رواية جديدة قلب نازف بالحب لهاجر التركي - الفصل 29 - 2 - الجمعة 22/11/2024
قراءة رواية قلب نازف بالحب كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية قلب نازف بالحب
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة هاجر التركي
الفصل التاسع والعشرون
2
تم النشر الجمعة
22/11/2024
_"أنا جيت... يلا بينا بقا".
نطقت بها بحماس كبير، أستقبل حماسها بإبتسامتهُ الودودة، يقول بحُب:
_"شايفك مُتحمسة ".
أجابتُه سريعًا:
_" أوي أوي بجد، قولتلك قبل كده أصلا إني حلمي كله أن يجمعنا مكان صغير يجمع زكرياتنا ومستقبلنا".
_"طيب يلا أركبي بسُرعة ونكمل كلامنا فالطريق، الطريق لسه طويل".
تقدمت تستقل مقعدها بعد أن فتح لها الباب، ثم استقل هو الأخري مقعده، سألته قائلة:
_"هي بعيدة أوي كده ولا أي...أنتَ شكلك عايز تعزلنا من البلد ".
منحها نظرة حنونة تفيضُ حُبًا غير منطوق:
_" لا وأنتِ الصادقة، أنا لو بمزاجي، أعزلنا عن العالم كله مش البلد بس ".
لا تستطيع مُجاراته، تستطيع تقبيله فقط تقبيلن نيابةً عن أبجديتها المعدومة أمامَ منطوقهُ، أبسمت بخجل، أكمل يقول:
_" بس لا، أنا أخترتها فمكانها ده تحديدًا علشان تكون قُريبة من الجامعة بتاعتك، أنتِ ناسية أن خلاص بداية الدراسة علي الأبوب".
_"أي ده، ده أنا كُنت ناسية خالص والله ".
❈-❈-❈
وقفت سيارة" مُراد " أسفل بناية عقارية العمارة كانت تقع وسط شارع هادئ نسبيًا، لا هو بالمزدحم المزعج ولا بالمنعزل الكئيب. واجهتها بسيطة، بلون أبيض مائل إلى الرمادي، تتخلله شرفات بأطراف معدنية داكنة، تضفي لمسة من التنظيم على مظهرها. لم تكن شاهقة الطول، فقط خمس طوابق، لكنها بدت متناسقة، لا تثير الانتباه لكنها مريحة للنظر.....
المدخل فسيح، مُزين برخام لامع بألوان هادئة من البيج والرمادي، تعلوه مصابيح نحاسية تُضفي دفئًا في الليل. على جانبي البوابة الزجاجية الكبيرة، تتوسطها تفاصيل هندسية عصرية، وضعت أوانٍ كبيرة لنباتات خضراء مورقة تُرحب بالزوار وتُعطي إحساسًا بالترف.
الشارع أمام العمارة واسع، مبلط بعناية، وتنتشر فيه سيارات فاخرة مصطفة بنظام على الجانبين. الإضاءة الليلية للشارع متوهجة بمصابيح طويلة تنير الأرصفة النظيفة التي تتزين ببعض المقاعد الحجرية ومزروعات صغيرة مُرتبة بعناية.
من بعيد، يمكنك سماع حركة هادئة لسيارات فاخرة تمر بسلاسة، وزقزقة خافتة لطيور تُكمّل الجو العام للمكان، حيث لا مكان للضوضاء، فقط لمسة من الحيوية الراقية التي تجعلك تشعر بأنك في قلب حي يتمتع بالفخامة والرقي.
❈-❈-❈
الشقة كانت أشبه بلوحة خام تنتظر أن يخطّ عليها كلاهما تفاصيل حياتهما. عندما دخلا معًا لأول مرة، كان الهواء في الداخل مشبعًا برائحة الطلاء الجديد، والجدران البيضاء الناصعة تبدو وكأنها تحدق بهما، مستفسرة عن خططهما لكل ركن فيها. "رضوى" توقفت عند المدخل، عيناها تدوران في المكان، تتفحصان الاتساع، النوافذ، وكيف يتسلل الضوء عبرها ليغمر الأرضية الباركيه الفاتحة بنعومة.
