-->

رواية جديدة رواية في فبضة فهد لهالة زين - الفصل 8 - 1 - الخميس 24/10/2024

  

 قراءة رواية في قبضة فهد كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخر


رواية في قبضة فهد

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة هالة زين


الفصل الثامن

1

تم النشر الخميس

24/10/2024




كانت ميلا تقف في المنتصف بين العائلتين ، كل الأنظار تتركز عليها. تقدمت بخطوات هادئة نحو جدها، الحاج يحيى، الذي جلس على كرسيه بخشوع وقلق يملأ عينيه. انحنت ميلا قليلاً وأمسكت بيديه المتعبة، لتطمئنه بصوت حنون

ميلا : ما تخافش عليا يا جدو ... أنا كويسة، وبخير . 


نظر الحاج يحيى في عيون حفيدته، واستطاع أن يرى القوة والشجاعة التي استعادت بها نفسها، فتنهّد بارتياح، بينما كانت دمعة خفية تتسلل إلى عينيه.فوضع كفه أعلي رأسها 


يحيي: الموت عندي أهون قبل ما أشوف حاجه وحشه تصيبك  يا بت الغالي 


أخذت يده التي تحاوط وجهها ووضعتها امام فمها وهمت بتقبيلها 

ميلا :بعيد الشر عليك يا حبيبي ...ربنا يجعل يومي قبل يومك .


عانقها الجد الحزين المكلوم وهو يشتم بها رائحه ولده الراحل وأردف قائلا

يحيي: ربنا مايحرمنيش منيكي يا بنيتي.


لكن ميلا لم تنتهِ بعد. عندما رفعت رأسها، كانت ملامحها قد تحولت إلى برود وحزن خفي. نظرت إلى عمها وإلى ابن عمها، وكأن نظراتها كانت مليئة بالخذلان العميق...بدلا من تلقي الحمايه منهم فهم  كانوا جزءاً من العائلة التي من المفترض أن تحميها وتدافع عنها ، لكنها شعرت بالغربة بينهم، بالخيانة. لم تتحدث، فقط تلك النظرة التي رمقتهم بها  كانت كافية لتقول كل شيء.


بعد لحظات من الصمت، عادت ميلا لتقف خلف خالها آدم، الذي أصبح  لها السند والظهر. رفعت رأسها بفخر، وعيناها الآن مليئتان بالغضب والتحدي. وقفت بصلابة، تنظر مباشرة إلى يمان، الذي وقف في الطرف الآخر من الحديقه  كان الاثنان يتبادلان النظرات، لكن هذه المرة، لم يكن هناك أي مشاعر خفية. كانت نظراتها مليئة بالغضب والسخط، تُظهر له أنها لن تكون  تلك الفتاة الضعيفة التي كان يعتقد أنه يستطيع السيطرة عليها.   


أما يمان، فكان يقف متوتراً. حاول الحفاظ على كبريائه، لكن نظرات ميلا القوية كانت تخترق دفاعاته. أدرك أنه لم يعد يتحكم في الأمور كما كان يتوقع.


في لحظة شديدة التوتر، حيث ارتفعت حدة الصدام بين يمان وآدم الذي كان يدافع عن ميلا بعزم ما فيه هو وبقية العائلة، شعر الحاج عزام بضرورة التدخل لتهدئة النفوس. كان رجلاً حكيماً، معروفاً باتزانه وقدرته على حل الأزمات. تقدم بخطوات هادئة إلى منتصف الحديقه حيث يجلس الحاج يحيي ، وبصوت هادئ مفعم بالحكمة قال


عزمي : يا جماعة، إحنا كلنا أهل نجع واحد وعشره عمر  ومهما كانت المشاكل كبيرة، العقل والحكمة دايمًا هما اللي بيحلوا الأمور.


