رواية جديدة حارة الدخاخني مكتملة لأسماء المصري - الفصل 11 - 1 الأحد 29/9/2024
قراءة رواية حارة الدخاخني كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية حارة الدخاخني
للكاتبة أسماء المصري
قراءة رواية حارة الدخاخني
رواية جديدة قيد النشر
من روايات وقصص
الكاتبة أسماء المصري
الفصل الحادي عشر
1
تم النشر يوم الأحد
29/9/2024
لا شيئ يقتل روح الإنسان مثل المكان الخطأ والأشخاص الخطأ.
فيودور دوستويفسكي.
❈-❈-❈
استيقظت صباحا وشحذت قواها وحضرت نفسها لتقف رافعة طرف عبائتها بعد أن سحبت نفسها لداخل غرفتها وغيرت ملابسها المنزلية بتلك العباءة السوداء وارتدت خُفها المطاطي بقدميها وخرجت تتعجل بحركتها؛ فانتبه لها حسن الذي وقف قبالتها وهي تسحب محفظة يدها ومفتاحها وتضع حجابها على رأسها بشكل مهمل:
-رايحه فين يا امه؟
رمقته بنظرات غاضبة وصرت على أسنانها وخشنت من صوتها تهدر بغل:
-عارف لو فتحت بوقك ولا منعتني يا حسن، هشيل ايدي ساعتها من حياتك خالص وابقى اعتبر امك ماتت.
حاول الرد عليها ولكنه وجد أخاه الأصغر يقف بصف والدته تلك المرة على غير العادة:
-كفايه بقى يا حسن، أنت الحب عامي عينك ومش شايف كمية الاستغلال اللي بيستغلوهالك، أنا كل مره بقف معاك بس بجد كفايه بقى.
ابتسمت والدته له:
-عفارم عليك يا ابني، أهو أنت الوحيد اللي بتسمع كلامي وموافقني عليه.
سحبت نفسها متجهة لمنزل أنور فتبعها حسن وأوقفها أسفل البناية ممسكا ذراعها بقبضة قوية وهتف يحذرها:
-بلاش تصغيرني يا امه.
رفعت شفتها للجانب ممتعضة وهي تسخر منه:
-هو أنت لسه شايف نفسك كبير يا بني؟ دول مسحو بيك البلاط وخلوك مسخرة الحارة.
لم يجد الوقت ليعقب عليها فقد اتجهت للصعود مرة واحدة وضربت الباب بقبضة غاضبة واستمعت لمن بالداخل وهو يهتف بفزع:
-مين اللي بيخبط كده، براحه في ايه؟
فتح أنور فوجدها أمامه بعيون محتقنه وقد شحذت أسلحتها الفتاكة لتفتك بكل من تسول له نفسه باستغلال ابنائها بهذا الشكل الذي رفضته جملة وموضعا:
-أنا يا أبو سامح.
دلفت دون انتظاره أن يأذن لها ولملمت طرفي العباءة وجلست تربع جسدها على الأريكة واضعة يديها بحجرها:
-اسمع يا أبو سامح عشان ننهو الكلام في الحورات بتاعة العيال دي.
جلس بعد أن خرجت كل من سهر ووالدتها تجلسان برفقتهم ونظرت سهر لحسن بضيق وقد توقعت سبب مجيئ والدته بهذا الشكل المفاجئ والغاضب:
-اللي أوله شرط آخره نور يا أخويا والأصول متزعلش حد.
أومأ لها المعني:
-عداكي العيب يا أم حسن.
زفرت أنفاسها البركانية وتابعت:
-وطالما اتفقنا على الأصول يبقى نمشو عليها ولو على رقابينا ولا ايه يا حاج؟
شددت من نطقها للفظه حتى تذكره بفرض الله الذي اتمه منذ بضع سنين:
-أنت حاجج بيت الله وعارف الصح من الغلط والحلال من الحرام، والأصول مش بتقول كده يا حاج.
ابتسم بزاوية فمه وهز رأسه متفهما:
-قصدك على موضوع التجهيز مش كده؟
أومأت فنطق فورا:
-انا قولت شرع ربنا يا أم حسن فلو مش عايزين....
قاطعته صارخة:
-وهو شرع ربنا أنك تشيله كل حاجه؟
أومأ مؤكدا:
-أه يا أم حسن، شرع ربنا بيقول إن الراجل يشيل الجوازه من الألف للياء وكمان بيديها مهر ملوش علاقة بأي حاجه هي تجيبها، وكل الدنيا بره بتخلي الراجل مش بس يجيب دهب وكمان بيدفع مهر كام ألف للعروسه وهو اللي بيكون شايل كل حاجه، احنا هنا بس اللي بدعنا البدعة دي عشان نسهلو ع الشباب.
حركت جسدها ممتعضة ومتذمرة:
-بس محدش بيكتب قايمة، القايمة دي اتعملت في بلدنا دونا عن البلاد كلها عشان تحفظ حق الست بما أنها مشاركه في الفرش، بدعة برده زي التجهيز بالظبط، بس طالما مش هتفرش يبقى يتكتب قايمة ليه أن شاء الله.
وقف صائحا:
-اللي شاري يا أم حسن مبيبصش للحاجات دي إلا لو ناوي ع الشر.
وقفت هي بدورها تحرك جسدها واضعة ذراعيها بجانبيها:
-والله ابني شاري وانتو عارفين ده كويس عشان كده عمالين تبيعو وتشترو فيه.
حاول أنور الرد عليها بنفس العصبية فقاطعة حسن ليتحدث ﻷول مرة منذ أن دلف رفقة والدته:
-أنا شاري يا عمي بس محدش قال إني اشيل الجمل بما حمل وأشتري وأجهز بأغلى حاجات في السوق، المفروض اجهز على ادي.
