رواية جديدة قلب نازف بالحب لهاجر التركي - الفصل 30 - 1 - الجمعة 22/11/2024
قراءة رواية قلب نازف بالحب كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية قلب نازف بالحب
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة هاجر التركي
الفصل الثلاثون
1
تم النشر الجمعة
22/11/2024
دخل الغرفة، قدماه تتحركان بصعوبة وكأن كل خطوة تخذله، عينيه الحمراء التي لم تبتعد عنها الدموع منذ ساعات كانت تكاد تغرق وجهه. كانت ملامحه متجعدة من الألم، وخطوط الحزن قد غزت وجهه بشكلٍ واضح، وكأن التعب النفسي قد نال منه أكثر من أي وقت مضى. قلبه كان مثقلاً بالحزن، وعقله مشوش من الفقد، لكنه حاول أن يظهر أقوى أمام الجميع، حتى أمام نفسه......
الغُرفة كانت هادئة، "رضوي" تجلس بالأرض بزاوية تقرأ بالمُصحف الشريف، مدركة أن كلمات الله هي وحدها القادرة علي التخفيف عنها، كانت قد بدلت ملابسها بعد الأستحمام، كانت تبدو ثابتة، قوية.... لكن هناك لمحة من الضعف بعينيها.... وقف بمكانه للحظة، يحاول أن يظهر ثابتًا،
لكن، في اللحظة التي التقت فيها عيونه بعينيها، انفجر داخله كل شيء. لم يستطع أن يسيطر على دموعه أكثر. كانت الدموع تتساقط بغزارة، كأنها كانت محبوسة طوال الوقت، وانتظرت اللحظة المناسبة لتخرج.......بأقدام ثقيلة تقدم نحوها، وما أن رأته هوى قلبها بينَ قدميها، اغلقت المُصحف متمتمة قبل أن تضعه جانبًا:
_"صدق الله العظيم... ".
أقترب من موقعها وجلسَ بجوارها مهزومًا، شعرت بهِ.. فتحت له ذراعيها في دعوة لأحتواء ألمهِ، رمى نفسه في حضنها كما لو كان يبحث عن الأمان في ذراعيها، وكأنها هي المرفأ الوحيد الذي يستطيع أن يجد فيه راحته بعد هذا الكم الهائل من الألم.
أمسكت به" رضوى"، شعرت بجسده يرتجف بين يديها، وكأن كل قطرة دموعه تحمل معها جزءًا من روحه المكسورة. كان يبكي بصوتٍ منخفض، لكنه مؤلم، وكأن الألم يخرج من أعماقه، لا يستطيع إيقافه. كانت يديه تمسك بها بشدة، وكأنها قد تكون آخر شيء يتعلق به في هذا العالم. كان يشعر بالضعف التام، وكأن قلبه قد تحطم، وكل شيء في داخله يناديها أن تكون بجانبه...
_"مُراد حبيبتي.... أستهدي بالله يا مُراد مُش كده ".
همست له بصوتها الحاني، رفع رأسه الغارق بالدموع يقول بنبرة ضعيفة لأول مرة تعهدها منه:
_" مُش قولتلك يا رضوى، مش مكتوب ليا أكون أب".
نهرته سريعا:
_"أي اللي بتقوله ده، مُراد ده نصيب يا حبيبي، وإن شاءلله ربنا هيعوضنا... بلاش اليأس ده ملوش لازمة والله".
_"كلهم شايفين أني ببالغ، وأنه مجرد شويه دم متكونوش أصلاً، بس بالنسبة ليا كان حاجة كبيرة، كبيرة أوي كمان ".
ربتت علي ذراعه تقول بمواساة:
_" محدش ليه الحق يقولك ازعل أزاي أو متزعلش أزاي، أنت يا حبيبي حقك تبين حزنك بالطريقة اللي تحبها.... علشان خاطري يا مُراد بلاش كل الزعل ده أنا محتجاك جمبي".
❈-❈-❈
حين عمّ الخبر البيت، بدا وكأن الحياة نفسها توقفت. أصبح كل شيء ساكنًا بشكل غير طبيعي، كأن الهواء نفسه يرفض أن يتحرك. الجدران التي كانت شاهدة على ضحكات الأمس أصبحت تحمل ثقل الصمت الحزين. الضوء الذي كان يتراقص على الأسطح صار خافتًا، كأنه انسحب بخجل أمام وطأة الألم..... الجميع حزنوا علي حُزن "مُراد"......
وضعت قدمًا فوق الأخري بجلسة تصرخ غرورًا، تتابع الجو الصامت الذي أنغمس به البيت منذ ساعات عندما حل عليهم الخبر، لوت شفتيها بتبرمٍ، تقول موجهة حديثها لـ" مديحة"الواقفة أمام المقود تُعد طعامًا صحيًا لـ "رضوي":
_" أي الأڤورة إللي هُما فيها دي... أشحال مكان لسة متكونش يعتبر، كيس دم مش أكتر".
