رواية جديدة حارة الدخاخني مكتملة لأسماء المصري - الفصل 2 - 2 الأربعاء 21/8/2024
قراءة رواية حارة الدخاخني كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية حارة الدخاخني
للكاتبة أسماء المصري
قراءة رواية حارة الدخاخني
رواية جديدة قيد النشر
من روايات وقصص
الكاتبة أسماء المصري
الفصل الثاني
2
تم النشر يوم الأربعاء
21/8/2024
التفت ينظر للرجال حوله واستعرض قوته:
-رجالتك واتخدروا ومحدش منهم شافني، ومفيش غيرك أصلا يعرف أنا مين وعشان كده أنا مضطر اقتلك.
صرخ الصبي هلعا وخرج من مخبئه:
-أبويا.
ذعر فتحي والتفت لصغيره وخبئه خلف ظهره يوبخه بشدة:
-ايه اللي جابك بس؟
بكى الصبي:
=-أمي بتولد و...
قاطعه الرجل صائحا بفرحة مزيفة:
-الف مبروك يا فتحي، يتربى في عزك إن شاء الله.
ختم كلمته بضحكة سخرية وصحح كلامه:
-اقصد يتربى في ورثك بعد ما تموت ولا أنت كحيان ومحلتكش حاجه بعد كل الشغل ده.
غمز له وأضاف:
-قولتلك تعالى اعمل شغلانه معايا بس الأمانه واخده حقها معاك اوي، اديك هتموت فقير وكحيان ومحدش هيفتكرك.
ابتلع فتحي ريقه ساحبا صغيره للخلف وهتف بصوت عال:
-ابني يا زينهم، ابني ﻷ.
رفض بحركة من رأسه:
-مينفعش، شافني و...
قاطعه متوسلا:
-ابوس ايدك ابني ﻷ وهو مش هيتكلم ولا هيقول حاجه، وهو اصلا ميعرفكش.
عقب عليه مبتسما بسمة سمجة:
-بس عرف اسمي.
اتسعت حدقتي فتحي خوفا والآخر يتابع:
-انا مش من عادتي اخلص ع الحريم ولا العيال الصغيره بس هو جه لقضاه.
ارتعش الصغير خوفا فتمسك به والده بقوة:
-متخافش ياض.
رفع وجهه ناحية زينهم وصاح بقوة كأسد جريح يزئر ليخيف اعداءه:
-ابني ﻷ يا زينهم، مشيه وأنا هقولك مش على مكان البضاعه دي وبس، أنا هعرفك مواعيد الشحنات الجايه كلها بس سيبه.
حك رأسه يدعي التفكير وأومأ موافقا:
-موافق بس لو ابنك فكر بس يتكلم أنا هـ...
قاطعه مؤكدا:
-مش هيفتح بوقه بكلمة واحده.
التفت لصغيره وانحنى يملي عليه وصيته:
-اسمعني يا يوسف عشان خاطر امك واختك واخوك اللي زمانه شرف على وش الدنيا.
قبله من وجنته وتابع:
-انت اللي هتبقى الراجل بتاعهم من بعدى فاهم.
اشعث شعره يشاكسه:
-عشان خاطر امك وأخواتك انسى اللي حصل هنا، انساه يا يوسف وانسى شكله واسمه واوعاك تجيب سيره لحد؟
أومأ الصبي وبكاؤه يغرق وجهه فوقف فتحي ونظر لزينهم وبدأ يخبره بمواعيد الشحنات القادمة وأماكن تخزينها وكل ما قد يحتاجه الآخر ليستولى على تجارة رشوان الدخاخني وفور أن انتهى ابتسم زينهم وصوب سلاحه لرأسه وضغط على زناده فخرجت تلك الطلقة التي اسقطت فتحي صريعا فانتفض جسد يوسف وتلك الصافرة التي دوت بأذنيه جعلت توازنه يختل فسقط هو الآخر فاقدا لوعيه.
عاد لحاضره بعد أن وصل وجهته وصف السيارة وترجل دالفا للمخزن فوجد رشوان يجلس واضعا قدما فوق الأخرى يدخن أرجيلته ورجاله من حوله يرصون البضائع بترتيب منسق.
طئطئ رأسه عندما وقف أمامه وهتف مرتبكا:
-معلم.
رفع رشوان حاجبه الأيسر صارخا بالعمال:
-كله يطلع بره.
تركوا ما بأيديهم وغادروا فوقف يوسف منتظرا دفع حساب فعلته الهوجاء التي يعلم توابعها منذ اليوم الأول ولكنه حقا لم يستطع أن يتحكم بذلك الذي ينبض بداخله:
-اتأخرت ليه كده؟
أجابه بارتباك ولعثمة:
-على ما وصلتها ووصلت أختي.
