-->

رواية جديدة قابل للكتمان لخديجة السيد - الفصل 23 جـ2 - 1 - الثلاثاء 9/7/2024

  

قراءة رواية قابل للكتمان كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى

رواية قابل للكتمان

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة خديجة السيد


الفصل الثالث والعشرون

الجزء الثاني

1

تم النشر يوم الثلاثاء

9/7/2024



عاد معاذ من الخارج ليأخذ حماماً ينزع عنه إرهاق اليوم.. وما إن خرج وهو يرتدي قميصه حتى تفاجأ بجسد زوجته مكوم على السرير وقد دفنت وجهها في الوسادة تصدر شهقات مكتومة..لا بد أنها تبكي لكن لا يعرف لما؟ ليفكر أنها من الممكن تبكي بسببه بالتأكيد!. 


تنهد مخرجًا بعضا من حرارة صدره واضطرب قلبه في صدره متألما على هيئتها قبل أن يكمل ارتداء ملابسه ثم يقترب بخطوات صامتة لم تشعر بها بسمة لأنها في دوامة حزنها، مد راحة يده متردداً نحو كتفها الرقيق يتلمسها فانتفضت ورفعت وجهها المتورم نحوه بذعر.. 


لاحظ انتفاخ عينيها الحمراء وذبول وجهها وذلك التشتت والضياع الساكن في عينها..

اقترب بتريث وأخذها إلي صدره وهي لم تمنع حضنه كأنها كانت تنتظر ذلك.. أسندت رأسها لتريحها فوق صدره الصلب وهي تنتحب بصوت خفيض متألم، ظل يربت على ظهرها بيد حانية حتى أنهكها النحيب والحزن.. فتراخت عيناها وسكنت تماما..


أغمضت عينها وهي تفكر بما مرت به لا شيء مقارنه بالقادم.. إذ أن أختها الوحيدة التي لطالما كانت تساندها متى ما احتاجتها.. رغم قسوتها معها أحيانا.. ولؤم أختها في أحيانٍ أخرى لانها لا تساعدها في عودتها الى طلقها إلا أنها تعرف لن تتخلي عنها وقت الحاجة والضيق.. لكن بالنهايه هي من تخلت عنها بالاضافه إلي تهددها ان لم تساعدها ستدمرها .


ستخبر الجميع بأسرارها و تدعي انها خائنه حتى تنفصل عن زوجها وتخرب حياتها و ياخذوا منها طفلها الوحيد!؟ وحينها سيرفض والدها قبولها في بيته وستكون متشرده وحيده بالشوارع وكل ذلك سيحدث إذا لم تساعدها لتعود لمنذر .


افاقت على صوت زوجها وهو يتسائل بقلق 


= هو انا عملت حاجه زعلتك ؟!. 


تنهدت تنهيدة طويلة بيأس وهي تقول باقتضاب 


= لا ما فيش افتكرت ماما الله يرحمها بس، و وحشتني أوي وحسيت أني نفسي تكون جنبي دلوقتي واترمي في حضنها 


زفر أنفاسا محتدة كانت تجيش في صدره وقد شعر بألم يتضاعف من أجلها، وفهم أنها رغم ادعائها تجاوز موت أمها بعد مرور سنوات على وفاتها إلا أنها ما زالت تتذكرها.. اكتفى أنه حاوطها برقة بين ذراعيه وأخذ يمسح على شعرها وهو يهدهدها بهمس خفيف قرب أذنها


= خلاص اهدي وبعدين ما انا جنبك اهو يا 

ياسو.. ادعيلها ربنا يرحمها وبلاش تبكي عليها


أخذت تتشبث بملابسه بكفيها بقوة وهي تنوح بالألم والبكاء هامسة 


= مسيرك تسيبني انت كمان! انا اصلا حاسه اني على طول لوحدي من وانا صغيره... كبروني فجاه وخلوني اتحمل مسؤوليه انا مش عاوزها.. وما فيش حاجه بعملها وانا راضيه عليها 100%.. كل حاجه كنت بطلبها كان بيتعمل عكسها وكل ده عشان خايفين الموت يسبقهم وما يلحقوش يحققوا الحياه اللي هم اتحرموا منها من بدري وجات لهم بعد 15 سنه لما خلفونا طب انا ايه ذنبي انهم خلفوني بعد 15 سنه وعمرهم كبر بسرعه وبقوا ذي اللي داخلين سباق مع الزمن..


شُل لسان معاذ للحظات عاجزا عن الإتيان بأي كلمة وهو لا يفهم حالتها لكن صدمه من تشبثها به هكذا وقد قررت أخيراً أن تشاركه أحزانها!

تحشرج صوت بسمة لتسترسل قائلة ببؤس


= يلا بسرعه لازم تتجوزي وتخلفي ومش مهم عمرك قد ايه المهم احنا نفرح بيكي قبل ما نموت عشان سننا كبر ودي سنه الحياه..

