رواية جديدة قلب نازف بالحب لهاجر التركي - الفصل 7 - 1 - الأثنين 16/9/2024
قراءة رواية قلب نازف بالحب كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية قلب نازف بالحب
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة هاجر التركي
الفصل السابع
1
تم النشر الأثنين
16/9/2024
_" أنا والله معملت حاجة... هو... هو إللي أعتدي عليا حرام عليكم، متموتنيش أنا معملتش حاجة والله ماليش ذنب... ".
ظلت تردد كلماتها تلك بشفاة مُرتعشة وجسد مثلج.......ثم نهضت علي حين غرة تقتربُ من سكين كان موضوع أعلي الطاولة علي طبق الفاكهة، وحملته بين قبضتها المُرتعشة تنظر نحوه بعيون مُتسعة، تريد أنهاء حياتها الآن، بعد أن أصبحت لا فائدةً لها بعدما حدث....
كل شيء تدمر كل شيء أنتهي......أنها فتاة بريئة نقية وضعوها وسط وحوش ضارية لا ترحم، وفتكت بروحها دون أدني شفقة.... صرخت" هند"بأسمها تمنعها من أيذاء نفسها بتلك السكينة، مرعوبة هي الأخري فحالتها النفسية تدفها لفعل أي شئ متهور دون أن تحسب حسابًا للعواقب، ولا لأنها مُقبلة علي أنهاء حياتها......
ظلت الأخري تبكي وتنظر ناحية السكين، نظرت للسكين بيديها ونظرة لـ "هند" التي تترجها بعينيها ألاَ تفعل ذالك تصيح بها بحذر:
_"رضوي سيبي البتاعة إللي في أيدك دي.... سبيها وهنحل والله كل حاجه بالراحة وبهدوء، علشان خاطري سبيها. ".
لكن هواجس عقلها كانت أقوي بكثير، ومُخيلتها لا ترحمها الآن وتكمل رسم أفكار سوداوية برأسها......
فقربت السكين من معصمها وكانت بينها وبين أنهاء حياتها ثانية، أنش بسيط، لولاً يد ضربت علي يديها الممسكة للسكين بقوة حتى وقع منها بسهولة نظرًا لأنّ يديها ترتعش بالفعل، وكانت هذه اليد، يد "مُراد"، الذي عاد للتو من عملهِ الذي انهاهُ في فترة صغيرة كي يكون هنا بجانبها، وها هو قد جاء فالوقت المُناسب تمامًا......
_" أنتِ عايزة تموتي نفسك.... رضوي فوقي".
صوتهِ اعادها لأرض الواقع، وأستوعبت أخيرًا ما كانت تنوي فعله بنفسها وذاد ذالك من بُكائها، لا تدري ماذا يجدر بها أن تفعل.... أنقلبت حياتها رأسًا علي عقبٍ بين ليلة وضُحاها دون مقدمات.....
أقتربت منه تقطع المسافة الصغيرة بينهم، ولفت يديها حول عنقهِ تحتضنه بقوة، ضمها هو إليه يربت علي ظهرها بحنان، صمتت وأستكانت بين ذراعيهِ عجيب هو أمر العناق و كأنه لملمة روح ضاق بها الاتساع وترى في الضيق حياة، نسيت آلمها هنا بين يديهِ، فقط تترك العنان لجسدها لكي يسترخي تمامًا، حملها ببطء يتوجه ناحية السرير.....
وضعها عليهِ وجلس معها هو أيضًا لم يفصل العناق، بل ظل محتضنًا جسدها يربت علي ظهرها يُطمئنها، بالرغم من أنه يعلم أنه لا يوجد شيء يبث الطمائنينة مرة أخري إلي نفسها بعدما حدث، كل ذالك تحت أنظار "هند" التي مسحت دمعة هاربة من جفنيها تأثرًا بما تري، تقدمت من الدرج تخرج منهُ إبرة مُهدئة، أعدتها، وتقدمت اليهم، أمسكت بيديها بحذرٍ،والأخري تركت لها ذراعها بإستسلام، لا تود أن تقاوم.........
وكأنها باتت لا تشعر بأي شئ وهي مُحتضنة أياه، وكأن عناقهُ هذا لملمَ شتات روحها الممزقة لأشلاء صغيرة، أعطتها حُقنة المهدء، بتروي وبُطء، بينما هي مستكينة تمامًا...دقيقة وأرتخي جسدها، وقد بدأ مفعول الإبرة فالعمل....
