رواية جديدة مقيدة في بحور عشقه لتوتا محمود - الفصل الأخير - 1 - الجمعة 15/11/2024
قراءة رواية مقيدة في بحور عشقه كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية مقيدة في بحور عشقه
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة توتا محمود
الفصل الأخير
1
تم النشر يوم الجمعة
15/11/2024
وفي نظرتكِ قصَه غرام لاتنتهي
❈-❈-❈
كان يقود سيارته بهدوء، وعلى المقعد المجاور جلس "مالك" بعينين مغلقتين، تعلو ملامحه علامات التعب ، لقد عادوا للتو من سويسرا ، بعد أن وقعوا أوراق الصفقة التي طال انتظارها، وبهذا أنقذوا شركتهم من الضياع ، ثلاثة أشهر كاملة قضاها في العمل المتواصل ، بعيداً عن زوجته وحياته اليومية ، حاملاً هموم الفرع وأزماته التي كانت تزداد يوماً بعد يوم دون أن يعلم بحجمها الحقيقي ، عشرات المشاكل تراكمت ، وما كان منه إلا أن يتعامل معها بحزم وعزيمة ، محاولاً إبقاء الشركة واقفةً على قدميها .
بالرغم من عودته في نفس اليوم ، شعر بنوعٍ من الراحة النفسية لمجرد أنه استطاع أن يكون بجانب زوجته ، فقد كان يسابق الزمن لإنهاء ما يمكنه في سويسرا والعودة بأسرع وقت داخل احـ ـضانها ، لم يكن بإمكانه التخلي عن مسؤولياته ، خصوصاً في فرع الشركة الذي أسسه والده ، والذي يحمل مكانة خاصة في قلبه ، فهو ليس مجرد فرع من فروع الشركة الكثيرة المنتشرة حول العالم، بل يمثل إرث العائلة وتاريخها .
نظر إلى "مالك" بجانبه مرة أخرى، مقدراً جهوده وإصراره خلال الأشهر الماضية ، مالك كان رفيق دربه في هذا التحدي الصعب ، وشريكه في النضال من أجل بقاء الفرع .
ابتسم ابتسامة خفيفة على ثغره وهو يتخيل زوجته تنتظره، استشعر دفء عنـ ـاقها وهو على بعد دقائق قليلة من لقائها، وبالرغم من التعب الذي تراكم عليه من أسابيع العمل المتواصل، شعر أن كل هذا العناء يزول بمجرد فكرة اللقاء.
فقد كان يدرك أنه قصر بحقها كثيراً، ولكنه انشغل بإنقاذ إرثه العائلي .
لكنه كان يعلم في أعماقه أنها تفهم ذلك، وتدرك أن كل ما قام به لم يكن إلا حفاظاً على هذا الإرث العريق.
أراد أن يعتذر لها، لا بالكلمات، بل بحضوره القريب منها، وبكل لحظة يكرسها لها الآن.
تنهّد وهو يتذكر الليالي التي قضتها منتظرةً رسائله، والصباحات التي افتقدت ابتسامته.
لم يكن الأمر سهلاً عليه، ولا عليها، ولكنه كان يعلم أن حبها هو القوة التي دفعته للاستمرار ، فهي ليست فقط زوجته، بل رفيقته في مسيرة الحياة، السند الذي يحتمل غيابه وصمته، ويمنحه القوة ليستمر .
توقفت سيارته فجأة بدون إنذار ، وهو لم يفهم ما الذي أصابها الأن ؟؟ ، مما فتح عينيه «مالك» بعد ما شعر بتوقف السيارة ، نظر الى «بيجاد» بحيرة وهمس بنبرة متعبة :
ـ في ايه مالها العربيه وقفت لوحدها كده ليه .
نظر له بحيره هو الأخر وهتف بهدوء وتفكير عميق :
ـ مش عارف مالها ، لسه هنشوف .
ترجّل «بيجاد» من السيارة، يشعر بالضيق من التوقف المفاجئ الذي عطّل لحظة راحته التي كان يتوق إليها. اقترب من مقدمة السيارة محاولاً التحقق مما جرى، في حين خرج «مالك» بدوره بعد أن استجمع بعضاً من طاقته.
انحنى «بيجاد» قليلاً ورفع الغطاء الأمامي للسيارة، محاولاً تتبع السبب الذي جعلها تتوقف فجأة، لكنه لم يستطع تحديد الخلل بنظرة سريعة.
وقف «مالك» بجانبه، وقد ارتسمت علامات القلق على وجهه وقال بلهجة مطمئنة ولكن متعبة :
ـ يمكن مفيهاش بنزين ، لان طارق لسه مصالحها من قريب
رفع «بيجاد» حاجبيه مستغربًا وهو يقول :
ـ معقول مفيهاش بنزين؟! أنا متأكد إني مليتها قبل ما نطلع على الطيارة .
أغلق الغطاء الأمامي وتنهد، ثم استدار نحو "مالك" وقال بابتسامة ساخرة :
ـ حتى العربية قررت تعاندنا النهاردة .
