-->

نوفيلا جديدة حفنة من هؤلاء لسلوى طارق - الفصل 2 و 3 - الجمعة 19/7/2024

 

 

قراءة نوفيلا حفنة من هؤلاء

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى


قراءة قصة حفنة من هؤلاء 

قصة قصيرة جديدة

من روايات وقصص 

الكاتبة سلوى طارق 

الفصل  الثاني والثالث

تم النشر يوم الجمعة

19/7/2024 

الفصل الثاني

" زائر غير مرغوب به"

 

اضطر إلى السهر إلى وقتٍ متأخر من الليل ليستذكر مع صغيرته دروسها الصعبة فأثر هذا على مزاجه وعكره منذ ساعات الصباح الأولى؛ انتهى من صلاته _المتأخرة عن معادها _ ثم اتجه إلى  المطبخ ليعد الفطور …

 

أخرج من الثلاجة الحليب والبيض، وضع الحليب بإناء مخصص له وأخفض شعلة الغاز وقلبه بهدوء حتى يتم تكوين رغوة بسيطة دون أن يصل إلى درجة الغليان، وبعد انتهاءه منه كان البيض قد نضج فأطفأ النار، ثم أكمل إعداد الطعام ذهب إلى غرفة الصغيرة فتح باب الغرفة بهدوء وسار إلى الفراش بهدوء حتى لا تفزع صغيرته ثم هزها برفق:

_نوسا، حبيبة بابا يلا اصحي عشان المدرسة.

 

كرر ما فعله مرة أخرى ولأنها اكتسبت منه عادته بالاستيقاظ مبكرًا كان سهل عليها النهوض بسرعة، ساعدها في الاعتدال:

_صباح الخير.

_ صباح النور يا بابا.

ردت عليه بصوتها الخامل، ثم قامت وخرجت من الغرفة في طريقها إلى المرحاض المقابل لغرفتها والمجاور للمطبخ...

 

أما في غرفتها بدأ "أنس" يرتب الفراش ثم بعد ذلك بدأ تحضير ملابسها الخاصة بالمدرسة الابتدائية يضعها على كرسي قريب منه ثم خرج من الغرفة ليبدل ملابسه لملابس رسمية تليق بمكانته كمشرف تربوي...

 

مرت خمسة عشر دقيقة  كان "أنس"  أنهى استعداده؛ وكاد بالذهاب إلى صغيرته إذ يُفاجئ بطرقها على الباب بخفة فسمح لها بالدخول:

_ادخل.

 

فتحت الصغيرة الباب بصعوبة لقصر قامتها المُوروث من والدتها الراحلة ثم ولجت إلى غرفة والدها تحمل بيدها اليُمنى فراشة زهرية:

_ اعمل لي قطتين يا بابا.

ابتسم لها "أنس"  وأشار لها أن تجلس على الكرسي الموضوع أمام المرآة؛ فجلست كما آمرها والتف هو من خلفها وأخذ الفراشة وبدأ تمشيط شعرها البني على شكل جديلتين ولم ينسَ ترك بعض الخصل القصيرة على هيئة  غرة، بعد انتهائه ربت على كتفها ثلاث مرات متتالية وهو يُخبرها:

_يلا عشان نلحق نفطر وبعدين اوديكي المدرسة.

 

جلسا على طاولة الطعام الموجودة بالمطبخ ثم أخذا يتناولان طعمهما بشهية وسط مزاحهم...

❈-❈-❈

بعثر الهواء خصلاتها البنية على صحيفة وجهها فأعدتها بانزعاج إلى خلف أذنها ثم صاحت بعلو صوتها :

 

_يلا يا بابا هنتأخر كده!

 

 

لم تمر سوى بضع دقائق قليلة وطل أبيها من باب البناية يحمل  حقيبتين إحداهما بنية اللون والأخرى زهرية

 

فأجابها يفتح باب السيارة المجاور لها ثم استقر بمقعده:

_ اهو وصلت اركبي يلا.

 

نفذت أمره والتفت حول السيارة لتجلس بجواره بالأمام، فور جلوسها إنطلق بالسيارة إلى مدرستها القريبة من منزلهم...

