قصة قصيرة جديدة الغريب لنهال عبد الواحد- الثلاثاء 23/7/2024
قراءة قصة الغريب كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
قصة الغريب
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة نهال عبد الواحد
تم النشر يوم الثلاثاء
23/7/2024
قال جبران خليل جبران: «ربما تقودك صدفة لم تكن تفكر بها، إلى واقع لم تكن لتفكر به»
إنّ الصّدف أحد النّعم الّتي ينعم الله بها على عباده، ويرسل لهم من خلالها مصادر الدّعم والمدد، فتكون بمثابة أحد المنح الخفية، الّتي تسوقها لنا الأقدار لتربط على قلوبنا، وتمنحنا السّلام والسّكينة، بل الطّمأنينة أحيانًا، وكم من الصّدف غيّرت مسارنا يمينًا أو يسارًا! دون أن ندري حينئذٍ ما قد يترتب عليها مستقبلًا، لتظلّ الصّدفة أحد الأسرار التي يجب أن نحترمها، ولا زلتُ أؤمن أنّ كلّ ما توصّلت إليه لم يكن إلّا بصدفةٍ بحتةٍ...
قالها محدقًا في الكاميرا التّلفزيونية الخاصّة ببثّ هذا اللّقاء من قاعة المؤتمرات الخاصّة بقصره الفخم...
فتساءلت المذيعة بعد ذلك: وهل لك سيدي أن تقصّ علينا كيف لعبت الصّدفة دورًا فعّالًا حتى انقلب حالك من حالٍ إلى حال؟
نفث الدّخّان الخاص بغليونه الثّمين معدّلًا ربطة عنقه الأنيقة وممسّدًا على خصلات شعره المصفّفة بحرفيّةٍ شديدة كهيئة نجوم المجتمع!
شرد قليلًا مغمضًا عينَيه بضع لحظاتٍ ثمّ تحدّث قاصًّا مسترجعًا ما حدث له: كانت بداية يومٍ غير عاديةٍ بالنّسبةِ لي، فيومئذٍ فتحتُ عينيّ بصعوبةٍ على أصواتٍ متداخلةٍ، أصوات مَن ييقّظوني، كانت الرّؤية مشوّشة مع ألمٍ شديدٍ احتل رأسي خاصةً مؤخّرتها، كأنّ أحدهم ضربني!
فتحتُ عينيّ وأغمضتهما مرارًا محاولًا إدراك أين ومَن أنا!
مرّ بعض الوقت وبدأتُ أستعيدُ وعيي مدركًا أنّهم رجال الشّرطة وأنّه كان ملقيًّا بي على جانب الطّريق، لا أملكُ شيئًا! أو ما يثبت هويتي! كأنّي سُرقتُ أو كنتُ مخطوفًا، لا أدري! بل لا أتذكّر!
ملأتُ فجأة أرجاء المكان بصراخي المتتابع؛ أنا بريء! أنا لم أرتكب شيئًا! لا تؤذوني رجاءً! أنا بريء! بل أنا المجني عليه... لقد ضُربت وسُرقت فقدتُ كلّ شيء! حتى ذاكرتي... ذاكرتي! مَن أنا؟!
لحظة صمت... تبعتها لحظاتٌ أخريات...
ودون أن أتخيّل كيف تبدو هيئتي ولا انطباعاتي صرختُ مجدّدًا: مَن أنا؟! أنا لا أتذكّر نفسي أو أي شيء عن حياتي... مَن أكون؟ ما حكايتي؟ من أين أتيتُ؟ وماذا حدث لي؟!
كانت هذه كلّ إجابتي وردود أفعالي عن أسئلةِ رجال الشّرطة، ربما هناك المزيد لكنّي لا أذكره جيّدًا!
لا أدري إن كانوا صدّقوني أم لا! لكنّي صِدقًا لم أكذب على أحدٍ أو أرواغ... وزاد ارتعابي عندما اصطحبوني معهم، ووقتئذ لم أنكر خوفي من المجهول خاصةً وأنا معهم، ظننتُ أنّه قد تمّ القبض عليّ، لكن المفاجأة أنّهم اصطحبوني معهم ليساعدوني! وخلال لحظاتٍ أخرجوا لي هوية مغترب، لا أعرف ماهيتها لكن بدت لي أنّها قوانين تلك البلدة الّتي لا أعرف كيف وصلتُ إليها أو ما هي تلك البلدة أصلًا؟! وقد لقّبوني اسم (غريب) وهكذا تمّ تسجيلي في الأوراق الرّسمية الخاصّة بهذه البلد، بالإضافة إلى مسكن وبطاقة تسمح لي بالعمل المحدد للمغتربين!
كم بدوا لطفاء هم وقوانينهم! أعتقد لو لم أكن فاقدًا لذاكرتي لوددتُ أن أكون فاقدًا لها لما حصلتُ عليه! لم يؤرّقني إلّا تجهّم ملامحهم لدرجة أن تجاعيد العبوس قد نُحتت في وجوههم! لدرجة أنّي لم أتوقّع منهم أي خير؛ فقط رأيتهم أحفاد ريّة وسكينة!
مؤكّد أنّه لطبيعة عملهم الشّاق، أقلّتني إحدى سياراتهم إلى مسكني والذي وفّى بالغرض حتى لو لم يكن أفضل شيء لكنّها بداية جيدة على أيّة حال.
