رواية جديدة قلب نازف بالحب لهاجر التركي - الفصل 28 - 2 - الإثنين 18/11/2024
قراءة رواية قلب نازف بالحب كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية قلب نازف بالحب
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة هاجر التركي
الفصل الثامن والعشرون
2
تم النشر الإثنين
18/11/2024
أستغرقت خطتها الشيطانية، عشرة دقائق في التنفيذ، بعد أن حرصت علي أن تُنجز سريعًا وتستغل وقتًا قبل أن يرحل، بخطوات هادئة رقيقة، خطت للخارج، وجدته قد أنتهي بالفعل، يقف أمام المرآه يرتدي بذلته الرسمية عدا السترة العلوية لم يرتديها بعد، وبدأ بتجفيف خصلاتهِ المُبللة، لاحظَ ظهورها، القي عليها نظرة سريعة، ثم عاد ليصب كامل تركيزه علي ما بيدهِ.... بعد دقائق أنتهي، كانت هي لازالت تقفُ تنتظر اللحظة الحاسمة لتفيذ باقي خطتها الشيطانية......
بعد أن أنتهي تمامًا، التقط قنينة عطره ينثر منها علي ملابسه، تباعته هي بهدوء، كالصياد الذي يتابع فريستُه بترقب وغموض..... كاد يقترب من الهاتف ليحمله ويرحل، لكنها أوقفته حينما نادت بإسمهِ بصوت ناعم رقيق:
_"مُراد....أستني".
لم تتحدث، لم تُعلن عما يدور في ذهنها الممتلئ بالأفكار الشيطانية. لكنها، وبحركة بطيئة، رفعت يدها تضبط خصلة من شعرها تهرب إلى وجهها، وكأنها تتأكد أن كل شيء في مكانه،وبأقل من ثانية خطفت الشال الصغير المزركش من علي الأريكة خلفها،ثم بحركة سريعة وضعته بمكانهِ المضبوط.... خصرها
من ثم، بخطوة صغيرة وثابتة، ابتعدت قليلًا عن موقعهِ القريب منها، تاركة مساحة فارغة بينهما، مساحة كانت تعلم أنها ستملؤها بطريقة لا يمكن تجاهلها.
انطلقت الموسيقى من هاتفها بإيقاع أكثر وضوحًا، وبدأت تتحرك. خطواتها الأولى كانت خجولة، أشبه بجس نبض الأرض تحت قدميها. رفعت ذراعيها بخفة، وبدأت تتمايل بجسدها، كأنها تتحدث بلغة لا يفهمها سوى روحها. كان الفستان الحريري الذي ترتديه يلتصق بجسدها حينًا، ويتحرك بحرية حينًا آخر، كأنه شريك خفي في رقصة تحمل من العذوبة بقدر ما تحمل من التحدي.
نظرات مراد كانت تتابعها بحذر، لكنه لم يقل شيئًا. كان يرها في شكل لم يألفه من قبل. حركة جسدها كانت أشبه بموجات هادئة تقترب منه دون أن تلمسه، تتسلل إلى داخله بلا استئذان.... وكانت جريئة، سلبت روحه
مع كل خطوة، كانت تحرر نفسها أكثر. كأنها تتجرد من كل الحواجز، من الخجل الذي طالما خبأت نفسها خلفه. ذراعاها امتدتا في الهواء كجناحين، دورانها كان خفيفًا، لكنه يحمل قوة غير مرئية. في كل حركة، كانت تكتب قصيدة، ترسم لوحة، تخلق عالمًا خاصًا بها.