فابعدها يضع رأسها علي الوسادة بهدوء، ثم اغلق أنوار الأباچورة بجانبها، يسمح لها بأخذ قسطٍ من الراحة بعد نوبة هلعها تلك.... فخرجَ من الغرفة بهدوء، تبعتهُ "هند" إلي الخارج......
❈-❈-❈
ما أن أستمع لغلق الباب خلفه، التفَ إلي"هند"يسألها بقلق مستفسرًا عما حدث للتو:
_"هو أي أللي حصل لها يا دكتوره؟؟ ".
أجابتهُ بعلمية:
_" دي نوبة حصلت لها بسبب الحادثة، وتقريبًا هتفضل معاها لفترة قدام، اللي حصل مكانش سهل يا بش مهندس، أيوه مفيش أذي جسدي كبير، لكن الأذي النفسي اللي سببه اللي حصل كبير جدًا هيحتاج وقت كبير لحد ما ترجع تاني عادية".
تنهدت مكملة:
_"حالتها النفسية وحشة محتاجة معاملة خاصة شويه وتفضل جنبها، شوفت بنفسك هي كانت ناوية تعمل في نفسها أي!، هي محتاجه حد حنين جنبها، وياريت تبعد عن عنيها أي آلة حادة تفاديًا للحصل من شويه، الدواء تاخده في مواعيده وتأكل هي ماكلتش حاجه من فترة.... ".
اومأ براسهِ متفهمًا لِمَ تقول، المُهمة صعبة عليهِ، لكن عليهِ تحمل السؤلية كاملة بدأً من الآن، لذا تحدث قائلاً:
_" متشكر جدا علي تعبك معانا، أنا هاخد بالي منها ومش هسيبها دي أمانة، بس عايز أطلب منك طلب ".
_" أتفضل أكيد ".
_" عايزة ممرضة تفضل جنبها أربعة وعشرين ساعة تهتم بيها، وأنا هدفع لها إللي تطلبه".
_"موجوده، بس أربعة وعشرين ساعة مش كتير شويه ".
يتفهم ذالك، هو يود ممرضة تكون جوارها ليل مع نهار لا تتركها ثانية وتعتني بها وتساعدها في أمور لا يمكن أن يفعلها بمفردهِ:
_" أنا فاهم، بس زي ما أنتِ شايفة حالتها عاملة أزاي!، وفيه حاجات أنا مش هعرف أتكفل بيها بنفسي وحضرتك فاهمة، فـ أنا بقولك اللي تطلبه كله هتاخده، بس تيجي من النهاردة ".
_" حاضر هشوف وأبلغ إبراهيم، بعد أذنك أنا لازم أمشي دلوقتي، متنساش تأكلها ولما تفوق تأخد الدوا".
❈-❈-❈
بعد أن اطمئن أنها بخير ومازالت تحت تأثير المخدر ونائمة بسلام، خرجَ أمام المنزل يود أجراء مكالمة للمنزل، فوالداتهُ اتصلت بهِ عشر مرات اليوم وكان هو منشغلاً بأنهاء الصفقة اليوم حتى بتفرغ لـ "رضوي" ويفكر في حل لتلك المعضلة، بينما هناك فوق الثلاثون مكالمة من زوجة أخيهِ والدة "رضوي" بالطبع تود الأطمئنان علي أبنتها، حيث أنها تخاف عليها بشدة........
وبالتأكيد فزعت لأمر أنها سافرت معه هكذا فجأة دون سبب، لذا قرر أن يتصل بوالداتهِ أولاً بدلاً من زوجة أخيه، بالطبع زوجة أخيهِ لن تكف عن طرح الأسئلة التي لا يملك لها أي أجابة أصلاً، هو بالكاد اختلق حجة ليس متأكد من كونها مقنعة مئة بالمئة، سيقولها لوالدتهِ ويتركها تتولي مهمة أخبار زوجة أخيهِ......
ثواني وأتاهُ صوت والداتهُ تطمئن عليه وتسأله حول لماذا لا يجيب علي هاتفه:
_"مُراد مش بترد علي تلفونك ليه؟ قلقتني عليك يا حبيبي ".
_" أنا كويس يا حبيبتي مفيش حاجه، كان عندي شغل، وأول ما خلصته كلمتك أهو ".
_" طيب ربنا معاك يا أبني......صحيح أنتَ خدت رضوي معاك ليه؟ ده أمها قلقانة عليها جدا من امبارح من لما رجعت ملقتهاش، لولا الخدامة قالت لها أنها معاك، هديت شويه.... ".
