رواية جديدة أرهقته حر با لتوتا محمود - الفصل 17 - 2 - السبت 30/11/2024
رواية أرهقته حربًا الجزء الثاني من رواية عشق بعد وهم كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية أرهقته حر با الجزء الثاني من رواية عشق بعد وهم
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة توتا محمود
الفصل السابع عشر
2
تم النشر بتاريخ السبت
30/11/2024
لكنه لم يتحرك بدلًا من ذلك، اقترب خطوة أخرى، حتى شعرت أنها أصبحت محاصرة بالكامل بينه وبين الرخام البارد ، رفع يده ببطء نحوها، وعندما كادت تُغمض عينيها خشية مما قد يفعله، أمسك بمعصمها برفق الذى كانت تخفى بها السكين خلف ظهرها ، وقال بصوت أخفض مما توقعت :
ــ لو مش مخبية حاجة فعلاً، ليه متوترة كده؟
شعرت بحرارة يده تتسلل إلى بشرتها، وكان ذلك كافيًا ليزيد ارتجافها ، حاولت التملص، لكن قبضته لم تكن قوية بقدر ما كانت حاسمة .
قالت بعناد محاولة التهرب من والتهرب من نظراته :
ــ أنا مش متوترة .
ابتسم ابتسامة جانبية، لكن عينيه لم تبتعدا عن وجهها، وقال بهدوء لكنه مليء بالثقة :
ــ طب وريني السكينة اللي ماسكاها دى .
شعرت أنها انكشفت تمامًا ، لم تكن تعرف هل تكشف الحقيقة أم تستمر في المراوغة، لكن توترها كان قد بلغ ذروته ، ببطء، استسلمت وأخرجت السكين من خلف ظهرها، ووضعتها على الطاولة بجانبه .
نظر إليها «نوح» بتمعن، ثم إلى السكين، وعاد بنظره إليها ، لم يكن غاضبًا كما توقعت، لكنه بدا وكأنه يحاول فهم شيء أعمق.
ــ راندة، صح؟
اتسعت عيناها قليلًا، وابتلعت ريقها بصعوبة ، قالت بعناد واستمرت في المراوغة :
ــ لا طبعا ، أنا معنديش اي مشكلة مع راندة .
قاطعها بنبرة أقل حدة ولكن أكثر جدية وهو ينظر داخل عيناها بحنان ودقة :
ــ انتي عارفة ، أنا شايف كل حاجة في عيونك يا نور.
ارتبكت أكثر، وشعرت بأن مشاعرها باتت تطفو على السطح رغمًا عنها ، حاولت الهروب من الموضوع :
ــ مش مهم، نوح ، الموضوع انتهى .
لكنه لم يتحرك، بل قال بنبرة أكثر هدوءًا :
ــ لو الموضوع مش مهم، ما كنتش هتمسكي سكينة.
صمتت ولم ترد عليه ، فهى تريد أن تهرب بعيد عنه وعن عيناه التى تحاصرها وتجعلها متوترة دائما ، كادت أن تذهب بجانبه ، ولكن توقفت مكانها حين شعرت بعانـ ـقه خلف ظهرها ، فوجئت «نور» بعناقه الذي لم تتوقعه مطلقًا، تجمدت في مكانها، وعيناها اتسعتا بدهشة ممزوجة بارتباك لا تستطيع إخفاءه ، لم يكن الأمر مجرد اقتراب جسـ ـدي، بل كان وكأنه يحتضن ارتباكها، خوفها، وكل النـ ـار التي تحترق بداخلها .
أسند «نوح» ذقنه على كتفها برفق، ثم قال بصوت خافت لكن كلماته اخترقت أعماقها :
ــ بتغيري من راندة صح؟؟
تجمدت «نور» مكانها، وكأن الوقت توقف فجأة ، كلمات «نوح» كانت كالصفعة، مباشرة وواضحة، لا مجال للهروب منها ، شعرت أن الهواء قد انحبس في رئتيها، وأن قلبها ينبض بقوة تكاد تسمع صداها في أذنيها.
لم تستطع التحدث، صمتها كان كافيًا ليؤكد كل شيء ، لكن «نوح» لم يكن ينوي الضغط عليها أكثر، كان عناقه هادئًا، وكأنما أراد أن يمنحها الأمان وسط تلك العاصفة التي تدور بداخلها.