انعقد جبين رشوان متسائلا:
-هي اختك كانت معاك؟
أومأ موضحا:
-كان عندها درس.
اتسعت حدقتيه صائحا وهو يدفع الأرجيلة لتسقط أرضا تتكسر ﻷشلاء:
-يعني كمان مسيب ورد دروسها عشان تقابلك! هي دي أمانتي اللي مأمنك عليها!
ارتباكه حال دون رده السريع مما أتاح الفرصة لرشوان ليكمل:
-بقى أنا مش مخونك وبسيبك تاخدها تويدها للدورس وللمدرسة وطول عمري بقول أخوها وبيعاملها زي ما بيتعامل اخته تطلع في الآخر بتستغفلني.
رد فورا مدافعا عن نفسه:
-لا يا معلم لا عاش ولا كان اللي يستغفلك، انا بحبها ومش عايز حاجه من دنيتي غير رضاك عن جوازنا وبس.
ضحك رشوان عاليا بشكل ساخر جعل حنق الآخر يؤجج بداخل حلقه:
-أجوز بنتي ليك أنت؟ هو أنت مين اصلا؟
أجاب بثقة زائفة وكأنها ستنفع بتلك اللحظة:
-انا دراعك اليمين يا معلم وأنتي معتبرني زي ابنك.
رفع رشوان شفته ممتعضا:
-دراعي اليمين وزي ابني! دراعي اليمين ده لما تبقى شايل عني كل حاجه جوه الشغل وبره الشغل، دراعي اليمين ده لما اقدر اعتمد عليك في الكبيره والصغيره، دراعي اليمين ده لما اتعب مقلقش ولا أخاف ع الشغل وأقول دراعي اليمين واقف كتفه بكتفي.
أزاح قطع زجاج الأرجيلة المتناثرة على الأرض بقدمه واقترب منه يرمقه بنظرة حادة وتابع حديثه:
-لما ابوك اتقتل أنا اخدتك وربيتك وشغلتك عندي وقولت هو ده العوض من خلفة البنات اللي لازمتني طول حياتي وفكرت لما تكبر هتبقى دراعي اليمين.
أفرج عن ضحكة تخاذل:
-بس اللي حصل إنك رفضت تشتغل معايا فبقيت ايه؟ مجرد عامل، اوجري شغال عندي بيوميته.
صرخ به يسأله:
-قصرت معاك أنت وأمك وأخواتك في ايه عشان تعمل كده؟
لم يتح له فرصة الرد وهو يلحم كلماته بعضها ببعض:
-ربيت وعلمت وكبرت وفضلت واقف مكان ابوكم لحد ما كبرتوا كلكم، ولحد دلوقتي مش مقصر مع حد فيكم.
تابع ثورة غضبة:
-ده أنا قبل ما بشتري هدمه لورد بكون جايب اختها لملك، وأنت في الآخر بترد جميلي بأنك تشاغل بنتي!
مد راحته خلف ظهره وأخرج سلاحه ملقما إياه ورفعه بوجه يوسف وهو يصرخ:
-هو ده ثمن ثقتي فيك يا يوسف؟ هو انت مش عارف جزات اللي بيعمل كده بيحصل فيه ايه؟
ارتعد يوسف ورشوان يبتعد ليمد ساعده بطوله مسلطا سلاحه على قلبه:
-نسيت أنا عملت ايه في الواد الملزق اللي كان عايز يتجوز أشرقت!
ظل صامتا يردد الشهادتين بداخله فهو كان حاضرا وقت تلك الحادثة ويعلم تفاصيلها جيدا:
-عايز نهايتك تبقى زي نهايته؟
زم رشوان شفتيه للأمام وهو يستعد للضغط على الزناد هاتفا:
-اللي ميصونش العيش والملح ميلزمنيش، واللي ينكر خيري عليه ويبص لفوق ميلزمنيش، واللي يطمع في بناتي برده ميلزمنيش.
انهى حديثه مطلقا عيار نارى دوى صوته بأرجاء المكان بل وخرج خارج حدود المخزن ليصدح بالخارج فهرع العمال ليتفقدوا الأمر هلعا وخوفا.
❈-❈-❈
حبست نفسها بغرفتها تحاول الاختفاء عن نظرات والدتها التي تكشفها ووقفت بالنافذة تنتظره ليعود وبكائها شوش رؤيتها فلم تستطع رؤيته وهو يقترب منها ولقرب النافذة من الشارع استطاع الأخير ان يتلمس راحتها المسندة على حافتها وهو يتسائل باهتمام:
-مالك يا ملك بتعيطي ليه؟
انتبهت لوقوفه أمامها فمسحت عبراتها على الفور وحركت رأسها تحاول اختلاق كذبة:
-زهقانه من المذاكرة شوية.
