-->

قصة قصيرة جديدة لكل قلب ما هوى لصفاء سيف - الإثنين 14/7/2024


قراءة قصة قصيرة لكل لقلب ما هوى

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى


 


 قراءة قصة لكل قلب ما هوى

قصة قصيرة جديدة

من روايات وقصص 

الكاتبة صفاء سيف

تم النشر يوم الإثنين

15/7/2024


جلس مدبولي وحده شاردا يفكر في موقف سابق قد حدث قبل اختفاء ابنته، حين جاءته تجري خائفة من الأعلى، وقتما كانت تعطي الخضروات للدكتورة فريدة بالطابق الخامس، ولما نزلت كان يبدو عليها القلق والخوف ولم تحكِ ما بها، ثم تذكر حين رآها ذات مرة تقف مع(علي) ابن الدكتورة عند باب المصعد الكهربائي يتحدثان ويضحكان معا بانسجام، وسرعان ما توقفت وارتبكت حين رأته خلفها، فحدث نفسه متسائلا:

_ هل ابنتي تعرضت لشيء وخافت من إخباري؟

_ وكيف ستخبرك وأنت ترعبها بمعاملتك الفظة دوما، وتجبرها على التكتم؟

_ حتما كتمت داخلها، ولاشك أن ابنة شابة بعمرها معرضة لأي موقف جديد على عمرها وعقلها.

_ وهي لا تملك أُمًا تفصح لها عما يشغلها دون خوف، ولا أخت تشاركها مشاعرها.

_ نعم، لكن توجب علي معاملتها بحزم وتربيتها بدقة خاصة بعد وفاة أمها، وكانت قسوتي معها وتخويفي لها خير وسيلة.

_ القسوة كسرتها بدلا من أن تقوِّمها.. كان عليك أن تعاملها برفق، وتعوضها عن كل حرمان.

_ أتظن يا مدبولي أنها بحثت عن الحب والرفق في مكان آخر بسببك أيها الغليظ؟

_ أظنها هربت بعدما أهنتها وضربتها آخر مرة.. مؤسف حقا أن ندرك خطؤنا بعد فوات الأوان!  

ظل شاردا حتى قطعه نداء الأستاذ (حمدي سليم) الصحفي بالجريدة الوطنية والذي سأله عن ابنته فأجابه بحسرة:

_ ليس لها أثر يا أستاذ حمدي، وقد اتهمني بعض سكان العمارة بقتلها.

_ كيف هذا؟  ومن الذي اتهمك هنا؟

_ أكيد السيدة رجاء بالطابق السابع وزوجها أحمد بعدما ضربت ابنتي أمامهما آخر مرة.

_ ولما ضربتها؟

_ كانت عندهم وتأخرت في النزول ولما صعدت لتفقد الأمر وجدتها تجلس برفقة ابنتهم الشابة (سالي) وقد ألبستها فستانها العاري ووضعت لها مساحيق التجميل، كما جردتها من حجابها وفكت ربطة شعرها، مما أثار غضبي ودفعني للكمها أمامهم وتهديدها بالقتل.

_ كل هذا؟! وماذا حدث بعدها؟

_ في الصباح التالي لم أجدها، إلى يومنا هذا.

_ أظن أنها هربت يا عم مدبولي، ما كان عليك أن تنهرها بهذا الشكل.

_ ليتني لم أقسو عليها، أنا لا أملك سواها، ليتها تعود وسأحيطها حبا وحنانا، لقد بحثت عنها في كل الشوارع وسألت الجميع ولا خبر عنها.

_ ابنتك شابة مراهقة، وكانت بالفعل في حاجة للحب والاحتواء، احضر لي صورتها وسأنشرها لك في الجريدة، لا تقلق ستعود بإذن الله.

