-->

قصة قصيرة جديدة الصياد الخفي لأسماء عبد الهادي - الثلاثاء 16/7/2024

 

قراءة قصة قصيرة الصياد الخفي

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى


 قراءة قصة الصياد الخفي

قصة قصيرة جديدة

من روايات وقصص 

الكاتبة أسماء عبد الهادي

تم النشر يوم الثلاثاء

16/7/2024


لا تظن أنك ستعيش في هذه الدنيا دون ابتلاآت تختبر بها صبرك وأخلاقك والتزامك بأوامر الله واجتنابك نواهيه، دون عقبات تنغص عليك حياتك، لابد أن تعبر طريقا مؤجحا بالشوك والحُفر حتى تستقيم نفسك، فهل أنت مستعد لتركب قطار الحياة وتقف في محطاته المليئة بالأحقاد والشرور والابتلاآت والمصاعب وتتخطى ذلك كله وأنت ما زلت محتفظاً بروحك النقية ونفسك الطاهرة ،إذا كنت كذلك فهنيئاً لك جنة الخلد وملكٍ لا يفنى

كان صياداً ماهرًا يلقى شبكته في عُرض البحر فتخرج محملة بالكثير من الاسماك المختلفة فيبتسم لنفسه في غرور معجبا بصنيعه فينسى أن الله هو رازقه فينسى أن يشكره

ذات صباح ألقى شبكته فلم تُخرِج له سوى سمكة واحدة غريبة الشكل ،أمسك السمكة وقَلَبها بين يديه ليسقط من فمها خاتم له جوهرة حمراء، ضحك حتى بدت نواجذه، ظن أنه وقع على كنز ثمين ،ذهب الى السوق ليبيعه ليجني الكثير من الأموال ،لكنه رجع صفر اليدين فالتاجر أخبره

_ هذا الخاتم ليس له قيمة تُذكر، أتأخذ ثمرة الموز هذه مقابله؟.

 

زفر الصياد بضيق وألقى بالخاتم بإهمال في حمامه ،ومرت الأيام ..

 

وذات يوم قرر ارتداءه فهو تعجبه تلك الجوهرة الحمراء، واقفاً به أمام المرآه فصُعِق مما رأى أو بمعنى أصدق مما لم يره ،انعكاس صورته في المرآه اختفى رفع كلتا يديه وحرك جسده لكن لا شيء يظهر

نزع بسرعة الخاتم من يده بدأت صورته تظهر من جديد ،فجرب ارتداء الخاتم مرة أُخرى فكاد أن يسقط على الأرض من الصدمة فهذا الخاتم حقا له القدرة على جعله خَفياً ،لكن سرعان ما تلاشت الصدمة ليحل محلها ابتسامة ماكرة غير مصدق ما يمكن فعله بخاتم كهذا

_رائع الآن يمكنني فعل ما يحلو لي دون أن يحاسبني أحد .

 

في بادئ الأمر استخدم الخاتم في العبث مع أصدقاءه ،كان ينتظر أن يُخرِج أحدهم سمكاته من الشبكةِ ويضعها في دلوه ليأخذها هو فيتفاجأ الآخر باختفاء سمكاته ويقف متحيرًا يتلفت حوله ويَحُكَ رأسه في استغراب ،فينفجر الصياد من الضحك .

أصبحت متعته التسلية بالاخرين ليكتشف بعدها أن قاربه سُرِق، حزن على فقدانه فهو كان مصدر زرقه ولكن أتته فكره أنسته حزنه

_ماذا لو استعرت نقودًا من أحدهم لأشتري قارباً آخر هل سيلاحظ أحد ذلك ؟

وضع يده في جيب رجل ما في الطريق وأخذ محفظته وقال مجيباً على سؤاله بابتسامة خبيثة

_لن يلحظ أحد .

كرر فعلته مرات عديدة ليصبح معه الكثير من الأموال، اشترى قارباً غير الذى فقده وشقه غير شقته المتهالكة، لم يعد يذهب للصيد وانما اكتفى بسرقة المال وتشغيل الصيادين لقواربه، وسط تعجب أصحابه من تبدل أحواله بهذه السرعة قائلين

_أرزاق يُعطي من يشاء بغير حساب

ذات مرة

طلبت زوجته الانفصال دون أدنى سبب يذكر،

تعجب في نفسه

_أكانت تتحمل فقري وبساطة عيشي سابقاً بصدر رحب والآن عندما تزدهر الدنيا في وجهي، تتركني وترحل؟.

