-->

رواية جديدة قلب نازف بالحب لهاجر التركي - الفصل 29 - 1 - الجمعة 22/11/2024

 

قراءة رواية قلب نازف بالحب كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى




رواية قلب نازف بالحب

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة هاجر التركي


الفصل التاسع والعشرون

1

تم النشر الجمعة

22/11/2024


داعبت نسمات الهواء الباردة جلد بشرتها، تنهدت تنهيدة طويلة، تنهيدة راحة... تُشبه تلك التي تأتي بعد عناء طويل وشاق، أحتضنت نفسها بذراعيها مستنشقة الهواء النقي.....شعرت بقليلاً من البرودة تتسلل لجلد بشرتها العارية عدا من فستان قصير منزلي يحاوط جسدها، سريعًا ما أبتعدت عن الشُرفة مُغلقة الباب من ثم الستائر البيضاء....رأته يدخل من باب الغُرفة بملابسه البيتية، وعلي ما يبدو أنه قد أنتهي من مكالماته... أقتربَ منها بحنان يطوقها بين ذراعيهِ قائلاً بنبرة رخيمة: 


_"البسبوسة بتاعتي صاحية بدري ليه؟ لسه بدري علي معاد الطيارة ". 


_" حيست بيك مش جنبي، قُومت أشوفك فين! ". 


داعبَ أرنبة أنفها بإبهمهِ بظرافة يقول:


_"لا بالله عليك واحدة واحدة كده عليا.....أنتِ حسيتي،يعني بتحسي بيا لما أكون قريب أوي بعيد؟".


أخفضت رأسها بخجل،من ثم حمحت تُغير دفة الحديث التي لا تمتلك الأبجدية علي الرد عليه:


_"مين كان بيتصل عليك بدري كده؟".


أجابَ ببساطة:


_"ده مازن".


عقدت حاجبيها بإستغراب:


_"أنتو أتصالحتوا بجد....".


_"أيوه ده حتي كان فالفرح أمبارح،بس تلاقيكِ مخدتيش بالك منه بس".


تنهدة بنوعًا من الراحة تقول:


_" الحمدلله.... أنا بصراحه كنت مضايقة انكم زعلانين من بعض بسببي! ". 


_" أنتِ تعملي إللي أنتِ عايزاه يا بسبوسة.... ها بقا تحبي نبدأ رحلتنا بأي ". 


_" أحمم أنا بقول ملوش لازمة المصاريف دي كلها، كفاية عليك تكاليف الفرح، خلينا نقضي يومين هنا ونرجع شقتنا، صدقني أنا مش مهم عندي المكان، المهم أني معاك". 


_"يا حبيبتي بلاش تفكري كده، مفيش حاجة كتيرة عليكِ.... وبعدين هو أنا كُنت أشتكيتلك طيب، أحنا عيلة غنية أوي علي فكرة علشان بس تبقي عارفة "


نطقَ بأخر كلماته بمداعبة ومزاح، ضحكت بخفة تقول: 


_"ماشي يعم الغني... أنا بس قلقانة علي ياسين ". 


_" مين سُونة، ده راجل تخافي عليه أزاي، متقلقيش هو مع جدتي، وأنتِ لسه متعرفيش جدتي حنان دي أي.... حنان وهي منبع الحنان كُله والله ". 


اومأت برأسها تبتسم بأطمئنان، تضع رأسها علي كتفهِ، تترك كل ما مضي، يمضي خلف ظهرها... لا مكان هنا سوى للراحة، فقط لا غير، الراحة والسعادة بصُحبة شريك حياتها القادمة.. ستعوض كل ليلة نامت بها باكية، ستعوض كل فرحة لم تكتمل لها... ستعوض كل شيء..... 


❈-❈-❈


تحت أشاعة الشمس الدافئة، أستقرت" نانسي" علي طاولة في بداية الحديقة الأمامية للمنزل، أسفل شجرة ضخمة زينت المكان...جلستها تنمُ عن التوتر المتصاعد، فـي طريقتها في هزِ قدميها أسفل الطاولة، وحركات أصابعها العشوائية، أنتظرت علي أحر من الجمر رسالة.... رسالة من أحدهم، ستكون أخر ذرة أمل تتشبث بها، قد أنتهت مكالمتها الأولي منذ نصف ساعة بعد أن وعدها المُتصل أنه سينفذ ما طلبت ويتأكد من أمر يشك بهِ، وهي جالسة هكذا مُتوترة، بكل ثانية تنظر إلي الهاتف لعله أتصل بينما هي منشغلة شاردة تُفكر في تدبير للكارثة التي ستحل عليها..... تُفكر قبل وقوعها فعليًا... 


أنتشلها من شرودها صوت الهاتف يدق، أخذته سريعًا تفتح المُكالمة قائلة بترجي متشبسة بأخر نقطة مضيئة لديها: 


_"قُول أنك كُنت غلطان". 


صمتَ لثواني، أهدلت جفونها بخيبة، تنهدت بحرارة،جاءها صوته يقول بعد أن حمحم حيث يعلم أن كلماته ستُثير غضبها: 


_"للأسف زي ما توقعت يا نانسي هان... ". 


