-->

قصة قصيرة جديدة قربان ابن الإله لسمر سعيد - الأربعاء 17/7/2024

 

قراءة قصة قصيرة قربان ابن الإله

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى

 قراءة قصة قربان ابن الإله

قصة قصيرة جديدة

من روايات وقصص 

الكاتبة سمر سعيد

تم النشر يوم الأربعاء

17/7/2024



أيام ثقال نعيشها تقذفنا بين تروس الطاحونة لتفتتنا فلا تغني ولا تشبع من جوع، نحيا تحت خط موشوم باسم الفقر لكنني لن استسلم سوف احارب كافة الظروف لأنعم بغدًا أفضل
- اخيرا يا ولدي لقيت شغل
- ايوه يا امي الحمد لله على الرغم أنه مش حلمي خالص بس اهي نوايه تسند الزير زي ما بيقولوا
- معلش يا ولدي ، عارفه أن الحمل تقيل عليك وابوك ساب أمانة تقيلة في رقبتك 
- متقوليش كده يا امي، اخواتي وانت فوق راسي لحد ما استرهم في بيوتهم واطلعك حج أن شاء الله
- تعيش ياولدي ربنا يكتب لك في كل خطوة سلامة ويرزقك على قد طيبة قلبك
- هقوم أنا اجهز شنطتي عشان  الحق اسافر وانتِ خلي بالك من نفسك ومن اخواتي 
جهزت حقيبة ملابسي استعدادا للحاق بآخر قطار متجه إلى الإسكندرية حيث يوجد ذلك العمل الجديد الذي أخبرني به عم جابر صديق والدي، وصلت إلى الفندق الموجود بمنطقة أبي قير عند منتصف الليل، كان  الجو هادئ بعكس طبيعة الإسكندرية الصاخبة صيفاً وشتاءً لكنني رجحت ذلك لانتهاء فصل الصيف كما أن الفندق بمكان بعيد فلا يوجد به سوى هذا الفندق وفيلا لا تفصلها عنه سوى مترين  وبعدها ثلاث فيلات على بواباتها اقفال حديدية، مؤكد أصحابها لا يأتون إليها إلا صيفًا وبعض العمارات التي لازالت تحت الإنشاء لكنها بأول الطريق وليست بجانب الفندق.
كان الفندق يشبه في تصميمه الفيلا المجاورة له من الاعلى يشبه المثلث مصنوع من الطوب الحراري، الواجهة المقابلة للبحر تملأها الشرفات التي تحمل لون السماء ، مزينة بالزهور، الزجاج الملون، دلفت للداخل لأجد حياة مختلفة عن الموجودة بالخارج المكان مزين كأننا ليلة العيد، صوت الموسيقى يملأ الأجواء، بعض النزلاء يرقصون، لكن لِمَ لم أسمع هذه الموسيقى عندما كنت بالخارج ؟
ظهر أمامي رجل تعدى الخمسين من العمر ليجيب عن سؤالي كأنه يقرأ الأفكار 
- أبواب الفندق عازلة للصوت عشان كده مفيش حد من بره بيسمع  اللي بيحصل هنا
نظرت إليه بريبة، كيف عرف أنني كنت أفكر في هذا الأمر، برزت أسنانه الصفراء التي تصبغت بفعل التدخين و شرب الشاي  عندما ضحك ليتحدث مرة أخري
- زمانك بتقول ازاي جاوبت عن سؤالك من قبل ما تسأله
فرغ فاهي عندما نطقت بتلك الجملة، ما وظيفة هذا الرجل وكيف عرف ما افكر به، نظراته نحوي لم تتغير يتفحصني من شعر رأسي لأخمص قدمي كأنني عريس أقدم على الزواج من ابنته الوحيدة فقرر أن يدب الرعب في ليبتعد عن دربها، استجمعت شجاعتي ثم سألته:
- أنا فعلا كنت بفكر في كده، أنت أزاي عرفت؟!
ضحك وهو يجيب
- يمكن مخاوي محدش يعرف، أو يمكن بقرا الأفكار والطالع
ازدرت ريقي بصعوبة وأنا أفكر في جملته، ما العمل الأن هل اغادر واعود ادراجي أم استلم العمل؟، برغم خوفي إلا أنني قررت استلام العمل فوالدتي وشقيقاتي يستحققن أن اتحمل كل شيء، مددت يدي له وأنا أقوم بتعريف نفسي
- أنا مصطفى اللي جاي اشتغل هنا جديد من طرف عم جابر
- نورت يا درش وأنا عمك محروس شغال هنا من أول ما الخواجة فتح الفندق، تعالا دلوقتي نام شكلك جاي من سفر بعيد وبكره أعرفك طبيعة الشغل هنا 
