-->

رواية بعد الاحتراق After Burn لغادة حازم - الفصل 24 - 1 - الثلاثاء 22/10/2024

قراءة رواية بعد الاحتراق - After Burn كاملة 

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى



 

رواية 

بعد الاحتراق - After Burn 

 

رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة غادة حازم


الفصل الرابع والعشرون

تم النشر يوم الثلاثاء

22/10/2024


-1-




أنا أعرف أنني سيء في الحب،

لكنني أحببتك بكل ما أملك من سوء

 

- دوستويفسكي -

❀❀❀

 

إنها هنا..

مجددًا..

الإضاءة الضئيلة ذاتها..

الجو الخانق..

والقضبان ذاتها..

 

إنها القلعة!!

 

كيف أتت.. كيف عادت.. كيف قبلت حتى لم تكن تدري، ولكنها هنا فعلا!!..

الأمر كان حقيقًا.. نعم، هي مَن تركع هنا، الاصفاد تقيد يديها إلى مقبض مثبت بالأرض.. الأرض ذات الملمس البارد والحجري الخشن على ركبتيها العاريتين.. الحقيقة أنها بالكامل كانت عارية إلا من ملابسها الداخلية!!

 

الخوف ذاته.. يا إلهي، مهما مضى عليها لن تتجاوز أبدا رهبتها من ذلك المكان المقبض.. كانت خائفة، تبا  ترتعش خوفًا.. ولكن في نفس الوقت، ثمة جزء خبيث بها كان يألف ذلك، بل ومستسلمًا استسلام أقرب للاسترخاء..

 

ماذا يحدث؟!

 

صوت مزلاج الباب الحديدي وهو يُفتح لتصطك مفصلاته الصلبة ببعضها البعض معلنةً عن قدومه كان أسوأ عُقدها التي لم ولن تتعافى منها.. وقع اقدامه تضرب السلالم الاسمنتية لتهز بنيتها وجسدها منبئة إياها بقدومه.. تبا له، فقط صوت أقدامه كافيًا ليُميت أنفاسها.. مع ذلك، لم تجرؤ أن ترفع رأسها ابدًا وكأنها ستموت في تلك اللحظة.. وبدى أن ذلك راقه كثيرًا، فحينما وقف أمامها أطال في تأمل وضعها الذليل قبل أن يقبض على شعرها برفق ليرفع رأسها له، ولترى أسوأ نظرة يمتلكها أدهم.. تلك النظرة الشيطانية ذاتها التي دمرت كل شيء من قبل:

-        ماذا أفعل بكِ صغيرتي؟.. كنتِ فتاة سيئة جدًا!

 

بينما يتحدث أحاط عنقها بما يشبه الحزام الجلدي ليُضيّقه حول رقبتها حتى بدأت تعاني الاختناق.. اجبرها على رفع رقبتها من طرفي الحزام في يده كشيء  يحمله ولا كأنها بشر يختنق هنا.. ثم بدأ يقيم مدى تحمل قدرتها على الاختناق لثواني وهي تعاني في قبضته، وجهها بدأ يتصبغ باللون الازرق بينما يديها لا زالتا مقيدتان إلى الارض، حتى بدأ جسدها في انتفاضة الموت هنا فقط تركها.. لتخرّ كالذبيحة أرضا تعاني لاستعادة أنفاسها من جديد بينما يتملكها سعال حال.. وفي سرعة غير ملموسة، كان يحيط عنقها من جديد بطوق معدني هذه المرة كان يحمله في يده متصل بقيود يديها ليثبت رأسها إلى أسفل ويمنعها من التحرك والالتفات..

 

عندما انتهى، دار من خلفها ليتناول سوط جلدي غليظ السُمك، ليبدأ بثنيه مرتين في قبضته ويعود للخلف بضعة خطوات قبل أن يأمرها بصوت جهوري:

-        ابدئي العد.. صوتك يكون واضح وإلا سأنهيكِ الليلة!!

 

ومع أول ضربة سوط تصفع ظهرها العاري ارتجت احبالها الصوتية بصرخة ذعر متألمة كان عاليًا جدًا بشكلٍ كافي لإيقاظها من هذا الكابوس المريع لتفاجئ بنفسها وقد اصطدمت رأسها بطرف النافذة جوار مقعدها على الطائرة ولولا حزام الأمان الذي أعادها لمكانها لكانت اخترقت زجاج النافذة الآن لتحلق خارج الطائرة..

 

اتسعت حدقيتها بفزع لتنظر حولها محاولة استيعاب ما يجري لها وادخال المزيد من الهواء إلى رئتيها، خاصة وهي ترى كل من فالطائرة يحاوطها الآن من بينهم ادهم الذي تصدر في خوفا واضح عليها وهو يتساءل عما حدث لها.. قابلته بنظرات مغيبة هلعة، جسدها مخدر، لم تفق بعد من حلمها ولم تستطع أن تستجمع كلمة واحدة، وعلى ما يبدو أنه أدرك هذا فضمها بشده إلى حضنه ليأمر أحد المضيفات بأن تجلب لها الماء سريعًا.. لم تعارض ذلك، لم تكن في حالة لتسمح لها بذلك، وبينما كان منخرطًا في تهدئتها والتربيت على ظهرها ليبث الطمأنينة إلى قلبها، سمعت صوت ريم وهي تهمس من خلفها في سخرية دون أن تنتبه:

-        حقا مختلة..

 

توقعت أن أحدًا لم يسمعها غيرها، ولكن تصلب جسد أدهم والتفات رأسه جهة اخته اخبرها عكس ذلك، وقد بدى أن الامر لما يعجبه، فسمعت بعدها صوت خطوات أخته وهي تبتعد، لتتيقن أنه قد بثها إحدى نظراته المرعبة..