ــ نور، مش لازم تخبي مشاعرك عن نفسك... مش عيب إنك تحسي، العيب إنك تنكريه وتدمري نفسك بسببه .
كان صوته يحمل دفئًا لم تعتد عليه منه، وكلماته جعلت الدموع تتجمع في عينيها رغمًا عنها ، حاولت التملص من بين ذراعيه، لكنها لم تجد القوة الكافية لذلك.
تمتمت أخيرًا بصوت بالكاد يسمع :
ــ المشاعر اللى بتقول عليه دى مش موجودة اصلا .
ابتسم بخفة، لكنه لم يتركها ،قال وهو يخفف من عناقها قليلاً ليتيح لها مساحة للتنفس :
ــ المشاعر مش حاجة بتختاريها يا نور، هي بتيجي لوحدها... لكن اللي بتختاريه هو إزاي تتعاملي معاها.
أبعدت وجهها عنه، تحاول أن تخفي ارتباكها ودموعها التي بدأت تهدد بالسقوط. همست بصوت مرتجف :
ــ أنا مش بغير...
قاطعها بلطف، لكن نبرته لم تفقد قوتها :
ــ لو مش بتغيري ، ليه كنتِ ماسكة السكينة؟ ليه بتتوتري لما تشوفيني معاها؟
لم تجد إجابة ، كل كلمة قالها كانت تضرب عمق الحقيقة التي تحاول إنكارها ، شعرت وكأنها أصبحت مكشوفة تمامًا أمامه، بلا أقنعة ولا أعذار.
كادت أن تتحدث ولكن قاطعهم دخول «وعد» وحين رأتهم هكذا ، التفت واغمضت عينيها وهى تهتف بارتباك وتوتر :
ـ أسفين يا عرسان ، مكنتش اعرف والله انكم فى المطبخ .
ابتعدت «نور» عن «نوح» بخجل و وجهها اشتعل من من الأحراج ، هتفت بأرتباك وتوتر وتنظر لـ «وعد» بنفس نبرتها :
ـ هو اصلا ، مش زي ما انتِ فاهمه ، هو كان بس ، كان….
قطعها ضحكة «نوح» الذى كان بجانبها ، ضحك على طريقة حديثها ، وتوترها اللطيف والمُحب لقلبه ، ضحكة «نوح» زادت من ارتباك «نور»، التي شعرت أن وجنتيها تحترقان ، رفعت يدها إلى وجهها محاولة إخفاء احمرارها، لكنها لم تستطع إيقاف نظرات "وعد" التى التفت لهم وهى تنظر نظرة مليئة بالفضول والتسلية.
قالت «وعد» بابتسامة مرحة :
ــ آه، فهمت، أكيد مش زي ما أنا فاهمة ، بس شكلي جيت في وقت حساس جدًا... أكمل كلامي معاكم بعدين .
غمزت بخفة واستدارت لتغادر المطبخ وهي تضيف :
ــ بس حقيقي أنتم لايقين على بعض جدًا.
شعرت "نور" أن قلبها على وشك أن يقفز من صدرها استدارت بسرعة إلى "نوح" بعد ما غادرت «وعد» من امامهم وقالت بصوت متوتر :
ــ ليه بتضحك كده؟ ، عجبك اهى فهمتنا غلط .. ليه سايبها تفكر بالطريقة دي؟
رد "نوح" بنبرة هادئة، وعيناه تلمعان بالدفء :
ــ وإيه المشكلة؟ هي قالت حاجة غلط؟ ، انتِ مراتى .
تسارعت ضربات قلبها بقوة ، وهى تسمع اخر جملة منه ، فهي تعرف انها زوجـ ـته ، ولكن عندما نطقها «نوح» ، … شعرت بأنها كلمات جديدة تحمل ثقلًا مختلفًا. كيف يمكن أن تكون مجرد جملة بسيطة مثل "أنتِ مراتي" كافية لتحريك كل شيء بداخلها؟ نظرت إلى "نوح" وكأنها تحاول قراءة ما وراء كلماته، لكن عيناه كانتا صادقتين للغاية، مما جعلها تشعر بضعف لم تعهده.
ردت بصوت مرتبك، تحاول أن تبدو واثقة رغم اضطرابها:
ــ يعني... إحنا عارفين إن الجواز... هيفضل على الورق ، وبعد فتره هنطلق .
