-->

قصة قصيرة جديدة باب الغفران لسماح نجيب - الإثنين 22/7/2024

  

قراءة قصة باب الغفران كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى



قصة باب الغفران 

رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة سماح نجيب 

تم النشر يوم الإثنين

22/7/2024


في بعض الأحيان، يتسلل إلينا الإغراء الذي يتجلى في الحياة بمظهرها المغري، مما يدفعنا إلى اتباعها والانجذاب إليها، ولكن في النهاية ندرك أننا قد نشعر بالندم على تلك الخطوات التي اتخذناها. ومع ذلك، كيف يمكننا أن نتمكن من الوصول إلى باب الغفران؟


إستلقت على فراشها تبكي بصمت ، تتساقط دموعها على وسادتها وأغطية الفراش، إذ قد قرر زوجها مغادرة المنزل وتركها هي وطفلها، ورغم ذلك أكتفت بالبكاء إذ لم يعد هناك أي انتقاد أو لوم توجه له بشأن هذا القرار نظرًا لعدم جدوى الحديث معه ، حيث أتخذ قراره وانتهى الأمر، كأنها أصبحت بلا أهمية بالنسبة له.


أعد تجهيز حقيبته بعناية فائقة، ثم أغلقها بحذر شديد، ثم نظر إليها واكتشف أنها لا تزال تبكي، فشعر بندم يعصف بقلبه كالأمواج الجارفة، ولكن رغبته الشديدة في الزواج من تلك المرأة الأخرى كانت أقوى من شعوره بالذنب أو الندم. اقترب من السرير بخطوات ثقيلة وأخرج مظروفًا مليئًا بالنقود من جيبه، وعندما حاول أن يتحدث، خرج صوته هامسًا كالنسيم الخجول الذي يلامس الأزهار، يشعر بالذنب ولكنه يتظاهر بالقوة كأسد عنيد :

– دى فلوس علشانك أنتِ وإبنى تكفيكم حوالى شهرين على ما أرجع من السفر ، ولو محتاجة أى حاجة قبل ما أمشى قوليلى و عرفينى 


رفعت رأسها عن وسادتها بألمٍ وحسرةٍ، ونظرت إليه بعيونٍ مليئةٍ بالألمِ والأسى، كأنَّ كلماته تناثرت على قلبها كشظايا نارية، لا تستطيعُ أن تصدقَ أنَّه هو زوجها و حبيبها الذي رفضت الكثير من الرجال الذين كانوا يفوقونه في الثراء المادي بسبب عشقها له ، فقد اختارته من بين جموع الراغبين في زواجها ، فكيف يمكنُ له أن يبيعَ حبهما ويبيعها هي وابنها من أجلِ لحظةٍ زائلةٍ.


أمسكت النقود بيديها وقالت بكبرياء :

– فلوسك خليها علشانك وعلشانها أنا مش محتاجة منك حاجة ، هحتاج إيه بعد ما بعتنى أنا وإبنك 


أطلق همساته بضيق كأن حديثها لم يجد له مكانًا في قلبه، فهو ليس مجرمًا بسبب قراره بالزواج، فقد أذن له الشرع والقانون بذلك، ولكنها تحاول هى بقولها أن تجعله يشعر بالخيانة ، فقال زاجرًا إياها بكلماته :

– أنتِ ليه مصرة إن أنا بعتك أنتِ وإبننا ، أنا خيرتك وقتها وأنتِ محبتيش ننفصل علشان الولد ، وأنتِ برضه هتفضلى مراتى وأم إبنى زى ما أنتِ وغلاوتك فى قلبى زى ماهى ، وأنا مش هعمل حاجة غلط دا حلال وشرع ربنا ،  


صرختُ في وجهه بعنف، وقد تجاوزتُ حدَّ الصبر بعدما تعذَّر عليها أن تستمع إلى أعذاره الواهية :

– دى حجتك علشان تبرر رغبتك إنك راجل شوفت واحدة غير مراتك وجريت وراها زى الكلب اللى لقى حتة لحمة جديدة بدل القديمة اللى أخدها لحم وعايز يرميها عضم 


جرت الدماء في عروقه كأنها أنهار بركانية ملتهبة، ولم يشعر سوى بيده وهي تصفع وجنتها. وكانت تلك هى المرة الأولى التي يجرؤ فيها على صفعها منذ أن تزوجا من عشرة أعوام تقريبًا ، فصرخ فى وجهها :