توجه بنظره إلى يمان الذي لم تبرح عينيه النظر عن الحسناء  ميلا المختبئه خلف خالها  وأكمل


عزمي :إحنا عارفين يا جماعه إن  الموضوع كبر عن حجمه وإحنا بنتأسف لكم علي التطاول اللي حصل منا دلوقت ..يمان جوز بتي الله يرحمها   بس إرتبك من إتهامكم لينا بالباطل وانتوا عارفين إنه هو وأخوه وولده اللي كانوا أول من هيروحوا في الرجلين ، فبدل ما نزود التوتر والخلافات بينا، الأفضل إننا نرجع للعقل ونحكمه في الامر . الأمور دلوقتي الحمد لله  تحت السيطرة وبتكم معاكم وفي حضنكم في الحفظ والصون  .. والكل حاضر إهنه أهه .. علشان كده، الحل الأمثل هو جلسة عرفية للصلح. نلم الموضوع ونحط قواعد واضحة بين العيلتين، تحكم التعامل وتمنع أي فتنة أو سوء تفاهم بعد كده.


صمت للحظة وهو ينظر إلى الجميع ليستشف أثار حديثه عليهم والذي شعر بإستحسان بعدما رأي إيجابيات حديثه علي وجوههم  .... ثم تابع بنبرة حكيمة 


عزمي : تقاليد وعرف الصعيد  هما  اللي حافظوا على علاقاتنا من زمان بعيد  ودلوقتي، هما  اللي هيحلوا المشاكل دي بهدوء وسلاسة. هنتفق على شروط واضحة وصريحه ،تلتزم بيها العلتين قدام بعض علشان الدنيا تمشي في طريقها الصحيح من غير مشاكل تانية في المستقبل .


كلماته كانت مثل الماء البارد على النار المشتعلة، حيث بدأ التوتر يخف تدريجيًا، وبدأ الجميع يتقبل الفكرة. الحاج عزام كان يعلم أن الحل يكمن في الحوار والاتفاق، وأدرك الجميع أن الحكمة هي السبيل للخروج من هذا المأزق.لذلك أمسك يد الحاج يحيي أمام الجميع 


عزام : تقبل يا حاج يحيي إننا نتقابل في المندره الشرقيه بكره  ونعمل قاعده عرفيه نلم فيها شمل العيلتين ونخلص من الطار للأبد .


في تلك اللحظة الحاسمة، شعر يمان بشيء غريب يخفق في صدره. لأول مرة، عرف معنى الخوف الحقيقي. كان واقفًا وسط الجميع، يحاول الحفاظ على هدوئه وصورته القوية، لكن كلمات الحاج عزمي اخترقت حصونه الداخلية، عندما أشار بحديثه إلى فكرة الزواج بين العائلتين.


"الزواج؟" تردد صدى الكلمة في عقله. قلبه بدأ يخفق بوتيرة أسرع. تذكر بسرعة أن هذا العرض قُدم له من قبل علي طبق من ذهب ، وأنه كان قد رفضه بعناد في حينه. بينما كان أخوه يزن قد وافق دون تردد، لكنه لم يكن يعلم أن ميلا، الفتاة التي يقف أمامها الآن بكل مشاعره المتناقضة، هي العروس المقصودة.


في تلك اللحظة، أدرك يمان أنه وقع في مأزق. كان عقله يدور في دوامة من الأفكار المتضاربة. كيف سيشرح لهم الآن أنه يريد الزواج بميلا؟ تلك الفتاة التي حاول السيطرة عليها بالتهديد قبل لحظات، والآن هو من يشعر بأنه أسير لجمالها وقوتها؟ كيف سيخرج من هذا الموقف وهو الذي كان يظن نفسه في قمة القوة والتحكم؟


نظر إلى ميلا، تلك الجميلة الشقراء التي أسرت قلبه دون أن يدرك. كان يخشى أن يبوح برغبته الحقيقية أمام الجميع. شعر أن كبرياءه بات في خطر، ولكن في الوقت نفسه، لم يستطع كبح مشاعره التي كانت تضغط عليه بشدة. كيف يخبرهم الآن أن ميلا ليست مجرد فتاة أخرى، بل هي الفتاة التي يريدها لنفسه؟..ظل يحادث نفسه برهه من الوقت لحين إستفاق علي حديث الحاج يحيي

يحيي: علي بركه الله يا حاج عزام .


❈-❈-❈

بعد أن انتهى الحاج يحيي  من حديثه، ساد صمت قصير في المجلس، ثم نظر يمان إلى الجميع بنظرة يملؤها الكبرياء والتحدي. لم يرغب في سماع المزيد، وتركهم خلفه دون أن ينطق بكلمة واحده . قاد هو سيارته بنفسه ثم ترجل بمنتصف الطريق وتوجه بخطواته الثقيلة نحو المقابر، حيث كان يذهب عندما يضيق صدره وتأتي  عليه الدنيا وتشتد عليه الأفكار.