ذهبت معه إلى تلك الغرفة المخصصة للعاملين بالبدروم ، كانت الغرفة بسيطة لا يوجد بها سوى سريرين معدنيين وكومود من  المعدن يعتليه كوب ماء فارغ تشبه غرف المستشفيات فهي لا تمت لغرف الفندق بأي صلة، ارضيتها من البلاط الاسمنتي، دهانها باللون العاجي، وضعت حقيبتي على السرير الموجود بيمين الغرفة ثم سألت عم محروس
- هو في حد هيسكن معايا في الأوضة ؟
- زيدان زميلك في الأوضة بيزور أهله وراجع آخر الأسبوع 
- طيب هو أنهم سريره عشان اخد السرير التاني 
- سريره اللي جنب الشباك 
شكرته ثم بدلت ملابسي لأنال قسط من الراحة فرحلتي كانت مرهقة فقطار الدرجة الثالثة يشبه علب السردين دائما متكدس بالرؤوس، اغمضت عيني سريعا ما أن وضعت رأسي على الوسادة
صوت البحر كان يتسلل إلى مسامعي مصدرا راحة للنفس كعزف فنان بارع، خفق قلبي بوتيرة مختلفة عندما سمعت ذلك الصوت الشادن وهو يغني دورت برأسي باحثا عن مصدره لأجدها تداعب الأمواج بقدميها وهي تغني جذبتني إليها كقطعة حديد تنجذب نحو المغناطيس، لم أشعر بقدماي وهما يقتربان من الماء، هدفي كان الوصول إليها وسؤالها عن اسمها أو سبب وجودها أمام الماء في هذا الوقت المتأخر فصلاة الفجر شارفت على الأذان ، قبل أن أصل إليها وجدت رجل ضخم  البنية ملثم لا يظهر من وجهه سوى عيناه فقط، يتسلل من خلفها كحية رقطاء ليحملها على حين غفلة ويقذف بها داخل المياه لتنشق وتبتلعها، قفزت خلفها علني استطيع إنقاذها لكنها اختفت داخل تلك الفجوة، قاومت الأمواج التي أصبحت كالطود العظيم في محاولة لإنقاذها لكنها هزمتني شعرت بملوحة المياه تغمر رئتي، انفاسي تكاد تنفذ يدي تحارب تلك الأمواج الجسورة ، خارت قواي تمنيت أن استيقظ من ذلك الحلم الذي تحول لكابوس لكن جسدي كان يرفض أوامر عقلي، كأن الروح تركته مسجى على ذلك الفراش وصعدت لبارئها، استسلمت لذلك الشعور وبدأت اقنع عقلي أنها النهاية إلا أن ما حدث جعلني اتمسك ببصيص ذلك الأمل، سمعت صوت يأت من بعيد ينادي باسمي، ويد تسحبني 
- مصطفى، مصطفى، فوق يابني 
لحظات مرعبة حاولت فيها أن استجب لذلك الصوت حتى تمكنت من فتح عيني لأجد ما لا يصدقه عقل 
- أنا فين، وأيه اللي جابني هنا!؟
أجابه عم محروس
- طالما مش بتعرف تعوم نزلت البحر ليه، يا بني البحر له حراس و مينفعش نقلقهم 
- يا عم محروس أنا كنت نمت علطول في الأوضة بعد ما أنت سيبتني ومعرفش أنا جيت هنا ازاي
نظر لي عم محروس بتشكك، فطنت من نظرته أنه يشكك في كلامي
- صدقني يا عم محروس أنا معرفش جيت هنا أزاي، أنا حلمت حلم غريب وكنت حاسس أني بغرق ولما فتحت عينيا لقيتني هنا وأنت قدامي 
لم يبدي أي رد فعل على كلامي 
- قوم غير هدومك بدل ما تمرض وتعالا اوريك الفندق وتقابل المدير عشان تستلم الشغل، ولما تيجي تنام بليل ابقى اتغطى كويس
قالها ثم تركني حائرا دون دفاع عن نفسي، تبعته لأبدل ملابسي لكن ما حدث ظل يدور داخل عقلي ، عصفت بي التساؤلات التي لم أجد لها أي إجابة، أسرعت لمقابلة مديري الجديد حتى لا يأخذ صورة سيئة عني وعن التزامي، دلفت إلى غرفة المكتب المخصصة للمدير لأجد رجل في نهاية الستينات يجلس خلف مكتب ضخم يزين الحائط الخلفي لمكتبة صورة زيتيه له كصور ملوك مصر الموجودة داخل المتاحف، نظر لي من تحت نظارته الصغيرة الطبية دون أن ينطق بحرف واحد ، تفحصني من شعر رأسي لأخمص قدمي سألني عن اسمي  ثم أمر عم محروس بتسليمي زي العمل و أن يشرح لي طبيعته، خرج عم محروس وأنا من بعده متجها إلى غرفة كانت بجوار الغرفة التي أقيم بها ليخرج منها زي مكون من سروال وجاكت باللون الزيتي مطعم بالذهبي، استلمت منه الزي وبدلت ملابسي وتبعته للخارج لأتعرف على مهام وظيفتي الجديدة 