– إخرسى ، مين ده اللى كلب ، لو ما أحترمتيش نفسك هقطعلك لسانك ، إنتِ فاهمة


وضعت يديها برقة على وجنتيها بعد أن فاجئها بتلك الصفعة، وعجزت عن تصديق أن هذا هو رفيق حياتها الذي لم يخطر له يومًا أن يمد يده إليها بعنف أو سوء ، بل كان دومًا رجلاً لطيفًا ومحبًا، ولكن الآن يبدو كأنه شخص غريب لم تعهده في حياتها ولا تعرف من يكون 


بعد مرور عام ...

أشرقت شمس يوم جديد بأشعتها الذهبية، تحمل معها الدفء والتفاؤل بيوم مليء بالخير والسعادة وكل يوم يكون فريدًا في حياة الإنسان، فهناك أيام تمنت لو أن تدوم إلى الأبد، وأيام تتمنى ألا تعيشها. لكن هذه هي الحياة، لا تستقر على وتيرة واحدة ، ذهبت هى وصغيرها إلى ذلك المتجر الصغير الخاص ببيع الدمى والألعاب والذى قامت بإستئجاره لبيع الهدايا والدمى من أجل نفقاتها ونفقات طفلها 


شاهدت شقيقتها واقفة كالتمثال الحجرى أمام باب المتجر ، فاستدلت على أنها جاءت بلا شك لتُثقل عليها بالحديث تماماً كما تفعل منذ ما يقرب من عام أى منذ هجرها زوجها ،فقبل أن تبدأ حديثها أشارت إليها بالابتعاد لرفع المزلاج المعدنى للمتجر ، وما أن صارتا بالداخل هتفت شقيقتها بها بضيق :

– هو أنتِ لحد أمتى هتفضلى بالنظام ده عايشة لوحدك أنتِ وإبنك ومش راضية ترجعى بيت أهلك ولا حتى عارفة جوزك غار فى أى داهية بقاله ييجى سنة 


تجاهلت صياحها وحديثها ، فما كان منها إلا أن قالت بهدوء يشوبه البرود:

– أنتِ فطرتى ولا تحبى تفطرى معانا 


استشاطت شقيقتها غضبًا من قولها البارد ، فأمسكتها بقوة من ذراعها وهزتها بشدة، كأنها عاصفة عاتية تجتاح الأرض بغضبها الهائج :

– هتفضلى لحد أمتى ببرودك ده يا غفران ؟ ولا مش حابة تبينى إنك غلطانة من الأول لما وافقتى تتجوزيه وهو أساساً كان ميستاهلكيش 


تركت شقيقتها ذراعها وقالت والجفاء والإستهزاء ملئ صوتها :

– مش بعيد لما تلاقيه راجع تجرى عليه وتنسى أنه سابك أنتِ وإبنك سنة بحالها من غير ما يسأل فيكم ، أبقى اغفري له غلطة فى حقكم يا غفران 


انطلقت أختها بخطواتها خارجة من المتجر، فأصبحت قدميها غير قادرة على حملها ، فالجميع باتوا يلومونها، متهمين إياها بأنها هى من اختارته منذ البداية، وأنها ارتكبت خطأً فادحًا بالزواج منه. ولكن لا أحد يشعر بألمها وحزنها، كأنها تحمله الإثم والذنب وحدها، بينما هو من تخلى عنها دون أدنى محاولة منه للتعبير عن ندمه 


ففى المساء وعندما عادا للمنزل ، ذهبت للمطبخ لإعداد طعام العشاء من أجلهما وبعد إنتهاءها خرجت للصالة وبدأت فى وضع الطعام على الطاولة من أجلها وأجل صغيرها ذو الست سنوات ، فنادته بحنان ولطف :

– تعال يا حبيبى يلا علشان تاكل

خرج الصغير من غرفته وأقترب منها متسائلاً للمرة التى لم تعلم عددها :

– ماما ، هو بابا هييجى أمتى بقى ؟ بقاله كتير أوى مسافر 


سقط الكأس الممتلئ بالماء من يدها بقوة، وتحطم على الأرضية بصوت مدوٍ ، و لم تدرك كيف أنزلقت دموعها من عينيها حتى وصلت إلى خديها، كأنها نهر من الحزن إجتاح وجهها ، فولت هاربة إلى غرفتها، واندفعت بسرعة إلى فراشها الذي رفضت أن تلمسه منذ تلك الليلة التى غادرها فيها ، فغمرت وسادتها بدموعها الحارة ، إذ أنه طوال تلك الشهور الماضية لم يحاول أن يسأل عنها أو عن صغيره ، إذ يبدو أن زوجته الثانية قد سلبت من قلبه عطفه وحبه لولده 


فلما شعرت بلمسة الحنان الناعمة من ابنها على وجنتها، استدارت برأسها إليه وابتسمت من بين دموعها المتدفقة وهي تستمع له وهو ينطق بكلماته العذبة الغاضبة من أبيه :

– ماما متعيطيش ، أنا لما بابا يرجع هقوله إن أنا زعلان منه علشان سافر كتير وخلاكى تعيطى 


اخذت الصغير بين ذراعيها وقبلت رأسه وهى تقول من خلف غمام دمعاتها :

– أنت حبيب قلبى 


 سمعت صوت جرس الباب وعندما ذهبت لترى من الطارق ، أنتابتها حالة من الذهول ، ولكنها إستطاعت تجاوز مشاعر الدهشة والصدمة. فقد كانت تعتقد أنه قد نسى أمرهما نهائياً هذا الرجل الذي جعل حياتها بالأونة الأخيرة مليئة بالألم والتعاسة. ولكنه يقف أمامها الآن بمظهر يشير إلى أنه قد تعرض للكثير من الصعاب والمحن ، كانت عيناه تعكس الحزن والتعب، ووجهه الملتهب يشع بالحمى والمرض. لم تستطع أن تصدق ما تراه أمامها، فقد تخيلت أنه قد يختفى من حياتها إلى الأبد. ولكنه هنا يقف مترنحًا بكل هذه الآثار الواضحة للمعاناة والتعب.


– أنتِ ، إيه اللى رجعك هنا تانى ؟ أنا أفتكرت إنك خلاص نسيتنا


لم تكن تعلم كيف تتصرف، فقد ترددت في إغلاق الباب في وجهه أو أن تسمح له بالدخول. ولكنها قررت أن تكون أقوى من ذلك، وأن تظهر له أنها لم تكن بحاجة إليه ولن تكون أبداً ، ورغم ذلك ستكون إمرأة مضيافة ، ففتحت الباب ببطء، ووجهها يعبس بالاستغراب والتساؤلات. عن كيف يمكن لهذا الرجل أن يعود بعد كل ما فعله ؟ هل جاء يبحث عن الراحة لديها بعد أن أضحى مريضاً ومتعباً؟ ولكنها لم تجد في نفسها القوة لتسأله ثانية عن سبب عودته، فقد تركته يدخل وتركت الأسئلة تدور في ذهنها. إذ أنها قد قررت أن تترك الماضي وراءها، وأن تبدأ حياة جديدة مع ابنها فقط ، لذلك لن يعنيها أمر عودته 


– أنا أسف لو كنتِ جيت وأزعجتك 


جلس على أوّل مقعد أعترض طريقه، فقد فشلت قدماه في حمله من ثقل الإرهاق والمرض ، فلمح ابنه وهو يخرج من حجرته وركض نحوه بسرعة ليوبّخه على غيابه الطويل. استمر في عناقه وتقبيله، وعيناه لم تتوقف عن إراقة الدموع، فقد شعر بالحرج والخجل، فكل من يراه سيرى به رجل بائس مريض ضل طريق الصواب فكان مصيره تلك الحالة المزرية التى يبدو عليها ، فعاد يقبل صغيره وهو يقول بندم :


– وحشتنى أوى يا حبيبى ، أنا أسف إن غبت عنك المدة دى كلها ، سامحنى 


وقفت هناك متأملة وجهه المُرهق وهو يحتضن ابنهما، وبالرغم من محاولتها إظهار قوتها وعدم تأثرها بحالته، لم تتمكن من إخفاء شفقتها العميقة عليه ، فاقتربت منه بلطف، وحاولت أن تعبّر عن قوتها من خلال كلماتها، ولكن قلبها خانها حينما رأت الدموع تتلألأ في عينيه، تُشير إلى أنه لم ينعم بالنوم والراحة لفترة طويلة.