وصل إلى قبر زوجته المتوفية، وجلس أمامه في صمت. مرّرت الرياح الباردة عبائته التقليديه التي يرتديها فوق ملابسه ، لكن هموم  قلبه كانت أثقل من أي شيء. بدأ يلوم زوجته  بصوت خافت وكأنه يشتكيها لحالها 


يمان : إنتي كنتِ السبب في كل اللي حصل، و كل اللي وصلنا ليه... كنتِ دايمًا عنيدة وبتخبي عليا  وخلّيتي حياتي جحيم. دلوقتي أنا لوحدي هنا بسببك ، وعايش وسط نيران الطار بسببك .وبربي أبن ...إبن حرام ومش من صلبي  بسببك ..ولولا أبوكي والعواقب والفضايح اللي ممكن نتعرض ليها كان زماني بلغتهم بعارك من زمان .


مسح علي وجهه وهم بالوقوف وبينما كان يفكر في مغادرة المقبرة، لمح بعينه قبر سعد، والد ميلا، على الجانب الآخر من المقابر   شعر بتيار بارد يمر عبر جسده، فأغمض عينيه محاولًا استجماع أفكاره. إنه الآن في موقف لا يُحسد عليه، إذ أن حقده على سعد وعائلته كان يُسيطر على حياته لسنوات، بسبب علاقه سامه بينه وبين زوجته أدت إلي قتل سعد لزوجته بالأخير . فهو الذي كان يخطط للانتقام من زوجه سعد  طويلاً عندما يجدها ، ولكن الآن هي الاخري  فارقت الحياه ودفنت حديثا بجانبه ..أتي علي عقله لبرهه أن ينتقم من إبنته ولكن ها هو  العشق أصبح يقيده.


أصبح يمان مقيداً بميلا بسلسال الحب .فبدأ يسأل حاله ..هل حقأ تعلق بها في هذه المده الصغيره ، تلك الفتاة التي تحمل دماء قاتل زوجته في عروقها. ورغم ذلك لا يستطيع أن يفكر بفكره الانتقام عندما يقف أمامها ، حتي لم تعد فكره الانتقام تطرأ علي عقله لوهله من الزمن عندما يراها  . كيف يفعل ذلك وهل هو حقا واقع في حبها؟و كيف ينتقم منها وهي أصبحت تحتل جزءاً كبيرا  من كيانه؟


❈-❈-❈


في دوار العماريه 


وخاصه في غرفه زينب التي مااستمعت  لما دار في الخارج ، شعرت برعب يجتاح كيانها. كل خططها للقضاء على ميلا، تلك الحسناء التي كانت ترى فيها تهديدًا، بدأت تتلاشى أمام عينيها. ارتجفت أوصالها وهي تفكر في أن كل مؤامراتها الشيطانية قد تُكشف قريبًا بدئا من قتل أخيها مرورا بقتل زوجه أخيها وأخيرا خطف ميلا . وما زاد خوفها عندما أدركت أن فكرة النسب بين العائلتين ستعني حماية ميلا وهو ما يعرض حياتها  ولربما نهاية كل ما خططت له وإفشاء أسرارها الواحد تلو الآخر .


لم تحتمل هذا الضغط، فأخذت تقطع الارض من تحتها ذهابا وإيابا الي أن أتتها خطه شيطانيه  أخري وصممت علي تنفيذها فأ مسكت بهاتفها بيد مرتعشة واتصلت بسرعة بشريكتها في المؤامرة، عزة المصري، زوجة عم يمان. كان قلبها ينبض بسرعة وهي تنتظر الرد، وعندما سمعت صوت عزة، سارعت بالكلام.

زينب : باينها هتغفلق علينا يابت المصري 


كانت عزة تجلس أمام إحدي الفتيات في صالون التجميل مرتخيه علي إحدي المقاعد المخصصه لطلاء الظافر عندما إهتز هاتفها معلنا عن إتصال هاتفي ...أبتلعت ريقها عندما شاهدت الهاتف ينير بإسم هذه الحيه الرقصاء فأمرت الفتاه بالمغادره وانتظارها بالخارج حتي الانتهاء من المكالمه .


عزة :أصدك إيه يا  زينب إنطقي .


