-->

رواية نابغة بعصر الأغبياء - للكاتبة أسماء المصري - الفصل 37 - 2 الثلاثاء 9/7/2024

   قراءة رواية نابغة بعصر الأغبياء  كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى


رواية نابغة بعصر الأغبياء

للكاتبة أسماء المصري


الفصل السابع والثلاثون

2

تم النشر يوم الثلاثاء

9/7/2024

تنهدت وأضافت:

-بالمعبد نتعلم سحر الثعابين وأسرار المخطوطات والتعاويذ لذلك أنا جيدة بها بالرغم من تركي لمهامي بالمعبد وأنا بالرابعة عشر من عمري إﻻ أنني تعلمت الكثير بالأحد عشر عاما التي قضيتها ككهانة.


استرعت انتباهه وهي تستطرد قائلة:

-وما أحملها بداخلي الآن هي ابنة الملك والفرعون سيتي مر إن بتاح مولاي وزوجي.


رمقتها هانده بنظره سعيدة وسألتها بلمعة من عينيها:

-هل هي فتاة؟


أومأت مؤكدة:

-نعم امي، لقد أخبرني المعبود حورس بذلك أمس.


تلك الدهشة التي أصابته بالخرس المؤقت جعلت وجهه يلمع حرفيا وهي تكمل حديثها بعد أن قاطعته والدتها:

-مولاي سيتي قد استطاع إيجاد تعويذة تبقيني على قيد الحياة بعد أن انتحرت خوفا من انكشاف أمره أمام أعداؤه، فوضع روحي بجسد الطفلة دورثي بعد أن ماتت بسن الثالثة.


نظرت لوالديها وابتسمت لهما وهي تشير لهما قائلة:

-هذان هما والدي دورثي ومن قاما بتربيتي ويعلمان الحقيقة كاملة ولكنهما حتى وقت قريب لم يريدا أبداً أن يصدقاها حتى تجلت أمامهما الحقيقة كاملة ولم يعد بإمكان أحد تكذيبها.


دمعت عيناهما قليلاً لحديثها وهي تضيف:

-كنت أتقابل مع مولاي سيتي فقط بالأحلام ولكنه استطاع أن يجد طريقة لنجتمع سويا، ولكنها لم تكن دائمة لذا أصبح من الصعب عليه الآن أن ينتقل عبر الزمن كما كان يفعل سابقا وأصبح لزاما علي أن اقدم تضحيات وقرابين حتى أستطيع إعادته من جديد.


أشار لها بسبابته وقال:

-هذا ما استمعت له امس وأريد أن أفهم تلك النقطة.


همست له بطريقة مسرحية ضاحكة:

-إذا دعني أقص لك الأمر بسلاسة وبعدها استمع لعرضي المغري فربما تكون أنت سعيد الحظ وتقبل تلك الحياة.


جعد جبينه بعدم فهم فغمزت له مبتسمة وقالت:

-حسنا لا تتعجب ودعني أخبرك أولا.


❈-❈-❈


ذلك الألم الذي يشعر به ولم يعتاده بعد جعله يأن بخفوت وكأن غمدة سيف قد غرزت بقلبه وقطعت أوصاله ولكنه يمني نفسه بالخلاص القريب، وبالرغم من توسلاته المضنية لولي عرشه وابنه رمسيس بأن ينهي عذابه ويرسله برحلته للعالم اﻵخر إﻻ أن الأخير رفض رفضا قاطعا وهو يعده بإيجاد حل وطريقة لإرساله مجددا ليكمل حياته التي تخلى عنها من أجل من عشقها.


اقترب منه وهو يتوسله قائلا:

-الألم تخطى حاجز التحمل يا بني، رفقا بي وانهي عذابي.


رفض رمسيس مؤكدا: 

-لك الحق بأن تعيش حياتك التي أهدرتها قبلا من أجل تلك التعويذة السخفية وذلك اﻻتفاق الذي ضحيت بنصف عمرك لأجله.