أزدرد لعابها وقالت بهدوء خلاف ذلك الضجيج الذى يعتمل بقلبها وعقلها :

– باين عليك مرهق وتعبان أوى ، والأفضل أنك تاخد شاور وتأكل وتنام شوية 


– أنا أسف على كل اللى عملته ، عارف إن كلمة الأسف مش كفاية بس بجد أنا ندمان 


بصوته الحزين عبّر عن ندمه العميق، واستمر في التفكير كيف تمكن من التخلي عنها وتركها خلفه من أجل إمرأة آخرى ، فلا يوجد قلب أكثر رحمة وعطفًا من قلبها، حتى على الرغم مما فعله معها، إلا أنها ظلت أفضل وأكرم منه، ولم تفكر في طرده من المنزل ، بل على النقيض، كانت تظهر حنانها وهي تجلب له الثياب من الخزانة التي ظلت مغلقة على ثيابه طوال هذه الفترة ، وعلى الرغم من أنه كان يتخيل أنها ستطرده وأنها قد تتخلص من أي ذكرى له في حياتها، إلا أنه تبين أنه كان مخطئًا تمامًا.


– ملوش لازمة كلامك وندمك وأنا مبعملش معاك كده علشان أسمع أسفك وندمك ، أنا بعمل كده من باب الشفقة والرحمة مش أكتر ، اتفضل هدومك أهى وخد شاور والأكل برا على السفرة 


خرجت من تلك الغرفة التى كانت خاصة بهما وتوجهت إلى غرفة طفلها ، فوضعت الصغير على الفراش الذي يشتركان فيه، ثم استلقت بجانبه وظل عقلها وقلبها يتبادلان تلك الذكريات الجميلة التي عاشتها مع زوجها، حيث كانوا يتشاركون في فراش واحد ولا تزال تتذكر صوته الدافئ ومشاعره العميقة ، فقد كان يمنحها حنانه ويعبر عن حبه لها بكل صدق ، حتى عاثت رياح الحزن والخذلان بحياتها ، فحاولت إغلاق باب التفكير فى تلك الذكريات بأن وبخت نفسها ومن ثم وضعت الوسادة على رأسها 


استفاقت من سباتها في وقت متأخر من الليل وخرجت من غرفتها لتجد باب غرفة النوم مفتوحًا، واستمعت إلى نغمة أنين تنبعث من الداخل ، فاقتربت ببطء من باب الغرفة لتجد زوجها مستلقيًا فى الفراش ، يعاني كأنه يتصارع مع الموت. ولجت الغرفة بحذر، واقتربت منه وبتردد لمست جبينه، لتجد حرارته مرتفعة كأنه مصاب بالحمى


فقالت بقلق :

– يا خبر حرارتك مرتفعة أوى 


خرج صوته ضعيفًا وهو يقول بأنين :

– أنا أسف يا غفران سامحينى 


لم يكن هذا الوقت المناسب للإعتذار، سارعت نحو المطبخ لتحضر ماءً بارداً لعمل الكمادات وتذكرت في ذلك الحين أنها تملك دواءً لخفض الحرارة، فأسرعت بجلبه وسلمته له بيدها المرتجفة ومن ثم جلست بجانبه ووضعت الكمادات الباردة على جبينه، حتى سمعته ينطق كلماته بأنين كأنه على وشك أن يدلى بإعتراف أخير :

– أنا غلطت فى حقك وربنا أخدلك حقك يا غفران ، جه عليا الوقت ونسيت كل حاجة حلوة عملتيها علشانى وجريت ورا نزوة كانت هتقضى عليا ، أنا متجوزتش عليكى دى طلعت بتضحك عليا وخلتنى أسافر معاها وسرقتنى وهربت مع عشيقها بعد ما ضربونى وكنت هموت ورمونى فى مكان مهجور مفقتش إلا وأنا فى المستشفى ومكنتش عارف أنا مين ولا أنا فين ، جالى فقدان ذاكرة مؤقت لحد ما فيوم أفتكرت أنا مين وأفتكرتك إنتِ وإبننا ، رجعت وأنا عارف إن مليش حق أطمع فى إنك تسامحينى 