 

خلال دقائق قليلة وصلوا إلى مدرستها؛ أوقف السيارة أمام البوابة الرئيسية ثم التفت إلى الخلف يُحضر حقيبتها من المقعد الخلفي ليعطيها لها، وودعها بقلبة على وجنتها، انتظرها حتى تلج إلى المدرسة فوجدها تلوح له بكفها الصغير؛ ابتسم لها ورد لها التحية بمثيلتها، حينما اختفت من أمام ناظريه انطلق إلى وجهته التالية.... 

أخذ الطريق حوالي عشر دقائق، قام بركن سيارته بمكانها المُخصص ثم اتجه إلى المبنى الذي يعمل به، تفاجئ من حالة الهرج والمرج السائدة، مر بجانبه أحد زملائه فأوقفه متسائلًا:

_ أحمد، هو في ايه؟، ايه الي بيحصل؟

 

أجابه الأخر:

_ في نصيبة حصلت، في فيديو اتنشر لتلاتة طلاب في مدرسة هنا وهما بيتنمروا على  زميل ليهم والدنيا مقولبة على السوشيال ميديا وأستاء حامد حالف ميت يمين ان المشرف المسؤول عن المدرسة دي هياخد جزا شهر.

 

تفاجئ "أنس"  من الأخبار الكارثية خاصة بمثل هذا الوقت من العام واقتراب الامتحانات النصفية فسأله عن هوية المشرف:

_ وانتوا عرفتوا مين الي كان مسؤول عن المدرسة، هو مين؟، وانهي مدرسة؟

_ لسه بندور على اسم المشرف، مدرسة الحجاز الاعدادية.

 

أجابه "أحمد"  ثم استأذن منه للعودة إلى مكتبه:

_ عن اذنك أنا بقا.

_ اتفضل.

 

سمح له "أنس" بالذهاب ثم أكمل طريقه إلى مكتب عمه، قابل في طريقه عامل الخدمات وطلب منه:

_  كريم، بعد اذنك هاتلي كوباية لمون على مكتب أستاذ حامد.

_حاضر.

 

شكره "أنس"  ثم أكمل طريقه إلى مكتب المدير التنفيذي، ولج إلى الغرفة بعد سماعه أمر الدخول بعدما طرق على الباب كما اعتاد؛ فوجد عمه يدور حول نفسه بتوتر فحياه قائلًا:

_ صباح الخير.

نظر له "حامد"  بسرعة ثم كشر وتحدث بعصبية:

_ خير!  وهو هيجي منين الخير بس يا أنس!، شوفت النصيبة الي حصلت.

 

هدأه قائلًا:

_ اهدى يا عمي مش كده، مفيش حاجه هتتحل بالعصبية.

 

اندهش عمه من هدوءه وثباته الانفعالي فتساءل مدهوشًا:

_اهدى؟، انت جاي عشان تجنني يا أنس، اهدى ازاي وفي كارثة زي دي وممكن فيها اتفصل!

 

كاد أن يجيبه ولكن قطعه طرق على الباب؛ فسمح للطارق بالولوج إلى الداخل، دخل العامل "كريم" ووضع كأس عصير الليمون على الطاولة الموضوع أمام المكتب؛ فشكره "أنس"  وانتظره حتى خرج من المكتب ثم التفت إلى عمه وقال:

_ ايوه تهدى، الموضوع مش بالصعوبة دي كلها، ده يتحل في دقايق كمان.

 

استغرب "حامد" مما يقول وسأله:

_ يتحل في دقايق!، طب قولي يتحل ازاي ده؟

_ اقعد بس حضرتك واشرب اللمون وهدي اعصابك وانا هقولك نعمل ايه.

 

جلس المدير كما أخبره "أنس"  ؛ فوجده يعطيه الكأس ليشربه ويُهدأ أعصابه، انتظر "أنس"  حتى يُنهي عمه العصير ليتحدث بما فكر به وهو في طريقه إلى مكتبه، وضع "حامد" الكأس الفارغ على المكتب ثم شبك يداه ببعضها وقال:

_اديني هديت اتفضل قولي بقا هنحل الكارثة دي ازاي؟

 

أجابه "أنس"  بهدوء:

_أكيد، أولًا حضرتك مش هتأذي المشرف المسؤول عن المدرسة دي، لأنه غير مسؤول عن الحالة دي؛ ثانيًا والأهم الطلبة الي تنمروا على زميلهم الرابع يتفصلوا من المدرسة ويتمنعوا من الامتحان الترم ده عشان عقابهم يكون شديد وطبعا مش  هننسى ننزل التفاصيل دي على السوشيال ميديا، وكمان في حاجه أخيرة هيتم معاقبة الطلبة الي صوروا ده والمدرسة لأنه ممنوع التلفونات اصلا فيها.