 

حاول الصياد تخطي الأمر و التمتع بذلك النعيم الذي يعيشه دون منغصات, مع استمراره في استغلال قدرته على الاختفاء لتيسير أموره وفعل ما يحلو له

 

إلى أن جاءه اتصال يوماَ من أحدهم يخبره

_تعرض ابنك لحادث مروري وأنه في المشفي وحالته خطيرة

 

ذهب مهرولاً نحو المشفي بخوف شديد على فلذة كبده

لتخبره الممرضة

_يحتاج الصبي أن تُجرَى له عملية في أقرب وقت ولكن تكلفتها عالية جداً

 

الصياد:افعلى كل ما يلزم لإنقاذ ولدي ، سأذهب لإحضار المال حالا

 

خرج عازماً البحث عن أحد الاثرياء واختلاس المبلغ منه ليشاهد أحد الاطباء يناول الآخر حقيبة فيقول الطبيب

_لا تقلق سأُسلم المال بنفسي إلى المدير ٠

 

ليبتسم الصياد في خبث وإرتدى الخاتم واقترب منه وسرق الأموال بسهولة وذهب به الى الممرضة

انتظر وقتا ولم يحدث شيئا فذهب إليهم مستفهماً سبب تأخير إجراء العملية

هتفت الممرضة بحزن

_للأسف اتُهم الطبيب المسؤول عن إجراء العملية بالاختلاس

جحظت عينا الصياد مصدوماً وحَدَّث نفسه

_أكان الطبيب الذي سرقته هو من سيعالج ابني!

 

الممرضه: للأسف كان هذا أكفأ طبيب والبقية في بعثة بالخارج

_حسناً، سأنقل ابني إلى مستشفى أخرى

_حالة ولدك خطيرة وفي نقله خطورة على حياته .

 

أصر الصياد على نقل ابنه فاخبروه أن ابنه دخل في غيبوبة ولا يعلم أحد متى يفيق ،ارتمى الصياد على الأرض في ألم وحزن على ولده

_ما الذي يحدث لي

اخذ يعيد حساباته، منذ ظهور ذلك الخاتم في حياته وهو لم يشعر بالسعادة قط ،نعم أصبح ثريا معه الكثير من المال يفعل ما يحلو له لكن ليس هنالك سعادة حقيقيه في قلبه، هنالك شيء يفتقده بل أشياء كثيرة افتقدها أولهم قاربه الذى ورثه عن ابيه وجده وكان له مكانة خاصة في قلبه، وبعدها زوجته التي يعشقها واخيراً ابنه الذي بين يدى الله الان

 

اخرج الخاتم من جيبه ونظر إليه بغل

_أنت السبب أنت من دمر حياتي، أنت من جعلني أبيع ضميري وأسرق .

ارتداه ناظرا إليه بازدراء

_تحمل منظر جميل لكن بداخلك خبث خفي ،اقسم أني لن أرتديك ثانيةً ،انت لعنة

 

قرر نزعه والقاءه بعيدا والعودة إلى ربه عله يغفر زلاته ويشفي ابنه

لكن الخاتم لم يُنزَع، عاد إلى بيته وحاول مرارًا لكن محاولاته كلها باءت بالفشل

نظر للمرآه في فزع

_ماذا هل سأظل هكذا للابد!! ،ليبدأ انعكاس صورته في الظهور شيئاً فشيئاً فابتسم الصياد ظناً أن الخاتم فقد مفعوله السحري لكن سرعان ما تبددت ابتسامته

عندما وجد هذا الانعكاس يتحدث

_لن تستطيع نزغ الخاتم مهما حاولت هو بات جزءا منك ،فلتفعل ما يحلو لك فلا أحد يراك

نسيت ان الله يرى حتى دبيب النملة في جُحرها فها انت الان تُنسى ..،وتلاشى ذاك الانعكاس كما ظهر

ليجفل الصياد محله وتتصنم قدمه في فزع ورعب جلي _كيف سأُنسى، ألن يرني أحد بعد الآن؟.. لا ..سأنزع ذلك الخاتم اللعين .

جَرَب كل شيء ممكن حتى كاد يقطع إصبعه ويفصله عن يده

جلس على الأرض من الإرهاق والألم فأصبعه جرح بشدة ومازال الخاتم يزينه وكأنه ينظر إليه بتحدي ،بلع ريقه في خوف

_ترى ما الذى علىّ فعله؟

رفع يده للسماء وبدأ ينتحب

_أقسم انى بدأت أتراجع عما كنت أفعله ،لن أعود لسرقاتي ثانية

لمعت عينيه ببريق أمل

 _أجل هذا هو الحل ،الاَّ اسرق ثانية

عاهد نفسه على ذلك واستمر ثلاثة أيام دون أن يقوم بسرقة واحدة لكن لا شيء يحدث ما زال خفياً

 

قرر رد المظالم إلى أهلها ،عل ذلك يشفع له عند ربه فتنحل عقدته

أعاد معظم السرقات التي يتذكرها الى اصحابها

لكن الامر كما هو عليه ،كاد أن يجن من فرط ما يمر به ،يريد أن يتعامل مع الناس يريد أن يتفاعل معهم هل سيصبح هكذا الى الأبد وكأنه منبوذ منفي وحده في عالم خاص به لا يشعر به أحد