مسح علي شعرهِ، يُلقي عليها كذبتهُ التي أخترعها من عقله:
_" أنا لمّا رجعت أمبارح علشان أخد ورق مهم كنت ناسيه، لقيتها قاعده لوحدها فخدتها معاها، لأني كنت واعدها قبلها إني أخدها تغير جو فأي حتة بعد مخلصت أمتحاناتها ولقيتها فرصة بما أني هنا فأسكندرية لكام يوم قولت تجي تقضيهم هنا تغير جو".
_"فيك الخير يا حبيبي، ماشي خلي بالك منها كويس، وانا هطمن أمها، بس مش غريبة أن كلكم تسافروا كده مرة واحدة".
عقدَ حاجبيه يسألها:
_"كلنا؟ كلنا مين؟ هو مين سافر تاني؟ "
_"أخوك عمران سافر أسوان لعملية مستعجلة، وأبنه هو كمان رجعنا ملقناهوش، وأمه بتقول أنه سافر مع صحابه ".
جاء الشك بداخله، لذا سألها يتأكد من ظنونهِ:
_" نادر؟ ".
_" أيوه، سافر مش عارفة فين بلد كده أسمها غريب، قال أي بيغير جو مع صحابه.... ".
هُنا ربطَ الأحداث ببعضها وتأكدَ مئة بالمئة أنه هو من فعل بَـ" رضوي "هكذا، وهروبهُ المفجأء عقب وقوع الحادثة يثبت التهمة لهُ، بأنه فرَ هاربًا بعد فعلتهُ البذيئة تلك..... أنهي المكالمة مع والداتهُ، ثم مسحَ علي وجههِ بضيق، ثم عاد للداخل، ينوي صنع أي طعام لها......
❈-❈-❈
كانت الساعة قد قاربت علي الظهيرة، شمس الصيف الدافئة تُحيط المنزل من جمع الأتجاهات، وتتسلل إلي الغرفة منتشرة تضيئ المكان، وهناك بُقعة من الضوء تتكتل في منتصف السجادة الرمادية المرسوم عليها قط باللون الأبيض ظريف.....
كانت هي قد أستفاقت منذ نصف ساعه تقريبًا، جالسة بمكانها علي السرير تلك المرة ليست ثائرة ولا مُنفعلة هادئة تمامًا تعي لكل شئ حولها، صامتة صمت ضعيف.... عينيها الخضراء الواسعة التي كانت حية براقة تلمع ببريق الحُب الذي توزعه علي الجميع، الآن باتت ذابلة مُنطفئة، كالوردة العطِشة التي فقدت من يرويها....
تُحدق في كل رُكن فالغرفة بنظرات صامتة، كل شيء حولها أخرس جامد إلا عقلها، عقلها مزدحم كمدينة تكتاظُ بالسُكان الذين يهرولون إلي منازلهم في ليلة مطيرة يحتمون من البرد، ويتخبطون ببعضهم، هكذا كانت أفكارها تتخبط ببعضها البعض، مئات الأفكار المختلفة تدور بعقلها......
كانت كالغائبة عن الوعي بأعين مستيقظة متنبه ومشدودة كوترٍ، الدموع نفذت، من أين ستأتي بها، وهي قد بكت بما يكفي لعمرها القادم، تُغلقُ عينيها بقوة ظنًا منها أنها أغلقت الحرب بداخلها......
أنفتحَ الباب، تبعه دخول "مُراد"، بملابسهِ البيتية باللون الأسود، يحملُ بين يديهِ صنية تحتوي علي أطباق لا تعلم ما محتواها بعد، ينظر لها بعينيهِ الرمادية بنظرة دافئة وتلقائيًا أنتقل ذالك الدفء إلي قلبها، مِنْ فرطِ عُذوبَة النَظرة تَشعُر إنَها ضماد، ضماد، أضمدَ روحها بثواني......
أيتسامة عذبة تُزين شفتيهِ، شعره العسلي يتدلي علي جبهتهِ يُقطر بعض المياه الخفيفة، مما يوحي بأنهُ للتو خرج من حمامهِ، مسحت علي وجهها بأنملها الرفيعة، ترجع خصلات شعرها للخلف، تتابع تقدمهُ منها......
جلس لجوارها فبدورها أبتعدت قليلاً كي تُفسح لهُ مجالاً للجلوس، وبالفعل جلسْ، دفع الصنية ناحيتها قائلاً برفق:
_" حمدالله على سلامتك يا روبانزل......أنتِ مكالتيش حاجه من فترة، كُلي أنتِ بتأخدي أدويّة ".