 

مم البديهي إدراك أن من قام بتصوير هذه الحادثة الشنيعة أحد الطلاب  المستهترون الذين لم يلجئوا إلى المعلمين وفضلوا إثارة المشاكل والحصول على الشهرة بدون حساب ؛ فلم يُعقب المدير على هذه الجزئية ولكنه اعترض على قسوة العقاب على الطلبة فهم لايزالون أطفال:

_ أنا معاك في الفصل لكن يتحرموا من الامتحان حرام كده هضر مستقبلهم.

 

نفى" أنس" حديثه وقال بقوة:

_ في الحالتين هما ضروا نفسهم، ولازم العقاب يكون شديد عشان يكونوا عبرة للكل، حضرتك التنمر زاد جدًا الفترة الأخيرة في مصر ودي فرصة كويسة جدًا اننا نحد منه.

 

وافقه عمه قائلًا:

_ معاك حق يا أنس، شكرًا لتعبك أنا مش عارف لولاك كنت هعمل ايه.

 

ضحك "أنس"  بهدوء وقال:

_ أنا متأكد إن حضرتك كنت هتقدر تحلها بسهولة، أنا بس امتداد ليك ودي كلها تعاليمك ليا.

 

_ ولما هو كده لسه بردو عايز تمشي وتسيبني.

 

زفر الأخر بهدوء محبط:

_احنا اتكلمنا في الموضوع ده بما فيه الكفايه وحضرتك عارف اني مش هغير رأي، فلو سمحت متتغطش عليا اكتر من كده.

 

صمتا لبعض الثواني ثم  تحدث "حامد" بحماس:

_ طب ايه رأيك تجرب لو معجبكس الوضوع ترجع تاني؟

 

استغرب "أنس" من حديثه فسأله بحيرة:

_ازاي يعني مش فاهم؟

_ ايه رأيك تروح مدرسة الحجاز وشرف عليها مع خالد؟

أجابه عمه متحمسًا لموافقته؛ ولكن "أنس" خيب أمله بقوله:

_  لاء طبعًا، وهو ايه الفرق أنا مشرف في كل الحالات لكن أنا عايز ادرس في الفصل.

_ في فرق طبعًا، أنت هتروح وكأنك مدرس عادي معاهم و هتشرف عليهم.

 

صحح له المدير مفهومه ثم أكمل وقال:

_ها ابه رأيك؟

 

فكر "أنس" لبعض الوقت ثم أجابه قائلًا:

_ ماشي، بس...

 

قاطعته طرقات على الباب؛ فسمح عمه للطارق بالدخول فكان "خالد"  المشرف المسؤول عن مدرسة الحجاز الاعدادية …

 

القى "خالد"  عليهما التحية ثم وجه حديثه لمديره:

_ قالولي إن حضرتك طلبتني، حضرتك لازم تعرف اني مليش اي ذنب بخصوص الفيديو الي اتنشر.

_اقعد يا خالد، وبالنسبة للمدرسة فأنس اقترح حل مثالي جدًا عشان كده انتوا الاتنين هتتولوا مهمة الاشراف على المدرسة دي مخصوص.

 

تفاجئ "خالد" مما قاله المدير ثم القى نظرة على "أنس"  الهادئ فعرف أنه على علم بما قاله؛ فأعترض قائلًا:

_ ازاي يعني يشرف معايا!، حضرتك ده شغلي أنا وكمان الغلطة دي أنا مش مسؤول عنها نهائي، ولا عشان هو ابن أخوك تدخلوا في أي حاجة وفي أي وقت.