خرجتُ أتفقّد البلدة ومعي بطاقة للحصول على لوازم البيت الأساسية، مؤكّد أنا أحلم! أيّ رخاءٍ ومثالية هذه!
كنتُ أسير باشّ الوجه سعيدًا رغم كوني مجرد غريب اسمًا وصِفةً، لكن الغريب بحقٍّ وهو مرور شخص متجهّم الوجه جواري فأومأت له ببشاشةٍ فرمقني بصدمةٍ وانطلق مسرعًا بردّةِ فعلٍ فاجأتني! لكنّي تفاجأتُ أنّ الجميع متجهّم الملامح حتى الأطفال عابسين!
وقفتُ مشدوهًا غير مصدّقٍ فتساءلتُ: لماذا لا تبتسمون؟ لماذا الجميع متجهّم وعابس لهذا الحد؟! هل اليوم هو ذكرى نكبة ما أم هناك حالة حداد عامّة؟!
لكن بمجرد سؤالي فرّ الجميع من أمامي كأنّه سِرّ حربيّ! ثمّ حسمتُ أمري واتجهتُ إلى مركز الشّرطة، وبمجرد دخولي نهض الضّابط بحفاوة قائلًا: نحن في خدمتك سيدي!
بقدر اندهاشي لسلوك الضّابط وترحيبه الّذي راق كثيرًا... لدرجة أشعرتني أنّي وزير أو ما شابه ذلك! لكن استوقفني بالطّبع هيئته وهذا الوجه العابس الّذي طلّ أمامي من كلّ حدبٍ وصَوبٍ؟! بالأحرى ما سر اختفاء الابتسامة في هذه البلدة حتى عن وجوه الأطفال؟!
فسألته بهدوء ٍ: في البداية أشكركم على كرمكم وكلّ شيءٍ.
فأجاب: هذا واجبنا سيدي.
-لكنّي تفاجأتُ بشيءٍ عجيب في كلّ مكان.
-تفضّل سيدي.
-لماذا لا يضحك أحدٌ أو حتى يبتسم؟!
تشنّجت ملامحه أكثر وقد تأكدتُ أنّي هالك، لكنّي تفاجأتُ بإجابته المتوجّسة: لا نعرف.
فلم أتمالك نفسي وصِحتُ: كيف هذا؟!
فأجاب بمهنية وأسلوب عملي: في قديم الزّمان كان لبلدتنا حاكمًا يكره الضّحك وأي بشاشة أو رؤية غيره يفعلها فأصدر قانونًا يمنع أيٍّ منهم ومن يخالف القانون يُحكم عليه بالإعدام، وفي نفس الوقت على من يعرف شخصًا يرتكب مثل هذه الأفعال يقوم بالإبلاغ عنه فورًا مقابل مكافأة مالية كبيرة، وقتئذ شهد وطننا أكبر مجزرةٍ عرفها التّاريخ ومنذ ذلك الوقت وقد توّقف الجميع عن البشاشةِ، صار الجميع عابسًا كما ترى، لذلك لا يسكن بيننا أي مغترب إلّا قليلًا.
تأسّفتُ كثيرًا لما سمعته ثمّ أومأت له وسألته: ولماذا لم تستعيدوا ممارسة الضّحك والتّبسّم عقب وفاة ذلك الطّاغية كأي إنسان طبيعي؟
فأجابني بأسى: لقد نسينا كيف يكون الضّحك!
فقُلت وأنا أضحك مستخفًّا: هكذا!
فنهض الرّجل فجأة وأمسك بكتفيّ فارتعبتُ وتراجعتُ للخلف بخوفٍ وودتُ لو أفرّ هاربًا! لكن لا سبيل لذلك تمامًا!
فتحدّث بنفس جديته الممزوجة بحماسٍ لا أفهمه: إذن أنت مَن ستفعلها يا بطل، أنت مَن ستقوم بتدريبنا على الضّحك، وقد وقع الاختيار عليك للقيام بهذه المهمة البطولية!
ثمّ انطلق مهرولًا نحو الهاتف الحكوميّ وسط تفاجئي وأكمل بلهفةٍ تعجّبتُ لها: سأتصل بالمسؤولين لتتعيّن رسميًّا في هذه المهمة الجليلة، وكن مطمئنًا ستتلقى راتبًا وامتيازات قيّمة! المهم أن يتقدّم الوطن وبتحسّن المواطنون!
قال الأخيرة بتوسّلٍ وأشار لي سامحًا بالجلوس، فجلستُ فارغًا فمي ببلاهةٍ غير مصدّقٍ ما جرى؛ قد أصبحتُ بين عشيةٍ وضحاها رجل مهم رغم أنّي لا أتذكّر أيّ شيءٍ إلّا الضّحك!
فبالرّغم من عدم تذكّري لأي شيء في السّابق لكن بدا لي أنّي كنتُ شخصًا تافهًا، وغالبًا أنّ تفاهتي سبب نكبتي أو على الأقل لها علاقة بصورة أو بأخرى لما حدث لي، لكن الغريب أن تكون تفاهتي سبب ترقيتي لأعلى المناصب...
تمت
لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية