-->

رواية جديدة قلب نازف بالحب لهاجر التركي - الفصل 26 - 3 - الخميس 14/11/2024

  

قراءة رواية قلب نازف بالحب كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى




رواية قلب نازف بالحب

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة هاجر التركي


الفصل السادس والعشرون

3

تم النشر الخميس

14/11/2024

تنهدت للمرة المئة،لم يكن سهلاً عليها أن تواجهه بهذا الشكل خصوصًا بعد مغادرتها تترك خلفها مئة علامة أستفهام، كل شئ بداخلها أضطرب، تتأمل وجهه البارد بشيء من التوتر والندم، محاولة تهدئة قلبها المتسارع:


_" أنا.... أنا عارفة إنك مضايق مني... وزعلان، وحقك علي فكره ". 


نظرَ لها بحدة، وكأنه لم يجد في كلماتها عذرًا كافيًا، بل علي العكس، قد زادت من تهجمهُ، ليطلق كلمات تحمل الكثير من اللوم المكبوت: 


_" لا كتر خيرك بجد".


ردوده القاسية التي يُخفيها تحت غطاء من السُخرية، كانت تثقل كاهلها أكثر، تتأمله للحظات وهي تأخذ أنفاسًا صغيرة، بدأت تتوسل إليه بنبرة هادئة، لكنها مُضطربة: 


_"طارق ممكن متتكلمش بالطريقة دي؟ ". 


كأن كلماتها لم تكن سوى شرارة أشعلت غضبه الخفي، تنفس بعمق ورفع حاجبيه، وكأنه يحاول   أخفاء انفجاره، وأبعد نظره بعيدًا وأجاب بنبرة باردة: 


_" أنا هسكت خالص أحسن، لا هتكلم بالطريقة دي ولا بغيرها". 


تراخت أطرافها، وشعرت بأن المسافة بينمها باتت جدارًا، لكنه جدار غير مرئي، جدار من المشاعر المتداخلة، والندم، حملقت بالأرض للحظات، وكأنها تجمع شتات شجاعتها، قبل أن ترفع رأسها وتتابع بصوت يخفي داخله نبرة أعتذار:


"أنا آسفة بجد، مشيت بطريقة غريبة، وبعدت، فضلت إني أبعد عن إني أواجهك..."


كلماتها كانت ثقيلة، كأنها تقطر ألماً وحيرة، حاولت شرح نفسها في بضع كلمات لكن صوتها كان يزداد ارتجافًا مع كل اعتراف تبوح به. لم تتمكن من النظر إلى عينيه مباشرة، وكأنها تخشى رد فعله على كل كلمة تقولها. أكملت بعد أن أخذت نفسًا عميقًا:

"مشيت ومفكرتش غير في نفسي، كنت أنانية، كنت خايفة ألاقي نفسي في نفس الدايرة اللي بقالي كتير بهرب منها... بس صدقني غصبن عني، أنا كنت متلخبطة، وخايفة."


"طارق" الذي كان يستمع بصمت مليء بالدهشة، بدأت عينيه تملأهما الحيرة أكثر، وهو يقول بنبرة فيها مسحة من الاضطراب:


"خايفة؟ خايفة من أي؟ أنا مش فاهم حاجة؟"


لحظة صمت مريرة اجتاحتهم، بدت فيها كأنها تجمع كل جرأتها لتواجهه بالحقيقة، بحقيقة تثقل قلبها منذ زمن، نطقت أخيرًا بخفوت:


"طارق، أنا مطلقة، وعندي طفل."


انكمش طارق في مكانه للحظة، نظراته إليها ارتخت كأنها عاجزة عن الاستيعاب، ثم ظهرت في عينيه شرارة الصدمة، وكأن هذه الكلمات القليلة أسقطت عليه ثقل الحقيقة. ران عليهما صمت موجع، كأن كل كلمة خرجت منها زرعت هوة كبيرة بينهما، لم يتمكن من الرد في الحال.


رانيا لم تتوقع أن يظل صامتاً هكذا، أحنت رأسها بخجل وندم، وأحست بنبرة اعتذار تكاد تتمزق وهي تقول بصوتٍ مختنق:


"شُوفت؟ هو ده اللي كنت خايفة منه وهربت منه... صدمتك دي وسكوتك بالطريقة دي هما سبب خوفي..."


أخذ لحظات لاستيعاب الكلمات التي نطقتها رانيا، وكأن الحقيقة الثقيلة تدور في رأسه، تحاول عيناه استيعاب ما بين السطور، مشاعر متناقضة تتراكم داخلها  الدهشة، الألم، وربما خيبة الأمل. رفع نظره نحوها أخيرًا، محاولًا إيجاد كلمات تخرج ما يضج بداخله، لكنه لم يجد سوى سؤال واحد، صادق وحقيقي، حملته نبرته المختنقة:


_"ليه خبيتي عليا كل ده؟؟ ". 


تابع، مشدوداً بحبل من خيبة الأمل، صوته خرج مُثقلًا بمرارة لم يستطع إخفاءها:


"ليه خبيتي عليا؟ ليه حسستيني إنك بتبعدي عني عشان حاجة تافهة، لكن تطلعي شايلة سر تقيل زي ده؟ كنتِ خايفة مني أنا؟"


كانت تشعر أن الأرض تنزلق من تحت قدميها مع كل كلمة يقولها، فتحت فمها لترد، لكن صوتها بالكاد خرج، كأنه محاصر بين الخجل والندم:


"مش خايفة منك... كنت خايفة عليك... على مشاعرك، خايفة ترفضني وتبصلي نظرة تانية."