أبتسمت بدفء، تُطالعه تقول بنبرة حالمة، بينما تنظر له:
_"مُتحمسة أننا نخليه حتة مِننا ".
همست بسعادة، وهي تمرر يدها على الحائط الأملس، وكأنها تترك بصمة غير مرئية." مراد" وقف بجانبها، يراقب انعكاس الضوء على الأرضية، ويفكر في كيفية تحويل هذا الفراغ الكبير إلى منزل ينبض بالدفء:
_"وأنا مُتحمس أشوف حتة مننا موجوده فيها ".
فهمت ما يقصد، ضحكت بخفة تقول:
_" مستعجل علي أي؟ ".
_" مستعجل أي بس ده أنا هموت وأشوف بيبي صغنون حتة مننا بين إيدي...... العُمر بيعدي، أنا قربت أدخل علي الأربعة وتلاتين يا رضوى، أبني هييجي يلاقيني قربت أمسك العُكاز ".
تنهدت بحرارة تقترب منه، أمسكت بكفهِ تقول بعيون تلمع:
_" كِبرت ده أي؟ مين اللي قال كده، ده أنتَ أصبي من أجدعها شاب فالعشرينات ".
ضحكَ بمرارة لأول مرة يشعر بها ولأول مرة يُلقي همًا لتقدم سنوات عُمرهِ، أغمض عينيه لثواني متنهدًا يُجيبها بنبرة تحولت للحزن الطفيف:
_" خايف ييجي اليوم اللي أسيبه فيه في نص الطريق.... أنا شكلي ظلمتك معايا يا رضوى، وهظلمه هو كمان ".
شهقت، وقد لمعت عينيها بطبقة شفافة من الدموع، فقط تخيلها لِمَ يقول يحرق قلبها حرقًا، همست بنبرة مُترجية، بينما يدها أرتفعت تحاوط وجههِ:
_" علشان خاطري بلاش تقول كده تاني! ولادنا محدش هيربيهم غيرك يا مُراد، هيبقوا محظوظين جدا عندهم أحسن أب.... ثم تعالَ هنا أي ظلمتك معايا دي، مُراد أنا من غيرك أموت، أنا زي السمك اللي لو خرج من البحر يموت... أنتِ بحري يا مُراد".
كلماتها أثرت بهِ، أبتسم بهدوء، يُطالع عينيها الخضراء، التي تصرخ له بحُبًا يكمن بدواخلها، رفع أنامله يحاوط يدها التي علي خديهِ، مربتًا عليهم، ثم أنزلهم لمستوي شفتيهِ يُقبل يدها، قائلاً يغير دُفة الحديث، كي لا يُعكر عليها فرحتها بالشقة الجديدة:
_"والله العظيم بحبك..... تعالي نتفرج علي بقية الشقة، كفاية نكد".
أبتسمت بأتساع تقول وقد عاد حماسها مرة أخري:
_"يلا يا روحي! ".
أخذ بيدها يستكشفون الشقة بكل حماسة وتفاؤل، وزعت نظراتها بكل ركن..
غرفة المعيشة بدت كقلب المكان، واسعة ومفتوحة، تتوسطها نافذة كبيرة تطل على الشارع الهادئ. أشارت إلى الزاوية القريبة من النافذة وقالت بابتسامة:
"هنا هتكون مكتبة أحلامي..... مليانة بكل الروايات والكُتب ".
تخيلت الأرفف الخشبية الداكنة الممتدة إلى السقف، وتتصور" مراد" كيف سيجلس هناك في أمسيات الشتاء يقرأ بجانبها.
المطبخ، المتصل بغرفة المعيشة، كان مفتوحًا، بأرضيته الرخامية البيضاء وأسطحه النظيفة التي لم تُستخدم بعد.... تخيلت طاولة صغيرة في الزاوية مع كراسي مريحة، بينما فكر "مراد "في آلة القهوة التي ستصبح ركنه المفضل كل صباح:
هتفت بحماس تتفقد المطبخ بشغف،بينما تلمس سطح الرخام:
"هنختار هنا الوان فاتحة فالمطبخ علشان يبقي شبه صباحتنا المشرقة"...
غرفة النوم الرئيسية كانت أكثر ما أثار خيالها؛ نافذتها المطلة على الحديقة الخلفية جعلتها تتخيل ستائر ناعمة بلون البيج تتمايل مع النسيم.....