ابتلع ريقه وأكمل حديثه الغاضب:

-تركتنا وأنت بالأربعين من عمرك، وإن كان هذا نصف عمرك فلا داع أبدا أن اقول لك أنك كنت لتعش حتى عامك الثمانون، ومن أجلها فقط فعلت ما فعلته ولهذا سوف أفعل المستحيل من أجل إعادتك لتكمل ما تبقى من أعوامك معها تلك التي سحرتك وسرقت قلبك.


وقف مستقيما وحرك رأسه بحزن هاتفا:

-أنا الآن تعديت الخمسون من عمري ابي ولم أنشئ لنفسي مقبرة مثل خاصتك التي أنشأتها وأانت تعلم أن أيامك قصيرة بالحياة، وكم هي بديعة ولن أجرؤ على بناء مقبرة قد تماثلها بالفخامة والرقي.


ابتسم سيتي وقال بإجهاد:

-وكأنها نفعتني يا بني، حتى موميائي لم تُحفظ بها.


تعجب من قوله فوضح الأول:

-أكتشفها العلماء بغير مكانها ووجدوها مقطوعة الرأس فرجحوا أن اللصوص من فعلوا ذلك بالرغم من عدم اختفاء أي من متعلقاتي لا بداخل المقبرة ولا بتابوتي الذهبي.


جلس رمسيس بجواره وهز رأسه بتفهم وأخبره:

-لقد انشطر عنق مومياؤك أثناء تأدية السحرة لبعض التعاويذ وأنا أحاول مساعدتك ولم أشأ أن أخبرك بما حدث فقد كانت التعاويذ أقوى من أن يتحملها جسدك وظهر أثرها على المومياء وبعدها اضطررت أن اخبئها بعيدا عن مقبرتك حتى لا تتأثر رحتلك بالزمن وتخطئ وتذهب للعالم اﻵخر بمركب آنوبيس (المسؤل عن نقل الموتى للعالم الآخر بالمعتقدات المصرية القديمة).


مد سيتي راحته ومسح على وجه ابنه مبتسما وحاول أن يعتدل بجسده وهو يروي له:

-اكتشف أحد اﻻثريين بردية من عصر الملك توت غنخ آمون وكانت تحتوي على أسرارنا وعلى تعاويذ قوية خاصة بالأزليين إيزيس وأوزوريس وحاولوا اﻻستعانة ببنترشيت لفك طلاسمها ورموزها.


جعد رمسيس جبينه وصاح متسائلا:

-كيف هذا؟ وهل قامت بفكها؟


رد نافيا:

-لا يا بني، لا تقلق.


تنهد رمسيس وسأله بحيرة:

-هل رأيت تلك التعاويذ أبي ؟


أومأ له وابتسم بعد أن فهم ما يدور بخلده فقال موضحا:

-أعلم ما يدور برأسك بني ، و لكن لا نستطيع استخدامها على أجساد البشر فهي مخصصة للأزليين وكل معبود منهم لديه قوته التي قد تجعله يحتمل قوة التعويذة، أما البشر فما مدى قوتهم؟ قد تفتك بهم بني.


ضحك رمسيس ضحكة خافتة وجلس بجواره وهو يشرح له وجهة نظره:

-أنا أظن أن كل هذا ما هو إﻻ هراء، لا يوجد أزليين ولا آلهة، هم فقط بشر اكتسبوا بعض القوى ومعها مهارة السحر واستطاعوا أن يوظفوها لصالحهم وقاموا بزرع تلك المعتقدات برؤوسنا حتى لا نحاول التشبه بهم، وإﻻ ما أستطاع حورس أن يقتل عمه ست ولا استطاع قبلها ست بقتل أخيه.


تعجب سيتي من حديثه و لكنه استمع له و هو يضيف :

-لما لا نجرب؟ وما قد نخسره إن فشلت التعويذة سوى أن ترحل للعالم الآخر! أوليس هذا جل ما تتمناه اﻵن؟


زفر سيتي أنفاسه وقال بحيرة:

-لا أعلم، ولا أجد طريقة لحل الأزمة وخائف من التجربة فيطالها الأذى بسببي من جديد.


