-->

رواية جديدة قلب نازف بالحب لهاجر التركي - الفصل 26 - 1 - الخميس 14/11/2024

 

قراءة رواية قلب نازف بالحب كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى




رواية قلب نازف بالحب

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة هاجر التركي


الفصل السادس والعشرون

1

تم النشر الخميس

14/11/2024


النوم، دعنًا نتحدثُ عن النومِ من وجهة نظر الكسولة خاصتنا، يُختصر النومِ عِندها بأنها ملاذ الفرار من كل الأعباء والمتاعب، للأحتماء بفراشكَ الوثير ذو الرائحة الجميلة.... وبعد هذه القصيدة الشَاعرية في النوم، ستكون فكرة أيقاظها الآن أسوء فكرة علي مر العصور...، والأسوء من ذالكَ أن تكون نائمة بينَ أحضانُ ملاذها نفسه لا ليسَ السرير يا سادة، لقد تنازلت ومنحت هذا اللقب لأحدٍ آخر غير سريرها الحبيب...... هي بينَ أحضان "مُراد" النائم بجوارها، لا ليسَ بجوارها، هي بأحضانهِ تحديدًا، تتوسط صدرهِ بينما يداهُ تلتفُ حول خصرها النحيل تجذبها لهُ أكثر، كانت تشعرُ بأنفاسهِ علي بشرة رقبتها، مما جعل شعور لذيذ يتدفقُ لأوردتها، شعور باللذة والأمتنان...... 


هي مُقتنعة تمامًا بأن الصباحُ وقتٍ لا يلصحُ لمُمارسةُ الحياة، ولا شكَ بأنَ زقزقة العصافير التي  يتحدثون عنها بالروايات فور حلول الصباح، هي بالأساس شتائم ضد الأنسان وضد البشرية أجمع..... لكن لا شكَ أيضًا أن غيرت من تلكَ الفكرة قليلاً، الأمرُ ليسَ سيئًا كما كانت تتوقع، فالأستيقاظ علي هذا الوجهُ يبدو لطيفًا للغاية، رفرفرت بأهدابها مرات مُتتالية قبل أن تفتحَ عيناها لتكشف عن الحقول الخضراء الكامنة بعينيها،لتصتدمُ بأجمل مشهد سيمرُ عليها، عيناهُ الرمادية مُصوبة ناحيتها، يلتهمُ ملامحها، ولكن تلكَ المرةُ مختلفة تمامًا هناك لمعة رائعة، لمعة حُب وشغف..... 


أنفرجت شفتيها بإبتسامة صغيرة، كأفتتاحية لليوم، داعبَ أرنبة أنفها بطرفِ أصبعهُ يقول بعبثٍ: 


_"كُل ده نوم؟ بقالي كتير مستنيكِ تصحي". 


أجابتهُ بغباء دون تفكير، ودونَ أحترام للحظة الرومانسية التي تحدث الآن، ولكون الرجل يسبلُ لها بعيناه وكان هناك غزلاً أتٍ بالطريق لكنها بترتهُ: 


_"ليه؟ ". 


غبية فليصفعها أحدكم من فضلكم، مستوى الغباء أصبحَ عاليًا، عضت علي شفتيها السُفلية بنوعٍ من الخجل لردها الغبي، ولحسنِ حظها أن الراجل لم يصتدم بذاكَ الجدار المكون من كلمة غبية منها، فـ أستكملَ تسبيلهُ لها، بل وذاد الأمرُ سوءً عندما فلتت عيناهُ إلي الأسفل تحديدًا رقبتها.... قائلاً بشقاوة وعبثٍ: 


_" لا أبدًا، أصل في شوية حاجات كده متبقية من أمبارح كنت عايز أكملهم... مش بحب أسيب بواقي ورايا ". 


ماذا، من أشعلَ النار بجوارها، أذن من أينَ تصدرُ تلك الحرارة، آه من وجهها، ضحكت بخجلٍ، تزامنًا مع رفعها لأناملها تُبعد وجههِ عنها حيث كان علي وشك تقبيلُ عُنقاها، فأصدرَ هو ضحكة عالية يقول: 


_" مش معقول بعد اللي أنتِ عملتيه أمبارح ده وتكوني لسه مكسوفة منّي؟ ". 