 أعطاه أحدث صورة لنسمة كانت على هاتفها الحديث، الذي اشتراه خصيصا؛ لكي تلعب به وتلتقط الصور وقتما شاءت، وبينما انغمس يتفحص الصور بعدما أنهى حواره مع  الأستاذ حمدي، وجد صورة لابنته وهي مرتدية لباسها العاري الذي صُدم حين رآها ترتديه عند ابنة السيدة رجاء، فاشتعلت غيرته على ابنته واحتقن وجهه غضبا، وأسرع إلى شقة رجاء وابنتها عازما على معرفة حقيقة الليلة الأخيرة التي قضتها ابنته برفقتهم بهذا الشكل المشين واكتشاف ما حرضوا ابنته على القيام به، فقد ثارت ظنونه حول ابنتهم بأنها أفسدت عقل ابنته وكانت تنوي إتلاف أخلاقها أيضًا، وقف أمام باب الشقة، وقبع يضغط ذر جرسه دون توقف، وباليد الأخرى يقرع  الباب، حتى فتحت رجاء على عجل وهي توبخ القارع صارخة:

_ من الذي يطرق الباب هكذا بغباء؟

_ أنا يا ست رجاء، مدبولي.

_ ماذا تريد يا حيوان؟  وكيف تجرؤ على دق الجرس وطرق الباب هكذا؟ أجُننت؟

_ أريد ابنتك في أمرٍ عاجل.

_ ما لكَ بابنتي؟

_ أود أن أسألها عن نسمة ابنتي.

_ سالي ليس لها علاقة بابنتك، ولا يشرفنا أن نعرف أمثالكم.

_ أمثالنا يعيشون في حالهم خلف جدرانهم! ولا يخرجون إلا لمدفنهم. أنا فقط جئت لأعرف لماذا قامت ابنتك بإغواء ابنتي في الليلة الأخيرة قبل هروبها؟

_ يبدو أنك جُننت حقا.

_ ابنتك أغوت ابنتي بتغيير ملابسها المحتشمة وألبستها فستانها العاري، ولونت لها وجهها، والآن وجدت صورة ابنتي على هاتفها بهذا الشكل، أريد أن أعرف ما السر وراء ذلك، وقبل أن تجلدي كرامتنا بسوط لسانك وإهاناتك التي لا تتوانى عن تحقيرنا، أعترف وأقر بأننا لا نليق بكم ولا بمصاحبتكم، ولكن ابنتك هي من أغوت ابنتي وأخذتها إلى غرفتها  وفعلت بها كل هذا.

_ أخرج من هنا أيها المعتوه قبل أن أستدعِ لك الشرطة، وسأخبر زوجي بما فعلته فور وصوله وستلقى جزاؤك.

_ سأخرج، لكن وكلت ربي عليكم، حسبي الله ونعم الوكيل.

خرج منحني الرأس مكسور الخاطر والدمع ينزلق من عينيه، ثم نزل على الدرج في حزنٍ ووجوم، ومر أسبوع على هذا الحال الكئيب، يتلهف لخبر عن ابنته، و الذاهب والآيب يسأله عنها، وكلما مرت سالي المدللة من أمامه يرمقها بنظرة عتاب دون أن يتفوه بكلمة، وبتدبير من الله بعدما نشر الصحفي الصورة، اتصل بالجريدة أحد الأشخاص مصرحًا أنه رأى الفتاة في إحدى الشوارع، فأخذ حمدي عنوان الشارع، وراح يبحث عنها بنفسه، وبسيارته الخاصة ظل يجوب الشوارع الفسيحة شاهقة المباني، ويمشط المنطقة أكملها بعينيه، ثم قرر أن ينزل ويسأل عنها البقالون والأهالي بالمنطقة المزدحمة بالمارة والزبائن أمام محلات الملابس والمطاعم، لم يتعرف عليها أحد، حتى أخبره صاحب محل ملابس حريمي أنها قصدته منذ أسبوع تطلب فرصة عمل عنده فأجابها أنه ليس بحاجة للعمالة حاليا ودلها على محل أحذية بالشارع الخلفي كان يطلب شباب للعمل به، فشكره حمدي واتجه مسرعا إلى المحل المقصود يسأل عنها. رمقها تقف خلف زجاجه تلمعه ولا تنتبه للخارج، مرتدية سترة زرقاء منتفخة الأكمام، تحتها جيبة واسعة فضفاضة باللون الثلجي، بحجاب يجمع اللونين مها، فلوح إليها ودخل ملقيا السلام:

