رواية جديدة قلب نازف بالحب لهاجر التركي - الفصل 1 - 1 - الأحد 8/8/2024
قراءة رواية قلب نازف بالحب كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية قلب نازف بالحب
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة هاجر التركي
الفصل الأول
1
تم النشر الأحد
8/9/2024
غُرفة واسعة يغلبُ عليها الطابع الأنثوي الرقيق، بألوانها المُختلطة بين الأبيض والوردي، تعكسُ رقة صاحبتها، بأثاثها الرقيق باللون الأبيض، تَسللت أشاعة الشمس الذهبية تُداعب عيناي تلك النائمة بإرياحية علي فراشها الوثير، أغمضت عينيها بتذمرٍ وضيق ترفعُ كفها تضعهُ سريعًا علي عينيها تحميهم من أشاعة الشمس التي تُزعجها في نومها، تقلبت فالفراش الواسع والذي يتسعُ لثلاثة بجانبها لصُغر حجمها الذي لا يتانسب بتاتًا مع حجم الفراش..........
أصّر الضوء علي الوصول لعينيها ليُزعجها أكثر، تململت بتكاسل، أخيرًا تفتحُ عينيها، وما أن أصتدم الضوء المُنبعث من شُرفتها التي نسيت أغلاقها ليلة أمس بعد أنتهائها من قرأءة روايتها والتي سهرت لنصف الليل مُندمجة بالقرأءة بإستمتاع وسعادة ، أغلقت عينيها سريعًا بتأفأف، من ثم فتحتهم مرة أخري لتَظهر عينيها الخضراء الواسعة، لم تنم سوى بضع ساعات قليلة، لم تكتفي بعد.....
ظلت علي جلستها، تنظر إلي السقف من فوقها، والي تلك النچفة الكرستالية في مُنتصف السقف، والتي أصّرت والداتها علي وضعها بغُرفتها رغم كُرهها الشديد لتلك الأشياء...... جلست نصف جلسة، تُلملم سلسال الذهب الكامن في خُصلاتها الطويلة التي تعدت ما بعد خصرها، لملمتُه بطريقة عشوائية، تستعد إلي بداية يوم جديد........
وتلقائيًا أرتسمت إبتسامة واسعة علي ثُغرها ما أن جال بخاطرها لمحة من نهاية روايتها التي عكفت عليها ليلتين حتى أنهاتها ليلة أمس، تتذكر كيف أعترف البطلة للبطلة بعشقهِ لها بعد مثابرة وعناد طويل، سعادتها كانت حقيقة، وكأنها هي من تم الاعتراف لها بالحُب وليست البطلة!، وبدون وعي وجدتهُ يقفز إلي مُخيلتها رُغمًا عنها كما المُعتاد، وتجسدت صورتهُ أمامها بهيئتهِ الخاطفة لقلبها ولعقلها.....
وللحظة تخيلتهُ هو مكان البطل، ويعترف لها بحبهِ لكن مع اختلاف بسيط بينه وبين البطل، فَـ بطل الرواية بطلاً علي ورق خياليًا، بينما "مُراد" بطلها الذي ليس لهُ مثيل بين أبناء جنسهُ، دق قلبها بعُنف فقط لمجرد التخيل، أذًا ماذا سيحدث لها أن حدث ذالك حقيقًا، حتمًا ستدخل في غيبوبة مُؤقتة، أو صدمة تُفقدها النُطق لا محالة......
قطع حبل أفكارها الوردية، دخول والداتها المُفاجئ كعادتها لا تعرفَ شيئًا أسمهُ الباب، تقريباً هذا المنزل كُله لا يعلم شيئًا أسمهُ الباب، مُنذ أن جائت للعيش هُنا مُنذ سنة مضت ولم تسمع أن أحدهم طرق الباب قبل الدخول، منزل فوضاوي لكن تُحبه.......
اتسعت عيناي"سهام"بدهشة، لا تُصدق حتمًا أنّ إبنتها أستيقظت للتو بمُفردها دون الحاجة إلي أن يستمع الحي بأكمله لصوتها وهي تُوقظها عُنوة كل يوم، فتقدمت منها قائلة برفعة حاجب:
_"صباح الخير، حد يُقرصني مش مصدقة، أنتِ صحيتي كده لوحدك؟! ".
أبتسمت لها"رضوي "لتظهر أسنانها البيضاء المصفوفة بعناية، فأقتربت منها" سهام"، تجلسُ بجانبها تتحسسُ جبهتها، تسألها مرة أخري بعدم تصديق:
_"أنتِ سُخنة يا حبيبتي؟ تعبانة فيكِ حاجة؟، لا أنا مش متعودة علي كده، الشارع كله مستني صوتي العالي وأنا بصحيكِ، كده هيستغربوا ويقلقوا علينا".
