رواية جديدة قلب نازف بالحب لهاجر التركي - الفصل 5 - 1 - الخميس 12/9/2024
قراءة رواية قلب نازف بالحب كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية قلب نازف بالحب
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة هاجر التركي
الفصل الخامس
1
تم النشر الخميس
12/9/2024
جلست في مُنتصف السرير في غُرقة والداتها، تمسك بين يديها الكثير من مشابك الشعر الصغيرة، مُختلفة الألوان، وأمامها شقيقتها" أروي"ذات الثمان سنوات، تجلسُ القُرفصاء وتُوالي ظهرها لها، أختارت أخيرًا مشبك أحمر اللون يتماشيَ مع فستان "أروي" الأحمر المزركش بالأييض، أمسكت الفُرشاه، تُصفف لها شعرها، من ثم عكصتُه بعناية وقد وضعت المشبك بهِ ، وأخيرًا وضعت اللمسة الأخيرة......
والداتها تقف أمام المرآه تعدلُ من حجابها، وترتبُ ملابسها أستعدادًا للخروج، الغرفة من حولهم في فوضي عارمة، الملابس مُلقاه في كل أتجاه والأحذية، والجوارب، عادةً هكذا يكون حال منزلهم عندما يستعدون جميعًا للذهاب لمناسبة ما، وبما أنّ الليلة هي ليلة حفل زفاف" نورهان"شقيقة "نانسي" الكُبري، فالعائلة كلها تستعد للسفر اليوم إلي مدينة الأسكندرية لحضور الحفل........
عداها هي، لن تذهب، رفضت الذهاب لأسباب عدة، أولهم أنها ومُنذ ذالك اليوم، يوم حفلة مولدها تقصد، والذي قد مر عليه تقريباً أسبوعًا أو أكثر وهي مُنعزلة فالشقة هنا، لا تُشارك في تجمعاتهم،كثيرًا ما ألحت عليها والداتها بأن تنزل ولو قليلاً، حتي يوم الجمعة، لكنها رفضت مُتعللة بأنها مشغولة بقراءة كُتبها وهي تفضل ذالك، وبما أن والداتها تعلم أنها بالأساس لا تُحب تلك التجمعات، فرضخت بالنهاية لرأيها وتركتها علي راحتها........
كانت رغبتها الأولي من ذالك، أن تتجنب رؤية"مُراد"، لا تريد التعامل معه أو رؤيتهِ حتي صدفة، أنها الآن في فترة تود فيها أن ترجع لرُشدها وتتراجع عن حبه، ذالك صعبًا تعلم لكن لا بأس من المحاولة الصادقة، أن أتينا للحق ليست محاولة صادقة كُليًا، فبداخلها جزءًا يريد ذالك، والجزء الثاني يرفض وبشدة.......
لكنها أخذت عهدًا علي نفسها أنّ تحاول، وتحاول، وأن فشلت فهذا ليس بيديها، يكفي حتي شرف المحاولة، لذا هي أذَا ذهبت معهم لحفل الزفاف ذالكَ من المؤكد أنها سترآه، وستتعامل معهُ، وهي لا تود الأنتكاسة بعد أسبوع مثابرة ومقاومة.....
والسبب الثاني، أنها أصلاً تكره المناسبات، سعيدة كانت، أمّ حزينة، تكره الدوشة والإزدحام والضوضاء،نعم أنها ليست هادئة كما قال الكتاب، لكنها فعليًا لا تُحب الصخب الذي يزيد عن حده، ونضيف سببًا ثالثًا من تخميننا نحن، أنها لا تود حضور هذا الحفل علي وجه التحديد، لأن العروس شقيقة"نانسي "، وهي تكره أي شئ يأتي من طرفها، لدرجة أنها الآن تشعر بالكره تجاه شقيقتها المسكينة التي ليس لها أي ذنب سوى أنها شقيقة تلك الحرباء.........
