-->

رواية جديدة حان الوصال لأمل نصر الفصل 18 - 1 - الأربعاء 28/8/2024

 

قراءة رواية ما بين العشق والهوس كاملة 

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى



رواية حان الوصال

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة أمل نصر

الفصل الثامن عشر

1

تم النشر يوم الأربعاء

28/8/2024


ذاك الواجب الثقيل المُلزم به، تلك المسؤلية التي تطوق عُنقك ، ولا تجد منها مناصًا ولا  يصح منها الهرب، فهو ماضيك وان تنصلت منه، تخليت عن ذاتك. 


هذا هو ما كان يشعر به الاَن، وهو يقف خلف السور السلكي، يراقب ذلك الصغير وهو يركض بالكورة مع عدد من فريقه، كي يلحق ويسجل بها هدفا ضد فريق الخصم، لقد كبر عن اخر مرة قد رأه بها منذ سنة تقريبًا،  يتكفل برعايته ويرسل المال شهريا ومع ذلك لا يعرفه عن نفسه ولا يتصل به اتصالاً مباشرًا، وكيف يفعل؟ ومن اين يجد العزيمة لمواجهة الاثر المتبقي من الماضي الأليم. 


- كنت عارفة انك هتيجي المرة دي. ما هو مش معقول يعني تقضي في البلد يومين ومتشوفش اخوك. 


ضغط على عينيه بغضب خانق، يكبت سعيرًا من نيران تسري بداخله؛ بعد سماع صوتها الذي دوى في اسماعه كفحيح الأفعى ، وتذكيره بالحقيقة التي يود ان يطمسها من تاريخة، ولكنه يعجز عن ذلك. 


التف اليها بعد مدة من الوقت، ليُقابل بهذه الابتسامه الساخرة، متوقعة ان تجد منه الانبهار، بملامح الوجه التي زادت عليها بعدد من التعديلات كنفخ الشفاه وبعض الاجزاء من بشرتها، كي تزيد من انوثتها وفتنتها، وكل هذا طبعا من مال ابيه الذي يرسله من اجل شقيقه، وهي كالعادة تبدده بإسرافها،  


ليرد على سخريتها بمقت:

- انا فعلا جاي اشوف اخويا، واشوف بالمرة الفلوس، بتوصله، ولا بتروح على عيادات التجميل الخاصة بوالدته. 


عبست ملامحها بإجفال لتلميحه السخيف في نظرها،  لترد بحدة؛

- وافرض بيروح جزء منها على عمليات التجميل لوالدته، ما هو انا ليا حق برضو، مش كفاية اني قابلة على نفسي ان اكون منفيه عن بلدي واتلقي صدقتك ليا ولاخوك كل شهر.


رد يفحمها بفظاظته:

- بلاش ترسمي دور الضحية، عشان النفي دا كان اختيارك من الاول يا ناريمان، انتي فضلتي تبعدي، وتخدعي الناس بأنك موتي عشان غضب عيلتك، تعيشي هنا في احلى مستوى بالحرية اللي انتي عايزاها بفلوس بتجيلك كل شهر من غير تعب........


زفر انفاس خشنة اطلقت دخانا من انفه بتهديد خفي هي فقط من تعلمه:

- حاولي تحافظي كويس على اَدم وتاخدي بالك منه، عشان دا الخيط الوحيد اللي مخليني صابر على كل أخطاءك، لو طاله أي اذى حتى لو كان نفسي، انا مش هرحمك، والحنفية اللي مفتوحالك مش هتطولي منها مليم واحد بعد كدة.


