-->

رواية نابغة بعصر الأغبياء - للكاتبة أسماء المصري - الفصل 35 - 2 الخميس 27/6/2024

 قراءة رواية نابغة بعصر الأغبياء  كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى


رواية نابغة بعصر الأغبياء

للكاتبة أسماء المصري


الفصل الخامس والثلاثون

2

تم النشر يوم الخميس

27/6/2024

 

فتحت عينيها فوجدت نفسها على فراشها والعبرات تبلل وجنتيها بغزارة فاعتدلت بجسدها وبدأت بمحاوطة جنينها النائم ببطنها بعد أن شعرت بآلام شديدة فهمست برقة وهي تربت على بطنها المنتفخ:

-اهدأ صغيري، أنا هنا ولا تخف.


تحركت بجسدها المتعب صوب المرحاض وبدأت بخلع ملابسها لتغتسل وخرجت فسمعت طرقات على الباب فذهبت لفتحه؛ لتجد جارتها التي تقطن بجوارها والوحيدة التي لا زالت تعاملها جيداً إلى حد ما.


سألتها بعربيتها المتكسرة:

-ازيك اميرة؟ في حاجه؟


أومأت لها وقالت بتوتر:

-انا عارفة اني بتقل عليكي، بس الواد ابني....


لم تتركها تكمل فتوجهت معها على الفور هاتفة:

-تعالى أميرة أشوف ابنك.


دلفت فوجدت الصغير ينتفض وجسده كجمر النار فلمعت عينها وسألتها بقلق:

-هو كده من امتى؟


ردت عليها بدون تردد:

-مفيش من شويه، كان بيلعب وكويس وفجأه حصله كده.


ترجتها رافعه كفيها معا بتوسل:

-الهي يكرمك يا ست بلبل تلحقيه، ده انا مليش غيره.


ربتت عليها وهي تطمأنها:

-متخافش اميرة.


جلست بجوار الصغير وبدأت تردد الطلاسم والتعاويذ التي تعرفها وتحفظها عن ظهر قلب ولكن لا استجابه من الصغير حتى بدأت تشعر أن مرضه أكثر من قدراتها، وعندما حاولت النهوض من جواره أمسك يدها بقوة مفرطة جعلتها تشعر بالألم فانحنت رغما عنها مقتربة من الطفل الذي تحدث بالهيروغليفية قائلا:

-إياك وإدارة ظهرك عني بنترشيت.


لمعت عينيها والتفتت تنظر وراءها لوالدة الطفل التي بدت وكانها بعالم آخر لا تسمع ولا تشعر بما يدور أمامها، فحاولت بنترشيت سحب يدها من كفه ولكنها لم تستطع فقالت هامسة:

-اترك يدي مولاي، إنك تؤلمني.


سحبها أكثر فعادت للجلوس بجواره ونظرت لعينيه فرأت الغضب بداخلها فابتلعت ريقها بتباطئ وخوف واستمعت له يقول:

-هل تظني أنني قد أتركك تفعلي ما فعلته معه بعد كل ما خسره لأجلكِ؟


لم يمهلها فرصة للرد حيث أضاف:

-أبي قد تنازل عن حكمه وملكه وسنوات عمره لأجلكِ أنتِ أيتها الجاحدة الناكرة للجميل، وفعل كل ما فعله لأجلكِ أنتِ، واﻵن تريدين اﻻبتعاد وتركه ليلق مصيره بالعزلة التي وضع نفسه بها لأجلكِ أيتها العاهرة.


ارتفع تنفسها وعانت حتى تدخل الهواء لرئتيها وردت بحزن:

-هل تعلم ما طلبه مني؟ هل كنت لتوافق على تقديم أحد ابنائك كقربان من أجله؟


أومأ مؤكدا ومعقبا:

-إن طلب مني لن أتأخر فهو والدي وهو السبب بكل ما أنا عليه اﻵن، لذا كفِ عن تصرفات الأطفال ونفذي مطلبه وإﻻ صدقيني لن أتركك تعيشي حياتك بسلام بنترشيت الوضيعة.


بكت بعد أن شعرت بتهتك وآﻻم برسغها وهي لا تكف عن محاولة المناص من يده الحديدية ولكنها فشلت فردت بحدة:

-حتى وإن وافقت على هذا الطلب المنافى للعقل فلن استطيع فعلها، الصغير سيتي ليس بحوزتي ولن استطيع فعل شيئ لاسترداده.


ترك يدها ونظر لها بغضب وغل قائلا:

-لا أظنها صعبة على المعبود حورس، فقط اعطه أنتِ موافقتك وكهنته سيتكفلون بالباقي.


بكت ورفضت برأسها راجية:

-لا أستطيع، أرجوك لا ترغمني على فعلها، فإن حدث فلن أسامحه أبد الدهر أسمعتني أيها الفرعون رعمسيس الثاني من اسمك.