 

اندهش كلا من "حامد وأنس"  من جراءة "خاد"  بالحديث؛ فانفجر المدير به قائلًا:

_ خالد، الزم حدودك، ايه الي أنت بتقوله ده، أنس مش هنا عشان هو ابن أخويا ولا أنا بدخله في أي حاجة ده شغله زيه زيك وكلنا عارفين كفاءته في الشغل وتميزه، ولعلمك أنا هنا الي أقول مين يعمي ومين ميعملش وحضرتك هتتفضل على مكتبك تجهز نفسك عشان زيارة المدرسة أنت وأنس ده طبعًا مش قبل اعتذارك لزميلك.

 

صمت ينتظر اعتذار "خالد"  لصديقه بالعمل؛ ولكن خالد لم يكن ينوي الاعتذار عما قاله فحاول تبرير كلماته:

_ بس أنا مغ...

_ كلامي منتهي، يأما حضرتك هتاخد جزا شهر وهيتم نقلك، القرار ليك.

 

غضب  "خالد "  ولكنه ادرك أنه مُجبر على الاعتذار؛ فالتفت لأنس وجده ينظر له بلامبالاة متقنة التمثيل، فعض شفتاه بقسوة وقال:

_ أنا آسف.

ثم خرج سريعًا من المكتب بدون انتظار قبول الآخر اعتذاره البارد؛ نظر "حامد"  لابن أخيه وقال مبتسمًا:

_ متوقعتش إنك هتفضل ساكت كده.

 

رد له "أنس" الابتسامة بأخرى وقال مازحًا:

_ولا أنا.

ضحكا بمرح قطعه "أنس"  بجدية:

_ بس بصراحة هو معاه حق أنا لو مكانه كنت هتعصب إن حد يجي يشتغل معايا خصوصا إنها مش غلطته.

وافقه قائلًا:

_ دي حقيقة، بس ده لو كان هو ده فعلًا الي ضايقه بس الباشوات الي بره بيغيروا منك، متفتكرش أني مختش بالي من طريقته وهو بيسلم عليك.

 

ابتسم له الأخر بهدوء ولم يعقب، أرد أن يستأذن للذهاب إلى مكتبه والاستعداد للزيارة ولكن عمه أوقفه قائلًا:

_ روح يا أنس يمكن تقدر تلاقي الي ملقتهوش هنا، ربنا يصلح حالك يا حبيبي.

 

نظر له بامتنان ثم خرج من المكتب ليستعد للزيارة المفاجئة وترك لعمه مسألة نقله السريع باستغلال الوضع الراهن لتقم الوزارة بنقله بسرعة وقبل انتهاء الفصل الدراسي الأول...

❈-❈-❈

#####################

أما بالمدرسة لم تكن حالتها أقل من حالة المدرية سابقًا، فقد اجتمع المدير مع العاملين اجتماع عاجل، يخبرهم أن يجدوا حلًا لهذه الكارثة، وكان من المتوقع لهم أن تُرسل المدرية مشرف تروبي ليُقيم المدرسة ولكنهم لم يتوقعوا أن يكون اليوم!

 

انزعج المدرسون من هذه الزيارة المفاجأة خاصة أن البعض منهم كان يترك أمر تحضير الحصص لطلابه وبعضهم لم يكن يهتم بالحصص خاصة الأخيرة فكانت المدرسة بحالة فوضى عارمة بانتظار زائر غير مرغوب به...

 ❈-❈-❈


الفصل الثالث:

" من الفاعل؟ "

  

وصلا إلى المدرسة في خلال ربع ساعة، صف "أنس" سيارته بالقرب منها ثم ترجل منها واتخذ طريقه إلى المدرسة يتبعه "خالد"...

كان يسير خلفه ببضع خطوات ولكن رؤيته يمشي أمامه بثقة جعلته يتخيل أنه يرى قائدًا ناجحًا ومديرًا متمكنًا، رفض عقله هذا التخيل فأعطى لقدميه مهمة التساوي معه؛ تقدم ليصبح بنفس مستوى سرعته وكتفه يلامس كتف" أنس"، وصلا إلى غرفة مدير المدرسة؛ طرق "أنس" الباب وانتظر بصبر أمر الدخول فهمها كانت رتبته فهو كمعلم ومربي عليه احترام القواعد، سمع صوت خشن يسمح له بالولوج:

_ اتفضل.

