-->

قصة قصيرة جديدة براءة للبنى دراز - الأربعاء 17/7/2024

 

قراءة قصة قصيرة براءة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى


 قراءة قصة براءة

قصة قصيرة جديدة

من روايات وقصص 

الكاتبة لبنى دراز

تم النشر يوم الأربعاء

17/7/2024



تُرى ماذا جَنيتُ ليكن هذا جزائي؟ تُرى ما الذنب الذى أقترفته يداى حتى تكن طعنة الغدر عقابي؟ 

كم كنت أتمنى رغد العيش فى ظل والداى، انعم بحياة هانئة مليئة بالسعادة و الدفء، أُحلق فى سماء أحلامي و أسعد لتحقيقها، و لكن،،،،،،،


فى أحد أيام شهر أغسطس حيث قاربت الشمس على المغيب، شقة كبيرة مكونة من ثلاث غرف و صالة كبيرة داخل برج سكني فى إحدى مناطق القاهرة الراقية، تقطن طفلتان مع والديهما، "ريماس" التى لم تتجاوز الأربع أعوام، بيضاء البشرة، عيون خضراء، و شقيقتها "براءة" التى لم تتجاوز العام، حباها الله بجمال صارخ، من يراها يغرم بها على بشرتها البيضاء و فيروزيتها الواسعة و شعرها الذى أرسلت عليه الشمس أشعتها الذهبية، تتمتع بضحكة بريئة تخطف القلوب، من يراها يقسم إنها لوحة فنية بديعة الصنع، أستغلت والدتهما غياب زوجها خارج المنزل و بعد انتهائها من أعمالها اليومية، أرادت ان تنال قسطًا من الراحة فى ذلك الوقت من اليوم فقامت بالنداء على أبنتها ريماس قائلة:

"انا هدخل انام يا ريماس لحد ما يرجع بابا من الشغل، وانتى أبقي خدى بالك من أختك شوية"


أجابتها الطفلة بابتسامة بريئة:

"حاضر يا ماما، مش تخافي عليها"


تركتهما ناريمان بمفردهما و ذهبت الى غرفتها لكى تنام قليلا قبل عودة أكرم من العمل، انتظرت ريماس حتى غطت والدتها فى نوم عميق و خرجت لتلعب امام باب شقتهم فتبعتها شقيقتها براءة تحبو خلفها الى الخارج، وبعد ما يقرب من الساعة تركت ريماس أختها امام الباب و دخلت الى الشقة كى تذهب لقضاء حاجتها، لم يستغرق الأمر أكثر من دقائق معدودة و عادت الى براءة فلم تجدها، دخلت الشقة مرة أخرى تبحث عن أختها ظناً منها ان تكون دخلت خلفها، فلم تجدها ايضا، فذهبت إلى غرفة والدتها و طرقت الباب بشدة و هى تبكي و تنادى عليها حتى توقظها من نومها لتخبرها ان الصغيرة قد اختفت من أمام الباب، فزعت ناريمان مما سمعت و هى تصيح فى ريماس غاضبة:

"انتي بتقولي ايه؟ يعنى ايه مش لاقية اختك؟"


نظرت لها ريماس و هى تبكي من شدة خوفها من بطش أمها قائلة:

"والله يا ماما انا دخلت الحمام بس مش اتأخرت، و خرجت مش لاقيتها"


تملك الخوف من قلب الأم و خرجت كالمغيبة تبحث عن صغيرتها براءة فى كل مكان، تصعد الى الطوابق العليا ثم تهبط الى الطوابق التي أسفل منها  لتطرق كل باب داخل هذا البرج تسأل عنها علها تجدها عند أحد جيرانها، لكن لا حياة لمن تنادى، لم يراها أحد، ظلت تبحث عنها حتى حان موعد عودة زوجها من عمله و رأى عيناها المتورمتان من كثرة بكائها و نحيبها، سألها عن سبب هذا البكاء فقصت عليه ماحدث، صاح بها غاضبا و اخذ يمطرها بوابل من الشتائم التى تتدفق بغزارة من فمه بدون وعى منه ولم يكتفي بهذا بل أتهمها بالتقصير و الأهمال، على الرغم من إنها لم تقصر يوماً واحداً فى واجبتها و لم تهمل أطفالها يوماً، ثم تركها فى نحيبها و أتجه الى صغيرته الباكية يستفهم منها كيف حدث هذا الأمر، فرأها منكمشة على نفسها و جسدها ينتفض بشدة من كثرة ارتجافها خوفًا منه، فاقترب منها وأخذها بين أحضانه لكى يهدئ من روعها سائلاً بحنانٍ بالغ:

"مالك يا حبيبتى بترتعشي كدا ليه؟"


اجابته الصغيرة من بين بكائها المستمر و هى ترتجف من كثرة الخوف:

"هو أنت لو مش لاقيت براءة هتموتني؟"


أندهش أكرم من تفكير صغيرته، كيف لها ان تظن به سوءًا، حتى و ان كانت سببا فى ضياع أختها فهى فى نهاية الأمر طفلة صغيرة لم تدرك شيء، ثم نظر لها باستغراب:

"جبتي الكلام ده منين يا حبيبتى!؟ 


"ماما قالت لي أبوكي هيموتك لو مش لاقينا براءة" 


شدد من ضمته لصغيرته لكى يطمئنها و يشعرها بالأمان، و من غيره يفعل ذلك، فهو الرجل الاول فى حياة أبنته، من يمثل لها الحماية و الأمان كيف لها ان تخاف منه لهذه الدرجة، فنظر إلى زوجته بشرز محذراً إياها بعينيه من تكرار هذه الترَّهات، و أزدرد غضبه منها ثم غادر مسرعًا ليوسع دائرة البحث خارج محيط ذلك البرج، و هو يطمئن نفسه انه سيجد صغيرته براءة دون ان يصيبها مكروه.


داخل شقة أخرى تقع فى نفس البرج على بُعد طابقين من شقة أسرة براءة نجد ياسر ذلك الشاب العشريني، يجلس فوق أريكته رافعا قدميه الى صدره يحتضنهما بذراعيه واضعًا رأسه المشعث فوق ركبتيه، يكسو ملامحه الوجوم، شارد الذهن يستمع الى صوت ما بداخله يعنّفه بشدة: 

"ماذا فعلت أيها الأرعن"

ينظر بأعين تنهمر منها الدموع بغزارة الى الفراغ الذى أمامه، فشعر برجفة قوية سرت فى جسده أرتفعت على إثرها درجة حرارته، يهزي بكلمات غير مفهومة، فقد وعيه من شدة هزيانه ثم فاق بعد مدة لا يعلمها ان كانت دقيقة او ساعة، أكثر من ذلك او اقل،  على وجود صديقه أشرف الذى يسكن معه فى نفس الشقة و هو يقوم بوضع قماشة مبللة بالماء البارد فوق جبينه يخفض له حرارة جسده المرتفعة، ليسأله أشرف و هو يبدل هذه القماشة بأخرى:

"مالك يا ياسر، انت كنت طالع من تحت زى الفل، أيه اللى جرالك يا صاحبي!؟"


أجابه ياسر و هو ينتفض من شدة توتره و يتجنّب النظر إليه حتى لا يرى عيناه الحائرتان :

"شكلي كدا أخدت برد يا أشرف"


"برد، برد ايه ده اللى فـ عز الصيف يا عم انت!؟ ده أحنا فـ أغسطس يا أبنى، هيجيلك منين البرد ده!؟"


"هااا، ايه، آه، من التكييف، آه هو التكييف، يعنى هيكون جالي منين يعنى يا أشرف"


شعر أشرف بتوتر ياسر الغير معهود، و لا يعلم ما الذى أهمه الى هذه الدرجة، فياسر دائما شخصاً واثقاً من حاله كثيراً لا يهمه اى شيء مهما حدث، لكنه تركه يستريح و خرج من غرفته و هو يحدث نفسه:

" وراك سر يا ياسر، تغيير حالتك بالشكل ده بيقول كدا، بس يا ترى ايه هو السر ده؟؟؟" 


وبالعودة الى أكرم والد براءة نجده قد ذهب إلى قسم الشرطة التابع لهذه المنطقة ليبلغ عن أختفاء صغيرته التى لم تتعدى العشر أشهر، بعدما قص على ضابط المباحث كل ما أخبرته به زوجته و صغيرته ريماس، و تركه على وعد من الأخر ان يقوم بعمل التحريات اللازمة حتى يجد الطفلة رأفة بحالته التى رأه عليها، بالفعل بعد مرور يومان لم يذق فيهم أكرم و ناريمان طعم النوم من كثرة الخوف والقلق الذى تملك منهما، والبحث عن براءة دون كلل او ملل لعلهم يجدونها. 

تلقى الأب إتصالاً هاتفياً من ضابط المباحث فأجاب بلهفة عله يسمع ما يروي ظمأه ويطمئن قلبه على طفلته، لكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه، فضابط المباحث أخبره أن فريق البحث الجنائي وجد طفلة بنفس مواصفات صغيرته مقتولة و موضوعة داخل كيساً أسود بلاستيكياً كبيراً و ملقاه بصندوق قمامة يقع على بُعد شارعين من مسكنه، بعد تلقيهم بلاغاً من أحد العاملين بشركة التنظيف المسؤولة عن هذه المنطقة، لم يتمالك نفسه عند سماعه ذلك الخبر المشئوم الذى جعله يتهاوى على أقرب مقعد و هو ينظر الى زوجته الواقفة أمامه تنتظر منه أن يطمئنها هى الأخرى على فلذة كبدها، فرت دمعة هاربة من عينيه حاول منعها لكنها أبت إلا النزول و هو يحدث نفسه عندما رأى لهفة "ناريمان" كى يخبرها بما قاله الضابط:

"أقول لها ايه دلوقتى؟ اوصّل لها الخبر ازاى؟ يارب قويني ع اللى جاى"

فأغمض عيناه يستجمع قواه ليخبرها بما جاء فى هذا الاتصال، ثم قام من مقعده و أقترب منها يحتضنها قائلا بتوتر ممزوجاً بخوف:

"الظابط بيقول أنهم لقيوا جثة بنت فـ نفس سن براءة فى صندوق الزبالة اللى بعد العمارة بـ شارعين"


شهقت ناريمان عند سماعها الخبر فقد صدق حدسها الذى يراودها من قبل أختفاء طفلتها، بكت بانهيار فوق صدر أكرم حتى تبلل قميصه من كثرة دموعها المنهمرة بغزارة قائلة بعتاب لنفسها وهى تتذكر نظرات تلك البريئة لها فى هذا اليوم:

"انا السبب، انا السبب، قلبي كان حاسس، ياريتني ما كنت نمت و سيبتها، ياريتني قفلت الباب بالمفتاح عشان ما يخرجوش برة الشقة."


ولكن ماذا عساها ان تفعل، لا يفيد اللوم و عتاب النفس الآن، قضى الأمر.

أبعدها زوجها عن صدره ممسكا بيدها يحثها على الانتظار و الصبر حتى يذهب إلى الضابط ليرى جثة الطفلة و يتأكد ما أن كانت لطفلته أم لا، و هو يدعو الله بداخله ان يكون الضابط قد  أخطأ فيما أخبره به.