زينب :قاعده في مصر وحاطه قدم  علي قدم  ولا درياناشي بلي بيحوحصل إهنا يابت المركوب إنتي 


نزعت عزه غطاء شعرها المبلل بغضب وأردفت بصياح


عزة :وليه الغلط يا حربايه إنتي  . ما إحنا قلنا إننا في الهوا سوا 

وينب : يبقي تجيبي بتك دلوقيت وتاجي عل  الصعيد ... الدنيا اتخربطت علي دماغي إهنه والحاج عزام  هيجوز بت الخوجايه للمحروس يمان .


وقفت عزة بغضب وبدا الانهيار علي وجهها عندما لاح  بعقلها خساره كل ما خططت له طيله السنوات الفرطه 


عزة : إنتي إتجننتي يا وليه إنتي بتقولي إيه ويمان مين اللي هيتجوز .


زينب : بقول إني قلتلك حطيلي يمان  تحت عنيكي  بس استهترتي بالموضوع لحد ما غفلجت علي راسنا ...ولقيت يمان وبت الخوجايه إهنه في الصعيد فوق رآسي  ..لا وكمان العيلتين بيتصافوا و بيخططوا لنسب بيناتهم هيخرب كل اللي عملناه.


صوت عزة جاء من الطرف الآخر ببرود

بعدما أخذت  نفسًا عميقًا قبل أن ترد بحزم


عزة : مستحيل أسمح بده. أنا هاجي الصعيد بأول طياره و هوقف الجوازة دي بأي طريقة.


شعرت زينب  ببعض الراحة بعد مكالمة عزة، لكن الخوف لم يترك قلبها تمامًا. كانت تعلم أن الأمور قد خرجت عن سيطرتها، وأن الوقت يداهمها.وإن لم تتصرف فورا سيذهب ما فعلته سدي وسينكشف أمرها. 


❈-❈-❈


كان آدم يشعر بضيق شديد، ورغبه في مغادرة الصعيد على الفور. لم يعد يحتمل البقاء وسط كل هذه التوترات والمخططات التي تحاك حول إبنه أخته . لكن الجد الحكيم يحيي  أقنعه بالتريث، قائلاً

يحيي: يا بني، الجلسة العرفية هي الحل اللي هيحدد مصيرنا ومصير حفيدتي ..لو مشيت دلوقتي، ممكن نندم بعدين. خليك معانا لحد ما الأمور تستقر، عشان تطمن على مستقبل بنت أختك بدل ما تقعد كل شويه في مشاكل من تحت راسها. 


رغم ضيق آدم، وافق على البقاء مؤقتًا.ليقينه بحديث هذا الجد الحكيم .


في تلك الليلة، بقيت ميلا مستيقظة حتى الصباح. كانت تشعر بالراحة لوجود صديقتها داليدا بجانبها، ووجود خالها في الغرفة المجاورة زاد من إحساسها بالأمان. لكن الأفكار لم تتركها تنام، وظلت تفكر فيما سيأتي وخاصه مصير أخيها الصغيرالذي تخاف أن ينكشف أمره بعد .


مع أول ضوء للصباح، قررت ميلا وداليدا الذهاب إلى المقابر لزيارة والدتها وقرائه ماتيسر من القرآن لها 


نزلتا الاثناتان إلي الاسفل فوجدا أن الجميع يجلس علي طاوله الطعام الكبيره

نزلت ميلا وداليدا إلى الطابق السفلي، حيث وجدتا الجميع مجتمعين حول مائدة الإفطار الكبيرة. كان الجو مشبعًا برائحة الطعام الشهي، من الخبز الطازج، إلى الفول والجبن والعسل، وكل ما تشتهيه النفس في صباح القرية الهادئ. نادى الحاج يحيى بحفاوة على ميلا وداليدا، قائلاً


يحيي: تعالوا يا بنات، يلا افطروا معانا."


داليدا، التي لم تستطع مقاومة شهية الطعام أمامها، جلست بسرعة وبدأت تأكل بنهم، متذوقة كل صنف من الأصناف.غير مدركه عيون آدم المسلطه عليها بإهتمام  أما ميلا، فقد جلست بجوارها دون أن تكون لها شهية كبيرة للطعام. كانت مشاعرها مختلطة، بين الصمت  الحزن 


الصفحة التالية