_ نسمة، ماذا أتى بكِ إلى هنا؟

_ أستاذ حمدي، أنا..  أنتَ...  ما الذي أتى بكَ أنت؟

 رآها متلعثمة في الرد، تتلفت حوله وخلفه بعينيها اللاتي اتسعتا حدقتيهما وتقببت مقلتاها في زعر، فابتسم بحنان مجيبًا:

_ جئت لأجلك، أنت جارتي ولن أتركك، ولا تخافين، أبيكِ لا يعرف شيء، ولا أحدٌ سواي.

_ لقد انتبه صاحب المحل لحديثنا وأخشى أن يطردني.

_ تخشين؟! أخبريني أين تباتين؟

_ أبيت هنا، لقد استسمحت الحاج منصور في السماح لي  بعدما أقنعته بصعوبة أنني فقدت أهلي ولا أملك مكان أسكن فيه، وكل ليلة يغلق عليّ المحل من الخارج  بعد انتهاء العمل.

_ حسنا، هيا نذهب.

_ لا، أعذرني لن أعود.

_ سنتحدث قليلا، ولن أجبرك على شيء.

_ أرجوك لا تتسبب في خسارتي للعمل، لقد حصلت عليه بعد عناء.

_ لا تخافي، لن أدع أي مكروه يصيبك بعد الآن، هيا، استأذني من الحاج الآن في الانصراف.

_ لا أريد الانصراف ولا التحدث مع أي شخص.

_ حسنا، سأستأذنه أنا.

دخل حمدي إلى مكتب الحاج منصور وأخبره أنه سيأخذ نسمة ليعيدها إلى أسرتها، وأراه صورتها بالجريدة التي يعمل بها، موضحا له أنها تعرضت لحادث أفقدها الذاكرة، فنظر لها الحاج وهي تقف عند الباب بخجل وارتباك، وأومأ لها برأسه متعاطفا معها.

خرجت بتباطؤ وتردد، تخطو بجانب حمدي الذي يكبرها بعشر سنوات تقريبا، رأسها يجاور كتفه العريض، مرتديا قميصا أسود بأزرار  وسروال رصاصي فاتح اللون،   ولم ينطق بكلمة إلا بعد استقلالها مقعد سيارته الأمامي بجواره، أدار المحرك، بينما تعكس شمس العصاري أشعتها الذهبية على الزجاج منعكسة على عينيها الذهبيتان اللتان تلألأتا وسط وجهها الأبيض البيضاوي الممتلئ الوجنتين، وهي تمط شفتيها الورديتان بحركة عفوية تنم عن توترها وخجلها المتصاعد، وكانت على وشك الاعتراض ثانية على مرافقته، لكنه سبقها قائلا:

_ لا تخافي، لن أعيدك إلى أبيكِ، ولن أجبركِ على شيء.

_ إذًا، إلى أين تأخذني؟

_ أنتِ تعرفيني جيدا، وأعرفك منذ الطفولة، هل تخافين مني؟

_ لا أقصد ذلك، لكن أريد أن أعرف علام تنوي اتجاهي؟

_ لا تخافين، سنتحدث قليلا في مكان هادئ.

_ وكيف عرفت مكاني يا أستاذ حمدي؟

_ سأخبرك كل شيء بعد جلوسنا، وتناول الغداء معا.

_ لست جائعة، أشكرك..

_ ها قد وصلنا، تفضلي معي.

وصلا إلى النادي الذي اعتاد حمدي التردد عليه كل فترة بجوار صفحة ماء النيل البلورية، وسط الخضرة المتناثرة تعلوها تغاريد العصافير أسفل سقف السماء المطرز بالنجوم البراقة حول قمرهم الفضي في طوره العرجوني، جذب لها الكرسي وطلب منها الجلوس وهو يتأمل ملامح وجهها الهادئة، ثم جلس مقابلها قائلا:

_ أنا معتاد على المجيء هنا دوما، هذا أفضل مكان أحب الانفراد بنفسي فيه.