❈-❈-❈


هل يمكن أن يشعر بالذهول أكثر من ذلك؟ لمعت عيناه وهو يستمع لها تقص له قصتها وما آلت إليه حياتها وبدأت من حيث علمت أنه سيهتم منذ البداية ومن وقت أن رأته ورآها ببهو المعبد وقت تتويجه، ولم تع هي أنها استمرت تروي له لساعات وساعات حتى انتصف النهار وتخدرت أقدامهم من كثرة الجلوس ولا زالت هي تقص و تروي و كأن حياتها بأكملها تعتمد على إنهائها لتلك القصة التي قد تنتهي نهاية حزينة بل ومأساوية عكس ما نقرأه بالقصص والروايات.


استمع لها بيتر وكله آذان صاغية لا يصدق ثلثي ما تقصه بل يمكنه القول أنه لا يصدق مائه بالمئة من حديثها، ولكنه سمع عنها ببلده ومسقط رأسه بإنجلترا قبل أن يراها، استمر بتركيزه فيما تطنب هي بحديثها حتى انتهت وتنهدت وكأنها خرجت لتوها من معركة شرسة.


نعم هي معركتها اﻻهم و اﻻخيرة ، معركة حياتها و مأمنها بعد أن خسرت كل معاركها و تلك المرة أقسمت أن لا تخسر مهما كان الثمن .


ابتسمت له بعد أن صمتت لحظات وهو لا يزال على حالته، عينيه مرتكزة عليها وحدها لا يشعر بوجود أحدا غيرها حتى أنه لم يبدر منه تساؤل واحد عن أي أمر أخبرته به حتى قطعت شروده العجيب بها قائلة:

-لقد انتهيت من اخبارك كل شيئ سيد فورد ، و اﻵن لا يوجد ما نتحدث بشأنه سوى أمرا واحدا.


لم يرد وظل ناظرا لها ولكنها تحدثت بحدة مؤكدة:

-أريد سماعك وأنت تخبرني أنك لا تزال معي وتستمع لحديثي فيبدو وكأنك تحت تأثير تعويذة قوية.


أومأ مبتسما ورد:

-أنا بالفعل كذلك، تعويذة قد سحرتني ولا أصدق أنني صدقت حديثك كله؛ لذا إن كان كل ما أخبرتني به صحيح فأنا أريد إثباتات.


جعدت جبينها وقوست حاجبيها بشدة لتظهر على وجهها ملامح الضيق المستعر وقالت بضيق:

-ولما أقدم لك إثباتات؟ هل تعتقد أنني أحتاجك بشيئ حتى أتعب نفسي معك وأثبت لك صدق حديثي؟


أومأ لها بثقة وكأنه يقرأ ما بداخل عقلها الصغير، فبالرغم من تخطيها الثلاثون من عمرها إلا أنها لا تزال تفكر بعقل فتاة بالرابعة عشر، فرد موضحا:

-أنتِ تريدين مني أن أساعدك باسترجاع حبيبك، وأنا أريد اثباتات على حديثك، فما رأيك بهذا كاتفاق أولي بيننا بنترشيت.


ابتسمت له ولنعته لها باسمها المحبب إلى قلبها وحاولت أن تتأكد مما ألقاه على مسامعها أو ما فهمته من حديثه، ربما أمنية بداخلها أن يكون قاصدا ما عرضه للتو فلا تضطر لتعذيب روح بريئة بالنفي عبر الزمن وإلى الماضي رغما عنها فسألته بترقب:

-هل تعي ما عرضته علي منذ لحظات؟ هل تفهم ما تقحم نفسك به أو انه مجرد فضول تريد من وراؤه أن تتعلم أو تستفاد؟


نظر لعائلتها المتربصة به والصامته منذ ساعات وعاد بوجهه لها مبتسما بزهو وكأن معه مفتاح الحياة، نعم هو معه مفتاح حياتها هي وحبيبها وسعادتهما.


اتكئ على المقعد بعد أن شعر بتيبس عضلاته قليلا ورد:

- نعم أعي تماما ما قلته وأفهم ما أنا مقبل عليه ولكنني لن أفعلها قبل أن أتأكد من صدق حديثك.