- بص يا مصطفى، أنت هتشتغل في خدمة الغرف يعني هتنضف الغرف وتشوف طلبات النزلاء ودا طبعا لحد ما زميلك يرجع من اجازته، الفندق هنا على أربعة ادوار الدور الارضي اللي فيه الاستقبال والمطعم والدور الثاني  والثالث فيه غرف النزلاء وبعد كده  الدور الاخير وده محرم عليك تطلعه مهما حصل ، ده لو حابب تكمل معانا هنا 
- حاضر يا عم محروس، في تعليمات تانية 
- ايوه لو حابب تكمل معانا لازم تعمل زي التماثيل الثلاثة دول 
ثم أشار إلى ثلاثة تماثيل من القردة كانت توضع على طاولة مرتفعة بجانب مكتب الاستقبال كل قرد منهم يضع يديه على أحد حواسه فأجبته
- اكيد يا عم محروس أنا ولا بسمع ولا بشوف ولا بتكلم
- عفارم عليك، لازم تعرف أن الزبائن بتوعنا بيحبوا الاكل يطلع لهم الغرف وقليل منهم اللي بينزل المطعم، مواعيد الاكل عندنا( الفطار من 7 والغدا من 2 والعشاء من 7)
- حاضر يا عم محروس، بس كنت عاوز أسألك سؤال
- سؤال إيه
- هو مفيش حد بيشتغل هنا غيرك وغيري، أصلي مشفتش حد خالص من ساعة ما وصلت 
- ليك زميل واخد اجازة وهيرجع كمان يومين ومسعد موظف الاستقبال هيوصل كمان شوية 
- بس كده مفيش حد تاني 
رنين الهاتف جعله ينهي كلماته ليجيب
- تحت امرك يا فندم 
أنهى المكالمة بعدها طلب مني تجهيز بعض العصائر وتوصيلها للغرفة الرابعة الموجودة بالطابق الثاني، ذهبت إلى المطبخ لإعداد المطلوب لكنني شعرت بوجود نفس جواري التفت فلم أجد أحد، عدت لصب العصير لكن شعوري بوجود أحد يراقبني وأنا لا أراه زاد أكثر واكثر
تركني ثم اتجه إلى غرفة المدير مرة أخرى ليخبره بقبولي لشروط العمل 
حملت صينية العصير وتوجهت بها إلى الطابق الثاني حيث غرفة النزيل طرقت الباب ثم انتظرت الرد بعد الطرقة الثالثة فتح لي رجل ضخم ، أشعث، لديه وشم على ذراعه الايمن ، بشرته سمراء، لا يتقن العربية جيدا، أمرني بوضع العصير على الطاولة التي تتوسط الغرفة، نفذت ما أمرني به وقبل أن أغادر رأيتها تقف بالشرفة تنظر نحوي، لم استطع منع عيني من تفحصها والتأكد من أنها من زارتني في حلمي أو كابوسي الليلة الماضية ولكن كيف هذا؟!
تركت الطاولة وخطوت نحو الشرفة لسؤالها هل تعرفني؟ إلا أن صاحب الغرفة سألني بنبرة مستفهمة
- أنتي رايحة فين؟
تلجلجت عندما سألني لكنني حاولت البحث عن مبرر سريع فأجبته
- كنت هفتح لحضرتك الستارة عشان تستمتع بالهوا 
- لا يلا أمشي 
خرجت من غرفته أحمل خُفي حنين، فتصرفي جعله يصفق الباب خلفي دون أي بقشيش كما كنت اشاهد في المسلسلات والأفلام المصرية، غادرت الطابق متجها نحو المطبخ لتجهيز الغذاء ، لم يفارقني طيفها، كدت اتعثر واسقط من الدرج ظنا مني أنها أمامي ولكن كيف وهي كانت بتلك الغرفة منذ قليل ولم اسمع أي صوت يدل على خروجها من الغرفة...
عدت إلى المطبخ محاولا تناسي احساسي، انتهى يومي وعدت إلى غرفتي لأنعم بقسط من الراحة لكن ما وجدته حرمني إياها 
ملابسي ملقاه أرضا وجميع أغراضي الشخصية من أوراق خرجت من غرفتي سكن الغضب ملامحي مَن تجرأ وفعل هذا الفعل البشع لن اتركه حيا، بحثت عن عم محروس لأسأله هل هو الفاعل؟ وجدته يجلس أمام الفندق على صخرة بالقرب من الماء 
- عم محروس أنت دخلت اوضتي انهاردة؟
- أنا دخلتها الصبح معاك وبعد كده خرجت اشتري طلبات للبيه صاحب الفندق ولسه راجع من شويه، حصل ايه 
- بعد ما خلصت الشغل ودخلت أرتاح لقيت هدومي و  اوراقي  كلها مرمية على الأرض 
- مين اللي عمل كده؟!، زميلك لسه مرجعش من إجازته