 لاحت ببصرها حولهما وهي تتنفس بعمق متأملة هدوء وجمال المكان، كونها المرة الأولى التي ترى بها مثل هذه الأماكن، وكذلك قيام أحد الأشخاص بدعوتها للخروج والغداء رفقته.

رآها هائمة لا تنطق، فتركها تتأمل وتتلفت دون مقاطعة منه، حتى أفاقت من شرودها على صوت الشاب يقدم الطعام على المنضدة أمامهما، فارتبكت في جلستها وتنحنحت للوراء بظهرها متعففة عن النظر للأكل الذي انبعثت روائحه سريعا مهاجمة معدتها الفارغة، فنظر لها حمدي قائلا بابتسامة:

_ ستأكلين معي، وإلا لن أتركك تخرجين من هنا، ولن أتفوه بكلمة عن سبب مجيئي لكِ أيضا.

_ أنت تجبرني إذًا! وقد وعدتني بألا تفعل ذلك.

_ لا، لا تريها كذلك، بل أستحلفك، واسمحي لي، بالبدء في الأكل لأنني جائع جدا، لم آكل منذ الصباح، وها قد غابت الشمس.

_ تفضل.

_ ليس قبلكِ جميلتي.

هنا انتفض قلب العذراء الهاربة، وارتعدت أوصالها خجلا، متحاشية النظر إليه، فاستشف حالتها، وكمم فاه أخيرا منشغلا بالمضغ مركزا نظره على قطع الكفتة المشوية المدخنة أمامه.

وبعدما انتهيا من وجبتهما، واختفت الأطباق، وحل مكانها كوبين من الشاي الساخن، بدأ حمدي الكلام الجاد قائلا:

_ أعرف أن والدكِ هو سبب هروبكِ، وأعرف ما فعله معكِ.

_ هو من حكى لك؟

_ نعم، وهو نادم كثيرا، ويتمنى عودتك لإصلاح ما أفسد، لقد اعترف لي بقسوته معك وجفائه في معاملتك، وبكى أمامي اشتياقا إليكِ.

_ لا أصدق، أبي لا يعرف البكاء ولا الندم.

_ لا، صدقيني، أبيكِ تغير حقا، وهو من اعترف لي بضربه لك وإهانتك أمام سالي وأمها.

_ حقا، هل حكى لك ما حدث؟

_ نعم، وما لا تعلمينه أن سالي وأسرتها اتهموا أبيك بقتلكِ بسبب تغيبك.

_ حقا؟

_ نعم، وأبيكِ قال لي أنا لا أملك سواها في الدنيا، وتمنى لو رآكِ ثانية حتى يعتذر لك ويحنو عليكِ، والله لن تجدي من يخاف عليكِ مثله، وإن كانت معاملته تبدو لكِ قاسية فما هي إلا فوهة بركان حب عظيم يحمله داخله.

_ والله يا أستاذ حمدي لم أكن أعرف أن هذا قد يحدث لأبي بسببي، لم أقصد إيذائه.

_ حدث خير، رُب ضارة نافعة.

_ كيف، ماذا تقصد؟

_ لولا الليلة لما كنت انتبهت إليكِ جميلتي، أنتِ من كنت أبحث عنها طيلة العمر وهي أمامي ولا أراها كالأعمى، وها قد ارتد إليّ بصري الآن.

_ لا أفهم!

_ ستفهمين بعد عودتنا لأبيكِ.

_ لا أريد العودة.

_ كيف! لماذا؟ حتى بعد ما قلته لكِ؟

_ أنا لم أهرب بسبب أبي.

_ ماذا؟ إذًا، ما سبب هربك؟

_ قصة طويلة، لا أستطيع الإفصاح عنها، فهي لا تخصني وحدي.

_ أنا معك على أي حال، ولن أخبر أحدًا بأي كلمة دارت بيننا هنا.

_ وما دافعك للتورط معي؟

_ لا تقلقي، أحب التورط، أتنسين أنني صحفي، أركض خلف المتاعب؟

_ أستاذ حمدي، أريد أن أعود لعملي، وأشكرك على كل ما فعلته معي.