نهجت بأنفاسها وتوسلته:

-أارجوك ساعدني، أنا أريد عودته بأي ثمن ولكن ليس هذا الثمن الباهظ.


رد بضيق ونفور:

-لا يوجد حل آخر .


ردت مؤكدة:

-بلى يوجد.


استمع لها بإنصات وهي تخبره عن ذلك الشيخ الذي استطاع أن يعيد الفرعون سيتي لعالمه و على موافقته لمساعدتها شرط دفع ثمن من الذهب فقالت بنهاية حديثها:

-الذهب يعوض أما اﻻبن فلا.


تنهد عميقا وسألها:

-هل يستطيع فعلها أم يكذب حتى يسرق مالك؟


نفت مؤكدة: 

-يستطيع، ولن يسرقني فأنا لا أملك شيئا أعطيه له.


رمقها بنظرة متعجبة فقالت لتزيل دهشته:

-وعدته بإخباره عن المخبئ السري للفرعون سيتي والذي يخبئ به كنزه.


سألها بفضول:

-وهل يوجد شيئا كهذا بالفعل أم فقط تماطليه؟


قالت مؤكدة:

-بلى يوجد، أنا لن أخاطر بالكذب عليه أو مماطلته فهو إن كان قادرا على نفيه وإعادته فبالتأكيد يستطيع فعل أي شيئ إن تلاعبنا معه؛ لذا فور أن يعود مليكي سأخبره على الموقع للغرفة السرية التي يحتفظ فيها والدك بثرواته المخبئة.


وافقها وصمت ناظرا لها يفكر قليلا وقال بالنهاية بصوت هادئ:

-اقتربي قيثارة الحب.


اقتربت منه وجلست بجواره فنظر لها بتمعن وقال:

-لم أكن أظن بحياتي أن يستطيع الإنسان أن يقع بالحب لدرجة أن يتنازل عن كل شيئ في سبيله ولكنني رأيت ذلك النموذج بأبي الذي عشقك كما لم يعشق أحدا من قبل وأصبح مستعدا لدفع أي ثمن مهما كان باهظا فقط من أجلكِ.


ابتلع ريقه واستطرد:

-هل تعلمين الثمن الذي طلبه منه المعبود حورس مقابل عودته؟


نفت برأسها فأجاب عنها:

-أن لا يعود لعالمه أبدا، حتى وإن كانت زيارة كما كان يفعل، أن يودعنا إلى الأبد مقابل أن يقضي معك تلك السنوات هنا بالحاضر.


زفر بأنفاسه وأضاف:

-الفرعون سيتي مر إن بتاح، القائد العظيم والملك المغوار الذي استطاع أن يخضع الحيثيين تحت حكمه قد وقع بحبك وتخلى عن عرشه ووافق على الموت بسن الأربعين فقط ليكون معكِ، واﻵن يُساوم على اﻻبتعاد عنا نهائيا وعلى تقديم ابنه كقربان، ولقد وافق من أجلكِ أنتِ بنترشيت.


نظر لها بفضول وسألها: 

-هل هذا النوذج من الحب يمكن أن يقف أي شيء شئ عائقا أمامه؟ انا لا أظن ذلك، لذا أريد منك أن تذهبي فورا واﻵن وليس غدا لهذا الكاهن ونفذي تعويذته لأن أبي لم يتبق له الكثير وبدأ جسده بالفعل بالفناء ولا أعلم إلى متي سيصمد بنترشيت.


❈-❈-❈


لم يظن بأحلامه ولا كوابيسه حتى أن يعاصر هذا الأمر مجددا، فوالده وعزيز قلبه طريح الفراش بعد أن خصصوا له الكهنة غرفة خاصة بالمعبد لضعفه الشديد وبدأ اندثار جسده وتلاشيه تماما، ولكنه فعل المستحيل لإعادته دون جدوى فقد أصبح جسده هزيلا وفقد كامل طاقته حتى أنه اصبح كالمومياء الخاصة به لا يوجد بها حياة.


جلس بجواره زافرا أنفاسه بقوة وحزن وقال برجاء:

-تماسك أبي رجاءً، بقى القليل بعد وستفعل بنترشيت ما أخبرتني به.


رمقه بنظرة حزينة ومتعبة وقال بإجهاد:

-لن تستطيع، فلم يعد جسدي قادرا على اﻻنتقال حتى أنني لم أستطع أن انتقل للعالم الموازي الذي يخصني.


ارتفع جسده فجأة لأعلى وارتد للخلف فذعر رمسيس وحاول أن يتمسك به ولكنه لم يستطع بعد أن ارتفع جسده للهواء عاليا بنفس لحظة دخول ذلك الكاهن الغامض والذي يرتدي عباءة كبيرة تغطي معظم جسده وممسك بيده عصا كبيره ذهبية وعالية يوجد بنهايتها بلورة قرمزية مضيئة وصاح بصوتٍ عالٍ:

-أيها الملك الحامي والجالس على عرشك، انتفض بجسدك وتحمل ولا تسقط ببئر الهاوية حتى تقدم قربانك للمعبود حورس.