أنتهت والداتها من تفقد مظهرها، وها هي أصبحت مستعدة، الساعة الآن الخامسة عصرًا، سيذهبون باكرًا لأن طريقهم طويل من هنا لمدينة الأسكندرية، تسطحت هي علي سرير والداتها تجلس بأسترخاء بعد أن أنهت تصفيف شعر شقيقتها، كانت ترتدي بيچامة قطنية، بنطال طويل، وسترة بأكمام قصيرة، وقد جمعت شعرها بطريقة عشوائية مُبعثرة......
_" برضو لسة مش عايزة تيجي؟؟ ".
قالتها والداتها تسألها، قَلبت الأخري عينيها بملل، تهز رأسها بمعني"لا"، تبعهُ قولها:
_"أنتِ عارفة يا ماما أني مش بحب الأجواء دي، وكمان بتعب من السفر، فـ هقعد وانتو روحوا ".
تقدمت" سهام"تجلسُ بجانبها، قائلة بقلق حقيقي:
_"علشان خاطري أستحملي وتعالي معانا، مش هنقعد كتير أصلا، أنا مش عايزة أسيبك لوحدك هنا،خايفة عليكِ، مفيش حد قاعد غيرك".
_"يا ماما يا حبيبتي خايفة عليا من أي بس، أوعدك مش هخرج يا ستي من الشقة هفضل فأوضتي لحد مترجعوا بالسلامة..... كويس كده ".
تنهدت بقلة حيلة، قائلة:
_" مفيش فايدة معاكِ يعني؟ يا بنتي أنا بخاف عليكِ وأنتِ عارفة، وبصراحة أنا من الصبح قلبي مقبوض عليك معرفش ليه؟".
ربتت علي يديها تُطمئنها، تعلم أن والداتها تخاف عليها جدًا، لكن هي ستكون بالمنزل لا خوفٌ عليها، هل هناك ما هو آمن أكثر من المنزل؟ لا!:
_"طمني قلبك، أنا والله هبقي كويسة، هو هقعد اقراء في كُتبي لحد باليل وبعدين أنام ومش هسهر يا ستي، وبس كده ".
_" خلاص ماشي، خلي بالك على نفسك كويس ها".
خوف والداتها مُبالغ فيه بالنسبة لها، هي تر أن لا يمكن أن يحدث لها شيئًا طالمَا هي بالداخل عساكم ماذا سيحدث، لذا اومأت لها برأسها مع أبتسامة خفيفة، أنحنت والداتها تقبل رأسها بحنان قائلة قبل أن تخرج من الغُرفة،تنهال عليها بسيلاً من التحذيرات،وكأنها ستُهاجر الآن بلا عودة :
_"أنا سايبة الأكل فالتلاجة سخنيه وأتعشي بيه قبل متنامي أوعي تنامي من غير عشا يا رضوي، ومتنزليش تحت ولا تخرجي الجنينة بعد المغرب خالص، هو الشغالين هيمشوا ويقفلوا الباب وراهم أنتي متنزليش، وأقفلي باب الشقة عليكِ كويس محدش ضامن ممكن يحصل أي..... ".
_" حاضر والله حاضر هعمل كل اللي قولتيلي عليه، وهشرب اللبن قبل ما أنام،ولو حد قالي تعالي هوديك لماما مش هروح معاه حلو كده!".
_"أنتِ بتتريقي يا حيوانة؟! ".
ضحكت بخفة قائلة:
_" بصراحه أيوه، أنتِ مأڤورة أوي والله يا سوسو، أنا هتخطف ولا أي؟ ".
رمقتها والداتها بنظرات غاضبة، ثم هتفت بغيظٍ:
_" تصدقي أنا الغلطانة، أنتِ حرة،يلا سلام حاتم بينادي من بدري ".
❈-❈-❈
بعد أنّ غادرو جميعًا، خرجت من غرفة والداتها التي أصبحت كومة من الفوضي، متوجهة بكسل إلي الأريكة الكبيرة التي تتوسط صالة شقتهم الواسعة، أمام التلفاز الكبير، التقطت جهاز التحكم تُقلب فالقنوات بملل، رُبع ساعة مرت وهي تستمع للتلفاز بدون هدف فقط لانها تشعر بالملل والفراغ.......
