رواية جديدة رواية في فبضة فهد لهالة زين - الفصل 8 - 2 - الخميس 24/10/2024
قراءة رواية في قبضة فهد كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخر
رواية في قبضة فهد
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة هالة زين
الفصل الثامن
2
تم النشر الخميس
24/10/2024
في تلك الأثناء، جلست ورد، عمة ميلا، بالقرب منها. ورد كانت ابنة زينب، لكن شخصيتها تختلف تمامًا عن والدتها في كل شيء. رغم محاولات زينب على مدار السنين لتعكير صفو الأمور، كانت ورد دائمًا تتسم بالهدوء والاحترام. كانت تعشق والد ميلا في شبابها، ولكن عندما أدركت أن قلبه ينتمي لحب آخر، احترمت عشقه لوالدة ميلا ولم تحاول التفريق بينهما، رغم أنها دفعت الثمن بأن ضاع من عمرها شطر كبير دون أن تعيش حبًا حقيقيًا.
نظرت ورد إلى ميلا بابتسامة دافئة، وقالت لها
ورد : أنا ورد، عمتك.فاكراني يا حبيبتي
ميلا :طبعا يا عمتو
ملست ورد علي كتفيها تؤازرها حزنها علي فقيدتها
ورد : أنا عارفة إن اللي بتعدي بيه مش سهل، لكن إنتي قوية زي والدتك، وهتقدري تعدي من كل ده.
كان حديثها يحمل دعماً صادقاً، بعيداً عن خبث والدتها زينب، التي دائماً ما كانت تحيك المكائد من وراء الستار.
شعرت ميلا ببعض الراحة في وجود ورد، رغم كل ما يحدث من حولها.
بعد الانتهاء خرجت ميلا وداليدا الي الخارج مصطحبتين معهما الحارس الشخصي لخالها. كان الجو هادئًا بشكل غريب، ورائحة الأرض الباردة تملأ المكان . لكن ما لم تتوقعه ميلا هو اللقاء الذي سيغير كل شيء.
عندما اقتربت من المقابر، تفاجأت بوجود يمان يخرج منها. كان يبدو عليه التعب وكأنه قضى الليل بأكمله هناك. وعندما التقت أعينهما، توقف الزمن للحظة. نظراتهما كانت مليئة بالتناقضات؛ الغضب، الحب، الخوف، والذكريات. قلوبهما دقت بعنف، وكأن كل شيء حولهما اختفى للحظات.
ظلت ميلا تنظر إليه بذهول، غير قادرة على استيعاب مشاعرها المتداخلة والغضب مما قاله عنها ونعتها به ، بينما يمان لم يستطع أن يخفي ارتباكه هو الآخر .
إبتسمت داليدا في نفسها علي هذا اللقاء الذي يجمع ميلا ويمان فهي صديقه ميلا منذ زمن طويل ولكنها لم تري إرتباكها ظاهرا هكذا أمام رجلا من قبل .
اقترب يمان من ميلا وداليدا بخطوات هادئة، محاولاً إظهار الاحترام الكامل عكس المرات اللأولي للقائهم ..كانت ملامحه جادة، وصوته هادئاً رغم التوتر الذي شعر به. نظر إلى ميلا بعينين مليئتين بالتساؤلات والتردد، ثم قال
يمان : ممكن نتكلم على انفراد للحظات؟ فيه حاجة مهمة لازم أقولها لك.
إندهشت ميلا من حديثه وبتسلطها المعتاد كانت ستوبخه ولكن أوقفتها ميلا.
داليدا : إنتي الراجل الوقح ده منين
ميلا : هقولك بعدين ...إهدي بقي
داليدا : لا قولي دلوقتي علشان أطمن الا وديني هفتح دماغه قليل الربايه ده ...إنتي ما شفتيش طريقه كلامه إمبارح عليكي كانت عامله إزاي .
ترددت ميلا لوهلة لشعورها بالغضب منه ، لكن فضولها واهتمامها بما سيقوله دفعاها للموافقة بالأخير
ميلا : الراجل بتاع باريس اللي حكيتلك عنه
صفعت ميلا صدرها بحركه عشوائيه وأردفت بغضب
داليدا : بتاع الورقتين العرفي .
وضعت ميلا يديها علي فم داليدا تجبرها علي الصمت و . نظرت إليها والحارس الشخصي وأشارت لهم بأن ينتظروا قليلاً على مسافة بعيدة.