رفع رمسيس صوته مناديا إياه بحيرة:

-من أنت وماذا تفعل به؟ أنزله اﻵن.


أزال عنه عبائته وقال بصوت غليظ:

-أنا الكاهن آنوت، أكبر كهنة المعبود حورس وحامل صولجانه التي تحمل عينه التي فقدها بحربه ضد المعبود ست الشرير، طيفون الذي أراد قتله ولكنه لم يستطع الصمود أمام قوته فقتله حورس ولم يخسر بتلك المعركة إﻻ عينه التي تعطي الحياة.


نظر لصولجانه ووجد أن كلامه حقيقي فتلك البلورة القرمزية ما هى إﻻ عين حورس الحقيقية بكل ما لها من قوى سحرية، فسأله رمسيس وما زال والده معلقا بالهواء ومقوس جسده:

-أي قربان تتحدث عنه؟ لقد رفضت الكاهنة تقديم القربان و....


قاطعه قائلاً بتأكيد:

-بلى وافقت وبتلك اللحظة تحديدا تقيم شعائر وتعاويذ إعادته لعالمها الحاضر وبمساعدة أحد خدام المعبود حورس.

❈-❈-❈


بنفس الوقت كانت بنترشيت قد ذهبت للشيخ فؤاد وتوستله برجاء:

-أرجوك تعجل، فمولاي بدأ يفقد قواه و...


قاطعها موضحا:

-لن استطيع فعلها بدون دفع ثمن التعويذة وأمام مومياءه وبحضور جسد لإنسان يستطيع أن ينتقل إليه.


رمقته بنظرة مترجية فقال لها:

-لا تقلقي، أستطيع حلها ولكنني بحثت كثيراً والثمن الوحيد هو تقديم قربان؛ فلديك اﻵن حل واحد أيتها الكاهنة.


نظرت له باهتمام وقال:

-أن تجدي شخصان يوافقان طواعية أن تنتهي حياتهما، الأول ليقدم قربان والثاني ليقوم فرعونك بالاستيلاء على جسده.


بكت باستسلام وقالت بحزن:

-كيف لي أن أفعلها؟ لن أستطيع أن أجد من يوافق على هذا ولو قدمت له كنوز العالم أجمع.


رمقها بنظرة متفحصة وألقي تعويذة تعرفها جيداً فنظرت له بحيرة وهو يتابع إلقائها حتى رأت دخان أسود كثيف وبدأ هو يتحدث للفراغ أمامه وهي متأكدة تمام التأكد أن من بخيالها يقف أمامه اﻵن، فابتلعت ريقها بخوف وهمست بتوتر:

-هل قمت باستدعاء المعبود حورس ؟


اومأ لها فتوترت وانحنت على اﻻرض بتوقير وخضوع وهتفت:

-مولاي.


اظهر المعبود حورس نفسه أمامها وتحدث بصوت مزودج وجاد:

- قفي أيتها الكاهنة بنترشيت ابنة الجندي وبائعة الخضار.


وقفت ورفعت رأسها لطوله الفارع ورمقته بنظرات مترجية فقال لها:

-ليس أمامك حل سوى أن تقدمي قربان يحمل دمائك وإﻻ لن تريه مجددا.


بكت وحاولت الهروب أو التفكير بأي حل ولكنها اتخذت قرارها هاتفة:

-لقد اخترته سابقا على حساب نفسي عندما انتحرت حتى لا يطاله أذى، وإن كان اﻻختيار بيني وبين قطعة من روحي فسأختار أن اسخى بنفسي ولن أقدم صغيري قربان أبدا.


انحنى ليصل لطولها وسألها بترقب:

-هل تعي ما تقدميه اﻵن بنترشيت؟


أومأت وأكدت:

-مولاي وحبيبي الفرعون سيتي لم يدخر جهده ليظل معي وإن كان ثمن إنقاذه هو حياتي فلن أتردد لحظة واحدة ولكن ارأف بأم لن تستطيع التفريط بفلذة كبدها.


أنزل كفه لبطنها المنتفخ فشعرت بحركة الجنين بداخل أحشائها فرمقته بنظرة مرتعدة وهو يقول:

-هل أنتِ على استعداد للتضحية بنفسك وبجنينك الذي يقبع بداخلك من أجل إنقاذ الفرعون سيتي؟


وضعت راحتها على بطنها باكية بانهيار مؤكدة:

-فعلتها قبلا ولو عاد بي الزمن لفعلتها مجددا، واﻵن نفس المصير ونفس الإختيار أختاره هو عن نفسي المعذبة بعشقه، أتوسل لك مولاي.


ابتسم لها حورس وارتفع بجسده هاتفا بتأكيد:

-لكِ ما تريدين أيتها الكاهنة بنترشيت.


يتبع..


إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة أسماء المصري من رواية نابغة بعصر الأغبياء ، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية


رواياتنا الحصرية كاملة