رواية جديدة حارة الدخاخني مكتملة لأسماء المصري - الفصل 12 - 1 الجمعة 22/11/2024
قراءة رواية حارة الدخاخني كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية حارة الدخاخني
للكاتبة أسماء المصري
قراءة رواية حارة الدخاخني
رواية جديدة قيد النشر
من روايات وقصص
الكاتبة أسماء المصري
الفصل الثاني عشر
1
تم النشر يوم الجمعة
22/11/2024
❈-❈-❈
من قال أن العناق يحتاج القرب..
فأنا أستطيع أن أعانقك بحروفي ولو كنت بآخر الكون..
سلاماً عليك عندما لامست جدار الروح دون لقاء..
من قال أننا لم نلتق..
لقد مد الحنين جسراً من مدينتهم البعيدة إلى قلبي..
فتعانقت أرواحنا شوقاً..
دون أن يشعر بنا أحد.
مد يده ساحبا علبة سجائره ليشعل إحداها وينفث دخانها خارج رئتيه المحترقتين ناظرا من نافذة غرفته المطلة على الصالة المتواضعة لجيران العمر، يستمع ﻷصوات الصخب والزغاريد، يرى حركة نشطة داخل المنزل ويستمع لأصوات الحريم بالداخل منهن المهنئة ومنهن المتعجلة لإنهاء التجهيزات وهو لا يستطيع تمييز سوى صوت والدته التي استمع لها تتضرع بصوتها العالي لانتهاء تلك الليلة على خير.
تنفس بهدوء مصطنع بعد أن رآها أخيراً تمر من غرفتها للصالة فلمح طيفها بهذا الفستان الرقيق الانسيابي والذي عانق جسدها الصغير ليجعله يشبه الملاك ينقصه جناحين فقط ليطير بالسماء.
لاحظ بلمحة سريعة زينتها الرقيقة عندما وقفت تحتضن رفيقتها التي ربتت عليها تهنئها؛ فترقرت عينيه بالعبرات وهو عاجز عن فعل أي شيئ لينقذها من براثن ذلك المريض الذي سيتزوج طفلة بعمر ابنائه.
اختبئ فور أن رفعت هي وجهها ناحية النافذة، ولكنه لم يعلم أنها رأته وانتهى، فأغلقت عينيها تحاول كبت حزنها وألمها بداخلها حتى لا يراه الناس والجميع بالأساس يعلم أنها تتزوج رغما عنها، ولكنها تحاول أن تظهر لهم عكس ذلك فلا حاجة لها لشفقة أو عطف الآخرون.
عادت لغرفتها لتكمل زينتها وانحنت ترتدي حذائها ذو الكعب العالي فجلست على طرف فراشها وانحنت رفيقتها تساعدها على ربطه وهي تنظر لها بأسى وحزن وربتت على فخذها تواسيها؛ فابتسمت ملك بسمة مقتضبة وعبراتها تغزو حدقتيها رغما عنها.
سحبت نفسا عميقا لثبيط عزيمتها وبللت شفتيها بلسانها وهمست بصوت مختنق:
-سبيني لوحدي شوية يا رانيا لو سمحتي.
هزت المعنية رأسها وتركتها مغلقة الباب ورائها فأتاحت لها الفرصة أخيراً للبكاء ولكن حتى البكاء بأريحية لم يكن خيارا متاحا لها حتى لا تفسد زينتها وهو قد قارب على الوصول ليكبلها بعقد قرانهما، وحتى البكاء الصامت دون عبرات لم تهنئ به عندما استمعت لنقرات ضعيفة على نافذتها فوقفت تفتحها لتنظر من بالخارج؛ فتفاجئت بحسن يقف بالشارع ناظرا لها بوهج عاشق كاتما لصوت أنفاسه وظل يحدقها بتلك النظرات وتبادله هي بأخرى حتى انتبهت لنفسها ولحقيقة تواجده بالشارع وكل المارة يرونهما فتنحنحت تسأله بحيرة:
-مالك يا حسن؟ جاي عايز حاجه!؟
رد ونظراته لا زالت ترتكز عليها:
-مش قادر اقبل باللي هيحصل، حاسس نفسي بموت بالبطيئ.
قوست فمها وقبل أن تعترض على حديثه هتف هو زاما نفسه:
-عارف اني غبي واتأخرت أوي عشان ابينلك مشاعري دي بس أنا متأكد منها يا ملك أرجوكي أجلي كل حاجه وانا...
صمت مطرقا رأسه ﻷسفل وكأنه يحاول تجميع شجاعته وعاد متحدثا:
-أنا مش قادر أسيب سهر لإنها ملهاش ذنب في التخبط اللي أنا فيه، بس في نفس الوقت مش قادر اشوفك بترمي نفسك في النار وأقف عاجز، وقفي كل حاجه وأنا هلاقي حل إن شاء الله.
صمتها حثه على استكمال حديثه معها:
-اسمعيني وبلاش تهور وساعديني عشان ألاقي حل بلاش تبقي ضدي.
