة، ضيقَ ما بينَ حاجبيهِ بإستغراب، ثُم أخذ يُنادي بإسمها قائلاً: 


_غالية!.... رُحتي فين؟ يا غالية؟. 


أتاهُ صوتها المهزوز والمُرتجف تقول بوهن وبصوتِ خفيض للغاية: 


_عُمر ألحقني...... أنا بموت. 


ثلاثه كلمات فقط، ثلاثة لا غير، كانوا كفيلين بسحبِ كافة دمائهِ من عروقهِ، أنتفض من مكانهِ بهلع كبير، قائلاً: 


_غالية في أي؟ ده مقلب من مقالبك صح! 


لم يأتهِ رد فقط صوت أنفاسها دامَ لعشر ثواني فقط ثم أختفي، تمامًا جنَ جنونهُ حيال ذالك، وصرخَ يُنادي عليها بقلبٍ وقع بين قدميهِ: 


_غالية رُدي عليا أبوس إيدك...... يا غالية.... 


نفس النتيجة لم يأتهِ رد منها، فصاحَ بصوتهِ عالي حتى انتبه لهُ العُمال يُطالعونه بإستغراب لماذا يصرخ هكذا: 


_غالية رُدي بقولك.... 


ما أن فقد الأمل في وصل رد منها، أغلق الهاتف سريعًا واضعًا إياه بجيب سرواله بمكانه، ثم ترك كل ما بيده وهرولَ سريعًا إلي سيارتهِ المركونة علي جنب علي بعد مسافة قصيرة منه، أستقلها وأدار المُحرك بإستعجال، وقد ذاد تعرق، وجههِ من شدة الخوف والهلع عليها، حلقهِ أصبحَ جافًا، وعروقهِ قد برزت من شدة ضغطهِ علي عجلة القيادة يسوق بسرعة كبيرة وكأنه يسابق الريح، غير مُباليًا بأي شئ، ولا حتي بأنه للتو كان علي وشك الأصطدام بسيارة أخري تسير بالإتجاه المُعاكس 

...... 


لا يهم المُهم أن يصل إلي محبوبتهِ بأسرع وقت ممكن، أخرج الهاتف مرة أخري ما أن تذكر أمر والداتهُ أو والدة "غالية" أينَ هُم أينَ ذهبوا وتركوها وحيدة هكذا، أتصلَ بوالدة زوجتهِ أولاً فـ لم يأته رد، فأتجاه إلي رقم والداتهُ وبعد ثواني جائهُ صوت "نادية" تقول بهدوء: 


_السلام عليكم، أيوه يا حبيبي.؟؟ 


خرجت كلماتهِ مُرتجفة كاد أن يبكي وكأنهُ طفلاً يخشي ضياع شئً يُحبه، هتف لاهثًا: 


_غالية إلحقي غالية ياماما بسرعه... 


أنخلع قلب الأخري، قائلة بفزع: 


_في أي مالها غالية؟!. 


صاح بصوتٍ عالي رُغمًا عنهِ نتيجة عصبيتهِ لأنه الآن يكاد يموت رُعبًا، غير مُنتبه لأنه يُحادث والداته، لكن لا وقت لأي تعقل أو منطق الآن: 


_معرفش، معرفش..... أطلعيلها بسرعه ياماما أبوس إيدك بسرعه مفيش وقت... 


_حاضر حاضر طالعة أهو، أستر يارب جيب العواقب سليمة يارب!!.... 


أغلق الخط، من ثم ألقي، الهاتف علي الكُرسي، المُجاور لهُ بأهمال، وعاد للتركيز علي القيادة، وقد ذاد من السُرعة لأقصي حد غير مُباليًا بأنه هكذا يُخالف قوانين المرور، خاصةً أنه يسير بطريق عمومي ورئيسي، وليس فارغًا...... 


❈-❈-❈


ما أن أغلقت من ولَدها هرولت سريعًا إلي حاجبها القابع علي الأريكة بجانبها، وأرتدتهُ علي عُجالة وهي لا تفهم أي شيء، وظلت تُتمتم في سرها بالمعوذات والدُعاء بأن لا يحدث شيء..... فتحت بابها سريعًا وصعدت إلي شقة أبنها، وجدتها مُغلقة، بالطبع ليسَ معها مُفتاح، ظلت تطرق علي الباب بقوة ولا رد، ولم ترفع أيضًا يديها من الي جرس الشقة لكن أيضًا لا رد...... 


ماذا تفعل؟ ماذا تفعل؟ الأن تشعر أن عقلها تجمد عن التفكير تمامًا، ظلت تدعو الله أن لا تُصاب بأي مكروه وتأتي العوقب سليمة، ظلت بمكانها لعدة دقائق مشلولة عن الحركة، هي هكذا عندنا تتوتر أو تخاف..... 


دقيقة أخري مرت ووجدت "عُمر" يُهرول سريعًا إليها وعلي وجههِ علامات الخوف والقلق، وجههِ أصبح داكنًا عن لونهِ الأصلي من شدة خوفه وصدمتهِ هتف ما أن رأها: 


_أي يا ماما واقفة لي؟ غالية فين؟!. 


_مش عارفه الباب مقفول مش معايا مُفتاح.... فهمني بس في أي دي مش بتُرد باينها مش جوه... 


أخرج مفاتحهِ الخاص وتقدم إلي الباب يفتحهُ علي عُجالة من أمرهِ، دخل إلي الشقة تبعتهُ والداته، ظل يُنادي عليها بملئِ صوته، يبحث هنا وهنا كالتائه، حتى وصل أخيرًا إلي غرفة نومهم...... 