فتح الباب ثم دخل وورائه "خالد"؛ استقبلهما المدير بترحاب ثم أشار لهم إلى الكراسي البنية الموجودة بالمكتب: _يا أهلًا وسهلًا، اتفضلوا، اتفضلوا.

جلس " أنس" على الكرسي المجاورة للخزانة، أما "خالد"  فجلس على الكرسي المقابل له، ضغط المدير على زر يستعدي به العامل الذي لبى النداء بسرعة قياسية وكأنه كان ينتظر خارج المكتب؛ طلب منه ثلاثة فناجين من القهوة بعدما سألهما من طلبهما؛ خرج الرجل ليحضر القهوة وتركهم بعد إغلاقه لباب المكتب وراؤه، التفت المدير إلى "خالد" يرحب به مرة أخرى:

_ شرفتنا يا أستاذ خالد، طبعًا أنا عارف حضراتكم هنا ليه وعايز أقولك إن المدرسة اتخذت اجراء صارم بخصوص الموضوع وتم بالفعل معاقبة الولاد دول وتم فصلهم لتلات أيام كقرصة ودن صغيرة، ما احنا بردو مش عايزين نضيع مستقبل الأولاد.

 

وافقه "خالد"  قائلًا:

_ كويس جدًا أنا بردو شايف إن ده أنسب حل.

 

لم يختلف موقف "أنس" عنهما كثيرًا فالعقاب مناسب ولكن لفت انتباهه أن المدير لم يذكر اسم الطالب الأخر؛ فسأله بفضول:

_ طب والطالب الي اتنمروا عليه، ايه الي حصله؟

_نعم!، ماله الطالب زي ما قلت من شوية احنا فعلًا عاقبنا المتنمرين، هنعمل ايه تاني؟

أجابه المدير بسخرية ثم ضحك في نهاية حديثه، غضب "أنس" من كلماته الساخرة فأجابه بسخرية مماثلة:

_تعمل ايه!، في حضرتك أخصائين نفسين في المدرسة الي هما دورهم يتابعوا الطفل ده، ده غير طبعًا يستدعوا على الأقل كل يوم أربعة أو خمس طلاب يسألوهم عن إن كانوا اتعرضوا للتنمر، رأيك حضرتك ايه في كلامي يا مستر خالد.

 

أعاد نظره لخالد يسأله عن رأيه بحديثه وحكمه؛ فابتلع "خالد" ريقه وقال بتوتر:

_ اه طبعًا معاك حق يا مستر أنس.

 

شعوره بالدنو أمام نظرات "أنس" الواثقة جعلته يوافق على حديثه بدون تفكير وبسرعة تُحسب عليه، نظر "أنس" مرة أخرى للمدير واستأنف حديثه قائلًا:

_أنا ومستر خالد محتاجين نشوف الفصول والطلبة بنفسنا.

أومأ له الأخر بتوتر ثم وقف قائلًا:

_اه، اه طبعًا اتفضلوا.

خرجوا من المكتب وساروا بالرواق حتى وصلوا السلم فصعدوه، قابلهم أول فصل دراسي وكاد المدير أن يدخله ولكن "أنس" اعترض طريقه متحدثًا:

_لا، لو سمحت خلينا نشوف فصل تاني.

 

لم يجرؤ على الرفض فأكملوا سيرهم، يتخطون ثلاثة فصول أخرى، كادوا أن يتخطوا الرابع ولكن ولسوء الحظ سمع "أنس" سبة نابية تصدر من خلف الباب المغلق؛ أسرع يفتح بابه ودخل إليه بخطى ثابتة حتى وقف بجانب المعلمة التي لم يُلقي عليها سوى نظرة واحدة عرف منها أنها جارته بالعمارة التي يقطن بها؛ استمر الصمت لدقيقة كاملة هو ينظر للطلبة وهم  ينظرون له بخوف، فرق بين شفتيه وسألهم:

_ مين الي شتم؟

لم يرد عليه أحد بل استمروا بالنظر فيما بينهم بتوتر؛ فأعاد سؤاله بحدة:

_سمعتوا قلت ايه!، مين الي شتم؟

استمروا بالصمت فنظر لهم ساخرًا وتحرك من مكانه ليدور حول الطاولة المستطيلة حتى استند عليها مربعًا ذراعيه وأردف:

_حلو، خلينا بقى طول النهار مستنين نعرف مين اللي شتم، أنا عن نفسي فاضي كده كده ده شغلي.