أغلقت عينيها تعتصرهما بقوة وتجاهد لتظهر قوية فارتفع بطوله واقفا على تلك القطعة الحجرية التي دائما ما تتواجد أسفل نافذتها، ووضع راحته على خاصتها المسندة على الحافة؛ فسرى تيار كهربي بكلاهما ولكنها ابتعدت فورا عن ملمس يده وفتحت عينيها بسرعة ترمقه بنظرة حادة وهتفت بصوت قوي محذر:
-كفايه لحد كده يا حسن، وهقولهالك للمرة المليون بس دي هتكون المرة الأخيرة، لو فاكر اني بتجوز المعلم رشوان عشان أنت اتجوزت سهر تبقى غلطان.
ضغطت على أسنانها بغل وأكملت:
-في الأول موافقتي كانت عشان يوسف وبس، لكن دلوقت أنا فعلا موافقه عليه مش عشان خايفه منه، بالعكس عشان أنا فعلا مبسوطه بكل حاجه بيعملهالي وهيعملهالي، فياريت بقى تبعد عني وتركز في حياتك احسن.
ابتعدت وأغلقت النافذة بوجهه وجلست على فراشها تستجمع قواها التي خارت بعد خسارتها لكل شيئ، حب طفولتها وحياتها وحتى رغبتها بالعيش.
استمعت ﻷصوات السيارات بالحارة ومعها صخب الناس من تهليل وزغاريد وتصفيق فعلمت أنه جاء وأحضر معه من يكتب نهايتها بورقة تسمى عقد قران.
تنفست عالياً وظلت بالداخل تستمع ﻷصوات الجميع والتي أخذت تقترب حتى باتت بداخل المنزل وما كان إلا لصديقتها التي دلفت تخبرها:
-العريس جه بره.
أومأت فجلست بجوارها تحاول إضحاكها مازحة:
-لولا أني عارفه أن ده ابو ورد كنت قولتلك إن عريسك مز ع الآخر.
ضحكت ملك باستسلام على صديقتها التي تابعت:
-أمور أوي والله مع اني شوفته 100 مره قبل كده بس كان بالجلابية ومش عارفه شكله مكانش كده.
رمقتها بنظرة حائرة تسألها:
-ايه اللي اتغير في شكله يعني لما لبس بدله؟
أجابتها وهي تقف أمامها تعدل من فستانها:
-مش عارفه بس شكله مسبسب كده ومحلو بزياده.
اتسعت حدقتيها وهي شاردة بملك تخفي شفتيها بداخل فمها من الخجل:
-أحيه بجد انا شكلي بكراش على ابو صاحبتي، لا وايه وخطيب صاحبتي التانية.
ضحكت عاليا فشاطرتها ملك الضحك وبداخلها تشعر بالحزن والأسى على حالها حتى دلفت والدتها والعبرات متجمعة بداخل حدقتيها تناديها:
-يلا يا بنتي المأذون عايزك.
خرجت مطرقة رأسها تنظر للأرض ولم تر سوى أحذية الحضور فلم تميز أي منهم لمن، حتى وجدت من يقترب منها بحذاء يلمع وتستطيع رؤية وجهها به؛ فعلمت أنه هو فرفعت وجهها ناظرة له ولبسمته الواسعة واستطاعت أثناء تحدثه لها أن تمرر بصرها بالصالة الصغيرة وتعج بالحضور:
-مبروك يا روحي.
ردت بصوت خافت بعد أن لاحظت اختفاء أخيها عن الحضور:
-الله يبارك فيك.
جلست بجواره فأمسك راحتها وظل مبتسما باتساع فاهه والشيخ يتحدث عن تعاليم الزواج وبدأ بتدوين البيانات وناولهما الأوراق ليطبعا بصمتهما بعقد الزواج واستمع للشيخ يخبره:
-طبعا زي ما فهمت حضرتك إننا هنكتبو العقد شرعي وهيتوثق بعد شهرين تكون العروسه تمت 18 سنه إن شاء الله.
هز رأسه موافقا فتجهم وجهها ونظرت لرشوان تستفسر بعدم فهم:
-مش فاهمه ايه الكلام ده؟
أجابها والبسمة تعلو وجهه:
-يعني هنكتبو الكتاب عادي جدا بس هنستلم القسيمة متأخر شويه عشان سنك مش أكتر.
تنهدت موافقة فأمسك راحتها يقبلها أمام جموع الحاضرين بغير اكتراث، ولكنها وقبل أن يضع يده بيد خالها تسائلت:
-وكتب كتاب ورد ويوسف؟
أجابها فورا وبنفس البسمة الواسعة:
-الاسبوع الجاي بعد عيد ميلادها، قسيمتهم هتطلع قبلنا أصلا.
ضحك وكأن ما يتحدث عنه أمرا طبيعيا وهو يضيف:
-ورد أكبر منك بشهرين وهتم 18 سنه الأسبوع الجاي فقولت بدل ما يكتبو معانا نخليها الإسبوع الجاي.
تنفست بعمق وقد لاحظ حزنها فانحنى يهمس لها:
-مش واثقه فيا ولا ايه؟ أنا اديتك كلمتي وكتب كتابهم الإسبوع الجاي.
ردت تحاول إخفاء حزنها:
-هنكون بنمتحن ومحدش هيبقى فاضي، كان مفروض يكتبو معانا زي ما وعدتني.
رد بقوة وحزم:
-خلاص خلينا في نفسنا دلوقت ولما يوسف يرجع هشوف هعمل ايه؟
وبالفعل وضع خالها يده بخاصة رشوان وبدأ الشيخ يردد عليهما حديثه:
-قول ورايا، زوجتك موكلتي.