- انا مسمحلكش يا رياض، لأني لا بغلط ولا بعمل اي حاجة تضر ابني، ولا انت عايز تلاقيلي أي حجة وخلاص؟ 


هتفت بها مدافعة، ليقابلها مرددًا باستهزاء:

- لا انا مش عايز اخدها حجة لاني مش هحتاج اساسًا وقت ما احب انفذ اللي في دماغي، انا بتكلم ع الغراميات،  مع ناس موظفين وطلاب جامعة.....  طب حتى اعملي حساب انك كنت متجوزة واحد من نسل الباشوات، ازاي الواحدة ترخص من نفسها كدة؟


لقد صفعها بفظاظته، حتى شعرت وكأنه مطرقه اهتزت لها رأسها، تبًا له من قاسي لا يعرف الرحمة بنقده ولا بتقدير وضعها كامرأة وحيدة، ولكنها ليست بالهينة حتى تصمت على اهانته:


-  يعني انت جاي تحاسبني عن علاقه انتهت من ٦ اشهر مع مدير البنك اللي كان هيموت ويتجوزني لولا انا مرضيتش عشان خاطر ابني، 

اما بقى عن طالب الجامعة، فدا مسكين ابن جارتي ، اعمله ايه؟ بيحبني وبيموت فيا رغم فرق السن،  انا طبعا مدتلوش ريق حلو،  لكنه بيطادرني في كل حتة ومبيزهقش، مش ذنبي اني جميلة يا رياض، جميلة وصغيرة كمان، انا مفرقش عنك غير سنة واحدة لو تفتكر، يعني في عز شبابي.


عندما ظل على جموده يحدقها بصمت، تابعت هي كي تؤثر في عاطفته:

- انا يمكن بيضيع كل فلوسي في اللبس والمظهر،  عشان اعوض حرماني من اهلي وبلدي،  ولا دي كمان هتعتبرها تمثيل؟ 


عقب ببساطة ينزع عنها هذا الغطاء الذي تحتمي به:

- محدش ضربك على ايدك  يا حبيبتي، من النهاردة اطلعلك باسبور وترجعي ع البلد دا لو عندك الشجاعة.


ردت بابتسامة تتصنعها لتعقب بصفاقة ليست بغريبة عنها:

- وماله يا قلبي، اخد حبة الشجاعة وارجع اواجه اهلي، وبالمرة كمان اعرف نجوان هانم  ان ليها ريحة من المرحوم...... اااه.


صرخت بالاَخيرة حينما باغتها بالقبض على رقبتها ، يضغط عليها بقوة، وعيناه اصبحت كتلة ملتهبة من الجحيم:

- حاولي تكرري تهديدك تاني يا ناريمان، وانا هخليكي تحصلي اللي راح.


حرباء متلونة، حتى وهي في اقصى لحظات ضعفها، وروحها بيده، تبسمت رغم الالم الذي يحيط برقبتها:

- لو تقدر اعملها يا رياض، هبقى مبسوطة اوي انى اموت على ايدك. 


- انتي ايه؟ شيطانة، اموتك بجد عشان اريح البشرية منك؟


     mama-  


صدر النداء ليدق ناقوس الخطر برأسه، لينزع قبضته عنها بعنف والتف نحو الفتى الصغير ذو السبع سنوات، والذي توقف عن اللعب ليقف مواجهًا له، يفصل بينهم السور السلكي، بنظرة سريعة قطعها على الفور ليحرك اقدامه ويغادر هذا المكان برمته. 


حاملا فوق ظهره هذا الهم الثقيل، بفضل هذه المرأة التي كانت السبب في ان يخسر والديه، وقبلهم نفسه. 


❈-❈-❈


أسفل الشجرة التي اصبحت مكان التقائهم في وقت الاستراحة، حضرت صباح تحمل بيديها عدد من الشطائر المعدة بمنزلها لانها تفضل ذلك، مع كوبين من الشاي أتت بهم من كافتيريا المصنع، لتشاركها هذه الجالسة بشرود بهم .


تهتف نحوها بصوت واضح كي تلفت انتباهها:

- الشاي، الشاي والسندوتشات يا منيلة روحتي فين؟


استجابت لها بهجة بابتسامة تتناول الكوبين الساخنين. منها كي تضعهم على المقعد بينهما، وتجلس الأخرى وتضع الشطائر بجانبهم، تدعوها بأمر لا يخلو من مزاح:


- كلي معايا يا بت والهي نفسك بحاجة بدل الفكر  اللي خلاكي خسيتي في يومين بس .