فكرت قليلا وبداخلها يصرخ بسؤال واحد (لمذا يريد اي شخص أن يتخلى عن حياته طواعية وبدون أسباب؟).


فكرت قليلاً وعاد عقلها يكيل لها اﻻسئلة المنطقية والتي قد يفكر بها أي شخص عاقل وأولهم عائلتها الجالسة معهما (فما السبب وراء رغبته بترك عالمه و الذهاب للماضي أو الموافقة ليكون قربانا؟) حقا الأمر محير ولا تجد أسباب ولذلك هي مضطره لسماع أسبابه التي قد تجعله يفعلها وربما بعدها قد تريه من الإثباتات التي قد تطيح بعقله تماما وتجعله مكذوب أو مجنون أيهما أقرب.


سألته بثبات وحدقتيها مركزتين عليه:

-قبل أن أريك أي إثبات لابد أن تخبرني ما أسبابك للموافقة بتقديم تلك التضحية الكبيرة؟


رد و هو يقضم أظافره قليلا من إثر التوتر:

-أعتقد لا يوجد ما يهمني بهذا العالم سوى هؤلاء.


اشار بيده لخارج النافذة وبالتحديد للآثار التي تظهر بالخارج وأكمل:

-لا أجد سببا ومعنى لحياتي إﻻ وأنا بينهم وإن كنت لا أشعر بالسعادة سوى وأنا مع ما تبقى منهم فما بال حالى إن مكثت معهم وعاصرتهم وربما كنت بخدمتهم وإلى الأبد!


اتسعت بسمته وهو يضيف بانبهار:

-أنتِ تعطينني الأبدية مع الفراعنة الذين لا نستطيع معرفة سبب تقدمهم الشديد حتى عصرنا هذا بعد أن اخترع اﻻنسان الطائرات والهواتف و القنابل النووية ولا نزال نعجز عن معرفة سر تقدمهم بالعلم  والفلك والهندسة والجغرافيا والتحنيط وربما كل شيئ أيضاً.


مجرد حديثه بتلك اللهفة وهذا اﻻنبهار جعل حدقتيه تتوسع قليلاً بسعادة وفرح وهو يضيف:

-قد أدفع حياتي لأقضي ساعة واحدة برفقة الفرعون سيتي أو إبنه الفرعون رمسيس الثاني وأنتِ تعرضين علي الأبدية مع المعبود حورس!


ضحك عاليا واتسعت بسمته حتى أذنيه بانبهار:

-إلهي، أنا لن أحتاج لأكثر من هذا بحياتي.


ما شعرت به من الراحة بتلك اللحظة لم يكن هينا، فهي قد عاصرت اﻷلم لسنوات وسنوات حتى أنها نست معنى الراحة وطعم السعادة المطلقة دون أشواك تخرج منها وتؤذيها، وها هي أخيراً قد تنام تلك الليلة وهي تهنأ بالراحة والاطمئنان ليس لحاضرها فقط وإنما لمستقبلها أيضا.


أراحت جسدها المنهك على الفراش وهي تحلم أحلام اليقظة، تحلم بفرعونها وعشيقها ينام إلى جوارها مرتاح البال ودافنها بداخل حضنه الدافئ.


أغلقت عينيها حتى تنام ولكن واتتها تلك الضربة الضعيفة ببطنها فانتفضت من مكانها على إثرها ووضعت يدها تتحس ببطنها فتلك كانت المرة الأولى التي تشعر بحركة جنينها؛ فبكت حزنا وتأنيبا هامسة لها وهي تربت عليها:

-لماذا علي التضحية بكِ ابنتي العزيزة؟ ألا يكفي افتقادي لأخيكي؟ كيف سأفعلها؟ 


احتدت نظراتها لنفسها بالمرآة التي أمامها وقالت بإصرار:

-أنا لن أفعلها، اللعنة على الحب.


يتبع..


إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة أسماء المصري من رواية نابغة بعصر الأغبياء ، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية


رواياتنا الحصرية كاملة