رواية جديدة قابل للكتمان لخديجة السيد - الفصل 33 - 2 - الجمعة 2/8/2024
قراءة رواية قابل للكتمان كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية قابل للكتمان
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة خديجة السيد
الفصل الثالث والثلاثون
2
تم النشر يوم الجمعة
2/8/2024
❈-❈-❈
بالأعلى جلس وهو يتنهد بحزن كلما تذكر حال والده وسقوطه على الأرض بتلك الطريقة
يجعل قلبه يتألم وعندما واجهه والدته بما كان يحمله داخله لسنوات من حسره، لم يرغب في رؤيتهم منذ أن رحل! لكن من الاستحالة أن يكون النسيان تام لكل هذا مُمكنًا وكل هذه الذكريات مُكدسة في روحه.. فرغم أنه دائما يحاول خلال السنوات الماضية دفنها ولا يتذكرها.. لكن غالباً ما تنتصر تلك الذكريات لتقوم بالتسلل لذهنه..الآن وبعد أن قابل والدته ودافع عن نفسه بتذمرة المستاء شعر بالراحة تتسلل لصدره .
صحيح لم يكن يرغب في حادث والده او يؤلم والدته بذلك الشكل، لكن يستحقون.. نعم يستحقون ذلك واكثر.. وهو الآن شامت بهم وما يتعرضون لهم.. فهذا دين ويُسدد..
دلفت ضحي الغرفة بهدوء لتري وجه الذابل وملامحة المكسورة تطلع نحوها لعده دقائق بصمت، فاحياناً نلزم الصمت لان هناك أشياء لا
يعالجها الكلام.. لكنها تعرف علاج آخر يحبذه بشده، فتحت ذراعيها له وفي الحال دون تردد كان مُرتميا بين أحضانها لتُحيطه هي بكلتا ذراعيها لأنها تعلم تماماً أنه لا يُحِب أن تسأله عَن شيء فصمتت تنتظره يتحدث ولَم تمر سوى دقائق حتى سمعت صوته العميق
يُحادِثها
=الحياة لما بتقسى علي واحد بيكون قدامه خيارين، يا يكمل دائرة القسوة ويدوق غيره نفس المرار اللي داقه، يا يكسر الدايرة ويجود على غيره اللي افتقده.
رمقته بتعجب و حزن ثم أمسكت بيده وهي تتسائل بتوجس
= مالك يا حبيبي إيه اللي حصل اتكلم انا جنبك أهو وهسمعك
وكأنه كان ينتظر سؤالها وبدأ أن يشرح لها ما حدث معه بصوت مسرع وانفاس لاهثة
=شفت ابويا يا ضحى حاول يكلمني بس انا صديته وسبته وفجاه ما اعرفش ايه اللي حصل لقيته مرمي على الارض وبينزف عربيه خبطته وطلعت تجري! المشكله مش هنا وبس انا لما سالوني اعرفه أنكرت ده وكنت همشي وهسيبه فعلا بس استحقرت نفسي أوي.. بس وديته المستشفى بعد كده وفضلت مستني لحد ما اطمنت عليه بس اتفاجئت بأمي هي كمان موجوده ولما حاولت تتكلم معايا ما قدرتش أمسك نفسي قلتلها اللي جوايا و فهمتها أن أنا شمتان فيهم و انهم يستاهلوا اللي بيحصل لهم وده ذنبي.. بس من ساعتها عندي إحساس أني شخص وحش أوي.
شحب لون وجهها من هول كلماته السريعة وتنفسه الصعب، وزعت أنظارها المرتبكة بوجه تفكر في أمر أسرته وكيف الحال الان، ثم ابتلعت ريقها وأجابت عليه بنبرة حنونه
=طب اهدى يا حبيبي اهدى وخد نفسك، انت مش وحش ولا حاجه ده رد فعل طبيعي عارف كنت هتبقى وحش امتى لو مشيت لكن انت عملت اللي عليك وساعدته، و المواجهه كانت هتحصل كده كده وتعرفهم اللي جواك .. وانا كنت متاكده ان انتوا هتتقابلوا في يوم من تاني .
