رواية جديدة مقيدة في بحور عشقه لتوتا محمود - الفصل 39 - 4 - السبت 26/10/2024
قراءة رواية مقيدة في بحور عشقه كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية مقيدة في بحور عشقه
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة توتا محمود
الفصل التاسع والثلاثون
4
تم النشر يوم السبت
26/10/2024
تراجع خطوة إلى الخلف ، ليترك مسافة بينه وبين فريدة التي كانت تتخبط بين حبها، ووجعها الذي يكاد يخنقها، كان الجو مثقلًا بالصمت، صمت يصم الآذان ويزيد من شدة التوتر بينهما، حاولت فريدة أن تمسح دموعها، ولكنها كانت تسقط بشكل لا إرادي، كأنها انعكاس لكل ما يدور داخلها من خوف وألم.
ــ مالك، فكر في حل، اكيد في حل غير انك تتجوز يا مالك .
لكن مالك، رغم حزنه الظاهر في عينيه، لم يغير موقفه، كان الأمر أكبر من مجرد كلمات، أكبر من حب، كان قرارًا قد اتخذ، وكان يراه الطريق الوحيد الذي يمكنه أن يسلكه الآن.
أدار مالك ظهره لـ فريدة، متجنبًا نظراتها الأخيرة
ببطء، تحرك نحو الباب، تاركًا فريدة خلفة، محطمة، مثقلة بالدموع والحزن.
لحظات من الصمت المخيف سيطرت على الغرفة بعدما أغلق مالك الباب خلفه، تاركًا فريدة وحدها، تغرق في مشاعرها المتألمة، كانت غير قادرة على استيعاب ما حدث للتو، كل كلمة قالها مالك كانت بمثابة خنجر يُغرز في قلبها.
نظرت حولها، وكأنها تحاول البحث عن مخرج لهذا الواقع القاسي، كانت تدرك أن حياتها قد انقلبت في لحظة، وأن ما كان يبدو ثابتًا ومقدسًا، انهار أمام عينيها، حركت يدها برفق فوق بطنها المنتفخة، محاولة أن تجد بعض الطمأنينة في هذا الكائن الصغير الذي ينمو بداخلها، لكنه كان أيضًا جزءًا من هذا الصراع الذي ينهش قلبها .
جلست على حافة السرير، تفكر في ما يمكن أن تفعله، هل تستسلم للأمر الواقع وتترك مالك يمضي في طريقه؟ أم تحارب من أجل حبها وحياتها معه؟ لقد كانت لحظة من تلك اللحظات التي تشعر فيها المرأة بأن العالم كله قد تآمر ضدها، وبأن كل ما بنته، وكل ما حلمت به، أصبح في مهب الريح
لكن، وسط كل هذه الدوامة، كانت هناك شعلة صغيرة من الأمل، ذلك الأمل الذي يتعلق بمالك، الرجل الذي أحبته بكل جوارحها، كانت تعرف في أعماق قلبها أنه لا يزال يحبها، رغم كل ما حدث .
جلست فريدة على حافة السرير، وأفكارها تزدحم في عقلها كعاصفة لا تهدأ، شعرت بأن حياتها انقسمت إلى شطرين، شطر مليء بالحب والذكريات التي جمعتها بمالك، والشطر الآخر حيث تسيطر عليه الغموض والضياع، كيف يمكن للرجل الذي أحبته وأحبها أن يتركها بهذه البساطة؟ كيف له أن يمضي قدمًا في زواج مع امرأة أخرى، وهو يعرف تمامًا ما يعنيه ذلك لها؟
كان بداخلها مزيج من الحزن والغضب، لكن الأمل، تلك الشعلة الصغيرة، ما زالت تتشبث به. كان حبها لمالك أقوى من أن يُمحى بجملة قاسية، وأقوى من الظروف التي تحاول أن تفصل بينهما، نظرت إلى بطنها المنتفخ، وتساءلت عن مصير طفلها في هذا العالم الذي يبدو متصدعًا، لم تكن تستطيع أن تتخيل هذا الطفل ينمو بعيدًا عن أبيه، ولم تكن على استعداد للاستسلام بعد.
