رواية جديدة ظننتك قلبي « لكن بعض الظن إثم » مكتملة لقوت القلوب - الفصل 17 - 1 - الخميس 24/10/2024
قراءة رواية ظننتك قلبي « لكن بعض الظن إثم » كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية ظننتك قلبي
« لكن بعض الظن إثم »
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة قوت القلوب
الفصل السابع عشر
1
تم النشر يوم الخميس
24/10/2024
« مفترق طرق ...»
يتنفس الصباح أنفاسه المبهجة للروح ، بداية جديدة لكل طريق ، فعلى كل منا إتخاذ طريق الصواب ، لكن أولًا علينا إدراك ما هو الصواب وما الخطأ ، علينا تحديد طريق المصير ، علينا تعلم الإتجاهات فالبوصلة أخترعت قبل الساعة لمعرفة الطريق أولًا ...
لم تستيقظ "عهد" فالإستيقاظ لمن غفى ونال من الراحة نصيب ، فلا عيناها غفت ولا عقلها سكن ولا قلبها إرتاح ...
وقفت بصمت تستكمل إرتداء ملابسها السوداء وقد حلت تلك النظرة الخاوية مرة أخرى على عيونها الناعسة ، لملمت شعرها الأسود بغلظة لتعقصه بقوة للخلف ، زاد من مظهرها المتجهم وصرامة ملامحها و تعبيراتها ...
ألقت نظرة على إنعكاس صورتها بالمرآة لكن تلك المرة لم تكن خاطفة كما إعتادت بل طالت النظر كمن تؤنس نفسها بوجود نفسها ، تتحقق من عودتها لما كانت عليه ، لكنها الوحيدة التى تدرك أنها بها شئ تحطم ...
إبتلعت ريقها لتشيح بعينيها مبتعدة عن التطلع بصورتها فهي لا تود رؤية هذا الإنكسار ، عليها بالظهور بصورة أقوى مما كانت عليه ، عليها أن تزيد غلافها صلابة لتحمى داخلها الهش ...
تمامًا كحبة الجوز ذات قشرة صلبة قاسية لا يمكن تحطيمها بسهولة لتحمي ما بداخل قلبها من التفتت ، وإذا توجب عليها التحطم فيجب أن تُضلع قُوىٰ من يحاول كسرها أولًا ...
سحبت نفسًا قويًا قبل أن تزفره ببطء ثم حملت حقيبتها فالآن عليها مغادرة الفندق للتوجه للمطار للحاق بموعد طائرتها المحدد ، فها قد حانت العودة ...
❈-❈-❈
نمر إستوائي شرس قوى ، يركض بين جنبات الأشجار والطرق الزلقة وسط الوحل والعثرات من جانبه ، هكذا كان "معتصم" بعدما سَلَمَ الجهاز لرفيقه وإتجه للحاق بـ"عهد" قبل أن تستقل طائرتها فلم تحدد لهم سفرة واحدة ، بل تم حجز لكل منهما بموعد مختلف منعًا لإثارة أى إنتباه لو كانا مازلا تحت المراقبة ...
بالكاد وصل للمدينة بعد حلول الصباح لكنه لم يكن لديه دراية كافية عن موضع الفندق الذى كانت تقيم به قبل مجيئها للكوخ ..
وقف "معتصم" يلتقط أنفاسه وقد أثنى جذعه تمامًا مستندًا بكفيه فوق ركبتيه يلتمس هدوء أنفاسه المتلاحقة ، رفع جسده بإستقامة مُخرجًا هاتفه ليضغط بعض اللمسات باعثًا برسالة لأحد زملائه بالجهاز ...
[ عاوز عنوان الفندق إللي "عهد" نازله فيه ...]
[ مينفعش تتقابلوا دلوقت .. لأمانك وأمانها ]
[ متقلقش ... أنا مركز كويس ... إبعتلي بس العنوان ضروري]
[ تمام .. حبعتلك رسالة باللوكيشن ]
أرفقت الرسالة الأخيرة بموضع الفندق وإسمه ليتحرك "معتصم" مسرعًا تجاهه متأهبًا للقائها قبل تحركها من الفندق ...
❈-❈-❈
مكتبة بحر ...
للصمت حكايات وللعين سراديب تخفى عاصفة القلوب ، سعادة تكمن فقط من نظرة ، فقط حين أُطيل النظر إليكِ أُدرك أن النعيم والحياة يكمنان فقط بنظرة ، شمس تتجلي لتشرق بسماء حياته القاحلة لتبقى كيقين بأن هناك بعض البشر كصفو السماء خلقوا للتأمل ...
أضواء ملأت أرجاء المكتبة لحظة حضور "نغم" ، هكذا رآها "بحر" ، لؤلؤة تتألق لتنير حياته ببريقها حين تظهر ، مجرد متابعتها بعيناه أمل بحد ذاته ، لكن ياليتها تشعر بهذا العاصف الذى تزلزل من موضعه بداخل صدره ، ياليته يستطيع النطق بها ...
