رواية جديدة أنا لست هي مكتملة لبسمة بدران - الفصل 18 - 1 - الجمعة 15/11/2024
قراءة رواية أنا لست هي كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية أنا لست هي
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة بسمة بدران
الفصل الثامن عشر
1
تم النشر يوم الجمعة
15/11/2024
جلست الحاجة فاطمة بجوار زوجها على الأريكة وسألته بصوت مهموم: "هنعمل إيه يا حاج ربيع؟ الواد مستعجل على الجواز ولسه حاجات كتير ما جبنهاش لندى."
اعتدل الحاج ربيع في جلسته وتطلع إليها قائلاً بهدوء: "ما تقلقيش يا حاجة أنا كنت شايل قرشين على جنب من يوم ما سويت معاشي وكمان اتفقت أنا وفضل إننا هنعمل لها جمعية وهنجيب لها كل الحاجات الناقصة بإذن الله ندى مش هتدخل وهي ناقصها حاجة."
ربّتت الحاجة فاطمة على كف زوجها الذي كان على فخـ ذها وقالت بامتنان: "ربنا ما يحرمنا منك أبداً يا أبو فضل."
منحها ابتسامة جميلة وقال: "ولا منكِ يا ست الكل المهم... مش ملاحظة حاجة كده على فضل؟"
اتسعت ابتسامتها حتى برزت أنيابها وهتفت بمكر: "ودي حاجة تفوتني برضو الظاهر إن السنارة غمزت مع جميلة بنت الحاج حسين النجار، مؤدبة ومتعلمة كده وتليق بالبشمهندس."
قال بابتسامة راضية: "عندك حق والله يا أم فضل. بس ابنك مكتم على الموضوع وعامل فيها غامض كأنه مش عارف إن إحنا قافشينه. أول ما تليفونه يرن يطلع يجري زي المراهقين."
ثبتت الحاجة فاطمة ابتسامتها ثم غمغمت: "أصله بيتكسف. والله دي حاجة تجنّن... البت بجحة وعينها قد كده، والولا هو اللي بيتكسف."
في تلك اللحظة سمعت ندى الحديث وهي تخرج من غرفتها ققالت بمرح: "بقى أنا بجحة برضو يا ماما ربنا يسامحك."
ضحكت الحاجة فاطمة قائلة: "ايوه يا أختي اتمسكني اتمسكني. تعالي يا بت اقعدي جنبي عشان أقولك على حاجة مهمة."
انصاعت ندى لطلب والدتها وجلست في المنتصف بينها وبين والدها قائلة بمرح: "يلا... أشجيني بس الأول أفهم كلام بس ولا كلام وبعد كده الشبشب هيعدي عليا؟"
ضحك والدها وقال بمرح: "لا ما تخافيش يا ندوش كلام بس."
ضمتها والدتها إلى صـ درها قائلة بسعادة: "والله وهيخدك مني ابن أحلام، بس كله يهون عشان خاطر عيونك يا حبيبتي، أنا وأبوك بكرة هننزل نشتري لك كل الحاجات اللي ناقصاك والحاجات اللي هتتبقى هنستناها لغاية ما يقبضوا الجمعية."
قفزت ندى بسعادة وهتفت بابتسامة واسعة: "ربنا ما يحرمنيش منكم أبدًا. خليني أروح أبشر سالم."
شيعتها والدتها بنظراتها حتى أغلقت ندى باب غرفتها من خلفها، ثم استدارت الحاجة فاطمة تجاه زوجها قائلة بحنق: "شفت البت ما صدقت! مش بقولك البت عينها قد كده، والولا بيتكسف؟"
❈-❈-❈
مستلقيًا فوق فـ راشه منذ البارحة ولم يذق طعمًا للنوم. فبعدما توقّف أمام غرفتها عازمًا على التحدث معها استمع إليها تقرأ القرآن بطريقة صحيحة والأغرب من ذلك أنها ترتله كأنها معتادة على ذلك.
وهنا أيقن بأن من بالداخل ليست ابنة عمه بل فتاة غريبة.
توقّف في مكانه يستوعب ما يحدث: "ترى، من تلك الفتاة؟ ولماذا انتحلت شخصية ابنة عمه؟ ومن الذي ساعدها؟"
وهنا تذكر والده وأيقن أن له يدًا فيما يحدث خاصةً وأنه كان يرفض باستماتة في الآونة الأخيرة ارتباطه بسيلا لمعرفته بأن هذه الفتاة ليست هي وإنما غريبة.