 تركها و ذهب راكضاً الى مكان وجود الطفلة كما طلب منه ذلك الضابط، و عند وصوله إلى صندوق القمامة المقصود، شعر بثقل فى قدميه لا يقوى على الحركة، عندما رأى صغيرته موضوعة أرضاً بهذه الحالة، يصرخ بداخله، رباه ماذا فعلت صغيرتي حتى تُنتهك براءتها وتقتل بهذه البساطة بدون شفقة او رحمة، جثى على ركبتيه أمام جثة صغيرته ليحتضنها بأيدى مرتعشة و هو يبكي بحرقة ثم خرجت منه آهة مزقت قلوب كل من حوله و هو يصيح بها و كأنها ستجيبه:

"قولي لي مين عمل فيكي كدا؟ قولي لي مين حرمني منك، عملتي له ايه عشان يخلص منك بالشكل ده، قولي  يا براءة و ريحيني"


اقترب منه ضابط المباحث يحثه على التماسك وبداخله يعلم انه مهما قال من كلمات لمواساة هذا الأب المكلوم، لن تطفئ ناره المشتعلة داخل قلبه، بسبب رؤية صغيرته مقتولة بعدما انتُهكت براءتها بهذه الوحشية، انها حقاً كارثة، فمن جاءته الجرأة ليفعل  بها هذا الفعل المشين؟ قائلا بحزن :

"أهدى يا أستاذ أكرم أرجوك، عشان نقدر نعرف مين اللي عمل كدا."


رفع أكرم رأسه إلى الضابط و دموعه منهمرة بغزارة حتى تشوشت الرؤية أمامه قائلا بقهر على ما آل إليه أمر هذه الطفلة:

"أهدى أزاى و انا شايف بنتي مقتولة قصاد عيني بالشكل ده، عايزني أهدي أزاى، ده انا ملحقتش أسمع منها كلمة بابا يا ناس"


"أرجوك تماسك شوية، وقول لي هل فى عداوة او مشاكل بينك و بين حد من جيرانك او مع حد من زمايلك فـ الشغل"


نفى أكرم ما قاله الضابط قائلا:

"لأ، طول عمري فـ حالي و ماليش دعوة بحد عشان اتجنب أى مشاكل"


نظر رئيس المباحث الى أكرم بحزن ثم أشار لأحد العساكر يأمره بحمل جثة الطفلة و وضعها داخل سيارة الإسعاف كى تذهب بها إلى المشرحة، كما أمر باقى فريق المباحث بتوسيع دائرة البحث خارج محيط هذه المنطقة، استمر البحث عدة أيام حتى وصلوا الى المطعم الذى يملكه صاحب البرج القاطن به أكرم والد براءة، و الذى يقع بنفس البرج، بعد البحث و التحريات و بسؤال "الحاج حسن" صاحب المطعم تبين ان لديه مغتربين من محافظات أخرى و من قرى الريف، يعملون فى المطعم ويسكنون بشقة فى الطابق السادس بنفس البرج حتى يسهل عليهم وصولهم فى مواعيد عملهم بدون حجج التأخير او تعب الطريق، و أثناء استجواب الحاج حسن، لفت إنتباه رئيس المباحث توتر ياسر و أرتباكه و نظراته المسلطة عليه منذ دخوله الى المطعم، فهمس لأحد الضباط المساعدين له:

"الواد ده من وقت ما دخلنا مش واقف على بعضه، أعرف لي حكايته ايه"


أومأ له بعينيه بالموافقة ثم ذهب يتحرى الأمر و يسأل كل العاملين عنه حتى وصل إلى صديقه أشرف الذى بدوره أخبر الضابط أن ياسر له عدة أيام على هذه الحالة، كما أخبره بما شعر به يوم عودته من المطعم و وجده فاقد الوعى، و إن هذا ليس طبعه فهو شاب هادئ الطباع و كريم الخلق، لكنه تبدل حاله كثيراً فى الأونة الاخيرة، و هذا ما أكد عليه الحاج حسن و باقى العاملين معه.