لم تُعطي له الفُرصة لتكملة جُملتهِ، سريعًا ما أغلقت الهاتف بوجههِ بصلفٍ، ورمته علي الطاولة بأهمال، أشتعلت أعين" نانسي"، يظهر توترها في كل حركة من حركاتها. وجهها بدأ يشحب قليلاً، بينما تتنفس بعمق وكأنها تحاول كبح بركان يغلي داخلها. حاجباها يلتقيان في خط مستقيم، وعيونها الضيقة تلمع كالسكاكين، تحمل نظرة حادة موجهة إلى الأمام،للخواء، يداها ترتجفان قليلاً، لكنها تحاول التحكم فيهما، فتعقدهما بشدة على بعضها، كما لو كانت تكتم صراخها داخلاً. شفاهها تلتصق ببعضها بعنف، وذقنها يرتجف من الغضب المكبوت. أي حركة منها تبدو كأنها على حافة الانفجار، وتكاد أضلاعها تتنفس بحدة، كما لو كانت تبتلع الهواء لتبقى على قيد الصمت...... 


أخذت الهاتف بغضب، تعبث به بحركات هوجاء، من ثم وضعته علي أُذنيها، تنتظر رد الطرف الآخر، أنتظرت لدقيقة لكنه لا رد، صاحت بغضب: 


_"رُد يا زفت مش وقتك خالص! ". 


عاودت الأتصال لثلاثة مرات بإلحاح، حتى أجاب بالنهاية بعد أن شعر بأنه هناك خطب وراء الحاحها بهذه الطريقة المزعجة، لم تُعطهِ الفرصة للحديث بل هدرت به توبخه: 


_" مُش بترد لي يا روح خالتك، أنتَ فين". 


_"براحة طيب في أي؟ ". 


زفرت بحنق: 


_" بقولك أنتَ فين دلوقتي ". 


_" في مشوار ". 


_" تتزفت دلوقتي تبقي قُدامي.... في مصيبة وحطت فوق دماغنا ". 


_" مُصيبة أي؟ ". 


_" تعالَ وأنتَ هتعرف ". 


❈-❈-❈


بعد أن قصت عليهِ ما علمتهُ، أستندَ هو إلي الخلف علي مقعده بإسترخاء، يقول في هدوء أشعل غضبها أكثر: 


_" وأنتِ مضايقة ليه؟ ما عادي يعني؟ ". 


كادت تضربه بأي شيء جوارها، هتفت بغيظ: 


_" أنت‌ بتستعبط يا نادر صح؟ هو أي اللي عادي يا بني آدم أنتَ... أنت مش مستوعب بجد حجم المصيبة دي ". 


أجابها بهدوء، بينما عينيه تلمع بخبث: 


_" ما أنتِ لو هديتي، وبطلتي أكل في نفسك زي ما بتعملي كده من لما جيت، هتفهمي أنها مش مصيبة ولا حاجة ". 


_" اخرة اللي يمشي ورا العيال.... اتفضل فهمني تقصد أي ". 


_" أحنا بندور علي طريقة ننتقم من مراد بيها... دلوقتي جات لنا طريقة مشتركة هتنتقم من مراد ورضوي في نفس الوقت، ضربنا عصفورين بحجر واحد ". 


اطرقت برأسها قليلاً تفكر فكلماته وبدأت تدخل لعقلها، انتبهت معه تقول: 


_" لا فهني واحدة واحدة أنتَ ناوي علي أي". 


أبتسم بشر، يقول: 


_"هقولك بس تنفذي كل اللي هقوله بالحرف والنهاردة قبل بكره مفيش وقت". 


اجتمع الاثنان، وجوههم تتناثر منها الظلال، وكأنها تلتهم كل ضوء. عيونهم كانت مليئة بالحسابات الخفية، نظراتهم تتلاقى في صمت ثقيل، قبل أن تنفجر ابتساماتهم الخبيثة كأنهما شعاعين من النية السيئة. أيديهما تتحركان ببطء، كأنهما يرسمان خطوط مؤامرة دقيقة، بينما الهمسات بينهما كالسكاكين.... 


❈-❈-❈


أستعدت بحماس مُفرط لأستقبال شقتها الجديدة كما وعدها" مُراد"، كان قلبها، يخفق بسرعة وكأن طبولاً خفية تعزف داخله، شعور من خليط الإثارة والفضول يتسلل إلى أطرافها وهي تقف أمام المرآة ترتب خصلات شعرها المتطايرة بعفوية. ابتسامة صغيرة ترتسم على شفتيها كلما تخيلت شكل الشقة الجديدة، مساحة خاصة تجمعها بأحلامها التي طالما أرادت أن تراها تنبض بالحياة.


اختارت بعناية ملابسها، ملابس فضفاضة مُريحة، سروالها باللون الأبيض مع كنزة خضراء دافئة، وكأنها تقدم نفسها لأول مرة لمساحة ستصبح جزءًا من حياتها. كانت تبحث في ذهنها عن تفاصيل ديكور ستضفي لمستها الشخصية على كل زاوية. مرآة هنا، مكتبة هناك، وربما مقعد صغير قرب النافذة لتأمل السماء في أمسيات هادئة.


وقفت أمام باب الشقة لحظات، أخذت نفسًا عميقًا وكأنها تستعد للقاء مصيري. شعرت بالفرح كطفلة على وشك فتح هدية عيد ميلادها، سمعت لصوت زوجها يأتي من الأسفل مقترنًا بصوت بوق السيارة.....سريعًا التقطت حقيبتها وهرولت للخارج وعلى ملامحها رُسمت إبتسامة واسعة، ولا تدري أن إبتسامتها بعد قليل ستتحول لعويل طويل......

الصفحة التالية