اختارت أن تنصت لأقواله حتى النهاية، ولكنها لم تشعر بشيء سوى الألم الذي يتجول في أعماق قلبها، فقد فكر في تركها من أجل إمرأة أخرى. ربما كان أحرى بها أن تشعر بالسخرية والبهجة لما أصابه ، ولكنها لم تشعر بأي شيء، بل كانت تشعر بسكونٍ مرعب يسكن داخلها، كأنها فقدت كل ما لديها من مشاعر وأحاسيس، فقالت والهدوء والبرود يغلف كلماتها :


– من الأفضل تحاول ترتاح وتبطل كلام لأن ده مش وقته 


تخيّل أنها ما أن تستمع لقصته سيرق قلبها له ، وأنها ستغفر له ما كان من أمره ، ولكن بدا عليها أنها لم تتأثر بحديثه رغم تصرفاتها اللطيفة والحنونة ، فعلم أنه لن ينال منها الغفران بسهولة ولكن عليه أن يحاول المرة تلو الأخرى حتى يظفر به 


– أنا عارف إنك مش هتسامحينى بسهولة ، بس أنا مش هزهق من إن أطلب منك تسامحينى 


فبعد مرور أسبوع إستعاد القليل من نشاطه وحيويته ، ولكنه مازال راقدًا فى الفراش والصغير لا يتركه فى صحوه أو منامه بل بدأ فى التخلى عن النوم بجانبها حتى يجاور أبيه فى فراشه ، فلم يصيبها الضيق أو السأم بل ربما شعرت بإرتياح من عدم إلحاح صغيرها فى السؤال عنه ، فبعد أن وضعت لهما طعام العشاء خرجت من الغرفة وسارت إلى تلك الغرفة الأخرى فوقفت أمام النافذة العريضة وتطلعت إلى الشارع ، لم تكن تستوعب كل ما حدث فى الأيام الماضية ، أى نوع من البشر هى لتعود وتستقبله فى المنزل مرة أخرى بعد ما اقترفه فى حقها ، فبدا الأمر كأنه مسرحية درامية من العصر القديم ، فى أن يعود الزوج رافعاً راية الندم وعلى الزوجة تقبل الأمر بل وعليها أن تمنحه فرصة أخرى ليبدى أسفه وندمه 


إستفاقت من أفكارها وشرودها على سماع صوت جرس الباب ولكن خرج الصغير من الغرفة الأخرى وركض ليفتحه ، فسمعت صوت تألفه ولم يكن إلا صوت ذلك الرجل المالك لذلك المتجر الذى عملت على إستئجاره منه ، فسمعته يقول للصغير :

– ماما فين يا حبيبى 


ترك الصغير مكانه وهرع إلى أبيه مناديًا :

– بابا فى راجل عايز ماما 


طار صوابه بعد سماع ما تفوه به صغيره ، فنهض عن الفراش وذهب ليرى من هذا الذى يريد رؤيتها وخاصة فى هذا الوقت ، فخرج إليه سائلاً إياه بشئ من الحدة غافلاً عن رؤية تلك المرأة التى تقف على مقربة منه :


– أنت مين وعايز مراتى ليه ؟


علم الرجل من يكون ، فإبتسم له ومد يده يصافحه قائلاً ببشاشة :

– أهلاً يا أستاذ طارق حمد الله على السلامة ، أحنا مدام غفران كانت حكتلنا عنك وقالت لنا إنك مسافر ، أنا أبقى صاحب المحل اللى هى مأجراه وكنت جايبلها العقد بتاع إيجار السنة الجديدة ، لأن بقالها كام يوم قافلة المحل ومش بتيجى ، ودى المدام بتاعتى 


أدرك فداحة سوء ظنه ، فشعر بالحرج وتنحى عن الباب يدعوهما للدخول قائلاً بإرتياح :

– أهلاً وسهلاً اتفضلوا على ما أنادى المدام من جوا 


لم يكن فى حاجة إلى مناداتها ، إذ وجدها تخرج إليهم باسمة ورحبت بضيفيها ، فبعد أن جلسوا بغرفة المعيشة ، قالت بأسف :

– أنا أسفة إن الفترة اللى فاتت دى مكنتش بفتح المحل وحتى تليفونى فيه مشكلة معرفتش أكلمكم 


قالت زوجة الرجل بود ظاهر :