للحظة تجمد بمكانهِ وتوقفت حواسهِ عن العمل تمامًا ما أن رأها للمرة الثانية مُلقاه علي الأرضية  لا حول لها ولا قوة وبركة من الدماء تُحيط بها مشهد سيظل مُخلد في زاكرتهِ طالما حيَ، تصنم لم يقوي علي الحديث، حتي أقتربت منه والداته قائلة: 


_هي راحت في....... 


بترت باقي جُملتها من أن رأتها هكذا، شهقة قوية خرجت منها تبعها صُراخها بهلع: 


_ينهار أسود، أي ده...... 


تخطت ذالك المُتصنم بمكانهِ وكأن أحدهم فصلَ الكهرباء عنهِ فشُلَ عن الحراك، عدى من عينيهِ التي أخذت تذرف الدموع علي خديهِ بعجز، أنحنت لها سريعًا تحتضن وجهها بين يدها تهزها بقوة ولكن لا حركة..... محاولة والثانية ولا أي تفاعل منها وكأنه كـ الميتة، رفعت رأسها إلي إبنها تصيح بهِ بعصبية: 


_أنتَ واقف تتفرج علي أي..... شوف أسعاف بسرعه، ده باينها بتسقط ينهار منيل ده نزيف ده ولا اي ده.... 


فكَ أخيرًا إلتصاقهُ بالأرض وهرولَ إلي الخارج، قائلاً قبل أن يخرها: 


_أوعي تسبيها يا ماما.... وأنا عشر دقايق وهاجي بالإسعاف.... 


❈-❈-❈


ساعة، ساعتين، ثلاث ساعات، وهي هكذا بالداخل بغرفة العمليات مُنذ أن أتت، لم يخرج الأطباء حتى، ثلاثة ساعات وكأنهم ثلاثون عامًا مرُ عليهم جميعًا، كانوا يقفون في ممر المُستشفي تحديدًا أمام غرفة العمليات المُتواجدة بها"غالية"، يمسكون قلوبهم بين أيديهم فقد قال لهم الطبيب ما أن وقع عينيهِ علي ورأي حالتها عندما دخل هو بها مُهرولاً يحملها بين يديهِ بعد أن رفضَ أن يحملوها علي السرير، الحديدي الخاص بالإسعاف، لم ينتظر وأنتشلها من بينهم، يصرخ بكل من يقابلهُ يدعوه لإنقاذها بأسرع وقت..... 


قال أن أحتمالية فقدان الطفل كبيرة لأنها قد نزفت كثيرًا، وهذا بالفعل بهِ خطرًا كبيرًا علي حياة الأم فالجنين كبير وليس مجرد كيس دماء...... 


كان يجلس بوهن، شُعر العجز مُسيطر عليهِ كُليًا، شاردًا يبكي بصمتِ ولم يخجل بالمرة من المتواجدين حولهُ...... 


بينما علي الجهة الأخري جلست"سُعاد"، بجانب زوجها تبكي بحسرة وبمرارة، تندب قائلة من بين بُكائها تُخاطب زوجها وتَرمي كامل اللوم علي نفسها: 


_كان مستخبي لك فين بس ده يا بنتي؟ يارب دي غلبانة قومها بالسلامة هي، وإبنها..... أنا السبب أنا السبب، لو كنت فضلت قاعدة معاها كان زمانا لحقنها بسرعه قبل ما تنزف ده كله، حقك عليا يا قلب أمك حقك عليا.... 


زفر زوجها بضيق، الوضع لا يحتمل أي لعب بالأعصاب أكثر من ذالك، فهتف في زوجتهِ يحاول تهدئتها: 


_وحدي الله يا سُعاد مش كده أن شاءلله خير متقلقيش ربنا أن شاءلله هيقومها بالسلامة بلاش الندب ده الوضع مش مستحمل.... 


_أنا السبب، أنا السبب يا حلمي، أنا إللي سبتها لوحدها، بس انا والله مكنت أعرف أن ممكن يحصل حاجه، أنا هعرف منين؟.... 


ربتَ علي كتفيها قائلاً: 


_ده مكتوب يا أم غالية وحدي الله بقا.. 


هتفت ببكاء: 


_لا إله إلا الله... لو حصلها حاجه ده أنا أموت فيها، يارب نجيها يارب أنا مليش غيرها يارب... 


_لا حول ولاقوة الابالله العلي العظيم، خلاص يا سُعاد كفاية ندب يا حبيبتي أدعيلها، أدعيلها ربنا يقومها بالسلامة... 


رفعت يديها تدعو الله بقلبٍ مُنفطر تُردد يا رب بكل جوارحها، بينما ظل زوجها ثابتًا لم يرمش لهُ جفن أو هذا ما ظهر لهم، بينما هو بالدخل يكاد يموت خوفًا ورُعبًا من أن يصيب قرة عينيهِ وفرحة عُمره أي شيء، يدعو بداخلهِ أن يُنجيها سالمة، لا يهم الطفل الأهم هي، هي فقط....... 


مرت ربع ساعة أخري، وأخيرًا خرجَ الطبيب من غُرفة العماليات فهرولوا إليهِ جميعًا، سأله "عُمر": 


_طمنا يا دكتور.... 


أجابهُ الطبيب بعلمية: 


_الحمدلله قدرنا نوقف النزيف، وهنضطر نولدها دلوقتي... 


شهقت" سُعاد"قائلة بإستنكار: 


_تولد؟؟ تولد أزاي دي لسه في أول السابع يا دكتور؟!. 


_مفيش فأدينا حاجه تانية أدعولها.... 


أقترب منه الحاج "حلمي" قائلاً له بكلمات ذات مغذي: 


_أهم حاجه هي يا دكتور، هي أهم حاجه، مش مُهم حاجه أي حاجة تانية... 


_أن شاءلله خير يا حاج، بعد أذنكم لازم تدخل غرفة الولادة دلوقتي....

الصفحة التالية