مجرد التفكير بالأمر يصيبه بالهلع

_ماذا سيحدث اذا ما اصابني مكروه من سيستطيع رؤيتي وانقاذي، سأموت وأتعفن دون أن ينتبه لي أحد

أحس بالاختناق لابد أن يرى حل قبل أن تسوء الأمور اكثر

قرر التوبة الى الله ناجاه ليل نهار،

فكر انه كما كان يعصيه في السر ،سيطيعه ايضاً في السر دون أن يراه أحد ،بات يصلي ويتقرب إلى الله بالصيام والقيام

تذكر صدقات السر ،تذكر أن الصدقة تطفئ غضب الرب

فاخذ يتصدق بكل ما لديه للمحتاجين

 

كان قد احتفظ بحقيبة المال لعلاج ابنه ،لكنه تراجع اخيرا وأعادها الى المشفى ليخرج ذلك الطبيب المظلوم من حبسه ووضع رسالة اعتذار وأسف عما بدر منه

مرت الشهور وهو على حاله،

أصبح فقيرًا ثانيةً يعيش في بيت صغير وحيدًا بائسا ،يذهب ليتفقد صغيره الذي لا تقدم في حالته .

جلس على شاطئ البحر الذى يعشقه

داعب بقدمه حبات الرمال أسفله لكن لا أثر لآثار أقدامه على الرمال ،تنهد طويلا بألم وعتاب

_انا من فعلت هذا بنفسي ،انا من أهنت نفسي وبعت ضميري سرقت ونهبت حطمت الآخرين وكنت سبباً لسجنهم وشقائهم ،انا الملوم على كل هذا وليس الخاتم ،الخاتم كان مجرد اختبار وفشلت فيه ،الان تجلت حقيقتي لنفسي ،انا الذى مع أول فرصة نسيت ربي فبمجرد أن اُغلقت علىّ الأبواب عصيته مختالا بما أفعله

"يارب إرحم ضعيفًا ذليلاً جاء اليك مستغفرًا نادمًا ،طرق بابك سائلا فلا ترده خائباً يارب اذا أنت لم تقبلني فأني هالك لا محالة،

يا حي ياقيوم برحمتك استغيث أصلح لي شأني كله ولا تكلني الى نفسي طرفة عين "

 

مرت الأيام حتى قاربت السنة على الانتهاء والصياد على حاله، يعمل بيده فيأكل من ماله الحلال حتى لو كان زهيدا

رضى بحاله هكذا لا أحد يراه وحيدا نائيا عن الجميع رغم انهم يحيطون به يتفاعلون من حوله لكنه ليس بينهم.

_"رضيت يارب المهم انك ترضى "

كان هذا لسان حاله لا يفتر لسانه عن ذكر ذلك الدعاء بقلب قانع راضي

 

ذات يوم وعندما انتهى من صيده والذي لم يجنِ منه سوى سمكتين فأكل إحداهما والاخرى تصدق بها لمن يستحقها

 

جلس في بيته ليسمع دقات بابه فاستغرب من الذي يأتيه وهو الذي اعتاد على ظن الناس انه ميتا فلا أثر له

فتح الباب فوجد زوجته أمامه، سعد قلبه برؤيتها لكن سعادته لم تَدُم فهي لم ولن تراه ابدا ليتفاجأ بها تقول

_اشتقت إليك يا عبد الله

تخشب الصياد محله حتى ظن أنه والباب في يده شيئاً واحداً

_ماذا أهى تراني!

هرول مسرعاً الى الداخل يبحث عن مرآه تذكر انه تخلص منها فهو ليس بحاجة اليها فأمسك بطاسة ليرى انعكاس صورته فيها فرأى نفسه أخيرا

فرك أعينه بيده عدة مرات غير مصدقاً فصاح مكبرا

_الله اكبر ،عدت ورب الكعبة ،تقبل الله توبتي اخيرا

سجد لله شكراً بأعين دامعة فرحة، أطال في سجدته بكى وبكى كثيرا وبعدها ضحك بفرح كطفل عاد لأمه بعد طول غياب "ولله المثل الاعلى "

نسي زوجته التي تقف على الباب فذهب مهرولا اليها محيطا إياها بذراعيه مشتاقا لقربها تنهد برضا

_لك الحمد يا رب حتى ترضى

وكعادته كل فترة يذهب ليطمئن على ابنه فبشره الطبيب بأن مؤشراته الحيويه بدأت تستجيب وقريبًا سيفيق من نومته الطويلة تلك

لاحظ تحول لون الجوهرة في خاتمه إلى الاخضر فجرب نزعه فَنُزع بسهولة ،حمد ربه أن هذا الكابوس انتهى ،ذهب به الى البحر فأعاده حيث كان،

متمنيًا ألا يحدث لأحد مثل ما حدث معه ،مستوعباً الدرس جيدا ،مقبلا على الله بنفس جديدة راضية طائعة شاكرة


تمت

لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية..

رواياتنا الحصرية كاملة