 

بقيت على هذا الوضع طويلًا، مختبئة داخل أحضانه وقبضتيها تعتصران قميصه، حتى حينما أتت المضيفة بكوب الماء وبعض المرطبات، عارضت مغادرة حضنه مكتفية بتنفس رائحته والانصات لدقات قلبه، والتي كانت أكثر جدوى من أي مهدئ..

 

-        لا بأس، حبيبتي.. اهدئ.. كل شيء سيكون على ما يرام..

 

هل حقا كل شيء سيصبح على ما يرام؟!

 

لم تكن واثقة من أي شيء ولكن احتاجت بشده أن تسمع هذه الجملة.. كان لها وقع السحر عليها فقد بدأ جسدها فالاسترخاء!!.. الأمر كان جنونيًا، أن يكون جلاّدها ومنقذها ذات الشخص.. كانت تفقد عقلها هنا وهذا واضح.. وما كان واضحًا أكثر هو الارتياح الذي غمرها بين أحضانه!!.. كل ما في الأمر أنها لم تكن تشعر بأنه نفس الشخص.. هو ليس ذلك الشيطان، ولا تعرف كيف حدث هذا!!.. لكنها تلك اللحظة لم تكن تمانع احتضانه ما تبقى من العمر..

 

الأمان.. ذلك ما شعرت به وذلك ما افتقدته طوال الفترة السابقة فابتعاده.. والآن فقط استردته..

 

تبا للجنون حقا!!.. عقلها كان بارعًا في فصلها عن كل ما يؤلمها وكان جليًا أنه يفعله مجددًا.. فها هو قد فصل لها بين الجانب المظلم والصادم من شخصية أدهم وبين كل ما يحاول فعله حاليا فلم تعد قادرة على أن تراه في صورة واحدة مجتمعة.. لقد ضاعت في انفصام شخصيته!!

-        ابقِ مكانك سأفعل شيئًا وأعود لكي فالحال..

 

--

 

جلست ريم محاولة أن تمنع نفسها من البكاء وقد ندمت على قرار السفر مع أدهم.. لا تصدق أنه قد أمسك بها ووبخها قبل قليل من أجل تلك المختلة!!.. لازالت تشعر بقبضة يده التي اعتصرت ذراعها، كل هذا فقط لأنه قد علقت على جنونها.. تبا اللعينة كانت بالفعل مختلة!!.. أغرقت عيونها الفيروزية بالدموع من جديد وهي تثقبها من الصف المقابل لها على بعد مقعدين منها..

 نفخت بعدها بغل متابعها مراسلاتها مع عادل:

لم تخبرني متى سنتخلص من تلك اللعينة؟؟.. لا اتحمل حقا النظر لها بعد كل ما عرفته!!.. أشعر بأنها قد استولت على أخي ودمرته.. انه ليس أخي الذي أعرفه!!

جاءها الرد سريعًا من طرف عادل:

-        اهدئ بيبي واخبريني كيف عرفتي أصبحت مدمنةً ما؟!

 

أجابته مسترجعه ما حدث قبل ساعات من سفرهم، فقد تنصتت عليهما عندما سمعت أصواتهما العالية وتفاجأت بالحرب الدائرة بينهما، صراحةً لم تتوقع كل تلك الكوارث خلف الأبواب المغلقة:

-        هذا ما سمعته حينما ذهبت لأسأل أدهم شيئا ما وكنت على وشك دخول جناحه، قبل أن أسمعه يصرخ بها ويعنفها بأنها أصبحت مدمنة وأنه لن يقبل هذا وسيرميها قريبًا بمصحة ما إذا استمرت في تلك القذارة..

-        انتهت اللعبة بيبي، وانتهى أمر تلك العاهرة!!

-        ماذا ستفعل؟ هل..

-        سأخبرك حينما نتقابل، فقط هاتفيني عندما تصلي من ذلك الخط الذي أعطيت إياه ولا تجعلي أحد يسمعك..

 

تأففت ريم وشعرت أن عادل يبالغ في احتياطاته ويُشعرها بالخوف:

-        حاضر.. لا اعرف لما كل هذا (أُوُليّ)، اشعر وكأننا ننفذ عملية حربية!!

-        بالفعل نحن كذلك بيبي.. فنحن نحرر أخيكِ من تلك العاهرة التي تجرّه للموت أم نسيتِ؟!

-        أجل معك حق..

 

أخفت الهاتف عندما عبر أخيه من جانبها مرة أخرى ليعود جوار تلك اللعينة فقد بدى جدًا مهتما بها ومراعيا لمشاعرها أما هي فقد رماها تماما من حساباته.. لم ترغب في محادثته بعدما قاله قبل قليل، لقد حذرها من تعاملها وسلوكها أمام فريدة.. هل نسى حقا من تكون، نسى أنها اخته وتملك حقا عليها أكثر من تلك الأفعى.. لولا حديث عادل معها، لكانت استقلت أول طائرة عائدة لمصر ما إن يصلوا.. منذ أقلعت الطائرة من ساعتين تقريبًا لم يجلس، إما يتحدث مع طاقم الطائرة أو يتحدث في مكالمات عمله التي لا تنتهي أبدًا وعندما تذكرها وتحدث معها كان لنهرها.. والآن بدى أنه انتهى أخيرًا من كل ذلك وها هو يجلس مع عاهرته مستكملا أعماله على الحاسوب.. لكن لا بأس، لن تستلم، إذا كان هو قد نسى مَن هي، فها هي هنا حتى تنقذه، فكما قال عادل هي مهمة حربية وستخلص أخيها من استعمارها، وقريبًا جدًا أيضًا..

 

الصفحة التالية