رواية جديدة قلب نازف بالحب لهاجر التركي - الفصل الأخير - 2 - الأحد 24/11/2024
قراءة رواية قلب نازف بالحب كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية قلب نازف بالحب
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة هاجر التركي
الفصل الأخير
2
تم النشر الأحد
24/11/2024
وجه كان شاحبًا، شفتاه ترتجفان، بينما يحاول التنفس بعمق لكنه عاجز عن تحرير نفسه من قبضة الحبل القوي، دماء وجهه كانت تبدو متجمدة في مكانها، هتفَ يقول بنبرة خرجت جافة:
_"أنتَ رابطني كده ليه فُك البتاع ده... ".
أجابه بنفس البرود يقول بنوعًا من التسلي بمظهره المذعور:
_" بنلعب شويه مع بعض يا حبيب عمو، فاكر لما كُنت بلعب معاك زمان؟ ".
أبعدَ نظره عنه، وسكن بجسده مستسلمًا ولم يحاول التحرك او فك نفسه،" مُراد "من الجهة الأخري كان جالسًا بهدوء بمكانه علي الكرسي المقابل، يراقب الوضع بصمت لكنه لم يكن مجرد مراقب، كانت نظراته ثقيلة، لم يكن هناك شيء يشبه الرحمة في تعبيره، بل شعور بالسيطرة التي تتسلل إلي ملامحه مع كل لحظة تمر..
_" شُوف يا نادر يا حبيبي أنا عايزك تستريح خالص عالآخر علشان شكل قعدتنا مطولة ".
نظر له بعيون تلمع غضبًا يسأله:
_" أنتَ عايز أي".
_"تؤتؤ كده عيب، حد يقول لعمه أنتَ، البتاع اللي أنت بتشربه شكله أثر علي دماغك، وخلاك تنسي نفسك..... بس هقولك أنا عايز أي.... ليا سؤال بسيط كده أجابته عندك جاي أخده وأمشي".
أنكمشَ في مقعدهِ يقول بترقب:
_"سؤال أي؟ ".
_" لما جيت تتفق مع نانسي عليا، علي عمك... محستش بأي تأنيب ضمير، محستش بـ قد أي أنت وحش من جواك".
من اللحظة الأولي التي راه بها وهو هنا، فهمَ فورًا أنه خطته كُشفت، إما من الغبية"نانسي"أو أي مصدر أخر، عرف أنه الآن عاريًا أمامه، كل شئ أصبح علي المكشوف، لويَ ثُغره بإستهزاء يرد عليه بنفس ذات النبرة الباردة:
_"وأنتَ محستش بأي تأنيب ضمير لما خدت رضوي مني".
_"أنتَ عبيط صح؟ رضوي أي اللي خدتها منك.... شُوف أنا همشي معاك واحدة واحدة، وتعال نرجع بالزمن لورا، لكام شهر فاتوا، أنسي خالص أن رضوي مراتي، هنبدأ من الأول خالص، مش رضوي دي البنت اللي جات أتربت وسطنا، أُمها آمنت عليها وسطنا، وكانت معتبرانا عيلتها، وكانت دايمًا بتقولك رضوي في حمايتك يا نادر هي زي ولاد عمك، أنت أحميها.... ".
صمت قليلاً، ثم تابع:
_" وأنتَ عملت أي، خُنت الأمانة دي، وعملت عملة زبالة أترتب عليها بلاوي كتير وخلعت وسيبت الدنيا تضرب تقلب ولا همك... كُل اللي همك إنك تكسرها علشان رفضتك يا نادر، تعرف أنت لو كنت جيت قولتلي يا عمي أنا بحب رضوي وعايز أتجوزها، أنا كنت هعرف أقنعها وأخليك تتجوزها والأمور كانت هتمشي تمام... بس لا أنتَ جواك عرق زبالة مش عارف جايبه منين، لا وجاي دلوقتي تقولي أنا خدتها منك".