فكرت للحظات في كل ما يمكن أن تفعله، هل تتحدث إلى بيجاد؟، ربما هو الوحيد القادر على إيقاف هذا الزواج، أو ربما يجب أن تواجه جميلة بنفسها، وتفهم منها لماذا أصرّت على الزواج من مالك، برغم أن شخص أخر لمسها؟، كان أمامها الكثير من الخيارات، لكنها شعرت بأنها في حاجة إلى الراحة أولاً، لقد أرهقها هذا الألم العميق الذي اجتاحها فجأة.
وهي تجلس في الغرفة المظلمة، قررت أنها لن تستسلم بسهولة، مالك كان ولا يزال جزءًا من حياتها، ولن تسمح لهذه الظروف أن تفصل بينهما بهذه السهولة، قد يكون القرار صعبًا، لكن قلبها لم يتوقف بعد عن النبض لأجله، ولم تتخلَّ بعد عن الحب الذي يجمعهما.
فريدة مسحت دموعها، وبدأت تفكر في خطوتها التالية، بعزيمة جديدة، وبإصرار على أن هذه القصة لم تنتهِ بعد.
❈-❈-❈
دخلت الى الغرفة بخطواتها الثقيله، ودموعها لازالت تنساب على خديها، كيف «بيجاد» يخفى عنها هذه الأسرار، وعن مقتل شقيقتها، كيف فعل هذا بها، وهو الذي مُصر أن «تمارا» قد انتحرت، الأن فهمت لما فعل ذلك بها، فعل ذلك حتى يجعلها لا تكشف الحقيقة، مخادع، كيف خدعها بهذه البساطة..
سمعت صوت خطواته والتى كانت تقترب من الغرفة مما ابتعدت ودخلت الى المرحاض بسرعة وبسرعة البرق اغلقت الباب خلفها، كانت مشاعرها تتصارع بداخلها، قلبها ينبض بسرعة، وكأن أنفاسها باتت ثقيلة، غير قادرة على استيعاب الصدمة التي تلقتها للتو، كيف يمكن أن تكون حياتها مبنية على الأكاذيب بهذا الشكل؟ كيف استطاع "بيجاد" أن يخدعها، ويخفي عنها حقيقة موت شقيقتها "تمارا"؟ الحقيقة التي ظلت تُخفي خلفها الكثير من الأسرار المؤلمة .
كانت تعرف أن مواجهته الآن أمر لا مفر منه، لكنها كانت مشلولة بالخوف، كيف ستتمكن من الوقوف أمامه بعدما علمت أنه كان يتلاعب بحياتها؟ كيف ستواجهه وتطلب منه تفسيرًا لكل الأكاذيب التي عاشت فيها طوال هذه الاشهر معه.
بينما كانت غارقة في أفكارها، سمعت صوت خطوات «بيجاد» يقترب أكثر، توقف لبرهة خارج الغرفة، ثم فتح الباب ببطء، شعرت بتوتر يعصف بجسدها، كانت تدرك أن المواجهة تقترب، لكن قلبها لم يكن مستعدًا لذلك، تمنت للحظة أن تختفي، أن تهرب من هذا الواقع الذي بات أكبر من أن تتحمله .
دخل الى الغرفة بهدوء، واخذ يبحث عينيه عليها، نادى عليها بصوته الحنون، ولكنه لم يجدها، نظر الى باب المرحاض وهو مغلقاً من الداخل فـ أدرك أنه بداخل المرحاض، اخذ يدق دقات على باب المرحاض، وهو يهتف بنبرته المقلقة ، فهو قلق عليها أنها لم ترد عليها منذ قليل :
ـ سلا، انتِ كويسه؟؟
كيف لها أن تكون بخير بعد ما اكتشفت تلك الحقائق المخفية؟؟، كيف لها أن تكون على ما يرام كيف؟، تنهدت تنهيدة تحمل كل آلامها وأوجاعها بتلك الحقائق، الآن عليها المواجهة، المواجهة الصعبة التى لقبتها منذ قليل، عليها أن تواجهه والأن، فـ عاجلاً اما اجلاً ستواجه بكل الأحوال، اغمضت عينيها وهي تستعد لمواجهته بتلك الحقائق التي اخفاها عنها…
صرخ قلبه بقلق عليها مما توترت ملامحه من القلق، ناده عليها مره أخرى ولكن لم تستجيب، فـ الأن يوجد شئ بالتأكيد داخل المرحاض، فـ «سلا» أول مرة لم تستجيب لنداء «بيجاد» لها، فـ بالتأكيد حدث شئ…..