أخرج هاتفه ليتصل بخدمة الطوارئ، لكن الإشارة كانت ضعيفة في هذه المنطقة البعيدة عن المدينة ، حاول مرة أخرى، لكن دون جدوى ، نظر إلى «مالك» وقال بأسف:
ـ الشبكة ضعيفة هنا، مش هنقدر نكلم حد.
تنهد "مالك" ونظر حوله محاولاً استيعاب الوضع، ثم قال بنبرة متفائلة بعض الشيء :
ـ طب ما تيجي نمشي شوية، يمكن نلاقي حد يساعدنا .
تردد «بيجاد» للحظة، فقد كان متلهفًا للعودة لزوجته، ولكنه كان يعلم أنه لا خيار آخر أمامهم ، قرر أن يسير معه، آملاً أن يجدوا مساعدة قريبة .
بدأ الاثنان في السير على الطريق الترابي المحاذي للشارع، وكان الصمت يخيّم عليهما، إلى أن كسره «مالك» وهو يقول بنبرة دافئة :
ـ تعرف أنه فريدة وحشتنى جداً .
توقّف«بيجاد» لثانية، ينظر إلى «مالك» بابتسامة خفيفة، وقال:
ـ وأنا برضو ، يمكن أكتر حاجة كنت مفكر فيها طول الرحلة دي، هي لحظة رجوعي لبيتي ولـ... عيونها.
ابتسم «مالك» وهو يشعر بأن الحديث أخذ منحى أرقّ، وكأنه نافذة يتنفسون منها وسط كل ضغوط العمل. ردّ بابتسامة دافئة :
ـ اه، في الآخر، كل التعب بيروح بمجرد ما نرجع للي بنحبهم.
أومأ "بيجاد" موافقاً، ثم أردف:
ـ أحلى حاجة فيهم إنهم عارفين إن شغلنا ده مش عناد، بل حماية للي ورثناه من أهلنا ، بس مهما طال البُعد، يبقوا هم السند اللي بيستحمل غيابنا.
تنهّد "مالك" وتابع بنبرة من التفكر:
ـ صحيح، فريدة دايمًا بتفهمني، حتى وأنا بعيد عنها... وده بيخليني أقدّرها أكتر وأكتر.
استمر الاثنان بالسير بين الصمت و الكلمات ، وكأنهما يعيدون ترتيب أولوياتهم أمام هذه المحنة البسيطة ، بالنسبة لهما، كل خطوة تقرّبهم من العودة ليست مجرد مشي في طريق، بل هي خطوة نحو حياة تنتظرهما بشوق وأمل .
ثم فجأة، لاحت في الأفق أضواء سيارة قديمة تتجه نحوهما على الطريق الترابي ، وقف «بيجاد» و«مالك» بإشارة خفيفة طلبًا للمساعدة.
توقفت السيارة بجانبهم، وخرج منها رجل مسن بوجهٍ يحمل علامات الطيبة، وسألهم بلهجة ودودة :
ـ في مشكلة يا ولاد؟ تحتاجوا مساعدة؟
ابتسم «بيجاد» ممتنًّا وقال
:
ـ آه، العربية عطلت بينا فجأة، والشبكة ضعيفة هنا، لو تقدر توصلنا لأقرب مكان في شبكة نقدر نطلب فيه مساعدة.
أومأ الرجل وفتح لهما الأبواب بترحاب قائلاً:
ـ طبعًا، اركبوا، أوصلكم للمكان اللي تحتاجوه.
وهكذا، ووسط بساطة الموقف ودفء المساعدة التي أتتهم بشكل غير متوقع، شعر «بيجاد» أن الحياة دائمًا ما تضع في طريقهم لفتاتٍ صغيرة تُعيد التوازن، وتفتح لهم طرق العودة إلى منازلهم وأحبائهم، حيث تكمن قصص الغرام التي لا تنتهي بعد..
وبعد قليل وصلوا الى مكان يوجد فيه تغطية ، وبالفعل خرج «بيجاد» حتى يتصل على رئيس الحرس ولكنه وجد مغلق ، اتصل علي حارس آخر يوجد في بيته لم يرد ، مما أصابه القلق ، اتصل على زوجته «سلا» لم ترد ، اتصل بها مرة ثانية وثالثة وعاشرة ولم ترد أيضاً ، مما نبض قلبه بخوف على حبيبة قلبه ، كاد أن يتصل على شقيقته ولكن قاطعه «مالك» وهو يهتف بلهفة :
ـ بيجاد اتصل على سلا كده ، انا بتصل على فريدة ومش بترد ودى اول مره تعملها ، فـ أتصل على سلا خليها تطمنى على فريدة .
أصابت كلمات «مالك» قلب «بيجاد» بقلق مضاعف، شعر وكأن كل خلية في جسده تستنفر للحظة متوترة، ولم يعد يستطيع السيطرة على خوفه المتصاعد .