جذب يدها بحنان وربت عليها مطمئنا خاطرها بنظرة حب برقت في عينيه قائلا:

_ نسمة، لا تقلقي، أنا معك على أي حال.  أخبريني ما الأمر؟

لم تستطع الفتاة التماسك أكثر وارتداء قناع الصلابة طويلا، فسقط عن وجهها كاشفا عن دموعها قائلة:

_ أنا أوقعت نفسي في مشكلة كبيرة، وأهدرت كرامتي وكرامة أبي، فلم يكن أمامي سوى الهرب قبل افتضاح أمري.

_كيف؟ احكِ لي ماذا حدث؟

_ أخبرت (سالي) أني أحب (علي)  ابن المهندس مراد والدكتورة فريدة.

_ نعم أعرفهم، أكملي.

_ و(علي) يحبني أيضا، وأريتها هداياه التي أغدق عليّ بها، ورسائله وصوره التي أرسلها إليّ.

_ نعم، أكملي ولا تبكين، هدّئي أنفاسكِ.

_ لم أكن أعرف...

_ ماذا؟

_ أن سالي ستفعل بي ذلك.

_ لا تبكي، استريحي قليلا.

_ سالي خدعتني، ونصحتني بارتداء ملابس تخصها، فألبستني فستان أحمر عاري الصدر، ووضعت لي المكياج وأسدلت شعري على كتفاي، وقامت بتصويري، وقالت لي إن رآكِ (علي) كذلك، سيحبك أكثر، ويسرع في طلب الارتباط بكِ.

_ الحقيرة... أكملي.

_ لم أفهم ما كانت تخطط له، إلا بعدما هددتني بنشر صوري على الانترنت، ودس رأس أبي في الطين، وأنها ستفشي سري لأبي وتخبره بعلاقتي بعلي، وبأني كنت ألح عليها كي أستعير ملابسها وأدواتها كي أتصور وأرسل له.

_ يا لكِ من جانية بريئة!

_ ماذا؟

_ أكملي، لا تبالي.

_ خفت ليلتها، ولما جاء أبي وانتزعني من عندهم، لم أغضب من ضربه لي بقدر غضبي من نفسي وحزني عليه وعلى ما فعلته بنفسي.

_ صراحتنا وحماقتنا قد تصبحان ضفائر تلتف حول رقابنا.

_ ماذا؟

_ أكملي، وامسحي دموعك، لا تخافين.

_ ليلتها دخلت دورة المياه، واتصلت ب (علي) كي أخبره بما حدث، فقال لي لن أحادثكِ بعد الليلة، وخشي وصول الأمر لوالديه، وأغلق الهاتف في وجهي.

_(عليّ) هذا من قلتِ أنه حبيبكِ؟

_ نعم، كان يحبني، ولم أصدق ردة فعله حينها، فشعرت أني وحيدة، وتملكني الهلع، فهربت فجرا قبل استيقاظ أبي على الفاجعة التي أعدتها لي سالي بالأعلى.

_ لم يحدث شيء أيتها البلهاء، لقد خدعتك سالي، واستغلت سذاجتك وطيبتك.

_ ألم يعرف أبي بكل هذا؟

_ لا، لقد خططت للتخلص منكِ فقط، وأنت نفذتِ غرضها، فلماذا ستخبر والدكِ إذًا؟

_ لم تخبرني أنها كانت تحب (علي) إلا بعدما أخبرتها بما بيننا، فخدعتني ثم تحولت فجأة واتقدت عيناها غضبًا، وقالت لي "أنتِ وأمثالك لا تصلحون إلا لخدمة أمثالنا أنا وعلي، وبأن والديّ (علي) قد أقرّا لوالديها بإعجابهما بها ونيتهما في التقدم لخطبتها بعد إتمام دراستهما".