قطع دوامة أفكاره هو صوت فتح باب المرحاض، وجدها تخرج بهدوء، ابتعدت عنه وجلست على الفراش تنظر له بهدوء، مما صرخت ملامحها بحيرة من أمرها، فهو كان مقلقاً عليها، وهى الأن تتصرف وكأنها تتجاهلني؟، مما اقترب منها وهتف بغضب وعينيه يشتعلون من الحدة :
ـ هو انا مش كنت بنادي عليكي؟؟ .
في تلك اللحظة، شعرت "سلا" وكأنها محاطة بغلاف من الصمت الثقيل، حتى بعد أن تحدث "بيجاد" بحدة، لم تستطع الرد. نظرت في عينيه، ووجدت نفسها تغرق في بحر من التساؤلات، كيف استطاع أن يكذب عليها طوال هذا الوقت؟ كانت تثق به، تعتمد عليه، والآن كل شيء تغير .
بهدوء مفاجئ، ولكن بتصميم، وقفت "سلا" من على الفراش، شعرت بأن هذه المواجهة لا مفر منها، تنفست بعمق، محاولةً جمع شتات نفسها، ثم رفعت نظرها إليه وقالت بهدوء يحمل خلفه غضبًا مكتومًا :
ـ انت ليه خبيت عني الحقيقة ، ليه؟؟ ، ليه خبيت عنى موضوع تمارا و إيلا ، انا كنت عارفه انك مش ابو إيلا بس مكنتش اتوقع ابدا أنه شريف ، وانت كل ده كنت عارف وساكت طب ليه ، ليه خبيت عني أن شريف يبقى صاحبك ، ليه خبيت عنى أنك عميل سرى وفى نفس الوقت زعيم من زعماء المافيا ، طيب ليه يا بيجاد ، هو انا مستحقش اني اعرف ، اعرف جوزى بيشتغل ايه ، اعرف اختي انتحرت ولا اتقتلت ، اعرف ان بنت اختى مين بيكون ابوها ، مستخسر فيا اعرف كل ده .
صمت "بيجاد" للحظة، مأخوذًا بمباشرتها المفاجئة، لم يكن يتوقع هذه المواجهة الآن، حاول السيطرة على مشاعره، لكنه شعر بالذنب يتسرب إليه بأنها عرفت الحقائق دفعة واحدة ، أخذ نفسًا عميقًا ثم قال ببطء :
ـ سلا، أنا كنت بحميكي ، الحقيقة كانت أخطر من انها تنقال، الموضوع مش بس عن إيلا، الموضوع أكبر بكتير، لو عرفتي كل حاجة، حياتك وحياة الناس اللي بتحبيهم كانت هتكون في خطر .
نظرت إليه بمرارة وقالت:
ـ الخطر؟ انت حطيتني في خطر من أول ما قررت تخبي عني الحقيقة ، الكذب مش حماية، بيجاد، الكذب هو اللي بيقتل الثقة، وانت عارف بحاجه زي كده .
ازدادت نظراتها حدة، وهي تشعر بثقل الأسئلة التي لا تزال بدون إجابة :
ـ تمارا... انت عارف إنها اتقتلت، صح؟ وعرفت كل ده وساكت؟، انت كمان كنت بتبعدنى عن الحقيقة .
حاول "بيجاد" الاقتراب منها، لكن «سلا» تراجعت خطوة إلى الخلف، مما جعله يشعر بالفشل في إقناعها
ـ سلا، تمارا كانت ضحية ، تمارا ماتت بسبب كشفها لأسرار كانت خطيره ، عشان كده قرروا يتخلصوا منها ، مع انى كنت جنبها ، وشريف كان جنبها ، وحتى ابوكى كان جنبها ، بس معرفناش نحميها ، الموضوع مش زي ما انتِ فاهمه ، انا كنت هقولك كل حاجه ، بس بعد ما تخلص المهمه ، عشان ميكونش في خطر علي حياتك .
