رواية جديدة خبايا الهوى لهاجر التركي - الفصل الأخير- 2 - الإثنين 2/9/2024
قراءة رواية خبايا الهوى كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية خبايا الهوى
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة هاجر التركي
الفصل الأخير
2
تم النشر الإثنين
2/9/2024
ساعدتُه بلطفُ، كي يجلس براحة علي سريرهِ، وضعت الوسادة أسفل رقبتهِ بهدوء، تبتسمُ لهُ بين الفنية والأخري، غيّر مُصدقّة لكونه الأن متعافي أمامها، حمدت ربها كثيرًا بأمتنان كُلمَا تنظر له..... كان هو شاردً، مُنذ أن خرج صباح اليوم من المُستشفي بعد أنّ أطمئن الطبيب أن حالتُه الصحيّة أصبحت جيدة، ولا يوجد ضرورة في تواجده، لذا سمحَ لهُ بالخروج...... وهو الآن مُستلقي بداخل شقتُه، شقة الزوجية، مع زوجتهُ، إلي الآن غير مستوعب ما كان بهِ......
عقلهِ يكادُ ينفجرُ، حُلم هل كان فقط مُجرد حُلم، مُجرد خيالات نسجها عقله اللاوعي، طوال سنة كاملة، سنة مرت وهو يغوص بين حنايا حُلم تمني تحققه واقعيًا لو يدفع باقي عمرهِ بعدها، لكن فقط يتحقق.......
أنتبه علي صوت "أمل" تُنادي بإسمهِ بهدوء مع أبتسامتها الرقيقة الهادئة، حمحمَ يُجيبها بهدوء:
_أيوه؟
_مالك يا عُمر أنتَ تعبان حاسس بحاجة وجعاك نكلم الدكتور و....؟!.
كانت تتحدث بنبرة قلقْة جدًا عليه تتفحصه بعينيها، بينما قاطعها هو يقول:
_أنا كويس محتاج أنام بس.
هزت رأسها بإيمائة بسيطة، تبعه خروجها من الغُرفة بعد أن أغلقت الأنوار خلفها، وبعدها الباب، أرجعَ هو رأسهِ إلي الخلف بضياع وتشتت، عقله عاد للعمل وعاد للواقع، أستوعب كل شئ يسير من حولهِ، كل الذي مضي مجرد خيال، خيال ليس إلا......وهو الآن بالواقع مُتزوج من "أمل"، تلك الفتاة التي قابلها قبل سنتين من الآن، مازال يتذكر كيفَ وقعَ بها، قبل سنتين قامت بينه وبين والدهُ الدكتور" يوسُف التركي"، مُشجارة حول أمور تخص عملهُ معه بالمستشفي الخاصة بوالدهُ، فتركَ مستشفي والدهُ وأتجهَ للعمل بمُستشفي حكومية بأحدي المناطق الشعبية...........
تركهُ والدهُ يفعل ما يحلو له، لأنه كان يعرف ومتأكد أن أبنه لن يحتمل... لن يحتمل العيش بمنطقة شعبية، هذا الذي أعتاد علي الترف والرفاهية، وكان الداهُ معه حق، فـ هو منذ أول أسبوع لم يحتمل بالفعل، الضوضاء الأتربة أسلوب الحياة هناك، كل شئ غريب وجديد عليه ولم يستطع التأقلم والبقاء أكثر من أسبوع.......
وبالفعل جهز حقيبتهُ وعزم الرحيل والعودة تحت كنفِ والدهُ، ما سيفعله به والداهُ أيًا كان هو، بالطبع أرحم بكثير من الذي حدث معهُ في هذا الوقت القصير جدًا، كان سيُغادر ويرحل عن هنا بلا رجعة للأبد.........
لكن هُناك من سلبت قلبه وعيناه من أول مرة وقعت عينيهُ عليها، بأروقة المستشفى التي كان سيغادرها للتو، تقفُ بكل غرور وهنجهة تصيح بالعامل بملئ صوتها....... حركاتها شعبية كلماتها شعبية ليست نوعهِ لكن جذبتهُ إليها عنوة دون مجهود منها ملابسها الفضفاضة الهادئة والتي تتناسب عكسيًا مع أسلوبها الرادح هذا، بملامح شقراء رقيقة، مُحجبة وزادها الحجاب حُسن.......