ألقت "نغم" تحيتها بهدوء لتبدأ عملها بترتيب بعض الكتب قبل أن تجلس تقرأ إحداهم لحين ظهور عمل آخر لتقوم به ..
مجرد مشاهدته لها هى حلم حقيقي بالنسبة لـ"بحر" ، لكنه أخيرًا لم يكتفي بالمشاهدة ليقتحم جلستها متحدثًا إليها ...
- على فكرة ... الكتاب ده من الكتب المفضلة ليا ...
إنتبهت له "نغم" لترفع رأسها ببسمة مجاملة ...
- بجد ... أنا أول مرة أقراه ...
سحب "بحر" مقعدًا ليجلس عليه متابعًا حديثه معها ، يود رؤية ملامحها العفوية وهي تتحدث ، يثير حديث يستمع به لصوتها الرقيق بأى حديث كان ، يريد فقط قُربها الذى ينعش الهواء برئتيه وحياة بداخل قلبه ...
- بس عارفه لو كنتِ بدأتي بكتاب أدبي أو رواية كنتِ حتتسلي أكتر ...
بتهكم من حالها أجابته "نغم" ...
- الصراحة أنا مش بقرا غير روايات بس .. عشان كدة قلت لنفسي طالما بشتغل فى مكتبة لازم أكون عميقة شوية وأقرأ كتاب .. بس بصراحة .. أنا مش فاهمة حاجة أبدًا ...
ضحك "بحر" لتلقائيتها لتظهر وسامته الهادئة فكم هي عفوية ولطيفة ...
- طب بتعملي فى نفسك ليه كدة ... !!! واحدة واحدة حتحبي كل الكتب دي وتفهميها كويس .. كمان فيه كتب أبسط من كدة ممكن تبدأي بيها وحتعجبك جدًا ... أنا بعمل كدة ...
بفضول شديد سألته عن كتاب من هذه الكتب التى يتحدث عنها ...
- زي إيه يعني ...؟!!
وقف "بحر" بزهو ليختار لها أحد الكتب قائلًا ...
- لو عايزة رأيي ... إبدأي بالكتاب ده ...
همست "نغم" تقرأ إسم الكتاب ...
- (لأنك الله) .. الدكتور مصطفى محمود .. شكله حلو ..
- الكتاب ده حقيقي حياخدِك فى حته تانيه ...
أومأت "نغم" بوداعة وهى تتطلع نحو غلاف الكتاب البسيط للغاية فيما شرد "بحر" بعذوبتها وبساطتها التى سلبت قلبه ، عاد لمقعده ليسترسل بحديث وراء آخر متطرقًا لعدة موضوعات يود لو أن حديثهم لا ينتهى ...
حاول معرفة المزيد عنها والتحدث عن نفسه أيضًا ليمر الوقت دون الشعور به لكلاهما ...
❈-❈-❈
سويسرا ...
رسائل وكلمات مؤجلة ، بإرادتنا أو بدونها لكن النتيجة واحدة ، فقد تأجلت الكلمات وعز علينا الإيضاح لكننا لم ندرك أنه ربما تتغير العناوين ولا يمكننا إرسال الرسائل ...
بالكاد وصل "معتصم" للفندق يشعر بالإجهاد والتعرق رغم برودة الأجواء من حوله ، وقف يتطلع بالمحيط من حوله باحثًا بعينيه الكاشفتين كرادار قوى عن وجهته ، دارت مقلتيه السوداء بالوجوه والأشخاص من حوله باحثًا عن هدف واحد فقط ...
هدف كاد يُفقدهُ صَوابه منذ رؤيته ، وقف يلتقط أنفاسه المتصاعدة إثر ركضه السريع لوقت طويل ليصل لنتيجة واحدة بالأخير ... إنها ليست هنا ...
تقدم بهدوء خطواته الواثقة نحو مكتب الإستقبال متسائلًا ..
- من فضلك .. أريد الآنسة "عهد مسعود" ..
أجابة عامل الإستقبال بعملية ..
- لحظة واحدة ...
طرق العامل بأصابعه فوق لوحة المفاتيح الخاصة بجهاز الحاسوب ليردف ببسمة لزجة للغاية ..
- عذرًا يا سيدي ... لقد تركت الفندق منذ قليل ...
توقف الزمن لتتجمد ملامحه للحظات ، لقد تأخر ولم يلحق بها ، وجد نفسه يشعر بشعور غريب للغاية ، إنه الإحباط .. ذلك الشعور الذى لم يحل به من قبل ، لكنه مُزج بشعور آخر مغاير تمامًا ، إنه متضايق منزعج بشكل قبض روحه ليبتلع ريقه ثم أردف متسائلًا ببعض الثبات ..
- منذ متى رحلت من فضلك ...؟!!
أعاد العامل إجابته بذات الإبتسامة الدبلوماسية اللزجة ...
- منذ ما يقرب من النصف ساعة ...
تهدلت ملامح "معتصم" لوهلة بذهول فهو لم يتوقع أن ترحل بمثل تلك السرعة حتى أنه لم يتسنى له شرح موقفه لها ..