لكن السؤال هنا: لماذا فعل والده هذا؟ والسؤال الأهم: أين سيلا؟ هل ما تت؟
شعر بقبضة تعتصر قلبه عندما خطر هذا الظن في باله.
جذب خصلة من شعره بقوة حتى كاد أن يقتلعها وراح يهز رأسه بجنون: "مستحيل! أنا كده هتجنن! لازم بابا يجاوب على الأسئلة دي كلها."
كاد أن يذهب إلى غرفة والده لكنه تراجع عازمًا على التحدث معه في الصباح.
وها هو الآن مستيقظ منتظرًا الحديث الذي يريح صـ دره.
نهض بتكاسل عازمًا على أخذ حمام بارد كي ينعش جـ سده ويستفيق قليلًا وما زال قلبه ينبض بالأسئلة دون توقف.
❈-❈-❈
وفي نفس التوقيت، استيقظ حسن نصار وهو يشعر بخوف شديد. فقد عزم على أن يخبر عائلته بزواجه وأن زوجته تحمل طفلاً في أحشائها لذا كان يشعر بالقلق والتوتر حتى إنه لم ينم جيدًا.
لطالما خاف من تلك اللحظة خشية من رد فعل ابنه وابنته اللذَين كانت والدتهما جزءاً كبيراً من حياتهما ولن يقبلا بأن يأخذ أحدٌ مكانها.
لكن ماذا عساه أن يفعل؟ فزوجته ماجي ليست صغيرة كي تبقى بمفردها والحمل يشكل خطورة عليها بسبب تخطيها سن الأربعين. لا يمكنه أن يكون أنانيًّا معها فهي ضحت بالكثير من أجله، ضحت بأبسط حقوقها وهو إعلان زواجهما.
زفر بقوة ونهض واقفًا عازمًا على بدء روتينه اليومي لكنه سرعان ما ابتسم عندما سمع صوت رنين هاتفه وعلى الفور عرف هوية المتصل. نسي خوفه وتوتره وفكر: "رباه، ماذا فعلتُ كي يجازيني الله بامرأة مثل ماجي تشعر بي حتى وهي بعيدة وكأنها توأم روحي؟"
التقط هاتفه وضغط زر الإيجاب ليأتيه صوتها الرقيق: "بعرف إنك ما نمت منيح صدقني لو ما بدك تخبرهم أنا ما عندي مشكلة المهم إنك تكون منيح."
فقاطعها بحزم: "لأ، يا ماجي كفاية لحد كده هنفضل مخبيين زي الحرامية ليه؟ هو إحنا بنسرق؟ رائف ورانيا ما بقوش صغيرين كل واحد فيهم خلاص هيشوف حياته عشان كده ما ينفعش يكونوا أنانيين. ما تتصوريش مكالمتك دي فرقت معايا قد إيه ربنا ما يحرمني منك أبدًا يا حبيبتي."
أجابته بابتسامة: "ولا يحرمني منك يا حبيبي حاكيني بعد ما تخبرهم ودير بالك على حالك."
ردّد: "لا إله إلا الله.
محمد رسول الله."
قالوها ثم أغلقو الخط
أخذ نفسًا عميقًا ثم تحول خوفه وتوتره إلى ثقة وشجاعة. ماجي تستحق أن تحيا حياة كريمة.
اتجه إلى الحمام كي لا يتأخر عليهم ولا يتركهم ينتظرونه ريثما يأتي.
❈-❈-❈
على باب غرفته وقفت تتأمله بدهشة وهو يهندم ملابسه ويضع عطره النفاذ بغزارة وابتسامة واثقة ترتسم على محياه. وسؤال واحد يدور بداخلها: "ترى ما سبب سر هذه السعادة؟ هل تحدث والدها مع تلك المرأة؟"
وهنا دب الذعر في خلاياها فلو علم والدها الحديث الذي دار بينها وبين المدعوة هيام نصار بالطبع سيغضب منها كثيرًا ولربما قاطعها باقي حياتها
لذا عليها معرفة ما يدور بداخل والدها.