توسعت عينيها بصدمةٍ، زجرتهُ قائلة بغيظٍ: 


_" أنا؟ أنا معملتش حاجة أنتَ إللي قليل الأدب وما صدقت ". 


غمزَ لها بخفة، وكأن كلماته تطوقها في شباك خجلها، ثم قال بعبثٍ واضح، وللحقِ هو بدي يُحبُ مظهرها وهي خجلةٌ: 


_" بقا بذمتك معملتيش حاجة؟ ده أنتِ دوختيني واركِ..... مكنتش أعرف أن عندك كُل المواهب المدفونة دي!أسم روبانزل اللي كنا عملين عليه حوار مبقاش لايق عليكِ.... لازملك أسم جديد يليق بالمهنة الجديدة..... أسميكِ أي؟ أسميكِ أي....". 


رفعَ رأسهِ للأعلي قليلاً، يضعُ أصبعهُ أسفل ذقنهِ، مدعيًا التفكير، لمعت عينيه بخبث، ثم عاود بصرهِ نحوها يقول بنبرة لعوبة: 


_"بس لقيتُه.... نجمة السهر، من النهاردة ده اللقب الحديد.. بس نجمتي أنا وبس". 


ختمَ جملتهِ بضغطهِ علي شفتيهِ بحركة شقية، بينما عيناه الوقحة أنحدرت إلي أماكن أخري، مما جعلها تشتعلُ خجلاً، تكادُ تبكي من أفعالهِ الأستفزازيه، صاحت به قائلة: 


_" بطل قلة أدب لو سمحت ". 


طالعها بنصفٍ عينٍ، يقول: 


_" ما أنا طول عمري مُؤدب، خدت أي من الأدب، خلينا في قلة الأدب.... ولا أقولك أنعدام الأدب ده أحلي حاجة، تعالي بقا أكملك الموضوع "..... 


دون أن يمنحها فرصة للاعتراض، اقترب ببطءٍ وابتلع كلمتها في قبلة دافئة. انغمس في اللحظة، وكأنَّ الجانب المنحرف من عقلهِ وجد في هذا الصباح الوقت المثالي ليتصرف بلا قيود.


❈-❈-❈


في صباحٍ مشرق من شهر نوفمبر، كان" مراد"و "رضوى" يستعدان لزيارة حديقة باريسية قريبة، قرروا أن يجعلوا منها ذكرى خالدة قبل أن يودعوا هذه المدينة....


الجو بارد ولكنه مفعم بروحٍ خاصة، وهواء الخريف يعبث بالأوراق المتساقطة التي تزين الشوارع. ارتدى" مُراد" قميصًا من القطن الأزرق الفاتح، بدا على بشرته البيضاء هادئًا ونظيفًا، حيث أُحكمت أزراره، لتتماشى مع سترة سوداء أنيقة تبرز حسه العصري وذوقه الرفيع. أضاف إلى إطلالته بنطالًا أسودَ وحذاءً رياضيًا أبيض ليكون مريحًا، مدركًا أن اليوم قد يحمل الكثير من المشي 


أما "رضوى" فتأنقت ببساطة ونعومة؛ ارتدت بنطالًا أبيضَ عصريًا يعكس هدوء إطلالتها، وسترة كريمية داكنة انسجمت مع ملامحها الدافئة. جمعت شعرها بتسريحة أنيقة تكشف عن وجهها المشرق، كانت آخر اللمسات حين ارتدت حذاءها الأسود، وتفقدت حقيبتها الصغيرة التي تضم تفاصيلها الضرورية ليوم طويل.


"مُراد" انتظر عند باب الشقة، بينما هي لا تزال تُحكم رباط الحذاء، وبعد دقائق من الصبر، صاح بابتسامة طفيفة تخللتها نفاذ الصبر:


"رضوى، يا حبيبتي، بقالك عشر دقايق بتربطي الكُوتشي، هنتأخر كده" 


نهضت سريعًا، وهي ترد بمرح وضحكة خفيفة:


"خلاص، خلصت، يلا بينا!". 