أومأ بخفة قبل أن يبتعد بخطواته لخارج الفندق متجهًا نحو المطار فربما يستطيع اللحاق بها هذه المرة رغم صعوبة ذلك لكنه لن ييأس من محاولة أخيرة قبل رحيلها فليس من طبعه الإستسلام بسهولة ...
❈-❈-❈
مطار لوغانو "سويسرا" ...
حُلة رسمية سوداء ، شعر معقود ملامح متجهمة وصمت تام ، وقفت "عهد" أمام أحد موظفي التأشيرات بالمطار تنهى إجراءات سفرها بوضع أحد الأختام بجواز سفرها إستعدادًا للمغادرة ..
سحبت نفسًا طويلًا باردًا للغاية ، ترى هل تلك البرودة من برد الشتاء العاصف بهذه المدينة أم هو حياتها التى لا تقترن بالدفء والراحة ...
ختم وضع بصفحة جواز سفرها أعلن نهاية مهمتها وبقائها هنا ، البلدة التى شهدت على ميلاد قلبها ونهايته بذات الوقت ...
رفعت رأسها بشموخ كما إعتادت وإتخذت خطواتها الجادة تجاه قاعة الإنتظار فلم يعد يتبقى على موعد إقلاع الطائرة سوى النصف ساعة ...
جلست بمقعد الإنتظار تسترجع ومضات من زيارتها ومهمتها ، تسترجع مشاكسته لها وإبتسامته التى سرقت دقات قلبها الخائنة ، عيناه القاتمتان التى تتحدث بغموض ، ضمت شفاهها بتأثر لتنظر نحو الفراغ فعليها أن تنسى كل هذا ، يجب أن تُجبر قلبها وعقلها على النسيان وإعتبار تلك الأيام مجرد مُهمة وإنتهت منذ هذه اللحظة ولن يجمعهما أى زمان ومكان بعد الآن كما كانت من قبل ...
دقائق ودقائق مرت متلاحقة ليعلن النداء عن التوجه إلى الطائرة فحان موعد الرحيل ، وقفت تستقيم بطولها المميز حاملة حقيبة يدها الخفيفة متجهة نحو البوابة لصعود الطائرة ليسدل الستار عن كل شئ خلف ظهرها ...
وقفت إحدى سيارات الأجرة أمام المطار قبل أن يترجل منها "معتصم" بخطواته المتعجلة الأقرب للركض ليدلف إلى داخل المطار باحثًا بعيناه الكاشفتان عنها ، دار حول نفسه بإستدارة متعجلة يبحث عن طيفها الأسود لكنه فشل بإيجادها ...
أسرع نحو أحد المكاتب يسأل عن موعد الطائرة المتجهة للقاهرة ...
- معذرة ... متى ستقلع الطائرة المتجهة للقاهرة من فضلك ...؟!!
بدون حتى أن يتحقق الموظف أشار بكفه نحو السماء بيقين مجيبًا إياه ...
- لقد حلقت بالفعل يا سيدى ....
تعلقت عينا "معتصم" المدهوشتان بالسماء الواضحة من النافذة الزجاجية حيث أشار الموظف بإحباط شديد وهو يملس جبهته بعنف لفشله مرة أخرى باللحاق بها ...
أغمض عيناه لوهلة بضيق بالغ تَفَهمَهُ الموظف بأنه لم يلحق بالتأكيد بأحد الركاب بها ليلتف "معتصم" مغادرًا المطار ليعاود لمسكنه لتلقى آخر التعليمات وموعد عودته القريبة قائلًا لنفسه ببعض التحدى ...
- ولو ... حتى لو فلتى منى النهاردة ... مسيري حرجع مصر ... وأكيد الوشوش حتتقابل .. ويا أنا يا إنتِ يا "عهد مسعود" ...
❈-❈-❈
بيت فخري النجار ...
ماكر .. خائن كائن العنكبوت فهو يسقط فريسته ويصطادها داخل بيته اللزج لكنه هو فقط من يدرك أين يضع خطواته حتى لا يقع بالشرك الذى ينصبه ، كذلك كانت "حنين" فهي لا تختلف عن كونها أنثى للعنكبوت تنصب الشراك ببيتها تنتظر وقوع فريستها بالشباك بمكر ودهاء ...
إنتظرت بداخل شقتها ذات الباب المفتوح منذ ساعات الصباح الباكر لخروج والد زوجها متجهًا لمحل العطارة خاصته لتنتهز فرصة بقاء "صباح" و "راويه" بمفردهن بالأعلى ...
أعدلت من وضع عبائتها الحمراء المزركشة بخيلاء أمام المرآة قبل أن تصعد الدرج نحو شقة والدا زوجها لإتمام أمر تفكرت به جيدًا للتخلص من "راويه" التى تفسد عليها كل خططها للسيطرة على عقل "صباح" والاستفادة منها قدر الإمكان ...
دقت جرس الباب بوجهها المقتضب وشفتيها المزمومتان لكنها فور أن فُتح الباب وإرتخت ملامح وجهها بإبتسامة مزيفة حين تلاقت عيناها مع بغيضتها "راويه" ...
- صباح الخير يا عروسة ....