أعاد الاتصال بزوجته «سلا»، لكن الهاتف ظل بلا استجابة ، ردد بصوت منخفض وكأنما يحدث نفسه :
ـ مش ممكن… سلا دايمًا بترد، مهما كانت مشغولة.
كان الخوف يتسلل إلى أعماق «بيجاد» وكأن شيئًا ما يُحذره من حدث غير متوقع ، أخذ نفسًا عميقًا ، محاولًا الحفاظ على هدوئه، ولكنه لم يستطع ، عاد الاتصال ، لكن دون جدوى ، نظر إلى «مالك» بتوتر وقال:
ـ سلا مش بترد، وأنا قلبي مش مرتاح، حسّيت من شوية إن في حاجة غلط فعلاً .
نظر الى «بيجاد» بهدوء مصطنع ، فـ بداخله يصرخ من الخوف على زوجته ، ولكنه يحاول أن يبدو قوياً حتى يخرجوا من هذا المازق .
اقترب من الراجل الطيب الذى وصلهم والذى كان يتابع قلقهم ، هتف بنبرة هادئة ولكنه وجهه ليس هادئا ابدا بل كان يصرخ من الخوف :
ـ معلش يا راجل يا طيب تعبناك ، بس احنا دلوقتى عايزين نوصل لمكان معين ، عشان…
قاطعه الراجل الطيب بنبرة هادئة وبشوشة :
ـ اركبوا يا بنى و انا اوصلكم زي ما انتوا عايزين وربنا يطمنكم عليهم ، اركبوا يلا بسرعة وقولولى المكان ده فين بالظبط
ركب «بيجاد» و«مالك» السيارة مرة أخرى، يشكران الرجل الطيب على استجابته السريعة وطيبته. بدا التوتر واضحاً على ملامحهما، ورغم أن الرجل كان غريبًا، إلا أنه استطاع أن يستشعر القلق العميق الذي يلفهما، وقرر مساعدتهما دون تردد.
أخذ "بيجاد" نفسًا عميقًا، محاولاً السيطرة على أفكاره التي تتداخل، ثم نظر إلى الرجل الطيب وقال بصوت هادئ ولكنه مليء بالتوتر:
ـ عايزين نوصل للحي اللي ساكنين فيه بأسرع وقت، بيتنا مش بعيد، بس… التغطية ضعيفة هنا وقلقانين لأنهم مش بيردوا.
أومأ الرجل بتفهم، وزاد من سرعة السيارة دون تردد، وقال مطمئنًا :
ـ ولا يهمكم، يا ولدي، ربنا يسهل الطريق ويوصلنا بسرعة، وكل حاجة هتبقى بخير إن شاء الله .
ظل «مالك» و«بيجاد» يتبادلان نظرات مليئة بالقلق، وكأن كلاً منهما يحاول طمأنة الآخر، رغم أن الخوف في أعماقهم كان يزداد مع كل دقيقة تمرّ .
أعاد «بيجاد» محاولة الاتصال مرة أخرى بزوجته، وأحيانًا كان ينظر إلى «مالك» متأملاً، وكأنه ينتظر منه أن يجد تفسيراً مطمئنًا لهذه الصدفة العجيبة التي جعلتهم يعجزون عن التواصل مع من يحبون في ذات الوقت.
حاول «مالك» كسر صمت التوتر وقال بصوت مفعم بالأمل :
ـ يمكن يكونوا نايمين، أو يمكن التغطية ضعيفة في البيت برضو ، أكيد هي حاجات بسيطة ومفيش داعي للقلق الكبير ده .
ابتسم «بيجاد» ابتسامة ضعيفة وردّ :
ـ إن شاء الله، يا مالك… بس قلبي مش مرتاح، وأتمنى أكون غلطان .
ختم حديثه وهو ينظر الى الشباك ، فـ الطريق مازال طويل عليهم ، اللعنة ، كيف يتصرف الأن ، الحراس لم يردوا عليه و أيضا زوجته وشقيقته ، وعمته لا يريد الأتصال بها حتى لا يقلقها ، فهى ليست في البيت لا هى ولا «إيلا» ، فهى أخذت «إيلا» الى بيت المزرعه يقضون ثلاث أيام ويعودوا مرة أخرى ، فـ «صباح» فكرت في هذه الفكرة حتى تقترب من «إيلا» ، وتعتذر لها عن كل ما فعلته بحقها .
ولذلك رحب بالفكرة بكل سعادة ، لأن ذلك يجعلهم يقتربوا من بعضهم البعض .
والأن هو يفكر يريد أن يتصل الى أحد حتى يجعله يذهب الى البيت ويطمئنه قليلاً من كل ذلك القلق الذى يحاوط قلبه وعقله معاً .
والذى جاء أول شخص بعقله هو «شريف» لذلك امسك هاتفه مرة أخرى واتصل على «شريف» ، ولكنه لم يستجيب مما قلبه صرخ بجنون ، واتصل عليه مرة أخرى وهو يتمنى أن يرد عليه ، وبالفعل كأنه سمع نداءه ورد عليه بنبرته النائمه كأنه استيقظ للتو :
ـ الو يا بيجاد .