اقترب "نوح" منها بخطوة، وابتسم ابتسامة خفيفة لكن عينيه ظلت حادة ، قال بصوت أكثر حدة قليلاً :
ــ نور ، مش معنى انه سيبك براحتك ، يبقي هتطلقى منى ، لا ، انا سايبك عشان مش عايز اغصبك على حاجه ، انتي هتفضلي على ذمتى لحد أخر نفس فيا .
بينما أكمل وهو يقترب منها بغضب هذه المرة ، و أنفاسه الساخـ ـنة تلفح وجهها البارد بحدة :
ـ ومش عايز اسمع سيرة طلاق تانى ، وهقولها تانى ، هتفضلي على ذمتى لحد ما اموت .
وبالفعل غادر من أمامها بغضب وتاركها تفكر في افكارها المتضاربة ، توقفت "نور" مكانها، عاجزة عن الحراك، وكأن كلمات "نوح" الأخيرة كانت صاعقة نزلت عليها. كانت تعلم أن الأمور بينهما معقدة، لكن هذه المواجهة فتحت أبوابًا من المشاعر التي ظنت أنها أغلقتها إلى الأبد.
جلست على الكرسي القريب، ووضعت رأسها بين يديها، تحاول تهدئة عقلها الذي أصبح أشبه ببحر هائج. شعرت بأن قلبها ينزف من تناقضات مشاعرها، بين اعتراف «نوح» الحاسم وبين إصرارها على الحفاظ على مسافة عاطفية بينهما.
همست لنفسها بصوت بالكاد يُسمع :
ــ ليه بيعمل كده؟ ليه مصمم يخليني أحس بحاجة مش مستعدة ليها؟؟
لكن رغم إنكارها المستمر، كانت تعرف أن كلماته اخترقت أعماقها، وأنه كان يراها بشكل أوضح مما ترى هي نفسها.
❈-❈-❈
في الخارج، وقف "نوح" في شرفة القصر، يحاول تهدئة نفسه بعد تلك المواجهة ، لم يكن يرغب في أن يغضب عليها، لكنه لم يستطع كتمان مشاعره أكثر ، نظر إلى النجوم المعلقة في السماء وتحدث مع نفسه بهدوء :
ــ ليه عنيدة كده؟ هي فاكرة إنها بتقدر تهرب من اللي جواها... بس أنا شايفه، شايف كل حاجة.
ثم تنهد بعمق، متخذًا قرارًا في داخله بأن يمنحها الوقت والمساحة التي تحتاجها، لكنه لن يتراجع عن قراره.
❈-❈-❈
دخل «أسر» الى القصر ، وهو يغلق باب القصر خلفه ، كانت الأضواء خفيفة كفيلة تضئ الأنوار بشكل خافت ، كاد أن يتجه الى الدرج حتى يتجه الى غرفته التى في الطابق الأول ولكنه توقف حين نظر الى عمه «عادل» ، وهو يجلس على الأريكة ويبدو أنه شارداً في أمر ما ، حتى انه لم ينتبه على وجوده .
مما ابتعد عن الدرج واقترب منه على الأريكة وجد في يـ ـده صورة تجمعه هو و «رحيم» و عمه «عادل» و «نورمان» و «كارما» ، فهم اتخذوا تلك الصورة وهما صغيرين ، ابتسم بحزن وهى يتذكر تلك الأيام ، فـ مازال قلبه يتألم علي فراق صديقه ..
ولكنه كان دائما يدعى بالقوة حتى لا يزعج عمه «عادل» أكثر من اللازم ، وضع يـ ـده اتجه كتفه حتى يجعله يفيق من شروده .
وبالفعل حين وضع يـ ـده على كتفه آفاق عمه ، وهو ينظر له بحيرة :
ـ أسر ، جيت امتى ؟؟ .
أجابه بهدوء وهو يجلس بجانبه ويمسك يـ ـده بوهن :
ـ انا لسه جاي يا حبيبي ، قاعد هنا ليه كده ، وبتعمل ايه .
ابتسم ابتسامة ألم وهو ينظر لصورة ، وهو يهتف بكسرة حقيقية خارجة من قلب أب :
ـ بكلم اولادى يا سيدى .