رفعت رأسها تَضعها علي حافة الأريكة، مُغمضة عينيها بملل وضجر، زفرت بتأفأف كبير تنفخ أوداجها بزهق، ملل، ملل.... لا يوجد شيء سوى الملل، الأيام روتينية ومتكررة تستيقظ قُبِيّل الظهيرة لانها تكره وبشدة الأستيقاظ باكرًا تبغضه للغاية، هي أصلاً لا تُحب الصباح تُفضل الليل أكثر حيث الهدوء والنسمات الخفيفة......الأيام حقًا تتكرر نفس الوجوه نفس الأحداث كل يوم لا شيء جديد، أنها لو فكرت أن تدون مزاكراتها، ستدون أول يوم،وبعدها تكتبُ نفس أمس،نفس أمس شعرت بالجوع للمرة العاشرة في هذا اليوم، باتت تشعر أنها أصبحت سمينة عن ذي قبل من كثرة الطعام دون حركة......
فنهضت قاصدةالمطبخ، وصنعت شطيرة، وكوب نسكافيه، حملتهم بين يديها وعادت لمكانها مرة ثانية تجلس تُضيع الوقت المُملل ذاك الذي لا ينقضي.
لا شئ تفعله سوى الجلوس هكذا دون وجود شئ تفعله، حتى أنها باتت تمل من القراءة، نفخت أوداجها للمرة المئة بضجر وضيق، من ثم نهضت تنوي الأستحمام لعلها تسترخي قليلاً......
دخلت إلي غرفتها، تعبث بخزانه ثيابها أولاً، أخرجت منامة حريرة تصل الي بعد ركبتيها،وبأكمام قصيرة ..... أختفت لدقائق بالداخل فالمرحاض تستحم، أرتدت ثيابها بالداخل، من ثم فتحت باب المرحاض بيد وباليد الأخري تُجفف خصلاتها بالمنشفة البيضاء خاصتها، كانت الساعة حينها تُشير إلي العاشرة مساءًا أي أنّ الخدم قد رحلوا منذ ساعة تقريباً، غرفتها كانت نصف أضائتها مغلقة والستائر أيضًا لأنها تود النوم باكرًا اليوم......
مازالت تُجفف خصلاتها، وكانت تنظر إلي الأرض برأس مُنحني، رفعت رأسها ترمش بأهدابها الكثيفة، لكنها تجمدت بمكانها وقد توقفت الدماء بعروقها مُتجمدة فتحت عينيها علي وسعها وأرتفعت وتيرة أنفاسها.......
يديها مازالت علي وضعيتها تمسك بالمنشفة، لم ترمش، لولا صلابة الأضلع ، لخرج قلبها من مكانه لشدة خفقهِ بهلع ورعب، لم تنطق بكلمة حتى، ظلت فقط تُحدق بهِ بأعين مزعورة تحول لونهم الأخضر الفاتح إلي آخر داكن،كان هو جالسًا علي حافة سريرها يضع يدًا بداخل جيب سروالهِ وباليد الأخري يُدخن سجارة أنتشرت رأحتها حولها كادت تُصيبها بالإختناق، مُنذ متي و"نادر"يُدخن أصلاً، أنها المرة الأولي التي ترآه يدخن فيها، ومن رائحة السيجار علمت انها ليست سيجار عادية بل شيء آخر.........
وهذا ما جعل قلبها يدق بعنفٍ، خرج صوتها مبحوح:
_"أنتَ.... أنتَ دخلت هنا أزاي؟! ".
رفعَ أعينهُ الداكنة صوبها، يُطالعها بنظرات معتمة، ظل يحدق بها بطريقة أرعبتها كان ينظر لها بنظرات أول مرة تراه ينظر لهم بها، نظرات جائعة، عينيهِ كادت تلتهم جسدها يثبت نظرهِ علي الجزء المكشوف من قدميها، أطفأ السيجارة يدعسها بحذائهِ بعد أن رمها أسفل قدميه بأهمال علي السجادة........