انا والله كل حاجه كنت بعملها كانت نيتي ان احقك احلامي من غير ما اؤذي حد.. بس طلعت باذي نفسي كتير 


عمّ الصمت بينهما لدقائق و معاذ لا يزال جانبها يسمعها لتقول وتكسر الصمت مجدداً بصوتٍ غريب عنها


= تعرف انا مش فاكره اي ذكرى سعيده كانت بينا ولا انهم فهموني يعني ايه جواز و مسؤوليه وبقيت اتعلم لوحدي واخبط في الحياه زي ما تيجي معايا تيجي! بدل ما كانوا بيحضنوني ويطمنوني كانوا بيعلموني الاكل والشرب والغسيل والمكواه عشان لما اتجوز .. كانوا بيجهزني عروسه من وانا عندي 13 سنه بدل ما يمسكوني ورقه وقلم ويقوليلي اتعلمي


هذه كانت حياتها بالفعل بدلاً من تعملها كيف تتهجَّأ الحروف وتكمل درستها؟ بل أجادوا تعلمها الأمور المنزليه، انهارت ملامحها وهي تضيف بنبرة محبطة 


= حتى لحد دلوقتي بدل ما يجي يطمن عليا ويحضني ويشوفني، اول حاجه بيسالها ليا اوعي تكوني مضايقه حد هنا احسن تطلقي زي اختك وتقعدي جنبها، صعب اوي اللي عمله فيا وهم اكثر ناس بحبهم في حياتي! و بتربطني بيهم صله دم يهجروني و يقتلوني وأنا على قيد الحياة.. حتى أختي بقيت بعيده عني هي كمان بسببهم واتغيرت او انا اللي ما كنتش واخدي بالي من الاول أنها كده.


بعدما أنهت بسمة كلامها ألقت برأسها على كتفه مسترخية مجدداً تلفح عنقه بأنفاسها الحارة المتسارعة تزيد من تسارع نبضات قلبه مما جعل معاذ يزدرد ريقه بشعور مؤلم و... لذيذ! فتمتم بصوتٍ أجش ثقيل قبل أن تنحسر هذه الابتسامة ويتنهد بعمق 


= حاولي ما تفكريش في كل ده لانك مش هتعرفي تغيري حاجه، وبعدين الحمد لله ان وقع حظك في واحد ذيي بيحبك أوي.


صمتت بينما شعرت بدغدغة تسري في وجدانها، مشاعر غريبة ولكن محببة تطفو بها تجاه معاذ.. ظلت صامته حتي نامت بين أحضانه بعد آخر شهقات صغيرة مازالت تتدافع من فمها في غمرة سكونها بفعل الإرهاق.. وعندما ثقل جسدها بأكمله عليه و تراخى مؤكدًا نومها التام رفع الغطاء بتروي عليها ومدد جانبها بفراشهما ببطء ثم دثرها جيدًا قبل اغلاق الإنارة.


وفي الصباح فتحت بسمة جفنيها بتثاقل تأخذ نفسًا عميقًا سرعان ما شعرت بجسد دافئ يحتضنها بحنان وأنفاسه الساخنة تلفح عنقها وخدها المقابل له، انتفض جسدها بعنف وهي تلف خلفها بصدمة وعقلها يتساءل هل معاذ زوجها هو نفسه من أمضى وقت أمس يواسيها و يمرر كفة برقة شديدة عليها يرسم نعومته قبل أن يغفوا الاثنين ويغرقون في النوم .


دبت القشعريرة في أطرافها وهي تعض على شفتها ما إن تذكرت بكائها ليلة الأمس فوق صدره فحاولت أن تنسلَّ بقوة من أحضانه قائلة بتوتر


= معاذ.


فتح عينه ثم شدَّد على احتضانها وهو يمرر يده عليها قائلًا بنعاس 


= مالك يا ياسو، إيه اللي صحاكي ارجعي نامي.


نكست بسمة رأسها حرجاً وهي تهمس بإعياء


= مش هينفع لازم أقوم اجهز مالك للمدرسه!. 


❈-❈-❈


نظرت ديمة الي سقف الغرفة بأعين حزينة ثم أغمضت عينها وهي تبكي و تمنت لو أن تذهب إلى مكان خالي تماماً وتصرخ باستنجاد وتسلم أمرها الي الله وتستعد لاستقبال الموت

بصدر رحب.. لكنها لم تستطع وعندما لاحظت نور الصباح الواضح من النافذة علمت أنها قضت الليل كله تبكي بحرقة بعد سماعها بأن آدم يبحث عن عروسه مناسبة له غيرها.. وهذا ما جعلها تسرع بالخروج من الفراش رغم شعورها بالدوار ما ان وضعت قدميها علي الأرض لتتأوة بألم ساحق يغزو قلبها من جرحها .


لكنها هبت واقفة سريعاً علي قدمها الاخري تريد الخروج و لكنها وقفت محلها تشعر بالدوار يزداد أغمضت عينها تتأوة بصوت خافت واضعة يدها علي رأسها حاولت تجاهل الأم رأسها بسبب قله الطعام والبكاء المتواصل واکملت سيرها متوجهة للحمام، دخلت واغلقت الباب ثم نظرت لنفسها في المرآة شاردة !!


ملامحها متعبة لم تنم كالبشر منذ ايام..ترتعد

عظامها لسبب تتجاهله حاولت ابعاد تلك الفكرة الراسخة في عقلها لكنها فشلت غسلت وجهها متجاهلة احساسها.. وهي تحزم نفسها ان لا تذهب وتتحدث معه حتى لا تهدر كرامتها 

أكثر من ذلك.


الصفحة التالية