بينما أكمل بحُب وضعف لأول مرة تراه في عينيه وهو يحاول الاقتراب منها مرة أخرى :
ـ انتِ الحاجة الوحيدة اللي حبتها ، لو جرالك حاجه بسبب الناس دي انا مكنتش هسامح نفسي وقتها ، انا روحى تفارقنى لو صابك حاجه وحشه ولو بالغلط ، انا معرفتش احمى تمارا من الناس دي ، بس وعدت نفسي انى هحميكي منهم ، لان انتِ اغلي حاجه في حياتي يا سلا .
بينما أكمل وهو يهتف بغضب ولكنه كانت نبرته هادئة تحمل الأمان بحد ذاته ومازال يقترب منها :
ـ انا عارف اني خبيت عليكي الحقيقة بس صدقيني ، مكنش عندى حل تانى .
نظرت له بنظرات حائرة، قلبها مليء بالتناقضات، كانت تعلم أن المواجهة ضرورية ولكن لم تكن مستعدة للتعاطف مع التبريرات التي قدمها، استجمعت قوتها وقالت بصوت منخفض لكنه حاد :
ـ تمام وانا مصدقاك ، بس انت عندك وقت انك تشرحلي كل ده وتفهمني براحه وبهدوء تمارا اتقتلت ليه ، وايه الأسرار اللي كشفتها ، وتفهمني ازاي إيلا بنت شريف ، وفي نفس الوقت تمارا كانت بتحبك أنت .
تنهد كأنه يصارع نفسه ، ونظر في عينيه وهتف بصوته الهادئ الذي يجعل قلبها كالاحمق يضرب كالطبول بعد ما كل شئ اقترفه بحقها :
ـ انا كنت اعرف تمارا قبل ما شريف يعرفها ، واتعرف عليها على اساس انها الصحفية كانت بتعملى أكتر من مقابلة ، وبالفعل اتعرفوا علي بعض وفضلوا صدقاء ، بس شريف حبها بجد ، كان مهوس فيها ، لكن هى مكنتش بتحبه ، كانت بتحبني انا ، لحد ما صدتها أكتر من مرة ، عشان خاطر شريف ، عشان انا كنت عارف انه بيحبها بس موقفتش ولا استسلمت ، لحد ما اليوم اللي شوفتك فيه اول مره .
ابتسم وهو يتذكر ذلك اليوم وقلبه مازال ينبض بأسمها بجنون :
ـ كنتى زى القمر ، خطفتى قلبي ساعتها ، ومن ساعتها بقيتي هنا وهنا .
ختم جملته وهو يشاور ناحية قلبه وعقله ، فهو منذ ذلك اليوم وهو عشقها بجنون ، لا يستطيع أن يحيي من دونها ، اصبحت هي كيانه وقلبه وعقله وروحه وفؤاده وكل عالمه ، فمنذ رؤيتها لأول مرة ، وهو لا يستطيع أن يبدء يومه بدون رؤيتها ، بينما أكمل وهو ينظر في عينيها :
ـ وفى يوم قولتلها انى بحب بنت وعايزه اتجوز ، هى مصدقتش بس كانت شاكة ، لحد ما في يوم شربت كتير جدا و راحت لشريف وحصل اللي حصل بقي ، وتاني يوم استوعبت هى عملت ايه ، ندمت مع اللي عملته مع شريف ، وقالتله كلام قاسي ، بس هو صبر عليها وحاول أكتر من مرة يراضيها بس فشل ، بعد كده عرفت انها حامل ، وراحت قالت لشريف ، بس شريف عمل تحاليل قبلها وعرف انه مش بيخلف ، ولما واجهه هي مصدقتهوش واقعدت تقنعه انه الطفل ده من شريف ، بس شريف مصدقهاش ، لحد ما يوم .