لم يقدر علي التفوه بحرفٍ واحد، كلمات "مُراد" نزلت عليه كسيلٍ من المطارق فوق رأسه، أكمل يصيح بهِ بعصبية:
_" تعرف بالرغم من كل القرف اللي أنت عملته، بس مقدرتش أخدلها حقها منك مع أني وعدتها بكده، مقدرتش آذيك، نادر اللي أنا مربيه من وهو عيل مجاليش قلب آذيه مع أنك تستاهل، سيبتك كل الفترة دي وأنا مش لاقي طريقة أخذ حقها منك وفي نفس الوقت مآذكش، شُوفت أنا قد أي قلبي عليك... كنت براقبك من بعيد عارف كل تحركاتك، بتعمل أي وبتشوف مين، وبتروح فين... وعلى فكرة كنت عارف برضو إنك بتشرب مخدرات، وسكتت، وأنا شايفك بتدمر نفسك بنفسك كل يوم عن اليوم اللي قبله ، وبالنسبة ليا ده كان عقابك يا نادر....".
لمعت عينيه بطبقة شفافة من الدموع حينَ تذكر ما فعلوه بطفله الذي لم يولد، قال بنبرة أهتزت قليلاً بسبب تأثره:
_"يوصل بيك الجحود إنك تموت طفل متولدش أصلا، لا ومين أبن عمك؟، عمك اللي أعتبرك أبنه، من صغرك وهو معاك مربيك وبيعاملك كأنك صاحبه، معقول مطمرش فيك أي حاجة عملتهالك.... بس تعرف أنا خلاص أستعوضت ربنا فتعبي اللي راح فالهوا، ومش عايز منك حاجة لأن برضو للأسف مع كل اللي عملته وقلبي مش جايبني آذيك....".
قطعَ الصمت، ارتفاع رنين جرس الشقة، لفَ "مراد" رأسه للباب، ثم عاود النظر لـ "نادر"، يقول:
_" أظاهر أن ضيوفي جُوم تسمحلي أستقبل ضيوفي في شقتك شويه، مش هيطولوا هيخدوك بس وهيمشوا بسرعه ".
توجست ملامح الأخر برعب، ينطق بخوف:
_" هُما مين دول اللي ياخدوني؟ "...
الهدوء في الشقة تمزق فجأة على صوت خطوات ثقيلة تدخل الشقة، ظهروا عند العتبة، مجموعة من الأطباء بلباسهم الأبيض الناصع، وكأنهم قطعوا من عالم مختلف تمامًا عن هذا الخراب. كانوا كالأشباح، أطيافًا من النظام والنظافة، يحملون معهم رائحة المطهرات التي طغت على الرائحة الخانقة للحشيش والبيرة.
وجوههم كانت جامدة، لا تعكس أي عاطفة، عيونهم مسلطة على نادر وكأنهم يدرسون حالته قبل أي كلمة تُقال. بعضهم كان يمسك ملفات تحمل ملاحظات، بينما آخرون ارتدوا قفازات بلاستيكية كأنهم يستعدون لمس جثة، لا إنقاذ إنسان. حركاتهم كانت محسوبة، سريعة، بلا أي تردد، بينما استقاموا جميعًا كخط متماسك خلف كبيرهم الذي تحدث بصوت ثابت لكنه ممتلئ بالجدية:
"هو ده يا مُراد بيه؟".
أومأ لهم بنعم بصمت، كـ أشارة لهم علي أداء عملهم علي أكمل وجه
" نادر" الذي كان يترنح وسط الفوضى حوله، بدا وكأنه غريق يرى قاربه الأخير. عيناه محمرتان، وملابسه غير مرتبة، حاول أن يتراجع للخلف، لكن قدميه لم تستطيعا حمله بعيدً،وخاصةً أنه مُكبل أحد الأطباء أشار إلى زميله، وتقدم اثنان منهما بخطوات مدروسة، وبدأوا يقتربون من نادر، كأنهم صيادون يحاصرون فريستهم.
اللحظة كانت مشحونة، الهواء نفسه بدا وكأنه ينتظر الصراع الذي لم يحدث. حين أمسكوا به، لم يقاوم فكُ الحبل عنه،أستسلم لهم ؛ فقط سقط كأنه خرقة بالية، وترك جسده ينساق بينهم وهم يأخذونه نحو مصيره، تاركين وراءهم صدى خطواتهم يتردد في الشقة التي عادت إلى صمتها الموحش........