شهقة أجفال مكتومة برقت بها عينيها نحوها، لتتحول الى خجل شديد، زحفت على اثره السخونة لوجنتيها،  فتدرجت بهم الحمرة ، بعدما فهمت على قصدها، لتنهاها بارتباك:


- ايه اللي بتقوليه دا يا ريسة، مش خايفة حد ياخد باله من البنات .

ضحكت لتضع الشطيرة بحجرها مرددة:

- لا يا ختي مش خايفة، انتي اللي شكلك متاخدة، وواضح اوي.


- يالهوي انتي بتتكلمي جد هو انا باين على شكلي اوي كدة؟

تمتمت بها بهجة برعب تنقل ابصارها نحو البشر المارة من حولهم، لتشفق عليها، رغم شعورها بالتسلية، فتعلق بمشاكسة:


- باين ايه يا بت؟ هو حد يعرف حاجة، كلي كلي دا انتي جبانة اوي واي حاجة بتصدقيها.


اذعنت لتقضم من الشطيرة قطعة صغيرة مغمغمة:

- الله يجازيكي يا ريسة بتتمألسي عليا عشان متوترة حبتين .


تأثرت صباح رغم غضبها المكبوت من الطريقة، ولكنها لا تقوى على التنصل من مسؤوليتها نحوها:

- تتوتري ليه يا ختي وانا جنبك؟ اي حاجة نفسك تسألي فيا، او اي مساعدة انا موجودة، ها، هيوصل النهاردة من السفر؟ 


اومأت بهز من رأسها وصوت بالكاد يخرج منها:

- محددش الساعة كام بالظبط، بس قالي جهزي نفسك واستعدي النهاردة ليلتنا.


- دا جريء اوي.

غمغمت بها صباح بدهشة تتعدى الذهول، لا تتخيل ان ابن الحكيم يخرج منه هذا الحديث، ولكن لما العجب،  فهو بالنهاية رجل وهي امرأة فاتنة حتى لو بشيء قليل من الاهتمام، فما بالها لو تزينت واخذت حقها من الدلال، ولكنها بريئة بشدة وهذا ما يثير خوفها، 


لذلك سارعت في طمأنتها:

- ارفعي راسك يا بهجة وبصيلي، انتي النهاردة هتبقي مسؤليتي. 


❈-❈-❈


حينما عادت معها الى داخل المبنى، كانت المفاجأة من نصيبها، وهي تراه امامها يلج من الناحية الأخرى للمبنى، ترافقه اصوات العاملين بالتحية، والتهنئة بعودته من السفر، فكان يأتي رده اليهم باقتضاب كعادته وهو يواصل طريقه، فتلتقي ابصارها بخاصتيه، في انسجام بصري دام للحظات، حتى اكتنفها احساس انه على وشك القدوم نحوها وخطفها بين ذراعيه. 


بالطبع كان هذيان صنعه عقلها ، بدليل قطعه  لهذا الحبل الوهمي،  ليتوقف امام مصعده، فتنهدت هي بيأس، ذاهبة لمصعدها، المصعد الخاص بالموظفين زملائها، فتذكر الفرق بينها وبينه وتعود لعقلها،


غافلة عن ابصاره التي تعلقت بها من الخلف،  حتى اختفت داخل المصعد وصعد بها، اما عنه، فقد كان في حالة من الشوق، تكاد ان تفضحه، 


منذ متى تخللت هذه الفتاة روحه وجعلته متعلقا بها بهذه الصورة؟ كيف استطاعت ببرائتها اختراق القلب الجليدي بعد سنوات من تركه متجمدًا ، حتى عادت هي تبث الروح به وتعيده للحياة، حينما يراها يفقد اتزانه ويفقد السيطرة على مشاعره، يومان مروا وهي بعيدة عنه، يتواصل معها عبر الهاتف كلما غلبه الشوق اليها كما يحدث الاَن وقد زاد لأضعاف برؤيتها،  قد يتوقف قلبه ان لم يعانقها الاَن وفورا

الصفحة التالية