-->

قصة قصيرة جديدة ماتت دون إذن لشيماء عليبة - الثلاثاء 16/7/2024

 

قراءة قصة قصيرة ماتت دون إذن

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى


 قراءة قصة ماتت دون إذن

قصة قصيرة جديدة

من روايات وقصص 

الكاتبة شيماء عليبة

تم النشر يوم الثلاثاء

16/7/2024


صوت الصريخ قد ملأ المكان، التحمت فيه سياط القسوة ملتحفة بأنين صامت يعجز عن البكاء، حائط سد كل ما يفعله هو تلقى ضربات كرة دون قدرة على البوح بألمه، و ما أعجزه الحجر عن البكاء، هكذا هي تحولت لمجرد حجر لا حق له في الحياة، لكن أي حياة يمكن التحدث عنها، أتقصد اليوم؟!، أم الأمس؟!

و ما الفرق بين يومٍ و أمسٍ كلهم سواء، أيام عجاف منذ عامٍ مضى، تبدلت الحياة الهادئة إلى أخرى كعاصفة فقدوا السيطرة عليها، تقف أمامه، ترى بريق عيناه النارية، تنطق بسياط  كرهٍ أم أسفٍ لا تدرك، لكنها تستشعر عجزها، رفع يده يلطمها على وجهها، تنتقل إلى باقي أنحاء جسدها، و مع كل ذلك لم تصدر منها أي ردة فعلا للمقاومة، فقط صخرة صلداء شوهت بفجواتً كشفت عن داخلها، بعد مدة زمنية قد كل من صمتها المطبق كسابق عهدها

جلس على الكرسي الذهبي يحاوط وجهه بين يديه، و قد ذرفت عيناه دمعاً لا تصدق أنه سقط من محجري قسوته، حاولت الوقوف أمامه، لكن أين هي من أوجاع جسدها، تحاملت على نفسها متكأه على ذراع المقعد القابع عليه، حاولت نطق كلماتها قبل أن تفر منها، لكن هو من أجاد هروبه كسابق عهده، يفعل فعلته الشنعاء ثم يتبع أسلوب الكر و الفر 

عام مر مذ أن بدأت طباعه بالتقلب المفاجئ، حاولت الحديث معه لعله يبرأ نفسه بأي ضغط و كانت ستسامحه، و لم يترك هو سبيل للغفران له 

توجهت لغرفة أطفالها التي تدرك أنهم لم يسمعوا أي مما حدث بفعل صوت التلفاز العالي، و باب الحجرة التي أغلقته جيدا ظناً أن الصوت لن يتسرب،  رأت أطفالها  يبحرون بين شطآن النوم أمام التلفاز، أغلقته ثم ترحلت إلى غرفتها،  سقط جسدها عنوة على حرف الفراش، تضم فيه قبضتها، تضغط على صدرها لعل ثورة صدرها الجامحة تهدأ، لكنها دوماً ما تزداد عنفاً،  تحررت المياه من سماء عيناه بعد حبسها خلف قطبان شمس أغسطس، و حل يناير على عينيها ليروي أرضها القحلاء من الحزن 

تحركت من على السرير تجاه درج الخزانة الصغيرة تحمل دفترها الصغير، كاتبة جملة" أخط إليك آخر أحزاني يا نبض الهوى الزائف"

❈-❈-❈


يجوب الطرقات، يلعن نفسه، لا يصدق أنه من كان يفعل ذلك بمعشوقة قلبه، يسأل نفسه البائدة بمرارها، أهذا أنا من كان يخاف عليها أن تذرف الدمع، أغمض عينيه وهو يتذكر ذلك اليوم الذي وعدها أنه لن تذرف الدمع إلا عند موته، و ها هي أسقطت ماسها و هو ليس ميت، فقط حي يرزق، حاول التبرير لنفسه أنه ضغط العمل، و لكنه ليس متصابي ليصب بجم تعبه على شريكة روحه، هو يعمل منذ سنوات، تذكر صديقه الذي جاء يشكو إليه من مرارة الحياة و كان جوابه " عالج أوجاعك ببسمةٍ تنحني  لقوتك"، و لماذا هو لم يفعل خلال هذا العام 

ظل يمشي في شوارع القاهرة الجديدة حتى قابل لافتة مكتوب عليها" الدكتور أحمد النجار أخصائي الطبي النفسي"، لمعت اللافتة أمامه كقطعة لؤلؤٍ براقة خطفت نظره، تقدم تجاه العمارة، صعد إلى الدور المنشود لكنه توقف فجأة يود العودة، لكنه أجبر نفسه على التقدم، لعله يجد هنا دواء لعله يبرأ 

وجد مساعدة الطبيب تجلس و العيادة فارغة، اقترب منها و هو يحاول تنظيف حلقه:

أود حجز استشارة باسم "مراد حسن"  إذ سمحتي

أجابته مؤكدة و هو تدون اسمه في ورقة بيضاء أمامها، تحركت  من مكانها آنذاك، ولجت لحجرة الطبيب، تركت الورقة أمامه ثم رحلت، و أذنت له بالدخول، تقدم حتى جلس أمام الطبيب ملقيا التحية عليه " السلام عليكَ أيها الطبيب"، دُهش الطبيب من سماع صوته، أخيرا قد أتى، أزاح نظارته بعيد عن عينيه، وقف أمامه مباشرةٍ و هو يحتضه، هامسا بصفاء:

أخيرا قد أتيت يا رجل،  لقد بحثت عنك طوال عاميين و لم تأت 

اندهش الآخر و قال بتلعثم جلي:

_أ أنت تعرفني؟!