نهض عن فراشه ذارعًا الغرفة جيئة وذهابًا بخوف شديد، خرج أنينًا من جوفه شاعراً بوخزات قاسية تعتصر إياه حيث أدرك مؤخرا بأنه شخص سيء مثلهما، فانهار متسائلاً بتوتر
=عارفه كانت مستغربه وانا بكلمها فكرتني هبقى زي زمان هاخدها بالحضن واقول لها اعملي ما بدلك فيا، بس هي اصلا ازاي مفكره بعد كل اللي حصل أن ممكن اسامح؟ هي نفسها كانت مستغرباني وانا كمان كنت مستغرب نفسي.. وقالتلي بلاش تتغير وتبقى زينا هو انا زيهم يا ضحى ما تكدبيش عليا انا بقيت شخص وحش صح انا ازاي كنت هعملها وامشي وما تساعدهوش .. ازاي فكرت في كده شفتي وصلوني لايه عرفتي ليه بقول لك مش عاوزهم في حياتي من تاني
ارتجف بدنها من حالته الصعبة، فاقتربت منه لتضع يدها على كتفه لينظر نحوها، ثم حوطت وجهه بيدها و قامت بتقبيل وجنتيه وهي تخبرة بملامح متألمة
=هشش اي حد مكانك هيفكر في كده دي مشاعر جواك هم اللي حطوها والسبب فيها، اللي عملوا معاك كتير عشان كده انت لقيت نفسك عاوز ترد لهم اي حاجه من اللي عملوها وبعدين هو انت فعلا كنت شمتان فيهم
شعر بجفاف أشد في حلقه وهو يحاول تبرير الوضع، حيث تسارعت دقات قلبه بخوف كبير من أمره المخيف، وأجاب بألم كبير
=ايوه يا ضحى حسيت بالاحساس ده فعلا! عشان كده متضايق من نفسي ومش قادر اوقفه ولما حطيت عيني في عينها وقلتلها تستاهلوا وده ذنبي واشربوا شويه من اللي كنتم بتعملوا فيا.. للحظه حاولت اوهم نفسي ان انا بزيف الاحساس ده عشان اضايقها بس لما ركزت مع نفسي لقيت ان فعلا حاسس بيه وشمتان فيهم! شمتان أنهم خسروا كل حاجه من غيري وأن معاذ اللي كان على طول بيهتموا بيه سابهم هو كمان وشمتان أن الوكاله والشغل وكل حاجه انا عملتها بتعبي وهم عمرهم ما نسبوا التعب ده ليا راحت
تجمدت عيناها بصدمة من كلماته، لكنها ظلت جانبه فلم تكن تتركه على تلك الحالة بمفرده وهي تعلم جيدًا أنه في أشد حالاته ضعفًا ولدي المبررات القويه لتلك الحاله، فنظرت له بحنو وقالت بتأثر
= شفت انت بتقول ايه؟ هم عملوا كده انا عملت زيهم! انت مجرد رد فعل يا حبيبي فلو في حد المفروض يتحاسب في الموضوع ده هم.. صحيح رد الغلط بغلط عمره ما كان صح لكن انت ما عملتش حاجه ليهم مجرد شعور مش قادر تسيطر عليه حسه وأي حد مكانك كان هيعمل كده وزياده.. بطل عشان خاطري تحمل نفسك فوق طاقتك
ارتمي في أحضانها، فلف ذراعيه حول خصرها ليزيد من تشبثها به، و من ضمته لها وهو يهز رأسه عده مرات محاولا الإقتناع، ليرد بارتباك وخوفاً
= ايوه صح انا سبت كل حاجه ومشيت مش كده، كان ممكن انتقم بس ما عملتش كده فمن حقي بقى شويه اشمت فيهم وافرح ان ربنا بيرد ليا حقي .