ابتسم حسن واحضر قطعة من الطوب ووضعها أسفل نافذتها ووقف عليها فأصبح وجهه قريبا لها وهمس مشاكسا:
-مش انتي اللي عملالي فيها ام المفهوميه وبطلتي تجيلي اذاكرلك.
قوست فمها ترد بامتعاض:
-المناهج دلوقتي بقت صعبه يا حسن غير مناهج الاعدادي.
شاكسها مداعبا أنفها بطفولة:
-طيب ابقى عدي عليا بكره اذاكرلك شويه انجليزي ولا ده كمان هتقوليلي المنهج صعب!
ردت وبالها وعقلها منشغل بأخيها:
-ﻷ طبعا مش صعب عليك.
ابتسم ونزل من على قطعة الطوب وتحرك صوب الدكان الصغير القريب من منزله وهو يسألها:
-اجيبلك عصير ولا چلاتي؟
صرت على أسنانها من معاملته لها فصرخت دون وعي:
-مش عايزه حاجه.
تعجب حسن من ردة فعلها فرفع حاجبه وعاد مقتربا منها يسألها والغضب قد كسى ملامحه:
-انتي بتزعقيلي يا بت انتي؟
ردت مرتبكة ومتلعثمة:
-ما أنت بتعاملني على اني عيله صغيره يا حسن.
ضحك وقد قرر أن يثير غضبها أكثر بمشاكسته:
-ما انتي لسه عيله فعلاً، ده انا لسه من قريب كانت امك بتنده عليا عشان أناولها البامبرز بتاعك من عند عم عوض البقال.
زادت ضغطتها على أسنانها حتى كادت أن تتهشم وعقبت عليه:
-ده اللي هو ازاي من قريب؟ أنا عندي 17 سنه وهتم ال18 كمان كام شهر يعني الكلام ده من 16 سنه مثلا.
ضحك بهيسترية:
-ياااه، ده الوقت جرا هوا ولا حسيت بيه، ده انا لسه فاكرك وانتي بتيجي تدخلي الدكان عندي وتفضلي تشدي في بنطلوني وتناديني، يا حثن يا حثن هات الثمك لماما احسن هتزعقلي.
لم تعقب عليه وأشاحت بوجهها وهو يضيف ولا زال يضحك بهستيرية:
-وفي الآخر شديتي البنطلون وانا بتحرك وقلعتيهولي قدام الحارة كلها.
لم تستطع كتم ضحتها على تلك الذكرى بالرغم من قلقها البالغ على أخيها، فشعر حسن بالسعادة عندما استطاع اضحكاها ورمقها بنظرة مطوله وأخبرها أخيرا:
-ابقى قولي لامك واخوكي إن كتب كتابي الخميس الجاي هنكتبوه في جامع علي بن ابي طالب اللي في سيدي جابر.
ابتلعت عضتها بداخلها وهو يؤكد عليها:
-اوعي تنسي تقوليلهم.
وجدت نفسها على مشارف الانهيار فتحججت وهي تهم بإغلاق النافذة:
-احيه ده انا نسيت البراد ع النار.
اغلقت النافذة بوجهه واستندت عليها تكتم بكائها المتألم الذي تحول لنحيب وهي ترفع يديها عاليا تدعوا المولى:
-يارب شيل حبه من قلبي أنا موجوعه اوي.
فتحت والدتها الباب عندما استمعت لصوت بكائها ولم يسعها الوقت بعد أن استمعت لرنين هاتفها الخلوي فأجابت فورا وهي تستمع لصوت جارتها:
-ازيك يا ام حسن.
لم تستمع ملك لرد الجهة الأخرى ولكنها استنتجت الحديث عندما ردت والدتها:
-والنبي بجد، الف مبروك ياختي وعقبال الليلة الكبيرة.
علقت والدة حسن عليها مؤكدة:
-انتي معايا من اول اليوم بقى عشان نجهزوا الأكل للناس في الحته.
وافقتها وتسائلت:
-ماشي يا ختي بس أكل ايه ده كتب كتاب يعني كفايه نعملو شوية ملبس يتوزع في الجامع وخلاص.
ردت والدة حسن مفسرة:
-هو ياختي المدلووء على عينه عايز يعمل اطعام بعد المغرب وكتب الكتاب يبقى بعد العشا فهنعمل اكل ونوزع ملبس كمان.
مدحته ودعت له:
-ما شاء الله عليه ياختي راجل وبيفهم في الأصول، ربنا يزيده من نعيمه ويحرسه من العين قادر يا كريم.
أغقلت المكالمة واقتربت من ابنتها تسألها بحزن:
-انتي عرفتي بقى عشان كده قافله على نفسك من ساعة ما جيتي.