خرجت منها ضحكة صغيرة، هل إلي هذهِ الدرجة نومها ثقيل، وتنام كثيرًا، أنّ أتينا للحق نعم، من حق والداتها أن تُصدم هكذا وكأنها للتو تُشاهد كائنات فضائية ترقص فوق الطاولة، أنها شديدة الكسل حقًا ولِمَ لا أنها الآن في بداية أجازتها الصيفية أليس من حقها أن تاخد كفايتها من النوم، وكأن النوم سيهرب منها تبًا لها فتاة كسولة.......
هتفت قائلة ببساطة تهز كتفها:
_"عادي بقي يا سوسو، قُولت أعفيكِ مرة وأصحي أنا لوحدي، وبعدين أنتِ ناسية النهاردة الجُمعة! ".
_" ولله؟ ده علي أساس أنك بتقدسي يا بت تقاليد البيت ولا عاداته ".
قَلبتْ عينيها بملل، قائلة بنبرتها الهادئة:
_"ده علي أساس إني من البيت أصلاً علشان أقّدس عاداته أو تقاليده؟!".
هُنا أمتعض وجه والداتها ضيقًا، كانت تعلم أن تلك السيّرة خصيصًا تُضايق والداتها لكنها الحقيقة، ولاهروب منها، عاتبتها" سهام"تلومها بنظراتها الحزينة، تبعتها حديثها قائلة:
_"أنا مش قولت مية مرة متقوليش كده تاني؟ ده بيتك زيك زي أخواتك بالضبط، متزعلنيش منك بقي؟".
أقتربت منها أكثر تلتقطُ كفها بين راحتها تُربت عليهِ بحنان أموي صادق، تُحدثها بنبرتها الليّنة قائلة:
_"وبعدين هو فيه حد مزعلك ولا محسسك أنك غريبة، ليه بتقولي كده؟ ".
نفت برأسها حديث والداتها الأخير، هي حقًا لا تشعر بينهم أنها غريبة، مُعمالتهم لها معمالة حسنة، وكأنها بالفعل فرد من العائلة، لكن تزال غصة تعكر عليها صفو حياتها هنا بجانبهم، أنها ومهما حدث، ومهما عاملوها، تشعرُ رُغمًا عنها أنها غريبة بينهم....
فهتفت تُنهي الحديث، لا تُريد أن تري لمعة الحُزن تلك في عيناي والداتها، فقالت مُقبلة يد والداتها المُحتضنة لكفها الصغير قائلة بإبتسامة بشوشة:
_" أنا آسفة مش هقول كده تاني، بس أنتِ متزعليش! ".
_" مش بزعل منك يا نور عيني، أنا بس مش عايزاكِ تفضلي، حاسة أنك غريبة، بالعكس أنتِ مش غريبة، ده بيتك وهنا حياتك الجاية، علشان خاطري متفكريش، كده تاني!. ".
اومأت برأسها، تبعهُ قولها:
_" حاضر".
ثُم أكملت مُغيرة دُفة الحديث، تسأل عن شقيقاتها:
_"أومال فين أيتن وأروي؟ مش سامعة لهم صوت يعني فالشقة؟ ".
_" نزلوا تحت من بدري عند جدتك، وباقي الولاد، وأنتِ كمان يلاّ قُومي غيري،هدومك وأنزلي،أنا سبتهم بيجهزوا الأكل وجيّت علشان أصحيكِ ".
❈-❈-❈
نهضت والداتها، تبعتها هي الأخري تنهض، من فراشها، وقد أنفكت عُقدة شعرها العشوائية، فإنسدلَ علي طول ظهرها، كم هو مُزعج هذا الشعر الطويل لا تُطيقهُ خاصة فتلك الأجواء الصيفية الحارة، يظلُ هو عُقدتها، تحمد ربها أنه لم يكن ثقيلاً، يكفي طولهُ عليها، فـَ حتمًا لو كان تقيلاً، لكانت تخلصت منه بأي طريقة، أنها بالأساس تكره الشعر الطويل وتُفضل القصير عنهُ، لكن ما باليد حيلة والداتها تقفُ لها بالمرصاد فأن قصت شعرة واحدة منهُ ستُعلقها علي باب المنزل بالأسفل لتُصبح عبرة لمن يعتبر.....
كادت تتعثر بالواسادت الكبيرة المُفترشة للأرض، أيضًا وضعتهم ليلة أمس عندما أرادت أن تنام بالأرض كنوعٍ من التغيير، لكن لا، لا يوجد من يحتويها مثل سريرها العزيز، نعم تكون فيه كالأخطابوط التائه بالمحيط لكن لا بأس بالنهاية هو ملاذها، مُبالغة، مُبالغة......