اتجهت نحوه وهي تطلق صفيرًا من فمها: "إيه الجمال ده بس يا سيادة اللوا؟"
استدار إليها يهتف بسعادة: "صباح الفل يا ليو. عجبتك؟"
اومأت له بالموافقة مغمغمة: " تجنن"
ثم قالت: "بس ما قلتليش إيه سر الشياكة دي كلها؟"
دنا منها ثم قرص وجنتها بخفة: "قريب أوي هتعرفي. المهم إنتي هتروحي في حتة؟"
تعلقت بذراعه هاتفة بإصرار: "قل لي دلوقتي رايح فين؟ وهتقابل مين؟ ناوي تخـ وني ولا إيه؟"
قهقه ثم أجابها بإصرار: "قلت لك قريب هتعرفي. بلاش زن عشان أنا مخليها لك مفاجأة."
ثم أضاف: "ودلوقتي تعالي نفطر سوا قبل ما أخرج."
أحاط منكبًها بذراعه دالفا بها للخارج وبداخل كل منهما الكثير والكثير.
هو كان عازمًا على الحديث مع تلك المرأة ومعرفة ما بداخلها ولو بالقوة.
أما هي فقد كانت تشتعل من الخوف والغضب خوفًا من معرفة والدها بالحقيقة، وغضبًا لأن تلك المرأة لها مكانة كبيرة عند والدها.
لكن سرعان ما تلاشى خوفها لأنها أيقنت بأن هيام قد وعدتها بأن الحديث الذي دار بينهما سيظل سرًا ولن تبوح به لأحد مهما كان.
لذا اطمأنت نوعًا ما. ولكن هل يا ترى ستفي هيام بالوعد، أم أنها ستخبر فريد بكل شيء وينقلب السحر على الساحر؟
❈-❈-❈
أمام مرآتها وقفت تدندن بسعادة وهي تضع حجابها بشكل منمق ثم وضعت القليل من مستحضرات التجميل كي تبدو أجمل.
دارت حول نفسها بسعادة وهي تحمد الخالق لأنها تخطت تلك المرحلة السيئة لم تتوقع أن تقنع الجميع بتغييرها وخاصة "رائف" الذي رأت في عينيه علامات الحب بوضوح.
وعلى الرغم من معرفتها الجيدة بأنه يحب "سيلا" وليست هي إلا أنها تعلم علم اليقين بأنه يحب جوهر "ليلى" ومظهرها وليس "سيلا".
لقد أحب التغيير الذي طرأ على "سيلا" وكأنه يحبها هي.
تعلم أن الوضع معقد جدًا لكن يقينها بالله يجعلها تتفاءل والفضل يعود بعد الله لتلك الفتاة التي أحبتها كثيرًا كما أحبت شقيقتها "ندى".
وعلى ذكر "ندى" غامت عينيها بحزن عظيم فقد اشتاقت لها كثيرًا واشتاقت لثرثرتهما معًا.
اشتاقت أيضًا لوالدها وجدتها رغم بغضهما لها لكنها تحبهما كثيرًا فهما عائلتها، أو بالأحرى هما من تبقى من عائلتها.
هرولت إلى الخارج في نفس الوقت الذي خرج فيه "رائف" من غرفته.
تبادلا النظرات طويلًا حتى قطعت هي تواصلهما البصري بعد أن منحته ابتسامة رائعة مغمغمة: "صباح الخير يا رائف."
تأملها بإعجاب صارخ وفي داخله تنشب حرب ضارية
قلبه وعقله يتمنيان أن تكون هذه الفتاة التي أمامه هي "سيلا" ابنة عمه وأنها قد تغيرت فعلاً.
أقسم أنه لو كانت "سيلا" قد تغيرت حقًا لجعلها أسعد امرأة على وجه الأرض وسامحها على كل أخطائها ولظل أسيرًا لها حتى المـ وت.
لكن ماذا لو كانت كاذبة ومخادعة؟
قبض على يديه بقوة حتى ابيضت مفاصله فالصراع الذي يدور بداخله قا تل وممـ يت.
رغبة مُلحة بداخله جعلته يقطع المسافة بينهما ويعـ انقها بقوة حتى كادت ضلوعها أن تنكسر.
تأوهت بخفوت ثم رفعت يدها لتدفعه لكنه همس في أذنها بهدوء: "ما تتحركيش يا سيلا."
لم تعلم لماذا استجابت لطلبه وكأنها كانت تحتاج لذلك العـ ناق أكثر منه.
بقي الاثنان هكذا في أحضـ ان بعضهما وقتًا لا يعرفان مداه.
شعر كل منهما وكأنه يملك الدنيا وما فيها دون أن يدركا أن هذا العنـ اق سيكون وداعًا بينهما.