❈-❈-❈
وقفت"مديحة" في منتصف الغرفة، تتعلق أنفاسها بين صدرها وكأنها تتأرجح على حافة انهيار عاصف. عيناها اتسعتا في ذهول أشبه بالصدمة الأولى للمصاب، قبل أن تتخلى عن رباطة جأشها، وتهوي إلى أقرب كرسي بجسد متهاوٍ كأنما انهارت أعمدته دفعة واحدة...
رفعت كفيها المرتجفين إلى وجهها، وكأنها تحاول أن تختبئ من الحقيقة المرة. دمعاتها، التي بدأت كأنها تهديد صامت، تحولت سريعًا إلى فيض جارف، انهمرت بغزارة كأنها تعتذر للقدر عن غفلتها أو ربما تناجي" نادر "الغائب عن حضنها.
اقتربت "سهام" منها بخطوات مترددة، ثم جلست بجانبها، تضيق عيناها ألمًا وهي ترى المرأة التي طالما كانت رمز القوة تنكسر بهذا الشكل. مدت يديها برفق، وضمتها إلى صدرها كما تحتضن أمًا أصغر بسنوات كثيرة. راحت تمسح على ظهرها بحركات دائرية، وكأنها تحاول أن تنتشلها من بحر الألم الذي غرقت فيه:
"أهدي شوية... أكيد هيتعالج وهيرجع زي الأول أن شاءلله، ده أختبار من ربنا، وأنت صبورة يا مديحة طول عمرك".
صوت "سهام" خرج مرتعشًا، تحاول أن تُقنع نفسها قبل أن تُقنع الأخرى..كن"مديحة" لم تتوقف، اختنقت الكلمات بين شهقاتها ودموعها. رفعت رأسها لتواجه" سهام "بنظرة لم تخلُ من رجاء ممزوج باليأس، قائلة بصوت متهدج:
_ "أنا قصرت... أنا أم إزاي ومشفتش ولا لاحظت ده عليه ؟ ازاي مخدتش بالي، ازاي سيبته يغرق كده".
حاولت تهدئتها وهي تضغط على يديها المثلجتين كأنها تنقل إليها بعضًا من دفء الطمأنينة:
_"أنتِ عملتِ اللي تقدري عليه وزيادة يا مديحة ربتيهم وتعبتي في تربيتهم، بس ده نصيبه... هُما أصحاب السوء اللي سحبوه"
ظلت تبكي بحرقة، رأسها مائل على كتف" سهام" وكأنها تبحث عن ملاذ يخفف عنها الحمل الثقيل الذي هبط على روحها فجأة. كان بكاؤها يحمل مزيجًا من الحزن والندم، وصوت نحيبها يُسمع كآهات مكتومة تروي حكاية قلب ممزق بين الحب والعجز، بين الغضب والخوف.... ومن الجهة الأخري أحتضنتها أبنتها "ليلي"قائلة من بين بُكاءها:
_" وحياتي عندك ياماما كفاية عياط... قلبك مش هيستحمل. ".
دخلَ عليهم" مُراد " متنهدًا، ما أن رأته "مديحة" حتى نهضت سريعًا تتوجه نحوه تقول بترجي:
_"مُراد أبوس إيدك عايزة أشوف أبني أطمن عليه.... وديني عنده بأي طريقة ".
_" حاضر والله أهدي أنتِ بس... لسه محتاجين وقت علشان يبقي فيه زيارة ".
انهارت باكية أكثر، وأنضمت اليهم" سهام"التي بالرغم من أنها غاضبة منه بسبب ما فعله بإبنتها، إلا أن قلبها الرقيق لم يحتمل وبكت، تحدث "مُراد" يسأل والدة زوجتهُ عن "رضوي" حيث بحث عنها بكامل المنزل ولم يجدها، توترت"سهام "، قبل أن تقول:
_" رضوي سافرت النهارده الصبح عند بابها".
_"نعم.. ده ازاي أن شاءلله، وازاي تعمل كده من غير علمي، هي أتجننت ولا أي، مش هنخلص من شغل العيال ده؟! ".