أجابه الطبيب "بلا"، زادت ملامحه غرابة و قال بتعجب،  كيف و أنا أول مرة، أقدمُ فيها إليك:

تنهد الطبيب و هو يُطلعه بالجلوس على المقعد أمامه:

أجلس  و سأقص عليك كل شيء 

ثبت هو على المقعد منتظرا ما سيقوله، أغمض الطبيب عينيه، و ابتلع ريقه فهو أدرك ماذا أصابه، أجلى صوته متحدثا:

منذ عامٍ قدمت إلى هنا و أنت في حالة رثة، ملابسك مبعثرة، و شعرك أشعث و كأنك تسابق أحدهم، دخلت عليا بملامح التيه ذاتها، عيناك كانت شلال منهمر لا تتوقف فيه سقوط الدموع، كانت شكواك "أن حياتك تبدلت في عامٍ ، و أنت لا تدرك السبب، فقد تحولت إلي شخص عدائي تجاه زوجتك فجأة، و غدوت تضربها في كثير من الأحيان رغم حبك الشديد لها"

فتح عينيه من الصدمة همس بذهول:

_هذا ما أتيت لا شكوه لك الآن، أنا تارك زوجتي في المنزل تذرف عيناها قهرا

أخرج الطبيب زفيرا من شفتيه، قد أيقن أنه " فقد الذاكرة جزئيا"، و يعيش في نسج خياله، ظل صامت حتى تحدث المريض منكسرا  بعد سكوت طويل:

قل لي أيها الطبيب لماذا أفعل ذلك مع زوجتي؟

لم يعبأ بأي كلمة قالها الآخر، مصر على رأيه حتى آخر أنفاسه، تحلى الطبيب بهدوئه المعتاد:

 سيد "مراد" ، زوجتك ماتت، و أنت مريض " تطرف مزاجي حاد"، تحرك الطبيب من على مقعده تجاه خزانة صغيرة في المكتب، أخذ الورقة الصغيرة المطوية كما هي منذ عامين، اتجه صوب الجالس أمامه، أعطاها إياه، دنى يراقب ملامحه

فتح الورقة بيدين ترتجفان مهابة من صدق حديثه، قلبه ينتفض من بين أضلعه حتى تضاعفت مع أول كلمة يقرأها داخل رسالتها 

"  أخط إليك آخر أحزاني يا نبض الهوى الزائف

زوجي الحبيب، بل قرة العين و نبض القلب الزائغ عن موضعه، تالله أنا لم أكرهك يوما، و لا أستطيع الفعل اليوم أو غداً، فأنت كنت الحياة وحتى فيك الممات وطن، أنت تدرك كم كنت أحبك بل كم أحبك، لكن حياتنا تبدلت منذ عامٍ لا أدري لما؟، لم أعلم كيف تحول زوجي من كان دفء ذراعيه يغنيني عن العالم أجمع، أصبح نيران تلظى، اتجه إليك برسالتي الأخيرة، فأنا على مشارف موت أكيد اليوم أو غد، أسامحك من قلب لم يحمل لك الضغينة يوما حتى بعدما فعلت ما فعلت، فأنا أدرك أنه ليس ذلك الشخص الذي يظهر كشبحٍ ثم يختفي في  بضع دقائق، أوصيك بأطفالي خيراً

من : من ستموت و هي تهواك عشق"

زاد ضعفه، و تقاذفت دموعه أكثر، يسأل نفسه أماتت حقا، كيف لم يدفنها، أم أنه لم يتذكر كما قال الجالس أمامه، إذن لن يراها، إذن رحلت دون تودعيه، فارقت دنياه دون أن يبرر لها فعله، هي سامحته، و كيف يسامح نفسه على شناعة فعلته 

ثبت مكانه تائه في عالمه الخاص، قطع صمته صوت الطبيب:

سيد "مراد" لابد من دخولك مصحة فوراً

كانت هذه آخر كلمة نطق بها، قبل أن يتحدث هو بهيستريا مرعبة:

لقد ماتت دون إذن، ماتت دون وداعي، ماتت و تركتني شريد من بعدها، بدأ يضحك بصخبٍ شديد، جلس على المقعد و حالته تشتد سوءٍ، تمدد على الأريكة دون إرادة منه، جسده يتشنج بحدة حتى غاب و لا يدرك متى سيعود


تمت

لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية..

رواياتنا الحصرية كاملة