بينما أكمل وهو يبكى ويشاور اتجه «رحيم» وهو صغير :
ـ صحبك مجاش ليا في الحلم يا أسر ، بقاله كام يوم مش بيجيلي .
بينما أكمل وهو يبكي وينظر له جعله ينفطر قلبه عليه :
ـ هو زعلان منى؟؟؟ .
اقترب منه أكثر ومازال يمسك يـ ـده بوهن ويهتف بحنان :
ـ لا يا حبيبي مش زعلان ، هو بيجيلي في الحلم وبيسلم عليك أوى كمان و موصيني عليك ، وبيقولك انه بيحبك اوى .
نظر لها بلهفة وهو يمسك يـ ـده و مازال يبكى :
ـ بجد ، بجد هو قالك كده ، طب ليه مش بيجيلي في الحلم .
اجابه «أسر» بهدوء وينظر له بحنان :
ـ معلش يا حبيبي ، هو اليوم اللي مش بتشوف فيه الحلم ، بيجيلي أنا ، ولو مجاش ليا ولا ليك ، بيجي لناس تانية .
خف بكاءه وهتف بلهفة وحُب له :
ـ انت عارف لو مكنتش موجود معايا ، كنت هموت ، مكنتش هعيش ابدا من غيركم يا أسر .
اقترب منه وقـ ـبله نحو جبينه بحنان وهو مازال يمسك يـ ـده :
ـ يا حبيبي متقولش كده ، انا دايما جنبك علطول .
ختم جملته و وضع الصورة على الطاولة ، وجعله يقف ، وأسند يـ ـده حتى يستطيع أن يمشي عليهم ، نظر له بحنان وهتف بهدوء غريب عكس بما داخله :
ـ ويلا بقي على النوم يا سيد الناس ، عشان رحيم بيجى فى الحلم للناس اللي بيناموا بدري وبيصحوا بدري ، وانت معاد نومك مش متظبط خالص ، عشان كده رحيم مش بيجيلك .
أبتسم له ابتسامة بشوشة وهتف بحنان :
ـ انا كنت مستنيك ، مش بيجيلى نوم لما تكون بره يا أسر.
اتجه الى الدرج حتى يتجهوا الى غرفتهم التي في الطابق الأول :
ـ كان على عيني يا حبيبي اتأخر عليك ، بس كنت مشغول مع نوح .
توقف عن الخطوات التى يخطيها لدرج ونظر له بجدية :
ـ هو مش نوح ده ، اللى متجوز نور؟؟؟ .
توقف «أسر» حين عمه «عادل» توقف عن الذهاب الى الدرج ، وكان ينظر له عند حديثه ، وعندما انتهى من حديثه ، أغمض عينيه وتنهد تنهيدة مسموعة ، هتف بنفاذ صبر كأنه لا يطيق أسم «نور» بالمره :
ـ اه هو .
نظر له بعينين مشتعلين من نـ ـار الأنتقام من هذه الفتاة ، وشدد يـ ـده على يـ ـد «أسر» :
ـ متنساش يا أسر ، دى هى اللى قتلت رحيم ، وكانت لعنة لـ بيتي ، من ساعة ما دخلت البيت وهى خربته ، انا مش مسامحها لا دنيا ولا أخره .
بينما أكمل وهو ينظر له بجدية :
ـ ويفضل انت كمان متسامحهاش ، وياريت متتجمعش مع البنت دي ، كفاية اللى راحوا يا أسر ، مش عايزه أخسرك يا بنى .
ختم جملته وعانـ ـقه بمحبة ، فـ «أسر» هو أمله فهذه الحياة ، الذي لا يحتمل خسارته ابداً ، و إذا اصابه مكروه ، فهو لا يستطيع العيش من دونه ابداً ..
نظر له باطمئنان وهو يهتف نفس جديته وعينيه تشتعل من نـ ـار الغضب ليس الانتقام مثل عمه «عادل» :
ـ متقلقش يا بابا ، انا مش مسامحها ولا هسامحها ، كفاية انها حرمتنى من اعز صديق على قلبي ، ومش بس صديق ده كان أخ و اعز من الأخ ، فـ متقلقش .
اهز رأسه وذهب باتجاه غرفته وهو يمسك يـ ـد «أسر» ، وقلبه توعد بأن ينتقم لأولاده من هذه الفتاة اللعينة التى دمرت له عائلته .