تحركا نحو الحديقة تحت أشعة الشمس الباردة، حيث كانت المدينة كلها تستقبل هذا الصباح بتألّق. بدا على كليهما شعورٌ بالفرح والترقب، كأنهما على وشك جمع ذكرى جديدة تضاف إلى رحلتهما الساحرة في" باريس"


❈-❈-❈


في تمام الثامنة والنصف مساءً، كانت" رضوى "مسترخية بجوار" مُراد" في قاعة الانتظار، حيث أضواء المطار الصاخبة تنعكس على وجوه المسافرين المتعجلة وحقائبهم المتناثرة. جلس" مُراد" منشغلًا بهاتفه، بينما كانت عيناها تتابع كل حركة كأنها تحاول تخفيف حدة القلق الذي يغلي بصمتٍ في قلبها. كانت المسافة بينها وبين العالم الخارجي تتقلص شيئًا فشيئًا مع كل دقيقة تمر وتقترب من موعد الرحلة.


تسلل شعور خفيّ يدفعها إلى كسر الصمت بينهما، كأن هناك كلاماً تراكم طويلاً وتود إخراجه أخيرًا. جمعت شجاعتها، وصوتها كان كهمسة طمأنينة مشوبة بالقلق:


"مراد، ممكن أسألك سؤال؟... وأرجوك، متقوليش 'متشغليش بالك'."


رفع نظره عن الهاتف، وعيناه تلمعان بنظرة تفهم ودفئ. ترك هاتفه جانبًا، وحرك يده ببطء ليطمئنها كأنما يعدها بملجأ آمن لكلماتها، ثم ابتسم تلك الابتسامة التي لطالما استطاعت إخماد زوبعة الخوف في داخلها، وأجاب بنبرة حانية:


"لا، مش هقولك كده... اسألي براحتك."


للحظة، شعرت أن صدرها قد خفّ، كأن صوته يعيد ترتيب المشاعر المتزاحمة داخلها، وأخذت نفسًا عميقًا قبل أن تسأل، بصوتٍ يفيض بالخوف الذي لطالما حاولت إخفاءه عنه:


"مين اللي ضربوك في اليوم أياه يا مُراد؟ طمن قلبي... أنا قلبي بيتقبض كل مرة كنت بتخرج فيها من البيت بعد اللي حصل، مش متخيل أنا قلقانه عليك قد أي؟" 


لم يكن يحتاج سوى نظرة واحدة في عينيها ليفهم كل ما لم يُقال، ولم يرغب بشيء سوى تهدئتها. مدّ يده نحوها، ليمسك بيدها بخفة، يُشعرها بحنان وامتنان لمشاعرها المتدفقة نحوه، يبتسم ابتسامة دافئة وقال بهدوء كأنما يروي قصة عادية:


"هقولك بما إننا خلاص راجعين مصر... ماركوس."


الاسم وقع عليها كجرس إنذار، عينها ضاقت قليلاً كأنها تحاول أن تتذكر جيدًا أين سمعت هذا الاسم من قبل. تبعه بنظره بصمت، إلى أن شهقت فجأة بصدمة وملامح وجهها تتغير برعب:


"يلهوي... مش ده شريكك؟!"


أومأ برأسه بنظرةٍ هادئة، وقال بلا تردد:


"أيوه، هو."


تاهت في كلماته للحظة، تحاول استيعاب الأمر، وأخذت تنظر إليه بمزيج من القلق والانزعاج:


"ليه؟ ليه يعمل فيك كده؟ مش بينكم شغل ومصالح؟!"


ابتسم بخفوت، وعاد ذهنه إلى تلك اللحظة التي تصادم فيها مع" ماركوس"، وكأنها فيلم يعاد أمامه:


_"اليوم اللي أخدتك معايا فيه، بعد ما سبتك وطلعت معاه بره، كان فاكرني جايبك كواحدة من البنات إياهم، اللي بيجبوهم دول بالفلوس، عرض عليا يشتريكِ مني مقابل المبلغ اللي أطلبه، لأنك عجباه".

الصفحة التالية