- معرفش 
حك عم محروس رأسه ثم ذقنه قليلا ثم قال لي
- تعالا نشوف حصل ايه واخد ايه يمكن حرامي دخل ولا حاجة لما كنت بره وسرق فلوسك 
عدنا معا إلى غرفتي، جحظت عيناي عندما وجدتها كسابق عهدها مرتبة، ملابسي تسكن الخزانة في أمان وأوراقي بين احضان حقيبتي دون أن يمسسها أي سوء، رمقني عم محروس بنظرة استنكار
- ما كل حاجة مكانها اهه يا ابني أمال إيه الكلام اللي أنت قولته ده 
- والله يا عم محروس الأوضة كانت متبهدله وهدومي وورقي مرمين على الأرض
رماني بنظرات فتكت بأوصالي ثم هم بالمغادرة فهمت ما يرمي إليه فاقسمت له أنه مخطأ
- والله يا عم محروس أنا مش بشرب ولا بتعاطى حاجة خالص، أنا راجل في حالي على باب الله كل هدفي استر اخواتي البنات
نظر لي وأومأ برأسه ثم غادر، فركت عيني ودورت حول نفسي داخل الغرفة كعقرب الساعة علني أجد أي شيء يفسر ما حدث لكنني لم أجد أي شيء مميز، أسندت ما حدث للإرهاق بالرغم من عدم تصديقي لمبرري  إلا أنني حاولت أن ابتلعه كالدواء المر عل عقلي يرتاح 
بدلت ملابسي واويت إلى فراشي متأملا تلك اللوحة السريالية التي رسمها العفن بسقف الغرفة في محاولة لإشغال عقلي  و نسيان ما حدث وعدم التفكير في تلك الفتاة التي أراها منذ وطأة قدمي هذا المكان، لمحت طيفا لخيال أسود يتمدد ليملأ السقف ،كان الضوء المنبعث من شباك غرفتي ينيرها فالقمر يتكبد السماء ويرسل اشعته الفضية  لينير الأرض، ضغطت كابس الإنارة لأتأكد من ذلك الخيال فلم أجد شيئا، اطفأت الكابس وتأكدت أن عقلي يخيل لي كل ما يحدث وأن عم محروس محق في أن ما أقوله درب من دروب الخيال، نمت على جنبي الأيمن لأجدها تتدلى أمامي من سقف الغرفة كالثريا، لجمني مظهرها كانت تتدلى رأسا على عقب شعرها يغطي وجهها وعندما رفعته ظهر فمها مخاط، عيناها غائرتان للداخل كالمومياء يتساقط الدم من يدها و رقبتها، حاولت الصراخ أو الفرار من الغرفة لكنني وجدت نفسي مقيد بحبال غير مرئية تمنعني من التحرك كلما حاولت الفرار منها تزيد الضغط على معصمي وقدمي أشعر بها لكن لا أراها  كتبت على جبيني كلمة  ، ثم رسمت على الحائط المقابل لوجهي نجمة خماسية تتوسط دائرة تملأها الشموع وبها بعض الحروف، وبجانبها سكين، حاولت اصرخ لكنني شعرت ب وغزة في ذراعي شلت حركتي وأرسلتني إلى المجهول، وجدت نفسي داخل غرفة تملأها الشموع تتوسطها طاولة على زواياها الأربعة حلقات معدنية يتدلى منها سلاسل حديدية ، رسم عليها نجمة خماسية كالتي رأيتها على جدار غرفتي ، دلف إلى الغرفة رجل  يرتدي قلنسوة سوداء اللون تشبه الخاصة برجال الكنيسة، يخفي وجهه يرتل كلمات بلغة لا اعرفها  يحمل مبخرة ومن خلفه أربعة رجال يرتدون مثله، لا تظهر ملامح وجوههم ويقودون أربعة اخرون 
تقدم أحد الرجال الأربعة وهو يدفع الشخص الذي أمامه ليضعه على المذبح وحينها ظهر وجهها ... هي نفس الفتاة التي رأيتها، قاموا بتقييد يديها وقدميها ثم قاموا بنحر عنقها لم تقاوم وكأنها مخدرة، لا تشعر بأي مما يدور حولها، هلل كبيرهم وهو يقول سوف يفتح الباب قريبا عندما يأتي المختار فاستعدوا...
نظرت حولي لأبحث عن ذلك الباب المزعوم لكنني لم أجد شيئا أمامي، حاولت الوصول لتلك الفتاة لكنني وجدتهم يمرون من خلالي كأنني هواء، سال دمها وعندما لامس الحائط المقابل للطاولة ظهر جزء من باب ذهبي عليه بعض النقوش...