صمت ولم يعرف كيفيه الحديث ، كأنه هرب الحديث من فمه ، حاول أن يستجمع شجاعته وبدأ في الحديث ببطئ كأنه طفل صغير لا يعرف الحديث ابداً :
ـ لحد ما خدتنى في الفندق و ادتنى عصير فيه منوم ، وفضلت مستنيني اصحى ، ولما صحيت مفتكرتش حاجه ، ساعتها قالتلي فاكر حاجه ولا ، كانت قاصدها انها تشككني في نفسي ، عشاان انا ابقي أبو الطفل ده ، بس في الأخر قفلت على الموضوع ومكررتش انها تفتحه معايا تانى خالص ، وغابت أكتر من سنه مبشوفهوش ، بس هى كانت بطمنى عليها في التليفون ، ولما ماتت معرفش أنها خلفت ولا حتى عندها بنت ، وكنت مشغول مع شريف لأنه دخل في حالة اكتئاب ، مكنتش اعرف انه عندها بنت ، عرفت بس لما شوفت إيلا .
نظرت له بحيرة وهى تهتف بهدوء عكس ملامحها ونظراتها التي ممتلئة بالحيرة :
ـ طيب ازاي شريف عرف انه مش بيخلف وهو بيخلف ، وعرف ازاي انه إيلا بتكون بنته؟؟ .
نظر لها بهدوء ومازال يتحدث بنبرته الهادئة ولكنها ممتلئة بالصدق وقد رأته في عينيه قبل حديثه :
ـ لما شريف عمل حادثة ، عمل فحص شامل لكل حاجه ، عشان لو في ضرر كده ممكن نعالجه دلوقتي بدل متأخر ، وفي الأخر التحاليل دي جتلنا بس مشوفنهاش بسبب انه احنا كنا مشغولين على الآخر ، بسبب موت ملك وانشغلنا انا وهو ازاي نطلعك من السجن وقتها ، ولما طلعتك شريف قرأ التحاليل في نفس اليوم ، وعملنا تحليل DNA لـ شريف و إيلا وطلعت بنته .
وقفت امامه وهى تنظر له بعدم فهم وتهتف بحيرة مثل ملامحها :
ـ طيب ازاي يا بيجاد ، امال مين اللي زور التحليل في البداية ، واللي فهمه انه مش بيخلف .
ـ المجهول الرابع .
قالها «بيجاد» بسرعة ولهفة وهو ينظر لها بصدق ، مما صمتت ولم تتحدث ، هتف هو بهدوء ومازال ينظر له ، داخل عينيها :
ـ مفيش غير اربعه في المافيا انا وشريف وحد تاني احنا عرفينه ومجهول رابع لحد دلوقتي معرفنهوش .
لا يريد التحدث عن الشخص الثالث لأنه يعرف أن «ياسمين» ، ولا يريده أن تعرف الأن ، سوف يقول لها كل شئ ولكن تدريجياً ليس كدفعة واحدة مثل ما أدركت منذ قليل ، نظرت له بحيرة وهتفت بفضول :
ـ طيب وهو هيستفيد بـ ايه المجهول الرابع ده .
عقد حاجبيه بحيرة وهتف لها بنبرته الهادئة :
ـ صدقيني معرفش ، بس اللي اعرفه انه هو بيكره تمارا عشان كده عمل كده .
صمتت وبعد مده كادت أن تتحدث ولكن اوقفها بهدوء ومازال قريب منها :
ـ سلا ، كفاية ، انا معنديش اجابة تانية لأسئلتك ، ده شغلي والشغل ده سر بيني وبين فريق العمل ، مش مسموح ليا انى اتكلم في أسرار الشغل حتى معاكى .
اقتربت منه أكثر وهى تعقد يـ ـدها فوق صـ ـدرها بحزم ، رفعت حاجبيها بمكر وهي تهتف بهدوء :
ـ هتخبي عليا يا بيجاد ، ده أنا مراتك ، ده انت مخبتش حاجه علي شريف هتخبي عليا أنا .
ختمت جملتها واقتربت منه أكثر حتى كادت أن تقبـ ـله ، فهى الأن أدركت نقط ضعفه ، ونقط ضعفه هى ، واقترابه منه ، فهو قد فهم الأن انها تتلاعب به حتى يقول لها تلك الحقيقة بأكملها كالأحمق ، تنهد وهو يبلع بما جوفيه
نظرت له بابتسامة خفيفة، تدرك أنها تمسك الآن بزمام الأمور، كانت تعرف جيدًا تأثيرها عليه، وكيف يمكنها أن تجعله يعترف بما يخفيه، اقتربت منه أكثر، وعيناها تحملان مزيجًا من الثقة والمكر، وهى تضع يـ ـدها على عنـ ـقه من الخلف وهى تهتف بدلال ماكر :
ـ يعنى مُصر تخبى عنى يا روح قلبي .