أبتعدت عنه ومدت أناملها ماسحة كل هذا الحزن الساكن في عينيه، وردت هاتفه بحسرة
= جرب تسامح هترتاح التسامح بيغسل القلب وبيريح النفس هم خلاص جربوا اللي انت كنت بتجربه ولسه.. بس التسامح هيخليك تنسى الوجع والألم والحسرة اللى بتحس بيها
انهار مجددًا عاجز عن مقاومة كل أوجاعه التي هاجمته بشراسة بعد رؤيتهم، هاتفا فيها بنبرة
يأس
= الاذي النفسي بيوجع اكتر من البدني لانه بيكون في الذاكره عمره ما يتنسي يا ضحي، يا ريت عندي زرار للنسيان واقدر انسى كل حاجه بسهوله كده، اقسم بالله ما بتتنسي الأوجاع اللي من الاهل وبتفضل موشومه علي القلب لحد طول العمر
مسحت بيدها علي وجهه كأنها تريد أزاحت احزنه واوجاعه، ليتها تعرف، ليتها تعلم كيف تقتل جيوشا مِن الحزن والبؤس داخله، ليتها تجد السعادة له ليعيش ماتبقى له من قلب في هناء ورخاء، ليتها تعيد له السعادة المسلوبة منه.. هزت رأسها بالايجاب بتفهم ثم قالت بصوت جاد
= انا فاهمه ده كويس عشان كده بطلت افتح معاك الموضوع وقلت بلاش اضغط عليك، و وقت ما تحس انك عاوز كده روحلهم وسامح لكن ولا هضغط عليك ولا هسمح لحد يضغط عليك برده.. عشان دي حاجه مش بايدك فعلا .. ايه رايك تجرب تنام شويه
نظر لها بحيرة ثم تساءل بتردد
= هاه، ماشي بس الخروجه اللي ظبطناها والسفر
ربتت على كتفه ونظرت في عيناه الحائِرَة مُجيبا عليه ببساطة
= نعوضها بعدين مش مهم اي حاجه دلوقتي غير صحتك يا حبيبي نام واستريح براحتك ومحدش هيعمل لك ازعاج وانا هفضل جنبك وهسيبك تصحى براحتك كمان.
إبتسم وأومأ لها دون أن يُجادِلَها، فعادت تحضنه ثم أغمض عينيه مستسلمة لدفء أحضانها التي انتزعت عنه حزنًا مؤقتًا ليشعر بعدها بالرضا والارتياح .
وعندما جاء الصباح حاولت ضحى ان تأخذ هاتف منذر حتى لا ينزعج وينام فتره اطول، لكن رن الهاتف فجأة في يدها، فانتفضت في مكانها مفزوعة على إثر الرنة المباغتة، أطلقت تنهيده ضيق وهي تحدق في الشاشة لتجد رساله من تلك السخيفة رغد قائلة فيها
"صباح الخير يا منذر عماله احاول اتصل بيك مش بترد انت فين يلا عشان ورانا شغل كتير، اوعى تتاخر وخلي بالك وانت سايق"
جزت علي أسنانها بغيظ شديد وهي تهمس
= بني ادمه مستفزه ايه ياخد باله وهو بيسوق دي؟ مالها هي ان شاء الله يعمل حادثه.. لا لا إيه الكلام ده بعد الشر طبعا عليه، ان شاء الله هي يارب .
تجاهلت اتصالاتها المتكررة واضعة هاتفه على الوضعية الصامتة، لكن فكرت في أن ترسل إليها رساله تغيظها، امسكت الهاتف بالفعل وبدات ان تضغط على الازرار وتكتب وهي تبتسم بانتصار قائلة
"انا مرات منذر واليوم هنكون مشغولين جدآ في حاجات مع بعض فبيعتذر لك أنه مش هيجي.. حتى ما عندوش وقت يمسك التليفون ويرد عليكي، معلش مره من نفسه ياخد اجازه كملي انتٍ بقى شغلك"
لكن بعد فتره من إرسال الرساله شعرت بالتوجس والقلق من رده فعل زوجها، فهل سيغضب عليها لأنها أجابت عليها بدل منه و أخبرتها بانه سيغيب اليوم .
❈-❈-❈
بعد مرور ساعة، استيقظ منذر وهو يشعر بخمول، لكن قد تحسنت أحواله النفسية تحسنًا طفيفًا عن أمس بعد ارتفاع معنوياته النفسية ورغم أنه مزال يشعر بالقلق من كل شيء إلا أن وجود زوجته جانبه لم يؤثر ذلك عليه بفضلها، نعم هي كان لها الدور الأكبر في ذلك بحبها الدائم، فأزاحت عنه الكثير من الهموم والأحزان بتفائلها الدائم، لتجعل إياه يمسك بذلك الأمل الجديد الذي أوجد في روحه الفانية وتشبث به، وجد زوجته تدلف من باب الجناح لتقول مبتسمة
=صباح الخير كنت نمت تاني براحتك لو عاوز
اعتدل منذر في نومته واضع الوسادة خلف ظهره ليستند عليها، فرد بصوت مبحوح
=لا خلاص كفايه كده زهقت من النوم، هي الساعه كام و اوليندا فين مش سامعلها صوت ليه
دثرته ضحي في الفراش هاتفة بحماس رهيب
=سبتها تنام هناك في اوضتها زمان المربيه جنبها وماما.. ما تشغلش انت نفسك بحاجه واقوم خد شاور اكون جهزتلك الفطور ولو عاوز كمان اطلعه هنا مفيش مانع.