عيون زيتونيه سرقت لُبهُ وكل هذا بدون أي جُهد منها صوتها بدأ يعلو تتشاجر مع المُمرض، وما فهمه حينها أن والداتها مريضة هنا ولم تتلقي الاهتمام الكافي، وجد نفسه يحشر نفسه بينهم ويتدخل، بعد أن هدأها وعرض عليها ان يطلع علي والداتها بنفسهِ، نظرت له حينها بنظرة أربكته أثارت الفوضة بداخله، بعيون ناعسة ونظرة رقيقة عكس عنفها الذي رآه الآن.........
ومن بعدها قرر أن يظل ولن يرحل، عرف بعدها أن من المنطقة هنا تعيش مع والداتها "سهام" والداها مُتوفي، وتتوالي الأيام وهو يتابع حالة والداتها التي كانت مريضة عظام..... كانت تأتي من حينٍ لآخر لتطمئن علي والداتها، وبيومٍ ودون سابق انذار بعد أن انتهي صبرهِ، وجد نفسهِ بندفاع يطلب يدها من والداتها بأحدي الزيارات..... لقىَ رفض كبير من والدهُ بالطبع لكنه لم يزده ذالك إلا عند واصرار علي أمتلاكها، حتى أمتلكها فعليًا وبعدها تزوجها في شقة أبتاعها بجانب مستشفى والدهُ بعد أن عاد للعمل بها مرة ثانية.........
❈-❈-❈
باليوم التالي، فتحَ عينيهِ بأنزعاج ما أن داعبت أشاعة الشمس المُنبعثة من نافذة الغرفة التي ازالت هي ستائرهم، تبتسم له بحبٍ جلس نصف جلسة يفركُ عينيه بنُعاس، أقتربت منه تجلسُ علي حافة السرير تقول بحماس:
_صباح النور.
_صباح الخير.
التقطت كفيهِ بين يديها تربت عليهم برفق تقول:
_أنا حضرت لك الفطار جوه فالمطبخ، أنا مكنتش عايزة أسيبك، بس فترة امتحانات ولازم انزل.
عقد حاجبيهِ يسألها:
_أنتِ لسة بتدرسي ولا أي!.
أنه بالطبع لم يفقد الذاكرة، لكنه يجد نفسه يسأل عن كل شئ لم يعطي لنفسه الفرصة للتذكر، تنهدت تُجيبهِ:
_كده كتير يا عُمر، حكاية النسيان دي مطولة معانا ولا أي؟؟.
ضحكَ بخفة، يحك أرنبة انفه:.
_أن شاءلله لا، بس أنا بقالي سنة فالغيبوبة دي أكيد عقلي هياخد وقت لحد ميستوعب تاني.
_ألف سلامة عليك يا حبيبي.... عالعموم أنا مش بدرس أنا شغالة مُدرسة، وعندي فترة مراقبة امتحانات دلوقتي ولازم أنزل...
_أنا هنزل المُستشفي.
_ليه أنت لسه تعبان، ارتاح!.
هز رأسه نافيا يقول:
_لا انا كويس الحمدلله كفاية رقدة لحد كده انا هتعب اكتر من القعدة.
_طيب إللي يريحك، أنا برجع من المدرسة الساعة واحدة كده، هعدي عليك فالمستشفي نروّح مع بعض......
❈-❈-❈
لا يعلم كيف وصلَ إلي هُنا بهذهِ السُرعة لم يستغرق عشرة دقائق وكان يقف أمام المُستشفي الخاصة بهم والذي يعمل بها طبيب...... وتعمل هي بها...
ركنَ سيارتهُ بعشوائية لم يهتم لركنها بالطريقة الصحيحة، فَـ هو في أتم أستعجالهُ الآن، خطي بخطوات شبيه بالهرولة إلي الداخل...... أصتدمَ أول شيء بالمُمرضين والأطباء العاملين معهُ والذي قابلهم بالأستقبال، أقتربوا منه سريعًا يسلمون عليهِ بعد غياب دامَ لفترة طويلة....... أنتهي من التسليم برحابة، ثم أفلتَ نفسهم من بينهم سريعًا، وأكمل هرولتهُ إلي الأعلي إلي غرفة مين تحديدًا.......