أغمض عينيه وهو يحاول أن يكون قوى امامها ، هتف بصوته المُتعب :
ـ سلا ارجوكى حاولي تفهميني ، أنا هفهمك كل حاجه بس في الوقت المناسب ، وشريف مشترك معايا في المهمة ، ومن ضمن الفريق العمل ، فـ ارجوكى حاولى تستوعبي حجم الخطر اللي انا فيه .
ابتعدت عنه بعد ما أفاقت ، فهي تثق انه يحبها ، وتثق أيضاً أنه يحاول أن يحميها بشتي الطرق ، ولكنها تريد أن تعرف الأسرار المخفية ، لذلك ليس بيـ ـدها حل غير انها تنتظره ، تنتظر أن يقول كل شئ لها بعد ما يقل الخطر عليهم ، فهى تعرف انه ليس بيـ ـده شئ هو الأخر ، فهو اضطر لفعل ذلك فقط لحمايتها وحماية «إيلا» .
كادت سوف تغادر ولكن هو عانـ ـقها من الخلف ، وضع رأسه في تجويف عنـ ـقها ، لذلك استسلمت وعانـ ـقت يـ ـده التى كانت تحاوط خـ ـصرها بتملك ، خرج رأسه من تجويف عنـ ـقها وهتف بضعف لأول مرة تراه في نبرته :
ـ صدقيني يا سلا انا بعمل كل ده عشان خاطر احميكي انتِ وإيلا ، وصدقيني لما الخطر يقل هقولك ساعتها كل حاجه ، و وعد مش هخبي عليكي اي حاجه .
التفت له بعد ما شعرت من الالم في نبرة صوته ، عانـ ـقت وجهه بيـ ـدها ، ومازال متمسك من خـ ـصرها ، نظرت له بحُب داخل عينيه ، فهى تعرف كم من الضغط عليه أن يكون في كهذا عمل ، وأن يكون كاتم هذه الاسرار فقط لحمايتها لذلك عليها أن تقدره ، وتدعمه حتى لا يضعف لهؤلاء المحتالين ابداً، هتفت بحُب ودعم له :
ـ انا واثقه فيك يا بيجاد ، وعارفه انك هتيجي تحكيلي ، وانا مستنياك يا حبيبي ، بس عشان خاطرى اوعى تستسلم ابدا ، انا دايما معاك .
ختمت جملتها وابتسمت له بحُب ، مما اقترب منها وأخذ شفتيه في جوله مليئة بالحُب والعشق ، وأخذ يعانـ ـق جـ ـسدها بحُب ، فهو متيم بها حد اللعنة ، فهي نقطة ضعفه وقوته ، فهى الوحيدة التى تمتلك قلبه ، التى لم تستطيع أي فتاة أن تملكه غيره ، أخذها فى عالمه التي لم يعرف عنه احد الا هى ، ظلوا غارقين في عالمهم المليء بالحب والعشق والأمان…
❈-❈-❈
في صباح اليوم، كان الجميع يتجهزون لعقد قران "مالك" و"جميلة" ، بناءً على أمر "بيجاد"، جاءت الفتيات للعمل على تزيين المنزل بشكل بسيط ، حيث كانت الأجواء مليئة بالترقب والفرح استعدادًا لهذه المناسبة السعيدة ..
اتجه "مالك" إلى الطابق السفلي ووجدهم يجهزون الزينة لعقد قرانه، تنهد بعمق، غارقًا في التفكير بـ"فريدة"، الألم يعتصره، فهو قلقلً من أجلها، و أيضًا من أجل طفلهما فـ"فريدة" كانت زوجته وحبيبة قلبه، ومن خلالها عاش أجمل أيامه ، لم يكن موافقًا على هذه الزيجة الجديدة، ولم يفهم بعد سبب إصرار "بيجاد" على هذا القرار، بعد قليل، سيجد نفسه يتزوج للمرة الثانية من فتاة لا يكن لها أي مشاعر، فتاة لم يحبها قط، وكل ما يشعر به الآن هو الحزن والأسى ليس إلا .