عقد حاجيبة مبتسماً كونه يفهم جيد لما تفعل كل ذلك، ليحصل على راحته ثم لف ذراعه حول خصرها ليضمها إلى صدره هامسًا
=ده إيه الدلع والهنا ده هتطلعيلي الفطار هنا في السرير وكمان سبتي البنت تنام في اوضتها من غير عناد زي كل مره.. ده انا كان لازم اتضايق من بدري علي كده
اعترضت بدلال وهي تداعب صدره
= اخص عليك يعني انا مش بدلعك غير لما يكون في حاجه ومتضايق.. تنكر ان انا بعمل لك كل اللي انت عاوزه في النهايه حتى لو مش على هوايه هو انا يهمني غير راحتك برده
يا حبيبي
بقي ذراعه محيطًا لخصرها فا للحب تأثير عجيب حقا لذة محببة تذيب الحواجز و المخاوف، فتخطي تلك اللحظات السيئة بشاعرية مضاعفة، ثم تحدث متنهدًا بحرارة
= انا مش عارف ازاي بتقدري تمتصي وجع كبير بياكل فيا ذي كده، انا كنت فاكر ان هبطل العاده دي لكن مع اول مشكله جريت ادور على حضنك واشتكيلك زي زمان وانتٍ تخففي عني
ابتسمت بخجل مثير وهي ترد ممتثلة
= لا دي قدرات خاصه بقى وسر المهنه
استمر منذر في رسم ابتسامة لطيفة شيقة على ثغره وهو يقول بعشق جارف
= أنا بحبك يا ضحي صدقيني بحبك.. و ماليش غيرك أصلًا، عارف إني أوقات نفسيتي بيخليني اجي عليكي وبيعميني غضبي لما أتعصب و أزعق لكن أول ما بترمي في حُضنك ببقي طفل صغير، بدون حيل و لا قوة، حقيقي طفل و ببقى محتاجلك أكتر منك.. أنا محتاجك بجد يا ضحي
تلاحقت أنفاسها التي كانت حارقه من شدة النيران التي تعصف بقلبها و سائر جسدها
فـبللت حلقها قبل أن تتحدث بتوجس
= انا كمان بحبك أوي وما ليش غيرك، بما انك يعني صاحي ورايق كده فكنت عاوزه اقول لك علي عمله عملتها بس كانت نيتي خير والله وما تضايقش، بس لما لقيتك نايم بقالك كتير وامبارح كانت حالتك مش كويسه بعت للي اسمها رغد دي انك اجازه النهارده، عشان خاطري بلاش تروح النهارده الشغل
نظر لها مطولاً ثم أخذ هاتفه من جانبه ونظر الى الساعه ليجد الوقت تأخر بالفعل وقرا الرساله التي ارسلتها أيضاً، ثم ألتفت نحوها بكسل وهو يردد بعبث
=هو انا نمت كل ده دي الساعه عدت ١٢ .. اقول لك خير ما عملتي بلاها شغل النهارده واخد أجازه و..
صمت فجاه ولم يكمل للنهاية فاستغربت من صمته بقلق، لكنه فسره لها حينما اقترب منها و تحفزت خلاياه سريعًا للاستمتاع معها بحب جارف، فنهض من جوارها متابعًا بمزاح
=هو عرض الفطار لحد السرير لسه متاح ولا رجعتي في كلامك
تقوس فمها بابتسامة راضية وكأنه برده فعله تلك، حصلت على سلام داخلي وتصالحت أخيرًا مع نفسها بأن منذر يحبها ولا يرى غيرها
لكن رغم ذلك لا مانع من الاحتياطات، ثم ردت برقة ناعمة
= لسه متاح طبعا روح خد شور وانا هقوم اجهز الفطار ليك .