شهقت شهقة عالية أعادت الروح إلى جسدي مجددا، تلفت حولي باحثا عن ما رأيت لكنني لم أجد شيئا، هرولت نحو المرآة لأرى ما كتب على جبيني فوجدت كلمة المختار تزين جبيني، فركت عيني واعدت النظر مرة أخرى كانت لكنها اختفت، ضممت رأسي بيدي وأنا أشعر أن هذا المكان يقودني نحو الجنون 
دلف عم محروس إلى غرفتي ليجدني على هذا الوضع أمام المرآة سألني 
- في ايه يا مصطفى أنت كويس واقف كده ليه
- مش عارف يا عم محروس حاسس دماغي هتفرقع 
- من ايه عندك صداع
- أنا من يوم ما جيت هنا وأنا عمال أشوف كوابيس وحاجات هتجنني 
- شفت ايه 
- امبارح شفت البنت تاني اللي قولتلك عليها قبل كده 
لم يدعني أكمل حديثي 
- سيبك من كل حاجة دلوقتي ويلا على الشغل لازم نجهز الفطار للنزلاء 
- حاضر 
تركني متجها إلى المطبخ، بدلت ملابسي وتبعته، أنهيت إعداد الفطور والعصير الطازج كما أمرني عم محروس 
صعدت بالطعام لأحد الغرف الموجودة بالطابق الثالث، عند مغادرتي للطابق سمعت صوت يأتي من جهة السلم، توجهت نحوه فرأيت خيالها يصعد نحو الطابق المحرم قادني فضولي إلى  الصعود والتأكد مما رأيت برغم تحذير عم محروس لي لكنني أردت رؤيتها والتأكد هل هي حقا موجودة أم خيال في رأسي فقط، لم يختلف ذلك الطابق عن الطابقين الآخرين، تفحصت بعيني الرواق لأجدها تتجه نحو أحد الغرف ثم أغلقت الباب فورا، اتجهت نحو تلك الغرفة استرق السمع، لكن صوت غنائها توقف عندما لامست مقبض الغرفة وكأن من بها يخشى اكتشاف أمره، فحصت بعيني المحيط من حولي استعدادا لفتح الباب وكشف هذا اللغز، قمت بدق الباب وعندما لم يأتي خبر من الداخل قمت بلف المقبض بينما دقات قلبي تعزف سيمفونية الموت خوفا من عقاب المدير، قبل أن أطل برأسي داخلها تفاجأت بمخالب تحط على كتفي، تجمدت أوصالي، تيبست قدماي فلم استطع تحريكها ازدردت ريقي بصعوبة قبل أن ألتفت برأسي لأرى من يقف خلفي ؟
- أنت بتعمل هنا ايه يا مصطفى ؟!
تلجلجت مجيباً 
- أصل أنا سمعت صوت جاي من هنا، شوفت خيال لحد داخل هنا فجيت اشوف مين، خوفت يكون حرامي ولا حاجة
نظر لي منكرا حديثي 
- مفيش حد هنا وأنا قولت لك قبل كده متقربش من الدور ده خالص 
كان وقع كلماته على رأسي كالماء الثلج في شهور الشتاء القاسية 
- أزاي؟ والله  أنا سمعت صوت وشفت حد داخل هنا
جذبني من يدي داخل الغرفة لأتحقق بنفسي، جحظت عيناي عندما وجدت الغرفة فارغة خالية من أي روح، حيطانها مغبرة باللون الأسود، الاثاث بها محترق، بجانب الشرفة توجد صورة زيتية لفتاة داخل إطار خشبي اغلب ملامحها مختفية 
- مين دي يا عم محروس ؟
أجابني في آسى 
- دي الست لينا بنت صاحب الفندق
- طيب هي فين انا مشفتهاش من يوم ما وصلت هنا؟
- يديك طولة العمر، ماتت في حادث حريق
- حريق!
- ايوه كان عندنا احتفال هنا من سنة بالظبط رأس السنة، كان الرقص والغناء ماليين المكان والكل مشغول وبيحتفل في البهو والجنينة، وحد من الزباين طلع غرفته  اللي كانت جنب غرفتها وهو سكران وساب الشمعة على الكومود متقاده وقعت الشمعة والنار مسكت في غرفته  وغرفتها ولولا ستر ربنا واني دخلت بالصدفة وشوفت النار واتصلنا بسرعة بالمطافي كان زمان الفندق كله ولع
- طيب وليه الغرفة دي مش متبيضه زي باقي الفندق
- صاحب الفندق أمر أن الدور ده كله يتقفل و الغرفة تفضل على حالها محدش يقرب منها
اومئت برأسي حزينا من تلك القصة ثم خرجت من الغرفة مثقل القدمين كما القلب، لا أعلم لم تأثرت بما حدث لتلك الفتاة برغم عدم رؤيتي لها علني وضعت نفسي محلها أو أحدى شقيقاتي مؤكد كنت سأصاب وقتها بالجنون 