بينما كان ينظر حوله، لاحظ "بيجاد" يتحدث مع منظم الزينة بحدة، مشيرًا إلى عدم رضاه عن الترتيبات. نظر "مالك" إليه بحيرة، متسائلًا كيف يمكن لأخيه ألا يفكر به، ولا بـ"فريدة" شقيقته. أفعال "بيجاد" كانت دومًا تثير في نفسه تساؤلات. وعندما انتهى "بيجاد" من الحديث، وجد "مالك" يقف أمامه ينظر إليه بحيرة.
ابتسم "بيجاد" ابتسامة مستفزة وهو يهتف بمزاح:
ـ العريس وصل.
ثم ختم حديثه واقترب منه ليعانقه، لكن "مالك" لم يبادل العناق، إذ كانت مشاعره مختلطة بين الحيرة والغضب ، والتساؤلات لم تترك عقله ، واهم سؤال في عقله لما «بيجاد» يفعل هكذا ؟؟ .
خرج من اعنـ ـاقه وهو يبتسم له والابتسامة لم تفارق وجهه كأنه سعيد بهذه الزيجة ، وحين نظر له وجده عابس الوجه ، وكأنه عابس منه تحديداً ، نظر له واقترب منه وهتف بنبرة خافته :
ـ في ايه يا مالك ، مالك؟؟ .
نظر له بضيق بعد ما تنهد حينما جاءت فكره انها سوف يتزوج اليوم علي حبيبه قلبه وأيامه ، اقترب منه وهتف بحده :
ـ أنا لحد دلوقتي مش فاهم حاجه ، ليه خلتني اسمع كلامك و أوافق على الجوازه دي مع انك وأنا عارف أنه جميلة ملمستهاش ، وبرضوا مصمم اني اتجوزها !! .
هتف ببرود و هتف بنبرة هامسة ونظر له بثقه :
ـ ثق فيا يا مالك ، انا مش عايزه غير الثقه فيا وبس ، وعايز منك انك تفهم فريدة انك هتتجوز جميلة بجد .
عقد حاجبيه بحيرة وهتف بشك بنبرة هامسه مثله حتى لا أحد يسمع حديثهم :
ـ افهم فريدة انى هتجوزها ، قصدك انى مش هتجوز جميلة صح ؟؟ .
هز رأسه بدون أن يجيبه مما «مالك» أبتسم ابتسامة واسعة على ثغره ونظر له بثقه وهو يتذكر الليلة الماضية…
Flash Back..
بعد ما انتهت «فريدة» من حديثها خرجت من الغرفة تركتهم وحدهم ، وحينما «فريدة» غادرت اقترب من الباب واغلقه بهدوء خلفه ، واقترب من «مالك» وهو يهتف بهدوء :
ـ اللعبة وسعت مننا ، و جميلة سبقتنا بخطوة ، بس احنا لازم نتصرف .
افاق «مالك» على حديثه وهو يهتف بعد فهم وينظر له بحيره :
ـ قصدك ايه .
اقترب منه «بيجاد» وهو يهتف بنبرة شيطانية ادركها «مالك» جيداً :
ـ أنت لازم تفهم فريدة أنك هتتجوز جميلة ، ولازم الجوازه بكره تتم .
ابتعد عنه «مالك» وهتف بحده وقد خابت كل توقعاته ، فهو كان يظن أن «بيجاد» لم يسمح لهذه الزيجة أن تتم :
ـ أنت بتقول ايه يا بيجاد ، انت عايزنى افهم فريدة ازاي الكلام ده ، انت عارف انى بحب فريدة ، ولا يمكن اعيش مع واحده تانيه ابداً ، وبنسبه لـ جميلة فـ والله ما لمستها .