وقبل أن تدلف هي إلي المرحاض، مدت والداتها رأسها عبر الباب قائلة لها بتحذير قبل أن تذهب:
_" حبيبتي بالله عليكِ بلاش لبس قصير، أحنا هنا مش في المغرب، بقالك سنة وبرضو مش قادره تتعودي، مش ناقصين كلام من نادر زي الجمعة إللي فاتت،خلي اليوم يعدي علي خير ".
توقفت بمكانها وقد ظهر الضيق علي ملامحها المُمتعضة، فور ذكر والداتها لأسم" نادر "، فنظرت لها قائلة بتأفأف، يعكس غضبها:
_" وهو ماله بيا أصلاً السَمج ده ".
_" معلش أبن عمك ".
وهُنا قد ذادت النار أشتعالاً بكالمتها تلك، كلمات تُثير جنون الأخري، فصاحت بها بغيظ:
_"قولتلك يا ماما مش أبن عمي، أنا ولاد عمي مش هنا، علشان لمّا بتكلم بتزعلي، بس حضرتك أللي مُصّرة أنك تدخليني فوسطهم بالعافية،وزفت نادر ده مالهوش الحق فأنه يتكلم معايا أصلاً، والمفروض حضرتك توقفيه عند حده".
تنهدت" سهام"بقلة حيلة، تُجيبها تمتص غضبها بنبرتها الهادئة، لانها تعلم أن أبنتها حتمًا عصبية مثل والداها، لم ترث شيئًا منه سوى العصبية، ولله الحمد أنها لم ترث أي صفة أخري فالعصبية أمر طبيعي ومُحتمل،علي عكس تمامًا باقي الصفات :
_" وهو عايزك منهم يا حبيبتي، وبيتحكم فيكِ كده علشان خايف عليكِ مش أكتر، هنا منطقة شعبية يا رضوى يعني الناس بتتكلم.... ".
زفرت بضيق، من ثم تنهدت تومأ لها برأسها، من ثم دلفت إلي المرحاض، أغلقت والداتها الباب من خلفها، وتابعت سيرها إلي الأسفل حيث تجتمع العائلة جميعًا، فاليوم هو يوم الجُمعة بالنسبة للجميع هو يومٍ عادي، وإنما بالنسبة لعائلة الجيّار ليس بيومٍ عادي بالمرة، فاليوم تجتمع بهِ العائلة، والمقصود بالعائلة هنا، هم أبناء الحاج" عبد الحميد الجيّار"، من نساء ورجال وأحفاد، يجتمعون لتناول الغداء سويًا وتقضية اليوم برفقة بعضهم البعض، يراهُ البعض يوم مُميز ومُمتع كـ والدة زوجها حيث هذا اليوم خصصهُ والد زوجها رحمهُ الله، فأعتبرت السيدة "حنان" أنه شيئًا من ذكراه،كذالك"مُراد".......
بينما يراه البعض الآخر مُمل وليس له فائدة، وعندما نتحدث عن الملل، تكون "رضوي" في أول القائمة، فـَ هي دومًا ما كانت تشعرُ بالملل وتُفضل المكوث في غرفتها وتغوص مع عالم الروايات والكُتب خاصتها، بالنسبة لها هذا أفضل، أما بالنسبة للشباب أبناء شقيق زوجها"نادر "وطارق" أيضًا لا يُحبون هذا التجمع العائلي، وبما أن اليوم يوم أجازتهم الوحيد
يفضلون اللهو أو الذهاب إلي النادي الرياضي أو صالة الألعاب، لكن عمهم "مُراد" الشقيق الاصغر لزوجها، يقف لهم بالمرصاد مُجبرًا إياهم علي تقضية اليوم كاملاً أحترامًا لعادة جدهم رحمه الله، وبالطبع كانوا ينصاعون لأمرهِ دون نقاش، لطالما كان "مُراد" صديقًا لهم، وليس عمهم فقط، نظرًا لتقارب سنهم........
❈-❈-❈
. "بعد نصفِ ساعة".
هبطت هي علي درجات السُلم الخشبي العتيق، مُرتدية بنطال من اللون الأبيض، تعتليهِ سُترة رمادية اللون بنصفِ كُم لكنها واسعة قليلاً تصل إلي مُنتصف بطنها، وعكصت شعرها الذهبي بتسريحة هادئة تُخفي طوله كي لا يُزعجها، وصلت إلي مُنتصف الصالة الكبيرة بالدور الأرضي حيث تمكث السيدة" حنان"جدة شقيقتيها، في هذا المنزل المكون من أربعة طوابق......