ميلا : هشش وطي صوتك هشوفه عاوز إيه وهاجي علطول
ثم توجهت مع يمان إلى زاوية هادئة بجوار المقابر، حيث جلسوا على صخرة قديمةبينما تراقبها صديقتها عن قرب .
بدأ يمان الحديث بصوت منخفض، محاولًا الحفاظ على الهدوء
يمان : أنا عارف إنك مش عاوزة تسمعي مني حاجة دلوقتي، بس الأمور بتتطور بسرعة. الجلسة العرفية اللي هتتعقد النهارده هتكون مصيرية للعائلتين. فيه اقتراح هيتم طرحه بخصوص النسب بين عيلتي وعيلتك .
نظرت إليه ميلا بعيون متسائلة ومترقبة، لكنه أكمل
يمان : هقترح في الجلسة إننا نتجوز، أنا وإنتِ. ده هيكون الحل الأنسب عشان نمنع تصاعد الخلافات، ونضمن إن الطار ينتهي. يعني هتكون مش مجرد جوازة، ده هيكون حل للعيلة كلها.
لم تستطع ميلا إخفاء صدمتها. كان قلبها ينبض بشدة وهي تحاول فهم ما قاله. كيف يمكن أن يكون الزواج هو الحل؟ وكيف يتحدث عن الأمر بهذه الجدية بينما علاقتهما مليئة بالغضب والغموض والمشاعر المتناقضة .لتشير إليه بحده
ميلا :هو إنت ما بتزهقش بقا ولا إيه ..مانا قلت لك قبل كدة رئيي في موضوع الجواز ده .
يمان :المرة اللي فاتت كانت مختلفه ساعتها أنا ما كنتش أعرف إنتي مين
ربعت ميلا يديها حول صدرها ونظرت إليه بإستهزاء.
ميلا :وأديك عرفت..وجوابي ليك برده هيكون نفس الرد ومش هيتغير مهما حصل .
وقف يمان أمامها بنظرات مليئة بالغضب والتهديد، وجهه مشدود وكأنه يحاول السيطرة على الموقف بأي وسيلة. تقدم نحوها بخطوات بطيئة، مقتربًا من مسافة تسمح له بخفض صوته وهو يتحدث بنبرة حادة
يمان : اسمعي كويس علشان ما ترجعيش تندمي إنتِ عارفة كويس إن موضوع الطار ده ما ينفعش نستهون بيه. العيلتين حطوا أحكام عرفية عشان الموضوع ما يخرجش عن السيطرة لو ما وافقتيش على الجواز مني، الموضوع مش هينفع يتلم تاني واتهيألي دي آخر محاوله علشان نوقفه .
نظرت إليه بعيون مليئة بالتحدي والحقد الدفين ، لكنها لم تتكلم وأخذت تناظره بتقزز من أعلي لاسفل
ميلا : وإن رفضت هتعمل إيه يعني .
جن جنونه لأنه لم يكن بحال يقبل الرفض فأمسكها من ذراعها واستمر بنبرة أكثر تهديدًا
يمان : . لو رفضتي، هتأذي خالك وإبنه وجدتك...تحبي أبتدي بمين ..خليكي فاكره إني أنا مش هسيبهم في حالهم. فكّري كويس، إما الجواز ، وإما غضبي. وأنا عارف إنك عاقله و مش عايزة تشوفي حبايبك وهم بيتأذوا أدام عينيكي .
ارتعشت ملامح ميلا للحظة، لكنها سرعان ما استعادت تماسكها، وأخذت نفساً عميقاً. رفعت رأسها، ولمعت في عينيها نظرات تحدٍ. رغم التهديدات التي ألقيها يمان، لم تنكسر. قالت بصوت هادئ لكن مفعم بالقوة
ميلا : إنت فاكر إنك ممكن تسيطر عليا بالتهديد؟ أنا مش هرضخ لظلمك. وعيلتي هتفضل في ضهري مهما حصل.
كانت كلماتها تلك بمثابة ضربة غير متوقعة ليَمان، الذي توقع أن يجد ميلا ضعيفة وخائفة من تهديداته . لكن ما رأه أمامه هو فتاة قوية، تقف أمامه دون تردد، وتواجهه رغم كل الضغوط ولكنه وجدها تكمل دون رهبه منه .