أشار رئيس المباحث لمن معه من ضباط و عساكر بالخروج من المطعم و قبل خروجه نظر إلى ياسر نظرة خاطفة لكنها مليئة بالغموض أرعبته بشدة، فتيقن ياسر من نظرة الضابط له، إنه هالك لا محالة، مما جعله يفكر في الهرب قبل ان ينكشف أمره، انتظر حتى تأكد من أبتعاد سيارات الشرطة ثم خرج من المكان ليتفاجئ بوجود رئيس المباحث و فريقه ينتظرونه بالخارج، أبتسم له ضابط المباحث بخبث قائلا:

"تعالى، تعالى، رايح فين كدا يا ياسر"


أجابه ياسر بصوت مرتعش يكسوه الخوف:

"أ أ أنا رايح أجيب شوية طلبات للحاج"


أكمل رئيس المباحث حديثه بنفس الخبث و هو يمسكه من ذراعه بقوة:

"لأ، تعالى معانا أنت بس و متشغلش بالك بالحاج أحنا هنبعت اللى يجيبله طلباته"

ثم أشار إلى أحد الضباط المساعدين و هو يسلمه له قائلا:

"حط الكلبشات فـ إيده و هاته"


و بعدما تم اخذ ياسر الى سرايا النيابة لأستجوابه و معرفة سبب قيامه بهذه الجريمة، أمر وكيل النيابة بفتح التحقيق مع ياسر قائلا"

"أنه فى يوم الثلاثاء الموافق الثانى و العشرون من أغسطس فى تمام الساعة الثانية عشر ظهرا تم القبض على "ياسر محمود" المتهم بخطف و قتل الطفلة براءة أكرم من مقر عمله و بسؤاله عن الواقعة:

"ها، قول خطفت براءة و قتلتها ليه؟"


أجاب ياسر و هو يرتعش من شدة خوفه:

"انا ماخطفتهاش، انا ماعملتش حاجة"


أعاد وكيل النيابة سؤاله مرة أخرى و هو غاضب:

"خطفت براءة و قتلتها ليه يا ياسر؟"


ظل ياسر على أنكاره و لم يتردد على لسانه سوى:

"انا برئ، انا ما قتلتهاش"


نظر وكيل النيابة اليه كثيرًا و هو ممسكًا بقلمه ينقر به فوق سطح مكتبه، نظرات شك و ريبة حتى توتر ياسر من نظراته:

"اتوترت ليه لما دخلت المباحث المطعم؟"


لم يجد ياسر ما يجيب به وكيل النيابة و التزم الصمت، فأجاب عنه الأخر قائلا:

"أقولك انا، أتوترت عشان عارف انك خطفت طفلة و قتلتها، و بمجرد ما شوفت المباحث عرفت انهم داخلين يسألوا و يدوروا عن القاتل اللي هو انت، صح؟


ظل ياسر صامتاً قليلا ينظر إلى الأرض و هو يرتجف و جبينه يتصبب منه العرق بكثرة حتى أختلط بدموعه المنهمرة بغزارة، فكسر حاجز الصمت قائلا:

"والله ما كنتش عايز أقتلها، بس هى صرخت و انا خوفت تفضحنى بصريخها، عشان كدا قتلتها"

 

أشار له وكيل النيابة بالجلوس و تحدث بهدوء:

"عايزك تحكي لي بالتفصيل ايه اللي حصل يومها بالظبط؟


جلس ياسر و هو يتذكر كل ما حدث و يقصه على وكيل النيابة:

"انا يومها كنت خلصت ورديتى فى المطعم بدرى و خرجت مع زمايلى اللى شغالين معايا بس من القاهرة، روحنا عند واحد فيهم نفطر أكمننا كنا واخدين وردية أخر الليل، و بعد ما فطرنا أداني سيجارة و شغل افلام و مقاطع ع النت عشان نتفرج عليها، بعد ما خلصت القاعدة و رجعت العمارة، دخلت لاقيت الأسانسير عطلان، طلعت ع السلم و انا مش شايفة قدامي حاجة و مافيش فـ دماغى غير انى عايز أجرب اللى شوفته، لاقيتها بتلعب لوحدها قدام باب شقتهم و لما شافتنى طالع فضلت تضحك لي و تلاغيني، شيلتها وطلعت بيها شقتنا، عملت اللى عملته و كتمت نفسها بالمخدة بسبب صريخها، و لما فوقت من الحالة اللى كنت فيها و شوفتها بالمنظر ده حطيتها فـ كيس الزبالة و نزلت رميتها فى الصندوق اللى بعيد و رجعت قبل ما يرجعوا الناس اللى معايا فى الشقة و يشوفوها"