"مراد" رغم اعتياده السيطرة على كل شيء، شعر بالعجز لأول مرة. لم يكن يعرف كيف يقرأ هذه اللغة الجديدة التي تتحدثها،صغريته الفاتنة، بعض الخطوات جعلتها تقترب منه. للحظة، كانت المسافة بينهما لا تتجاوز أنفاسًا. نظر إلى وجهها، إلى عينيها اللتين تشعان بشيء بين الشغف والخجل، ثم تحركت مرة أخرى، تبتعد، تدور حوله وكأنها تطوقه بحركاتها.... وتعلم جيدًا أن كل حركة منها تصيب هدفها في مقتل،
كان الزمن يتباطأ، أو ربما يتوقف تمامًا. دقات قلبهِ كانت تتسارع، كأنها تحاول مواكبة الإيقاع الذي تخلقه" رضوى" بحركتها. عقله كان يحاول فهم ما يحدث، لكن قلبه فقط كان يشعر. كان يدرك أنه أمام لحظة لن تتكرر، لحظة تمتزج فيها الجرأة بالعذوبة، والكلمات بالصمت، والمشاعر بالحركة.
وعندما خفتت الموسيقى، توقفت فجأة. وقفت مكانها، تلهث بخفة، ووجنتاها متوردتان بلون يضاهي الشفق. نظرت إليه، عينان مليئتان بالخجل والتحدي في آن واحد. لم تقل شيئًا. فقط انتظرت، كأنها تترك له الخيار للحديث أو الصمت.
لكن "مراد" لم يتحرك. ظل ينظر إليها، مدهوشًا ومأخوذًا، وكأنه لا يصدق أن هذه الفتاة التي تقف أمامه هي نفسها التي عرفها دائمًا. ابتسم بخفة، تلك الابتسامة التي لا تحمل كلمات، لكنها تحمل أعمق معاني الإعجاب والانبهار.....
أقتربت منه بدلال، حتي باتت قريبة منه، عبثت بنعومة بياقة قميصه الأبيض، تقول بعيون ماكرة:
_"لسه عايز تنزل الشُغل ".
أجابته كانت إبتسامة واسعة... تقريباً منصدم، كيف لتلك الصغيرة أن تسيطر عليه لتلك الدرجة، تسلبهُ... تحركه كيفما شاءت، وتتحكم به بأفعالها التي لا شك بأنها ستأخذه إلي دروب الجنون... وللحق هو يعشق الجنون، فقط أن كان معاها هي..... داعبَ أرنبة أنفها بأنفهِ بشقاوة يقول بإستيلام:
_" ده أنا أبقي مجنون أو متخلف رسمي.... والأتنين واحد".
ختمَ جملته ينزع سترة بذلته كـ أشعارًا لإستسلامه التام، بينما هي ضحكت بقوة وغنج، ها قد أنتصرت عليه... قُبلة كبيرة لعقلها الخبيث علي تلك الأفكار التي تأتي بثمارها من أول تجربة......
❈-❈-❈
سندت بظهرها علي الطاولة الرخامية بالمطبخ، بينما والداتها كانت تتحرك بالمطبخ تُعد وجبة العشاء، تأملتها "رانيا" متنهدة، وجهها الآن أصبحَ أكثر هدوءًا وراحة، خصوصًا، بعد أن تحسنت علاقتها بوالداتها هكذا فجأة، بطريقة أستغربتها هي شخصيًا، قبل أسبوع من الآن، وبعد عودة والداتها للمنزل بعد أن أقنعت هي والدها بأن يُعيدها، حيث كان يرفض سابقًا منذ اخر موجة بينهم،ومافعلته وما تسببت لها به من أذي نفسي وجسدي..... عادت والداتها للمنزل بعد الحاح منها هي.....لاحظت هي تعامل والداتها المختلف معاها، بالبداية كان غير ملحوظًا جدًا، لكن بدا يظهر بوضوح من خلال تعاملها معاها، حتي أنها بدأت تشك أنها ليست والداتها، وقد تم تبديلها، لكن للحق كان تغييرًا جيدًا خصوصًا في هذا الوقت تحديدًا بالرغم من أنه تغيير مفاجئ وغريب.......
تقبلت هي هذا التغير ولم تعلق علي شئ يصدر من والداتها مختلف عن معاملتها السابقة، فقط ارادت أن تحظي ببعض الأهتمام منها الذي حُرمت منه لفترات، ارادت أن تشعر أن لها أمًا حقيقية، قولاً وفعلاً، خاصة أنها تمر بفترة مضطربة، أكثر ما تحتاجة هو وقوف والداها ووالداتها بجانبها، لكي تتجاوز محنتها، تعبت هي، وهي تتجاوز بمفردها......