زغره بعينه اليسرى بشكل ممتعض:
-لو أنت مش أد الجواز متجوزش ولو عايزني أساعدك في الفرش يبقى بلاش استعجال وبطل إمارة، كل الرجاله بتجيب أحسن حاجه لبيوتها ولا أنت الغريب عن البشر؟
ناطحه بالحديث عندما تأجج غضبه:
-لا أنا مقولتش كده، بس مكانش له لازمه بقى الفشخره في كل حاجه وصرف من غير داعي طالما أنا اللي هشيل الليله وكنت وفرت فلوسي للمهم، بس على العموم ملحوقة يا عمي و...
قاطعته والدته:
-لأ مش ملحوقة، طالما أنت اللي هتفرش يبقى القايمة اللي مضيتها تتقطع وكفايه أوي المؤخر اللي متكتبش لبنت في الحارة كلها.
رفض أنور رفضا قطعيا وهو ينظر لابنته التي تتوسله بنظراتها أن يهدئ الشجار الدائر بينهم:
-أنا مش هغير حاجه من اتفاقي ولا مستعجل على جواز بنتي، أنت عايز تسرع الجواز يبقى أنا مالي اتحمل سربعتك ليه!
حاولت والدته التحدث ولكن أنور لم يعط أحدا فرصة وتابع:
-أنا من الأول لا كنت موافق عليك ولا موافق إنها تتخطب قبل اختها الكبيرة، ولما قولتلك مفيش جواز قبل ما اختها تتجوز انت وافقت وساعتها سالي مكانتش اتخطبت حتى.
اقترب منه وزاد صياحه به:
-افرض البت كانت لسه متجوزتش لحد دلوقتي كنت هتعمل ايه؟
لم يتركه يجيب بل تابع:
-أنا قولت اللي عندي يا حسن، عايز تستعجل بالجواز يبقى تشيل كله والحاجه اللي جبتها لبنتي لحد دلوقتي هعتبرها هديه مني لها والقايمة والشبكة والمؤخر مفيش فيهم كلام.
مسح حسن وجهه بعد أن غزاه العرق والعصبية وحاولت والدته تعترض ولكنه أوقفها بصوته الخشن:
-خلاص يا امه.
التفت لحماه ورمقه بنظرة مغتاظة وأومأ عدة مرات متتالية بدت وكأنها توعد:
-ماشي يا عمي، اللي تشوفه وأنا مش مستعجل خلاص وعلى أقل من مهلك.
شعرت والدته بالفرحة بلحظتها عندما وجدته أتخذ موقفا:
-أنا طالع من خسارة كبيره وعايز اعوضها من فلوس البضاعة اللي كانت بتبوظ، لفلوس كتب الكتاب الفش**ييخ اللي متعملش لحد في الناحية كلها فتمام، أنت تسد ديونك على مهلك وأنا أعوض خسارتي واللي يجهز فينا الأول يبلغ التاني.
ابتلع ريقه ليكمل:
-أنا كاتب قايمة ب300 ألف والعفش اللي حاجزه عند النجار مكلف 180 ألف يبقى أظن إن ال120 الباقيين هيبقى جهاز سهر ما بين رفايع والأوضة اللي عليكم مش كده؟
حاول أنور التعقيب عليه ولكنه تلك المرة لم يصمت وأضاف:
-أظن من حقي أشوف فواتير الحاجه كلها وأعرف أنا ماضي المبلغ ده على أساس ايه؟
رد انور:
-على أساس اللي اتجاب وهيتجاب ومعاه الدهب كمان.
أومأ مبتسما:
-حلو ده، يعني هنفئط الحاجه والدهب كمان هيتحط في القايمة مش كده؟
ابتلع أنور ريقه بشكل أثار ريبة والدة حسن وهو يرد متلعثما:
-إن شاء الله طبعا، قبل الدخله زي ما اتفقنا يا حسن هنغيرو القايمة ونكتبو فيها الحاجات بالتفاصيل الصح.
هز رأسه موافقا والتفت ناظرا لسهر بنظرة غاضبة وهدر بصوت محتد:
-يلا يا أمه.
خرجت معه وفور أن نزلا الدرج احتضنته وهي تربت عليه:
-أيوه كده عفارم عليك، وريهم العين الحمرا وهم اللي هييجو لحد عندك عشان يتحايلو عليك تتمم الجواز عشان سمعة بنتهم.
سحب نفسا عميقا وزفره فورا بدفعة واحدة:
-أول مره أحس اني كنت واخد على قفايا بجد، راجل معندوش دم.
علقت عليه:
-وهي راخره.
قوس فمه نافخا بملل:
-يا امه شليها من دماغك بقى، سهر غلبانه وأبوها مفتري زي ما أنتي شايفه وهي بتخاف منه.
حركت ساعديها بشكل سوقي:
-والنبي أنت أهبل وهتفضل أهبل، أصلك مشوفتش وشوشهم كلهم لما جبت سيرة الشبكة، الموضوع ده فيه إن ولازم أعرفها ما هو تقريبا من يوم ما اختها اتجوزت انا ملمحتهاش لابسة شبكتها ولا مرة، ولا حتى يوم كتب الكتاب يبقى ايه بقى!
انتبه لحظة لحديث والدته وهتف متذمرا:
-يا امه بلاش تدخلي الشك في قلبي، مستحيل يقدروا يعملو اللي في دماغك ده، هم أكيد مخبينها عشان خايفن اطلبها عشان أكمل بيها التجهيزات.
ضحكت ساخرة:
-بكره نقعدو جنب الحيطه ونسمعو الزيطة يا ابن الهبلة.