مر النهار سريعا ليحل الليل ، نشر القمر اشعته الفضية لينير كبد السماء وبجواره تتراقص النجمات مكونة لوحة ربانية رائعة تنعكس على صفحة مياه البحر الهادئة ، جلست على صخرة قريبة من الماء اتابع ذلك المشهد الخلاب ، صوت أمواجه الهادئة وهي تحتضن الرمال  كعاشق يهجر محبوبته مودعا إياها، تاركا قبلة على جبينها حتى يلتقيا مرة أخرى ، شعرت بحركة جانبي التفت حولي باحثا عن مصدرها فرأيت شخص يفتح باب الفيلا المجاور للفندق حملتني قدماي نحوه مسرعا من يكون هذا الشخص؟ وما علاقته بتلك الفيلا ؟ولم يأتي متسللا ليلا كاللص؟ اسئلة كثيرة سكنت رأسي لم استطع تجاوزها أو التغاضي عنها, تتبعته بفضول وريبة وقفت أمام تلك البوابة العتيقة التي تسكنها خيوط العنكبوت، دلفت إلى الداخل بأقدام مرتجفة وقلب وجل، كنت أتلفت بين الفينة والأخرى لأكتشف ما حولي فالظلام دامس لا أرى منه كف يدي، أخرجت من جيبي قداحة قمت بأشعالها ثم دنوت أرضا لأحمل أحد الأغصان اليابسة كانت لفظته شجرته في الشتاء وحاوطته بقطعة من القماش المهترى التي قذفها أحدهم بأرض الفيلا صانعًا مشعلاً، تقدمت نحو الداخل تسبقني شعلتي، صوت هامس جعلني ادور حول نفسي بحثا عن مصدره سقطت مغشيا علي وآخر ما رأيته قبل أن تنطفئ شعلتي رجل ملثم يضربني على رأسي...
لا أعلم كم من الوقت مضى وأنا بتلك الحالة دقيقة، ساعة، يوم أو أكثر لا أعلم فما رأيته هز نواميس كوني وبدل ثوابتي، وجدت نفسي بغرفة تشبه الغرفة التي رأيتها أثناء نومي نفس النجمة الخماسية ونفس الشموع والعلامات، نفس الطاولة التي نشرت عليها الفتاة تلفت حولي في رعب تجلى على وجهي وتساقط من جبيني وعيناي كالشلالات، شعرت انفاسي تتقلص داخل رئتاي وكأنني حبيس داخل زجاجة يكاد الهواء ينفذ منها 
حاوت النهوض عن ذلك الكرسي المتحرك الذي يسكنه جسدي لكنني لم استطع التحرك، جسدي يأبى الانصياع لأوامر عقلي كل ما بي ساكن أو بالأحرى مشلول عيني فقط هي التي تتحرك 
تلفت بها باحثا عن ذلك الملثم فلم أجده، حاولت التحامل على قدمي لكنني سقطت أرضا، صوت خطوات تقترب جعلتني انكمش داخل ملابسي، حاولت الاختباء زحفا خلف أحد الأعمدة الموجودة بالغرفة لكن وجدت يد ترفعني عن الأرضية الباردة ويجلسني على ذلك الكرسي مرة أخرى، رفعت عيني لمعرفة هويته إلا أن وجهه كان مغطى بغطاء رأس، تقدم كبيرهم بيده مبخرة ينبعث منها رائحة بخور، بدأت الشعلات في التوهج ، وقف كبيرهم في المنتصف أمام أحد الجدران ثم بدأ يرتل بكلمات غير مفهومة تبعها 
- اليوم نقف أمامك أيها الحارس العظيم كما تعاهدنا ،نقدم قربانا من دمنا، فاقبله منا....
كان ذلك الصوت مألوف لي فهو صوت أبي لكن كيف ؟! فأبي توفى منذ عام، كاد عقلي يجن، صوتي مكبل بقيود الصمت، نيران تسعر داخلي تنهش قلبي، اقترب بعدها مني وهو يكشف عن وجهه، جف حلقي وتجمدت أوصالي ما أن رأيت ملامحه نعم هو أبي!...أبي  لم يمت!
 إذا من الذي قمت بدفنه؟!
من الذي بكته أمي طوال هذه الأيام؟!
ما الذي يحدث حولي؟!
لم فعل كل هذا؟! 
لِمَ زيف موته وجعلنا نتجرع ألمه أيام وليالي نتتحب فراقه؟!
دنا نحوي وكأنه قرأ كافة تساؤلاتي ليسرد قائلاً:
- عارف أن جواك اسئلة كتير ونفسك تعرف إجابتها، أنا هجاوبك على كل حاجة بس بعد ما احكيلك حكايتي، بعد ما سيبتكم وجيت هنا أدور على لقمة عيش تسد جوعكم بعد ما الحال ضاق في بلدنا والصيد شح، قابلت راجل اسمه جابر شغال في كل حاجة وله معارف كتير ، عرف حكايتي وصعبت عليه، دلني على شغلانة حارس لفيلا هنا لان أصحابها مسافرين، قولت لنفسي اهي نوابه تسند الزير ومش مشكلة وبعد كده لما اتثبت والأمور تتظبط هبعت اجيبك أنت وأمك واخواتك ونعيش هنا، بس في يوم وأنا قاعد جالي جابر وطلب مني طلب غريب أني أدخل  شخص غريب الفيلا ولما سألته عن السبب، قالي أن أصحاب الفيلا بيفكروا يبيعوها وأن الراجل ده  زبون وحابب يشوفها الأول قبل ما يكلم أصحابها والاحسن معرفش أصحاب الفيلا بأنه دخلها في غيابهم عشان عيشي ميتقطعش، وافقت وجه الراجل ولف الفيلا كلها، جابر ساعتها كان عايزني افضل بره لكن  أنا رفضت ووقفت معاهم عشان دي أمانة، نزل البدروم ونزلت وراه، ساعتها ابتسم ابتسامة خبيثة وشاور لجابر برأسه كأنه بيقوله كله تمام، مشيوا بعد ما دفع ليا الف جنية، بعت الفلوس ليكم وأنا طائر من الفرحة  بعدها بيومين جالي جابر تاني وقالي أن الراجل عجبته الفيلا وهيشترها، ساعتها قلقت أنه يمشيني بس جابر طمني وقالي اني هفضل في شغلي عادي
تنهد بعمق ليلفظ باقي قصته بألم 
- استلم الراجل الجديد الفيلا، بس بدأت اسمع أصوات غريبة طالعة من البدروم ، خدني فضولي أني اراقب اللي بيحصل فيه من شباك صغير كان موجود في الجنينة، ساعتها لقيت حته من باب دهب ظاهره على الحيطة، فركت عيني وبصيت تاني  لقيته بيلمع زي الشمس، دخلت بسرعة البدروم عشان اتأكد بنفسي، سمعت صوت بيقول:
- لتحصل على مرادك عليك التضحية بأحد أبناءك
كانت كلماته كالصاعقة تسقط فوق رأسي تهدمني، أكمل عذابه الساقط على قلبي عندما قال:
- وقتها مفكرتش في أي حاجة غير أني احصل على الكنز ده، قتلت صاحب الفيلا بس الباب متفتحش، اتصلت بجابر وطلبت منه يبلغكم أن حصلي حادث وأني مت وبعد كده اتصل بيك عشان تشتغل هنا في الفندق اللي جنبي وساعتها أقدر اوصل لك بسهولة...
اخيرا فك قيد صوتي وخرج كالعاصفة تطيح بكل ما يقابلها، لن ابقى اليوم على دم أو قرابه، كيف له أن يفكر هكذا؟!:
- أنت ازاي بتفكر كده، ازاي فاكرني اصلا هوافق، انت فاكر نفسك سيدنا ابراهيم وانا ابنه اسماعيل اللي هقولك أفعل يا أبي ما تؤمر وستجدني من الصابرين أنت مش نبي، أنت واهم زي ما كنت أناني ومفكرتش غير في نفسك أنا كمان مش هفكر غير في نفسي وفي أمي واخواتي اللي خليتهم يبكوا عليك وأنت قاعد ومتمتع هنا في فيلا طويلة عريضة
- أنت هنا هتعمل اللي أنا عايزة وبس وبعدها هرجع لأمك وأخواتك بدهب وكنز هيعيشهم ملوك
- طب وأنا مفكرتش فيا، ذنبي أيه أضحي بنفسي عشان طمعك
أخرج من جعبته خنجر حاول طعني به للحصول على دمي، احتدم بيننا الشجار بينما يقف حولنا أربعة رجال لا يحرك اي منهم ساكن وكأن الطير يقف فوق رؤوسهم، سقط الخنجر أرضا، حينها تحرك أحدهم ليمسك به ثم اشهره بوجه أبي محذرا إياه بتركي والابتعاد عني:
- سيبه يمشي بدل ما اقتلك أنت
رفع عن وجهه ذلك الغطاء لتظهر ملامحه، لم يكن سوى عم محروس، تبدلت ملامح أبي عندما رأي وجهه ليكمل عم محروس
- أنت فاكر أنك هتفلت بالي عملته 
نظرت له مستفهما، فروى فضولي مكملا
- للأسف يا مصطفى أبوك ده ميستهلش أن يكون عنده ابن زيك، ولا حتى يكون له بيت وعيله، الطمع عمى أبوك لما عرف بموضوع المقبرة  أو بمعني أصح مقبرة الاسكندر الأكبر، كان فاكر أن محدش يعرف الموضوع ده، ساعتها  طلب ايد بنتي لأنها كانت عايشه معايا في الفندق وبتشتغل فيه بس أنا رفضت وقتها مثل عليها الحب لحد ما صدقته بعدها استدراجها وقتلها بدم بارد عشان يوصل لبوابة المقبرة بس جن الرصد مقبلش دمها، وبعدها هو اختفى دورت كتير عليه عشان اخد بتار بنتي بس كأنه فص ملح وداب لحد ما جيت أنت تشتغل في الفندق ولمحت اسمك والمدير بيكتبه عشان كده دخل