– ولا يهمك ، أنا والله لما جوزى قالى على إنك بقالك كام يوم مش بتفتحى المحل قلقت عليكى وجينا نطمن عليكى ، الحمد لله إنك بخير وحمد الله على سلامة جوزك 


– الله يسلمكم ، وتسلموا على سؤالكم 

قالتها غفران بود مماثل ، فرغمًا عنها نظرت إلى زوجها والذى جلس صامتًا بالبداية وسرعان ما بدأ يتجاذب أطراف الحديث مع المستأجر ، فبعد انتهاء جلستهم رحل الرجل وزوجته ، وذهب الصغير إلى فراشه ، وعندما كانت بصدد الذهاب إلى تلك الغرفة التى تتخذها حصنًا وملجأ لأفكارها بعيدًا عنه 


إلتقط رسغها قبل أن تعبر من باب الغرفة ، ولكنها سرعان ما نفضت يده عنها وقالت ببرود :

– خير ، عايز منى إيه ؟


شدت على قبضتى يديها وإستدارت غير قادرة على مواجهة نظراته ، فما لبث أن جعلها تستدير إليه بشئ من الحزم والرفق :

– هتفضلى تهربى كل ما أجى أكلمك 


إلتوى ثغرها بسخرية فلم تحجم يدها عن وكزه فى صدره بشئ من الحدة والضيق ، فلم يعد لديها طاقة على الإستمرار فى كتمان ما تشعر به :

– ده مش إسمه هروب ، ممكن تسميه أى حاجة غير إن بهرب منك ، ممكن تسميه عدم شعور بالأمان أو احساس بالخذلان ، أو إن كنت سخيفة لما وافقت أتجوزك مع إن أهلى كانوا رافضين ، حاجات كتير أوى يا طارق بيه ، ياللى أول ما القرش جرى فى ايدك ولقيت نفسك ناجح ، كان مكافأتى إنك كنت رايح تتجوز عليا ، إنت مفكر إن أنا نسيت القلم اللى ضربتهولى قبل ما تمشى ، أو إنا أنا هنسى شماتة أهلى فيا لما عرفوا إنك سبتنى ، أو إن أنا إضطريت لتأجير محل أبيع فيه لعب علشان مشتغلش عند حد وأبقى تحت رحمته خاصة إن فى ناس بقت شيفانى فريسة سهلة بعد حضرتك ما سافرت ، وإن كنت اليومين اللى فاتوا طلعت أصيلة معاك ، فده مش معناه إن أنا مسمحاك أو هسامحك ، أنا ساعدتك زى ما أى حد يشوف مريض قدامه فياخد فيه ثواب ، غير كده أنسى يا طارق إن أرجع غفران اللى حبتك زمان ، فاااهم 


ركضت إلى الغرفة صافعة الباب بقوة ، وراحت دموعها تنهمر بغزارة ، فتمنت لو كان بإمكانها أن تقوم بطرده من قلبها الخائن ، الذى مازال يخفق لأجله ، إلا أن كبرياءها سيظل لها بالمرصاد


سمعت صوته وهو يقول من خلف الباب المغلق :

– أنا هفضل مستنى إنك تسامحينى يا غفران 


– يبقى هتفضل عمرك كله مستنى 

قالتها بدون وخز من ضميرها ، بل تلبستها الشياطين وثار كبرياءها ، فحتمًا هى لن تمنحه ما يريد وعليه أن يعى ذلك 


أسند جبينه للباب وقال بإصرار :

– يبقى هستناكى الباقى من عمرى يا غفران 


بعد تلك الليلة كانت غفران قلما شاهدت زوجها فى المنزل ، إذ أنه عاد لعمله كأنه إستعاد نشاطه بالكامل ، وكان واضحاً تصميمه على إستعادة حبها وثقتها به ، ولكن هى أرادت إختبار قوته وصبره ورغبته فى أن تغفر له خطئه بحقها ، لذلك تركته يتلظى بنيران الهجر والندم ، وكم من مرة إستمتعت بسماع صوته من خلف الباب وهو يقف أمامه طالبًا رضاها ، لذلك تركته ليلة بعد ليلة يطرق بابها ، لترى كم سيصمد من الوقت قبل أن تفتح " باب الغفران "


تمت

لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية


رواياتنا الحصرية كاملة