ابتسم له بتفاخر فهو فخور بصديقه ، عاش عمره بأكمله معه هو وحين أمانه علي شقيقته «فريدة» ، فهو كان واثق حينها انه يسعدها كثيراً ولم يهملها ابداً ، اقترب منه وعـ ـانقه بمحبة وهتف بصوت عميق لم يستطيع «مالك» تفسيره :
ـ مالك ، ثق فيا ، انا مستحيل اعمل اي حاجة تأذيك أو تأذي فريدة ، بس اسمع كلامى ، لازم تفهم فريدة انك هتتجوز جميلة بجد .
End Flash back..
جملته هذه لم يستطيع تفسيرها من الغضب ، ولكن حينما تلاشي الغضب فهم حديثه وفهم جملته ، مما ابتسم أكثر بإتساع على ثغره ، ونظر له بثقه حقيقية ، الأن قد فهم كل شئ…
قطع لحظته السعيدة صوت الخادمة وهي تهتف بنبرة احترام وهى تنظر الى «بيجاد» :
ـ بيجاد بيه المأذون وضيوفك وصلوا ودخلوا لاوضه المكتب .
هز رأسه ونظر لها وهتف بنبرة هادئة :
ـ اطلعى يا زهرة نديلي عمتى من فوق ، قوليلها بيجاد بيقولك يلا عشان كتب الكتاب .
هزت رأسها وسرعان ما غادرت تنفذ حديثه ، نظر له «مالك» وكاد أن يتحدث ولكن «بيجاد» قطعه بحده :
ـ مالك هتفهم كل حاجه لما تدخل اوضة المكتب ، تمام؟؟ .
هز رأسه بدون أن يتحدث ونظر الى الاعلى وجد عمته تتجه الى الأسفل ، وبعد ثوانى دخلوا الى غرفة مكتب «بيجاد» ، وقد بدأ مراسم عقد الكتاب للعروسين…
وحينما وقع العريس علي الأوراق ، اخذت عمه «بيجاد» الأوراق إلى الغرفة المجاورة حتى «جميلة» توقع على هذه الأوراق ، وبالفعل دخلت الى غرفتها وجدتها بالفستان الأبيض الرقيق وتسريحة شعرها التى كانت لائقة على وجهها ، ومساحيق التجميل التي اعطت لوجهها جمالاً ، حين رأت والدتها تدخل الى الغرفة ، أتت راكضة وهى توقع على هذه الأوراق بلهفة ، والابتسامة تزين ثغرها ، فـ اليوم اصبحت زوجة «مالك الأميري» ، حلمها أصبح حقيقة الآن ، حب حياتها أصبح ملكها اليوم ..
وبعد ما انتهت من توقيع الأوراق ، أبتسمت بلهفة وهى تهتف بحماس وتنظر لـ والداتها بسعادة :
ـ يلا يا ماما روحي ودي الأوراق للماذون .
ختمت جملتها و خرجت والدتها من الغرفة وهى تدخل غرفة المكتب التي تم فيها عقد كتب الكتاب .
في نفس التوقيت..
استيقظت «فريدة» من النوم ، وهى تفتح عينيها براحة وبهدوء ، نظرت حولها وجدت انها بالغرفة والغطاء عليها ، مما جلست نصف جلسه بهلع وفزع ، متى غفت من النوم؟؟ ، فهي كادت أن تتحدث مع «بيجاد» بالأمس ولكنها لا تعرف ابداً كيف غفت من النوم؟؟ ، مما وقفت بلهفة وهى تنظر حولها عن حذائها ، فهى تذكرت انها نامت بحذائها ولم يكن في غطاء بجانبها..
لحظه مَن الذي أزال حذائها من قدميها ، ومن الذي دثرها فى الغطاء؟؟ ، يبدو انه شقيقها «بيجاد» فعل ذلك ، لأنها تستبعد «مالك» انه فعل هذا ، لانه لم يعد يهتم بها ، يهتم بتلك الشمطاء ، الخبيثة ، يجب أن توقف تلك الزيجة الأن…
ارتدت حذائها بسرعة ولهفة ، وخرجت من غرفتها تتجه الى الدرج الذي يتجه الى الأسفل ، وحين وصلت ، توقف قلبها عن النبض ، وهي تسمع المأذون يقول بصوت عالى اخترق أذنيها :
ـ بارك الله لهما وبارك عليهما و جمع بينهما في خير .