أقترب" مراد " منها وهي غارقة في تخيل كيف تحول الغرفة لتصبح نسخة كربونية من غرفة أحلامها، أشار إلى الحائط المقابل للمكان الذي خصصوه للسرير:
"هنا هنحط لوحة كبيرة فيها صورة فرحنا.... علشان كل ما أصحي من النوم،أشوف أكتر حاجة صح عملتها في حياتي "
أومأت برأسها بنعومة ونظرات دافئة، وهي تتخيل الغرفة مغمورة بالدفء، ببطانية ثقيلة في الشتاء وسجاد ناعم تحت أقدامهما.
حتى الممرات الضيقة بين الغرف لم تسلم من أحلامهما؛ تصورت" رضوى" صورًا صغيرة بإطارات خشبية تحمل لحظاتهما السعيدة، بينما فكر "مراد" في أضواء خافتة تضفي على المكان هدوءًا ليليًا.
الشقة بدت كأنها تشاركهما الحلم، فارغة لكنها مليئة بالوعود، تنتظر أن تتحول إلى بيت حقيقي ينبض بتفاصيلهما، بصخبهما وسكينتهما، بلحظات الضحك والصمت، بكل شيء سيجعلها وطنًا صغيرًا يحتضنهما......
❈-❈-❈
أستقلت السيارة بجواره، بينما لازالت الأبتسامة المُشرقة علي وجهها تحتلهُ، سألته تقول بإستفسار:
_"قُولي بقا؟ الشقة هتتفرش أمتا... أنا متحمسة جدًا أسكن فيها ".
أطرق برأسه مفكرًا:
_" يعني أسبوع أتنين كده، أنتِ بس أختاري شكل العفش، وإن شاءلله في أسرع وقت أخطفك ونعيش فيها.... ".
اتجهت بنظرها ناحية، نافذة السيارة، عيناها مثبتتان على الطريق الممتد أمامها، لكن عقلها كان يجوب أرجاء شقتهم الجديدة، غمضت عينيها للحظة، وسرحت في خيال رسمته بحب وتفاصيل دقيقة، كيف ستكون حياتهم معًا هناك؟
تخيلت البداية، أول ليلة لهم في الشقة، وهي تقف في المطبخ الجديد بملابس البيت المريحة، تحاول تحضير وجبة بسيطة وسط ضحكاتهما، بينما" مراد "يبحث عن أكواب القهوة التي نسيا مكانها في الصناديق. رأت المشهد بوضوح، كيف سيحملها من منتصف المطبخ فجأة ليضعها على سطح الرخام، يطلب منها أن تتوقف عن القلق وتترك كل شيء حتى الصباح.
وفي ليالي الشتاء، تخيلت صوت المطر وهو يعزف سيمفونية خاصة على زجاج الشرفة، بينما هما يجلسان أمام النافذة، يتقاسمان بطانية واحدة وكوبًا واحدًا من الكاكاو الساخن. خُيِّل لها كيف سيصر" مراد" مُستاء من شُرب الكاكاو، لأنه لا يفضله، يفضل القهوة،لكنها ستُرغمه لأنها باتت تُحب الكاكاو، خاصة في ليالي الشتاء.....
رأت نفسها وهي تزّين الشقة بلمسات صغيرة: شجيرات زينة هنا، أضواء دافئة هناك، حتى التفاصيل العادية بدت جميلة في مخيلتها: استيقاظهما معًا على صوت المنبّه، تدافعهم نحو الحمام في الصباحات الباردة، أو" مراد "وهو يحاول فتح النافذة لتبديل الهواء بينما تصرخ عليه ألا يُدخِل البرد إلى الشقة.
شعرت بدفء غريب يلف قلبها، كأن خيالها هذا أكثر من مجرد حلم، بل وعد حقيقي بأن حياتهما ستكون مليئة بحبٍ لا يشبه سوى ما نسجه عقلها الآن. فتحت عينيها، والتفتت إلى مراد الذي كان يقود بصمت، ملامحه المركّزة تبدو أكثر دفئًا تحت ضوء النهار. ابتسمت، متيقنة أن كل هذا الخيال سيصبح قريبًا واقعًا أجمل....