عشان كده دخلت اوضتك وفتشت فيها وتأكدت أنك ابنه.

 في الاول قررت اقتلك واخد حق بنتي بس صعبت عليا لان شكلك كان طيب غير أبوك، راقبتك كويس لأني كنت عارف أنه هيظهر مرة ثانية، سحره الاسود وأعماله اتسببت في مشاكل كتير ومن ضمنها الجن اللي حرق الغرفة اللي كان فيها بنت المدير والدور كله  

جحظت عيناي وفرغ فاهي وأنا استمع لكل ما يقوله عم محروس ليكمل

- اللي كان في الغرفة ليلة رأس السنة أبوك مش نزيل اجنبي يا مصطفى وهو اللي رسم النجمة الخماسية وحاوطها بشموع وكتب جواها أرقام عشان يحضر جني يقدر يساعده على فتح المقبرة والوصول لكنز الاسكندر بعد ما قتل صاحب الفيلا واتفق مع جابر أنه يكون شريكه بشرط أنه يزور موته، بس الجني كان قوي وأبوك مقدرش عليه وكان هيموت في الحريق لولا أنه هرب طبعا بمساعدة جابر ، ساعتها لو كنت روحت للبوليس مفيش حد كان هيصدقني وبالذات أن مفيش جثة والباب مش بيظهر غير بالدم والحريق اتسجل على أنه قضاء وقدر بس أنا شفت وش أبوك يومها، انهاردة أنا هاخد حق بنتي منه هخلص الدنيا من شره

ضحك أبي وهو يتحداه:

- مش هتقدر تقتلني يا محروس رجالتي اللي جنبك دول بإشارة مني هيخلصوا عليك وعلى مصطفى واوصل لمرادي مش بعد كل الدم ده اطلع خسران، أنا قتلت صاحب الفيلا وبنتك وجابر فاضل اخر ربع اللي دم مصطفى هيفتحه زي ما الجني طلب مني.

ضحك محروس بصوت أعلى ليجيبه بعيون تتقد شررا

- رجالتك ماتت، واللي حواليك دول رجالتي أنا ولو في دم هيتسال انهاردة فهو دمك أنت 

أنهى جملته ليتبعها صرخة مدوية من والدي عندما اخترق خنجر خصره، سقط أرضا  داخل بحر دماءه وعيناه لا تفارق ذلك الباب الذي ظهر جلياً عندما لامس دماءه، وقفت أمام ذلك الباب لا أعرف أي طريق أختار هل اكمل ما بدأه أبي واتبع خطواته؟ أم أعود أدراجي وأترك هذا المكان بكل ما فيه؟

هل أخبر الشرطة ولكن حينها سوف ينتشر الخبر وتعرف امي ما فعله أبي بنا وعندها سوف تسوء سمعة شقيقاتي ولن يتزوجن؟ أم اتكتم على كنزي وأحصل عليه ؟

سكنت الحيرة عقلي، فأي قرار منهم  صعب لكن لابد أن أختار، أغمضت عيني وأنا أدعو الله أن يهدني إلى الصواب، عندما فتحت عيني كان قد اختفى ذلك الباب الذهبي فدم والدي لم يفتحه.

خرجت من هناك حيا بعدما كنت قرباناً ومات أبي ثانية ولكن هذه المرة بلا دموع أو وداع....



تمت

لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية..

رواياتنا الحصرية كاملة