نظر إليها بعمق، وكأن نظراته تحفر في ملامحها، يحاول فهمها ورؤية ما خلف كلماتها المترددة. كان هناك لحظة صمت تخللتها نبضات قلوبهم المتسارعة، قبل أن ينطق بصوت هادئ، لكنه ثابت:


"أنا اللي اخترتك، وحبيتك بجد من قلبي، حبيتك وأنا معرفش حاجه عنك غير شويه معلومات صغيرة، وبرغم كده سلمتك قلبي وانا مطمن.... بس،اللي أنت قولتيه ده صعب و..." 


تردده جعلها تود لو تنشق الأرض وتبتلعها، كانت مُحرجة، رأت التردد والحيرة في عينيهِ، ندمت أنها تحدثت من الأساس، نهضت بخمول، لم تكن تود أن تسمع رفضه لها ولحقيقتها، ودت أن تبتعد، وتتُرجم أبتعاده عنها بعد معرفة الحقيقة، بأنه عدم تقبل لِمَ تفوهت بهِ..... 


حملت حقيبتها بأيدي مُرتعشة وقلب يرتجف، ثم نطقت بوهن قبل أن ترحل دون أن تعطيه فرصة للرد: 


_"أنتَ من حقك تأخد أي قرار شايفه في مصلحتك... وصدقني مش هزعل، بعد أذنك يا طارق!.". 


❈-❈-❈


يوم طويل وشاق، ما بينَ أرهاق السفر، من ثُم الجلوس مع العائلة طوال اليوم، في جوءٍ مُفعم بالراحة، مشهد تجمع العائلة بهذا الشكل المُحبب للأنفُس، يُجدر بهِ أن يعلق في أطار، ثم يُوضع في زوايا القلب.... أحتفاظًا بتلك اللحظة الدافئة


خرجت  من الحمام، وقطرات الماء تنساب ببطء من خصلات شعرها المبللة، تتوزع كاللآلئ على كتفيها وعنقها. شعرها الأشقر، الذي بات أغمق بلمعة الماء، يلتصق ببشرتها في موجاتٍ ناعمة، يكشف عن تفاصيل وجهها المتورد بلطف تحت تأثير حرارة الماء، وكأن لون الحياة ينبعث منه من جديد...... 


عينان تائهتان بين نعاس الدفء واليقظة الرطبة، تحملان سكينة متناهية، وكأنها عالقة بين حدود اليقظة والحلم. بين شفتيها، ترتسم ابتسامة ناعسة، لا تدرى من أين جاءت؛ ربما من شعورها بلمسات الماء أو من هدوء اللحظة. تتحرك ببطء، وذراعها ترفع خصلات شعرها برفق لتجففها، فتتكشف كتفها البيضاء التي تعكس ضوء الغرفة الخافت.... حمام دافئ ومُريح للأعصاب هذا ما كانت تحتاجه، وها هي قد حصلت عليه...... 


الغُرفة ذات إضائة خافتة نظرًا لانهم بوقتٍ مُتأخر، وعلي وشك الأستعداد للنوم، أحكمت أغلاق مأزر الأستحمام حول جسدها الصغير..... وقد أوشكت علي الأنتهاء من المشقة الأكبر بالتاريخ، خصلاتها الطويلة، تبًا كم تكره طولهم هذا... 


أنتهت من تجفيفهم بسلامٍ، ولم يحدث أي صدام بين مقصها العزيز وخُصلاتها المُزعجة....نهضت من فوق مقعد المرآة، وكادت تتجهُ لغُرفة تبدبل الملابس لترتدي ملابسها، لكن شعرت بهِ يدلفُ للغُرفة هاتفه بين يديهِ وقد أنتهي من مُكالمته الخاصة بالعمل...... تغلغلَ عطرهُ حتى وصل لها يُداعب حواسها.... أبتسمت له برقةٍ....... 


اقترب "مراد" منها بخطواتٍ ثابتة، ولمعت في عينيه نظرة ماكرة تخفي خلفها الكثير من اللهو، وما إن لاحت له وهي تحاول تجفيف شعرها حتى تغيّرت ملامحه فجأة، متظاهراً بملامح ضيقٍ مصطنع، وكأن شيئاً عظيماً قد حدث، وقال بصوت عميق يملؤه العبث:


"إيه ده؟ إيه ده؟… بجد خدتي شاور من غيري كده عادي!؟". 


رفعت عينيها إليه، وبينهما بريق ناعم وارتباك لم تستطع إخفاءه، وكأنها تحاول فهم ما الذي يجول في رأسه الآن. حاولت أن تُظهر الجدية وهي ترد عليه، لكن خجلها منعها من أن تنظر إليه مباشرة:


"مراد، بطل بقى… لو سمحت. دا مش وقته."


لم يستسلم  لرفضها البسيط، بل تقدّم خطوة أخرى، ويداه تتشابك لتثبت صدقه المزعوم. رفع حاجبيه قليلاً، متظاهراً بالبراءة:


"بصراحة، دي فيها غرامة يا مدام، تبعيني كده من غير إنذار؟ وأنا اللي كنت ناوي أكون مؤدب !"


رغم محاولتها تمالك نفسها، لم تستطع  كتم ضحكتها، فابتسامة صغيرة تسللت إلى شفتيها. شعرت بالحرارة تتصاعد في وجنتيها أكثر، وأرادت أن تتفاداه بأي طريقة، فقالت وهي ترفع يديها لتُبعده بخفة:


"مراد… كفاية بقى، أنت عارف إن ده مش معقول."


لكنه اقترب منها أكثر، وابتسامته بدأت تنحني نحو زوايا أكثر جدية، وقد بدا أن العبث تحول لشيء أعمق. لمس خصلات شعرها المبلل بلطف وهو يهمس لها:


"عُمري ما كُنت أتخيل أن حالي يتشقلب كده علي إيدك "

الصفحة التالية