ميلا : وإن كان عليا إني اقبل بالقرف اللي بتقول عليه ده يبقي هتجوز صحيح من عيله الفهد بس حد تاني غيرك ...وأظن كدة يبقي فير أوي أنفذ الأحكام العرفيه اللي بتقول عليها وأنقذ العيلتين من الطار وبنفس الوقت أنقذ نفسي من حيوان ذيك ...ها تحب ترشحلي مين من عيلتك الكريمه .
يمان :لما تقوليلي أبدأ بأذيه مين من عيلتك الكريمه
هنا إقتربت داليده وتبعها الحارس الشخصي لخالها وأردف بصوت عالي وكان علي وشك أن يشهر سلاحه .
الحارس : في حاجه يا آنسه ميلا
أشارت له بالوقوف بعيدا كما هو وأردفت بقلب من حديد
ميلا : العيله كلها أدامك أختار منهم اللي يعجبك وأعتي مافي إنتقامك إعمله .
كانت ميلا على وشك المغادرة عندما لفت انتباهها يزيد، الطفل الصغير الذي كان يختبئ خلف عمه يزن، خائفًا من نظرات والده يمان التي لا تبشر بخير . كان يزيد قد جاء لزيارة قبر والدته المتوفاة، وعندما رأته ميلا، توقفت مبتسمة واقتربت منه بلطف.
انحنت أمامه وقالت بحنان
ميلا : إزيك يا يزيد؟ جيت تزور ماما يا حبيبي ؟
نظر إليها الطفل بحذر، لكن عندما شعر بدفء حنانها، اقترب منها وعانقها بخجل. أخبرها بصوت خافت
يزيد : أنا هنا مع عمي يزن جابني هنا عشان أزور ماما."
رفعت هي رأسها لتحيي هذا المصدوم من رؤيتها.
ميلا :فرصه سعيده يا أستاذ يزن
يزن :أنا اسعد يا أنسه ميلا.
رأت ميلا الخوف بكلا عيني يزيد من والده فاقتربت منه بابتسامة دافئة، وجلست على ركبتها لتكون في مستوى نظره. نظرت في عينيه الواسعتين، وقالت له بصوت حنون بعدما تذكرت كلماته لها عن والده
ميلا : عارف يا يزيد، أنا بحبك جدًا. أنت دايمًا بتفكرني ببابا الله يرحمه وشبهه أوي .
نظر إليها الطفل باندهاش وابتسامة خجولة، ثم سألها بصوت بريء
يزيد :أنا ....إزاي؟
أجابت ميلا وهي تلمس بلطف الشامة الصغيرة التي تقع أعلى يمين وجهه
ميلا : شايف الشامة دي اللي عندك؟... بابا كان عنده شامة زيها بالظبط. كل ما بشوفك، بتفكرني بيه، وبحس إني قريبة منه أوي .
ابتسم يزيد بشيء من الفخر، وكأن كلامها جعله يشعر بأهمية الشامة الصغيرة التي كانت دائمًا جزءًا منه. ثم قالت
ميلا : عارف، الشامة دي مش بس بتفكرني ببابا بس ، هي بتخليني أفتكر إن في ناس في حياتنا غاليين علينا جدًا، زيك بالظبط كدة يا حبيبي "
تأثر يزيد بكلماتها، ونظر إليها بعينين تلمعان من الفرح. ثم اقترب منها أكثر وعانقها بخجل، وكأن حديثها جعله يشعر بالحب والدفئ والأمان.
في تلك اللحظة، كان يزن واقفًا يراقب المشهد، وقد بدت عليه علامات الاندهاش. لم يكن يتوقع رؤية ميلا هنا، وخاصة في هذا المكان الحزين. بينما كانت ميلا تغادر المكان، ظل يزن يحدق فيها بصمت، وحين ابتعدت، نظر إلى صديقه رؤوف الذي كان أيضًا مذهولًا مما يحدث.
التفت يزن إلى يمان الذي كان يراقب كل شيء من بعيد، وسأله بجدية: "إيه اللي بيحصل هنا؟و إزاي ميليا موجودة هنا ؟ وإنت كنت فين من إمبارح قلقتنا عليك ؟
أخذ يمان نفسًا عميقًا ثم قال بصوت هادئ وهو يفكر بجديه بأمر ما .
يمان : تبقي بنت سعد العماري .