_ نعم، دعكِ منها ومنه، أنت وأمثالكِ يحق لكن أن تثيرون غيرة وغبطة أمثالها.. لقد رأت جمالك الطبيعي، فتعمدت تشويهه بسكاكين نواياها السامة، وبالنهاية لا يحيق المكر السيء إلا بأهله.. هيا لنذهب.

_ هل تريدني أن أعود؟

_ بالتأكيد، سنعود معا، أبيكِ بانتظاركِ.

_ و (سالي) ، و(علي)، وصوري؟

_ دعكِ من كل هذا الهراء، سيظل أبيكِ حصنك المتين في كل الأحوال يا صغيرة.

_ حقًا؟

_ بل حقيقةً، هيا لنذهب الآن، قد تأخر الوقت.    

أغلقا بابيّ السيارة وانطلق حمدي دون أن ينطق بكلمة، شاردا فيما عرفه من الابنة الساذجة، مغتاظا من الأخرى المدللة، التي أعمتها غيرتها وتملكها غرورها، وكذلك من المراهق ذو الشعر المتراقص على جانبي وجهه لما فعله مع الفتاة اليتيمة مستغلا براءتها خادعا إياها بأساليبه الملتوية وكلماته الناعمة المتخفية خلف نواياه الخبيثة!

لكنه لم يعرف كيف يتصرف معهم كونهم أوغاد لا يعنيهم عواقب ما يفعلون ولا يهمهم سوى مصالحهم وأغراضهم الدنيئة..

فعاد بالابنة مسلمها إلى أبيها بشهامة ورجولة، ثم استأذنهم في الانصراف، وقبع داخل غرفته يفكر في كل ما حدث بحزن وحيرة، حتى انكشط ظلام الليل وحل نور الصباح متخللا نوافذه كما روحه، فقام يتجهز لعمله، ولا يرى أمامه سوى وجه نسمة البريء كالبدر وسط الظلام الكاحل.

نزل من الطابق الثالث، ومر من أمام غرفتها بالدور الأرضي، يخفق قلبه مع كل خطوة، مستشعر نبضها وأنفاسها بالداخل رغم العوازل بينهما، لكن هكذا القلب، يدق وحده ويرى بعينه، ويميل حيث يجد حبيبه!

مرت أيام، والابنة حبيسة غرفتها، وقد تغير أبيها في معاملته معها، وأصبح أكثر لينا وعطفا، وهي أصبحت تحب وحدتها وجدران غرفتها الساترة الواقية لها من سهام الغادرين بالخارج، ولا تدري أنها تقبع بين أضلع عاشق يهفو لرؤيتها لكن يجاهد في زحزحة قدميه عن مقرها كلما مر من أمامه، حتى يتركها تنفض عن قلبها غباره وتلتقط أشواكه على مهل، كي يضمها إلى حياته صافية متعافية..

 وفي الجانب الآخر قد تبلورت علاقة (علي) ب(سالي) وأخذت منعطفا جديدا، بعدما تحدثا في البداية عن غباء نسمة وطمعها في أموالهما، ولهثها خلف ودهما وهداياهما، ثم انتقلا إلى الحديث عن والديهم الذين دائما منشغلون عنهما بأعمالهم ومنافساتهم في مجالاتهم المختلفة، ثم تعمقا أكثر ليصل بهما الأمر إلى تخيل بعضهما كزوجين متحابين غير منشغلين عن أولادهم، وتطور الأمر إلى التحدث عبر برامج التواصل صوتًا وصورة، والتجرد من كل الحدود والقيود، حتى أصبحت الفتاة علكة منتهية المذاق في فمه، فبصقها دون تردد! مهددا إياها بنشر صورها ومقاطعها ان تفوهت بكلمة تخصه!

فقبعت تتجرع مرارة ما أذاقته لابنة البواب البريئة التي في ذات الوقت أمست تتلذذ بجميل عوض الله مرتدية الأبيض البراق متأبطة زوجها المحب بعد عقد رباط أقوى من كل كلام سيجمعهما للأبد، تزفهما فرحتهما إلى حياتهما الجديدة المبنية على الحب والثقة والإخلاص.

 تمت

لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية..

رواياتنا الحصرية كاملة