بعد مرور ما يقرب من ثلاث ساعات أمر وكيل النيابة حبس ياسر أربعة أيام على ذمة التحقيق، كما أمر باستدعاء أكرم و زوجته و طفلتهم لأخذ إفادتهم و متابعة سير التحقيقات، و مواجهتهم بالمتهم، فقام رئيس المباحث بتنفيذ أمر النيابة و أرسل إلى والد براءة يستدعيه و يخبره بأخر التطورات، ثم يحثه على الهدوء و الثبات الانفعالي عند رؤية الجاني و مواجهته، لكن هيهات هيهات، كيف له ان يتحكم في ثباته الانفعالي و يلتزم بأقصى درجات ضبط النفس و هو يرى أمامه قاتل أبنته و مُنتهك براءتها.

وصل أكرم و ناريمان الى سريا النيابة، دلفوا بعدما أُذن لهم جلسوا في انتظار رؤية ياسر على أحر من الجمر، و ما أن رأوه توجه إليه أكرم يضربه في وجهه بقوة و بكل الغضب الذي يملأ قلبه على صغيرته التى فقدها، حتى كُسر أنف ياسر و هو يصيح به غاضبا:

"عملت لك ايه بنتى يا حيوااان عشان تعمل فيها كدا و تحرمني منها؟"


لم يستطع ياسر التفوه بكلمة واحدة فهو يعلم جيدا أن أكرم محق في انفعالاته، وإن قتله، حتى أن وكيل النيابة لم يمنعه من ضربه وبداخله يتمنى ان يقتل هذا الياسر لما فعله بهذه الطفلة البريئة التى لم تقترف ذنبا او ترتكب إثما فى هذه الحياة.


أما ناريمان ظلت ترتجف بشدة من كثرة محاولاتها في التحكم بأعصابها لكنها لم تتحمل أكثر من ذلك فصرخت بانهيار و هى تقترب منه لتسدد له الضربات بكلتا يديها قائلة:

"ليييه؟ قتلتها لييييه؟ دى بنت عشر شهور مش بتعرف تتكلم، كنت سيبتها ع باب الشقة زى ما أخدتها، ما كانش حد عرف حاجة، كنت سيبتهالي عايشة و كنت هعالجها و مش هدور مين اللي عمل فيها كدا، بس ما تحرمنيش منهااااا"


ضمها أكرم الى صدره ليهدئ من حالها، يطمئنها بأن الله وعد بقصر فى الجنة للمحتسبين الصابرين على فقد أحد أطفالهم و عليها ان تصبر و تحتسب، كما إن القانون سيأخذ مجراه و سيتلقى الجاني أقصى عقوبة، هذا غير عقاب الله له فى دنياه و أخرته، و ليس هو فحسب بل من قام بتربيته أيضًا.


فإن صلاح المجتمع من صلاح الأسرة و تربية جيل يعلم حدود الله، و يعلم مبادئ و معتقدات دينه جيدا، و من ثم يعلم عادات و تقاليد مجتمعه، فيعلم كيف ينتقي أصدقائه جيدا، فينتقى من يأخذ بيده و يحثه على التقدم، و يبتعد عن صديق السوء الذي يتسبب فى هلاكه حتى وإن كانت أخلاقه كريمة.


يقول ﷺ: المرء على دين خَليله، فلينظر أحدُكم مَن يُخالِل

صدق رسول الله.



تمت

لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية..

رواياتنا الحصرية كاملة