_"تعالي أنتِ يا ماما وأنا هكمل، أنتِ لسه تعبانة!".
أبتسمت لها بينما لازالت تُقلب الطعام، وبعينيها نظرة حنان لطالما أفتقدتها، تقول بهدوء:
_"لا أنا الحمدلله بقيت كويسة... ناوليني أنتِ بس علبة الصلصة من التلاجة".
_"حاضر ".
مدت لها يدها بعُلبة الصلصة، أخذتها منها تمنحها أبتسامة ودودة هادئة، تقول بمرح:
_" تعرفي، حمدي ميحبش يأكل البسلة غير من إيدي... يقولي مكالتش ولا هاكل بسلة زي اللي بتعمليها يا أحلام ".
_" أكلك كله حلو يا ماما، محدش يقدر يقول غير كده ".
أجابتها برفق:
_" وأنتِ كمان نفسك فالطبيخ حلو أوي، طالعة لأُمك... طب ده يا بخته طارق بيكِ هيتجوز طباخة".
ضحكت بمرارة، تقول بهدوء:
_"طارق أي بقا ما خلاص بَحْ".
أغلقت النار عن الطعام من ثم جففت يدها بعد أن شطفتهم، وأقتربت منها تُربت علي كتفها بحنان:
_"هييجي والله هييجي، أسمعي مني، أنا حاسة بكده، أحساسي مُش مُمكن يخيب أبدًا.... وساعتها تقولي ماما قالت، أتقلي أنتِ بس،وبعدين هو هيلاقي قمر زيك فين، بعيدًا بس عن كيلو الدقيق اللي في شعرك ده".
قالت ذالكَ مُشيرة إلي خصلاتها القصيرة المصبوغة صناعيًا باللون الأشقر الفتاح، أكملت تقول بمزاح:
_"بقا بذمتك ده لون؟ الراجل يقول أي شابت بدري... مستعجلة علي الشِيب ليه ".
هنا أطلقت ضحكة عالية صافية من القلب، ياااه، لحظة فريدة، وجديدة بينها، وبين والداتها ياليتها تكون حنونة عليها هكذا طوال العُمر لقد شبعت قسوة منها، ومستعدة أن تنسي كل ما مضي مقابل استمرار تدفق حنانها هذا عليها...
قطعَ ثرثرتهم دخول والداها عليهم المطبخ، وقد لاحظوا صوت جرس الشقة يدق قبل قليل، أقترب" حمدي " من إبنته تحديدًا، وقد بدا وجهه مشرقًا، فرحًا، يقول بحماسة ظهرت بنبرته:
_"أعملي عصير يا رانيا... في ضيوف بره".
_"ضيوف مين يا حاج؟ "
سألت والداتها، لكن"حمدي"تجاهلها كالعادة منذ عودتها وهي تحاول كسب ودهُ وأسترضائة لكنه لم يعطي لها الفرصة، تجاهلها وكأنها غير مرئية، مما جعلها تشعر بالحرج، تحدث مره أخري يوجه حديثه لأبنته فقط:
_"متتأخريش ها، وياريت تغيري لبس المطبخ ده ".
عقدت حاجبيها لا تفهم شيء لكنها اومأت:
_" حاضر يا بابا ".
تركتهم" أحلام"تشعر بالحزن من معاملته لها، نعم لقد أخطأت بحقهم جميعًا وهي معترفة لكنها نادمة وبشدة، ويشهد الله أنها تغيرت، أخذت فترة طويلة في حالة مزرية في بُعدهم، أدركت فيها أنهم هُم الحياة بالنسبة لها، عرفت قيمتهم في حياتها، وأن حياتها من دونهم تُصبح فارغة..... تنهدت "رانيا" بعد خروج والداتها معاتبة والداها تقول:
_"ليه كده يا بابا... ماما أتغيرت بجد والله العظيم، علشان خاطري أديها فرصة تانية ".
_" وقت أمك دلوقتي، بقولك سايب الضيوف بره تقوليلي أمك.... شهلي شويه يبت يلا".