بينما بالدور الثاني كانت شقة "مُراد"الخاصة، كثيرًا ما يجلسُ بها بمفردهِ،ويعملُ بها،حيثُ يفضلُ العمل بهدوء أفضل من الضوضاء التي يُحدثوها شقيقاتها الصغار الجالسين دومًا بالأسفل بصُحبة جدتهم....بينما الدور الثالت شقة" نادر" وعائلتهُ المكونة من شقيق آخر بمثل عُمرها، وشقيقة صغيرة بالثانوية العامة، أما الدور الرابع فـ هي شقة زوج والداتها، والتي تعيش هي بها......
كانت الصالة فارغة عدا من الخدم اللذين يُباشرون عملهم علي قدمٍ وساقَ بهمة ونشاط، أخذت تسيرُ هي بهدوء تعبث بأظافر يديها الطويلة والمطلية بعناية بطلاء الأظافر أحمر اللون، صادفت في طريقها "ليلي" التي أوقفتها قائلة بإبتسامة بشوشة ومرحة:
_"رضوي، أزيك؟ نازلة بدري النهارده يعني؟ ".
علي الأرجح أن المنزل بأكمله يعلم أنها كسولة، لا مهلاً، ليس المنزل فقط بل، الشارع والحي بأكمله، لذا بادلتها الابتسامة الصافية، فكانت" ليلي"الأقرب لها هنا في هذا المنزل، حيث كانت"ليلي"ذات شخصية حيوية مرحة مثلها وطيبة القلب للغاية، عكس شقيقها تمامًا، في بعض الأحيان تتسائل كيف لـ"ليلي"الرقية المثال الأكبر للفتاة المؤدبة، تكون شقيقة ذالك الوقح السَمج.....
_"أي يا جماعة هو أنا سُمعتي وحشة أوي للدرجة دي، أي الأحراج ده بقا؟ ".
ختمت جُملتها الأخيرة وهي تعبث بخصلات شعرها تُخفض رأسها للأسفل تُمثل الأحراج، قهقهت عليها" ليلي"، ترفعُ رأسها بيديها، قائلة بسُخرية:
_"يختي مكسوفة، طيب أي هنتعود علي كده كل يوم ولا ده يوم فيري كده؟ ".
وضعت يديها بين جيوب بنطالها الصيفي الرياضي، تهز كتفيها قائلة بمرح:
_" أدعيلي".
_"صحيح كُنت هنسي، أنا خلصت الرواية إللي أخدتها منك من يومين، دي حلوة أوي عايزة بقي واحدة غيرها! ".
ضيقت الأخري عينيها قائلة بدهشة:
_" ده بجد، بالسرعة دي، دي رواية طويلة،(أنتَ لي) دي أطول رواية قرأتها لحد دلوقتي، ده أنا خلصتها في شهر يا بنتي؟؟ ".
_" عجبتني بصراحه، كُنت قايمة نايمة عليها، ها عندك أي تاني؟ ".
أطرقت برأسها بتفكير، تُفكر لها برواية تُناسب ذوقها، من مكتبتها المُمتلئة بمختلف أنواع الكُتب والروايات، لكنها للحظة تذكرت شيئًا ما، فتوسعت عينيها تزجر الأخري بنظرات حارقة:
_" نهارك أسود، ده أنتِ خلاص فاضل علي أمتحانتك خلاص أيام، أنتِ ناسية ولا أي؟ ".
_" ياريري بقا ما أنا من أول السنة نايمة علي الكُتب حفظتها صم خلاص، بفُك عن نفسي شوية من ضغط المُزاكرة وقرفها؟ ".
هزت رأسها بنفي قاطع قائلة بنبرة حادة لا تحتمل النقاش:
_" لا يعني لا بعد إمتحاناتك يا ستي أبقي نامي فالمكتبة بتاعتي براحتك، إنما دلوقتي لا لا يا ليلي، أنتِ عايزة تسقطي وطنط مديحة تعلقني".
رفعت "ليلي" يديها صوبها، تُوقفها عن الثرثرة، قائلة بغيظ منها:
_"خلاص خلاص، ماشي أسكتي طيب لو ديحا سمعتك دلوقتي هتعلقني أنا وأنتِ".
سنة واحدة الفارق بينهما، لكن دومًا كانت"رضوي" كبيرة عليها، مع أن الفارق العُمري ليس بكثير بتاتًا لكنها تعتبرها أبنتها وتعاملها علي هذا النحو، دومًا تحثها علي المزاكرة، وأستذكار دروسها، وتوجه لها النصائح، والغريب أن "ليلي" تُحبها للغاية وتستسلم لجميع ما تقول وتستمع لنصائها بل وتفعل بها مُتخذة من المثل"أكبر منك بيوم، يعرف عنك بسنة "نموذج علاقتهم........