_دكتور عُمر حمدلله علي سلامتك المُستشفي نورت.
كانت هذهِ كلمات الدكتوره "سمر" التي ألقتهم بوجههِ ببشاشة ما أن رأته أمامها، رد عليها بأبتسامة هادئة يشكرها بينما هي وقفت معه تُثرثر بأشياء عدة، هو يود أن يُنهي الحديث بسرعة يريد الرحيل..... لكنها لم تصمت عن الثرثرة وكأنها ستموت ناقصة كلمات لم تُخرجها، أو ستموت مختنقة بهم.....
أعتذرا منها بلطفٍ، وأخيرًا تركتهُ بعد كم هائل من الأسئلة في وقت قياسي، لم يسير سوى بضعة خطوات، وتوقفَ مكانهِ، وكأن الأكسجين أنعدمَ من رئتيهِ للتو، حبسَ أنفاسهِ المُتثاقلة، ينظر إلي الأمام بتركيز شديد لم يرمش وكأن جفنهُ نسي كيف يرمش وثبت علي رؤياها، كانت هناك...؟..
بنهاية الممر خرجت للتو من غُرفة الكشف خاصتها، مُرتديه معطفها الأبيض ونظارتها الطبيبة، أبتسمَ تلقائي وشعر بالربيع ينمو بين صدرهِ فقط لأنه وبعد كل هذه المدة أخيرًا رآها ظل مُثبتًا النظر حولها هي فقط وكأن كل شيء من حولهِ قد أختفي ولا يوجد سواها فقط لا غيّر......
لم تنتبه له، حيث أنها كانت مُنشغلة في هاتفها، حتي توقفت فجأة تشهقُ بصدمة ما أن وقعت عينيها عليهِ علي بعد مسافة قصيرة منها ويتطلع لها، لوهلة شعرت أنها تحلم بهِ وتتخيله أمامها فكل مكان كما يحدث لها فالشهور الفائتة........
قلبها يدق بعنفِ أكد لها أنه ليس وهم، بل حقيقة، هو أمامها، سحبت الهواء من رئتيها دفعة واحدة تزامنًا مع أنفراج شفتيهِ بإبتسامة خفيفة حالمة...... قطعَ هو المسافة القصيرة بينهم، حتي وقفَ أمامها مباشرةً، نطق حروف أسمها بتروي، قائلاً:
_غالية!.
توترت وزاغت عينيها، وشعرت لثواني أن أطرافها تجمدت، أو أرتعشت لا تعلم، لم تسطع التحديد، حركت بصرها علي كل تقسيمة بوجههِ، وفجأة دهماتها لقطة للماضي، وتحديدًا قبل سنة، لتتحول تعابير وجهها التي يظهر عليها الحنين الواضح، إلي تعابير أخري رسمية باردة، تقول بعد أن حمحت حتي تخرج نبرتها متوزنة واثقة:
_ألف حمدالله على سلامتك حضرتك يا دكتور عُمر....
كان يأمل أنّ تكون تلك الأيام التي أبتعد فيهم عنها ستُجبرها عن التراجع عن عنادها، كان يأمل أن تتغير تلك النظر إلي نظرة أخري راضية ومشتاقة لهُ، تلك النظرة الباردة هي أخر نظرة وقعت عينيه عليها قبل الحادث، تنهد بثقلٍ لم يعرف ماذا يقول...... كاد يتحدث لكن قاطعهُ صوت المُمرضة تقول:
_حمدالله علي السلامه يا دكتور..... دكتورة غالية في مريض في اوضة الكشف مستني حضرتك..
_تمام جايّة، بعد أذنك يا دكتور.
رحلت، بهذه البساطة تركتهُ بمكانه لم يتزحزح قيد أنملة من موقعة، راقب طيفها وهي تختفي بداخل الغرفة التي خرجت منها سابقًا.......