كانت الصدمة واضحة على وجه يزن. ..ولكنه عندما إستوعب ما يحدث أدرك أن ميلا هي العروس التي كانت عائلته ترتب له الزواج منها. نظر إلى يمان بذهول، محاولاً استيعاب المفاجأة
يزن :سعد مين ...إللي قلب عربيه مراتك... ميلا بتاعه باريس ؟ طب ازاي...؟"
أخذ يمان يشرح ما حدث له وما قاله الحاج عزمي عن إنعقاد الجلسة العرفية ولكن كلمات يمان لم تخفف من وقع الصدمة على يزن ورؤوف كثيرا.
عاد يمان إلى المنزل، وعقله مثقل بالأسئلة التي لا يجد لها إجابة. ظل يقطع الأرض ذهابًا وإيابًا في الغرفة، تتنازعه الأفكار. كيف يمكن أن يكون يزيد أخًا لميلا؟ تذكر حديثها مع الطفل، وكيف أشارت إلى الشامة التي تشبه تلك التي كانت على وجه والدها. كانت الكلمات تتردد في رأسه كأنها لغز يحاول فك شفرته.
لكن سريعًا ما استبعد الفكرة، إذ تذكر أنه قد قام بإجراء تحليل إثبات النسب ليزيد وسعد، عندما قتل سعد و اضطر لنبش قبره لإحضار العينات اللازمة للتحليل. وكانت نتيجة التحليل سلبية، مما يعني أن يزيد ليس ابنًا لسعد، وبالتالي لا يمكن أن يكون أخًا لميلا.
ومع ذلك، لم يكن يمان يعلم أن الأمور لم تكن كما بدت. كانت عزة المصري، زوجة عمه، تراقب كل تحركاته في تلك الفترة. بخبثها المعروف، استغلت الفرصة وقامت بتغيير نتائج التحليل، لتدور الأمور في دائرة مفرغة. هي من عبثت بالحقيقة، لأنها كانت تريد أن تظل الحقيقة مدفونة، وتبقي الجميع في ظلمات الجهل والغموض.
في تلك اللحظة، كان يمان يشعر بشيء غريب، كأن هناك جزءًا مفقودًا من اللغز لم يكتشفه بعد.وأن هناك يد خفيه تعبث بالجميع لابد عليه أن يتأني ليكتشفها
أخرج هاتفه وطلب رقماً كان محفوظاً لديه للطبيب الشهير الذي يعرفه جيدًا. تحدث إليه بصوت خافت وجاد
يمان : دكتور، أنا محتاج منك تعمل تحليل إثبات نسب لعينتين، هبعتهملك في طياره خاصه ومش هوصيك علي السرية التامة. ولازم النتائج دي تكون عندي في أسرع وقت ممكن."
وافق الطبيب دون أن يسأل عن التفاصيل، ويمان أغلق الهاتف وهو يشعر بضغط كبير. أخرج من جيب قميصه كيسًا صغيرًا يحتوي على بعض الشعرات الشقراء التي جمعها في ذلك الصباح. فعاد بذاكرته إلى تلك اللحظة التي أثارت شكوكه.
فلاش باك
كانت ميلا تتحدث مع يزيد بحب وحنان، وشيء في حديثها أثار ريبه في قلب يمان شكوكًا قوية. وقبل أن تغادر، ناداها هو بصوت شجي .
يمان : استني لحظة!" تقدم نحوها ببطئ ،بينما هي تذدرئ ريقها من إقترابه المهلك وعندما اقترب منها، مد يده ببطء إلى شعرها وكأنه يحاول تفحصه بعناية.
في تلك اللحظة، تشابكت أزرار قميصه بخصلات شعرها بطريقة غير متوقعة، فشدها دون قصد، وخرجت بعض الشعرات العالقة مع الأزرار. نظرت إليه ميلا باستغراب، لكنه لم يفسح لها المجال للسؤال، بل احتفظ بالشعرات بهدوء وأردف لها بابتسامة خبيثة.
يمان : أبقي فكري في العرض اللي قولتهولك.
غادرت ميلا ولم تعطيه أي إهتمام يذكر بينما ظل هو ممسكًا بالشعرات كالكنز الثمين ، محاولًا أن يجد الحقيقة بين الشكوك التي تحيط به. كان يعرف أن الوقت ليس في صالحه، وأن هذه التحاليل ربما تكون هي الحل الوحيد لاكتشاف السر الذي يطارده.
فلاش باك إند.