إبتسامة حزينة ظهرت علي محياها، تريد أن تبتسم بأتساع وبنفس ذات الوقت تريد أن تبكي، كلمَا تتذكر أنه يعلم كل ما حدث، تلقائيًا تريد أن تبكي خوفًا وحزنًا، أن كان هناك أملاً في أن تحصل عليهِ فهو الآن مات وتم دفنه وشُيعت جنازتهُ، لا داعي للأستغراب، نعم بأشد أوقتها حزنًا وكربًا هو بذهنها.....
_" مش قادره شُكرًا.... ".
ثم القت نظرة سريعة علي محتوي الغرفة تسأله:
_" هو أحنا فين؟ وأي إللي حصل؟ ".
ثم شهقت فجأة تضع يديها علي فمها قائلة بعيون جاحظة:
_" ماما.... ماما لسه متعرفش حاجة صح، متعرفش حاجة، أنا أنا مش عارفة هبص فوشها أزاي، أنا مش عارفة أنا هبص في وشهم كُلهم أزاي؟!، أنا جبتلهم العار".
سريعًا وضع أصبعهِ السبابة علي شفتيها يمنعها من الحديث، يقاطعها بحدة:
_"ممكن تسكتي، متقوليش علي نفسك كده! أنتِ أشرف من الشرف يا رضوي إللي حصل ده غصبن عنك مش بمزاجك، وأنا جنبك مش هسيبك وهجبلك حقك حتى لو كان من أبن أخويا..... ".
كلمَات دافئة جائت بوقتها عانقت قلبها عناقًا يُطمئنه، كانت بحاجة شديدة إلي تلك الكلمات منهُ هو تحديدًا ليس أحدٍ آخر، وكأن تأثيرهُ هو عليها أقوي من أي تأثير آخر، أدمعت عينيها بحزن طفيف، فأكمل هو يبث الطمائنية بروحها:
_" كل حاجة هتتحل وحقك هيرجع لك وأنتِ قاعدة مكانك، وسهام متعرفش حاجة، ومحدش يعرف حاجه غيري أنا وأنتِ بس، وده سر مش هيطلع لمخلوق تاني، ثقي فيا، مش أنتِ بتثقي فيا ".
هزت رأسها دون تردد، تبلع غصة تشكلت بحلقها، ترمش بأهدابها عدة مرات، تنفس بعُمق تترك الأمور بين قبضتهِ هو، مُطمئنة كونهُ بجانبها ويحميها، أنه هنا جانبها من ماذا ستقلق أذًا.....
غيرت دُفة الحديث، تسأله بوجهِ تلون بحُمرة الخجل فجأة:
_" هو.. هو أنا مين إللي غيرلي هدومي".
أبتسم بخفة، يُجيبها ببساطة:
_"متقلقيش مش أنا أكيد.... الدكتورة هند إللي كانت بتعالجك لحد الحمدلله ما قومتي بالسلامة.. ".
_" هو أحنا فين؟ وقولت لماما أي؟ هي لحد دلوقتي مسألتش عليا؟ ".
_" أحنا فين! أحنا ف بيتي هنا في أسكندرية، قولت لسهام أي! عرفتهم إني خدتك معايا تغيري جو بعد الامتحانات وكده، وتقريبًا هي أقتنعت من ماما لأنها لحد دلوقتي متصالتش تاني ".
زفرت الهواء براحة كبيرة أجتاحتها كانت تحمل همًا يجثو فوق قلبها من ناحية أمر العائلة أن يعرفوا، وتحديدًا والداتها......
_" شُكرًا ".
قالتها من قلبها وبأمتنان حقيقي، رد عليها هو يطرق علي جبينها بخفة:
_" شُكرًا أي يا متخلفة أنتِ كُلي كُلي علشان تأخدي دواكِ،والمُمرضة إللي هتساعدك جاية كمان شويه، ومتقوليش شُكرًا دي تاني، ده أنتِ بيتي إللي مخلفتهاش ".
كانت قد بدأت بمضغ عدة لقامات قليلة، لكن حينما سمعت أخر جملة قالها وقفت اللُقيمات بحلقها فجأة، وأمتعض وجهها كُله بضيق، كان يسير جيدًا قبل قليل، لِماذا أغلقها هكذا؟ لماذا؟.......ضربة واحدة من هذا الصحن بين يديها وينتهي الأمر