 

التوتر ملئ الجو داخل الحجرة الدراسية وعلى الرغم من سطلة المدير على الطلاب إلا أن شخصية "أنس" فرضت نفسها على وجوده النادر فلم يلتفت له أي من الطلاب بل تابعوا النظر إلى "أنس" بتوتر ورهبة...

لفت نظره أحد الطلاب يتململ بضيق؛ فأشار له قائلًا:

_أنت، قوم قولي مين اللي شتم.

نظر كل من بالحجرة للطالب المذكور بعضهم نظر له بفضول والبعض الآخر نظر له بحدة، أشار الطالب بأصبعه السبابة لنفسه وقال بهمس:

_أنا؟

_اه، أنت.

وقف الطالب بتوتر ثم نظر لأصدقائه لثوانٍ قليلة وأعاد نظره مرة أخرى لأنس؛ ابتلع ريقه وأجابه:

_ أنا... مش...

_متكدبش.

قاطعه "أنس" بصرامة أخافته، فزفر بسخط ثم اعتدل بوقفته واقترب من الطالب ثم وقف أمامه:

_متخافش، محدش هيعملك حاجه، شاور بس على الي شتم.

بالفعل نفذ الطالب كلماته وأشار على أحد الطلبة كان يحاول الاختباء خلف أحد زملاءه؛ سار باتجاهه وفرق بين الولدين اللذين كانا يقفان أمامه بغرض حجبه عن الأنظار، وقف أمامه وقال:

_ أنت في سن ده أكيد عارف إن الشتيمة حرام.

 

أومأ له الطالب وهو يتحاشى النظر لعيناه؛  فزفر "أنس" بسخط ثم سأله:

_طالما أنت عارف بتشتم ليه؟

لعب الطفل بأصابعه بتوتر بالغم ثم أجابه:

_ ما هو الي شتمني الأول.

_مين؟

رفع حاجبه وهو يطرح سؤاله عليه؛ فأجابه الطالب بهمس:

_أحمد.

 

رفع نظره من عليه ثم سأل عن المدعو "أحمد" فأجابه أول طالب سأله عن الفاعل، نظر لهما" أنس" بهدوء ثم أمرهما أن يرفعا أيدهما إلى أعلى وهما يحملان حقائبهم، ثم أعاد نظره إلى المدرسة وقال:

_ لو سمحتِ يا مس بشرى خليهم رافعين ايديهم لنهاية الحصة.

أومأت له بموافقة وكلاهما يعلم أن وقت الحصة المتبقي هو حوالي عشر دقائق ولكنه أصدر العقاب ووجب التنفيذ ولأنهما صغيران لم يُرد تحميلهما اكثر من طاقتهما تكفي نظرة الخجل التي تحتل عينهما...

خرجوا من الفصل الدراسي وأغلقوا الباب بعد خروجهم، ابتلع المدير ريقه بتوتر وهو يفرك كفاه ببعضهما:

_احم.. الأطفال دول عليهم شوية حركات محدش يتوقعها.

 

يُقسم أنه كان قد قرر التغاضي عما حدث منذ دقائق ولكنه استفزه بحديثه فوقف ونظر له وتحدث بقسوة:

_معاك حق الأطفال محدش يتوقعهم لكن تقدر تقولي ازاي مدرسة تقف بدون ما تدي أي ردة فعل على الي حصل من شوية!

ضحك المدير بتوتر ثم بدأ تبريره قائلًا:

_وهي لحقت حضرتك ادخلت على طول.

رفع "أنس" حاجبه بسخرية وقال:

_ إنهم يردوا لبعض الشتيمة في وجودها ده معناه إنها مش قادرة تسيطر على الفصل!

لم يدعه يبرر موقفها بل أستأذن منه:

_كده أنا وصلت للي كنت عايزه من زيارتي، أما التقرير حضرتك هتستلمه قريب جدًا ومعاه هدية صغيرة مني، أستأذن أنا بقى، السلام عليكم.

 

القى عليه السلام ثم تركهما خلفه وأكمل طريقه للخروج من المرسة... 

الصفحة التالية