حدجتها الأخري بغيظ تقول:
_"وطي صوتك يا نانسي حد يسمعك".
_"يا شيخة، البيت اتقلب كآبة، علشان الست رضوي سقطت، مكانتش هتجيب محرر القدس هي".
_"وأنتِ مضايقة نفسك ليه بس، هما أحرار ده أبنهم برضو، بقولك أي يا نانسي، كُلي عيش يا ماما، وبطلي.... سبيهم في حالهم، وتعالي ساعديني بدل ما أنتِ واقفة تبرطمي عالفاضي".
قلبت عينيها بملل، تقول بصوت هامس:
_"بالسِم الهاري أن شاءلله ".
❈-❈-❈
." مساءًا".
حلّ الليل بعباءته السوداء، ناشرًا سكونًا مهيبًا على كل شيء. بدت الأرض وكأنها تتنفس ببطء، وكأنها تتآمر مع الظلام لتخبئ أسرار النهار. الهواء كان باردًا، يحمل في طياته هدوءًا مخيفًا، هدوءًا يجعلك تسمع أدق الأصوات: أنين شجرة تحت وطأة الريح، نقيق ضفدع بعيد، أو وقع أقدام غير مرئية.
السماء كانت خالية إلا من بضعة نجوم تناثرت كحبات ماس على بساط من العتمة، تضئ قليلاً دون أن تُزيل رهبة الليل. القمر، الذي اكتمل دائرته، بدا كعين متيقظة ترقب كل شيء بصمت، ينشر ضوءه الفضي على الأرض بخجل، كأن الليل يعاقبه على محاولته كسر الظلمة.
المنازل غارقة في السكينة، لا حركة تُرى إلا ظل ستارة تحركها الريح. حتى الشوارع التي كانت تعج بالحياة نهارًا، استحالت الآن فارغة، بلا أنفاس، وكأنها تنام لتستعيد قوتها ليوم جديد. الأشجار تقف شامخة، أغصانها كأنها أذرع تحاول احتضان السكون المحيط بها.....
أفترشت "رضوي" لسريرها، تلتفُ بالأغطية الثقيلة، وبجانبها طعام قد أنتهت من تناوله،التلفاز أمامها مُضاءًا يعرض فيلمًا لم تنظر له من الأساس، في عينيها، كان الحزن يمتزج بشيء آخر، شعور بالرضا الذي لا يأتي إلا بعد صراع داخلي طويل. لم تعد الدموع تفرّ من عينيها، بل استبدلتها نظرة ساكنة، مليئة بتسليم هادئ لقضاء الله. كأنها أدركت أن الألم، مهما كان قاسيًا، يحمل في طياته حكمة لا يدركها القلب إلا بالصبر.....
قطع الصمت دخول" مُراد "كالعاصفة، خطواته ثقيلة لكنها متسارعة، كأنها تحمل وزناً أكبر من الأرض نفسها. الباب انفتح بعنفٍ، وارتطمت قبضته بحافته قبل أن يتراجع لينغلق خلفه بصوت مكتوم، لكنه حمل صدى الغضب الذي يعتمل بداخله. كان كمن اقتحم المكان بألمه قبل جسده.
وجهه كان متجهمًا، ملامحه مشدودة كوتر على وشك أن ينقطع. عيناه، المليئتان بالغضب، بدتا وكأنهما تحملان عتابًا صامتًا، ليس على" رضوى "وحدها، بل على العالم بأسره. لم ينطق بكلمة، لكن صمته كان أثقل من أي كلام، كأنه انتظار مشحون، أو بركان يهدد بالانفجار في أي لحظة.
أنفاسه كانت متقطعة، تكشف عن صراع داخلي عنيف بين الألم والرفض، بين الحزن والرغبة في كسر هذا الشعور الخانق الذي يسيطر عليه. وقفته الجامدة في منتصف الغرفة بدت كأنها تحدٍ، ليس للآخرين، بل لنفسه، لكبح موجة مشاعره التي تضربه من الداخل.
في تلك اللحظة لم يكن مجرد رجل غاضب؛ كان شخصًا يقف على حافة الهاوية، يحاول فهم ما لا يمكن فهمه، يواجه قدراً لم يمنحه فرصة الاعتراض. وجهه لم يبشر بالخير، بل بشيء أعمق، شيء يشبه الانهيار المقنّع بالقوة.... ازاحت عنها الفراش ببُطءٍ حيث أنها لازالت تشعر بالألم الجسدي الناتج عن أجهاضها، تتابعه بحذر..... ولكنه بثواني كان قد فقد ثابتة وإنهار كالثلج بلمح البصر، لم تكن قد نهضت بشكل كُلي... فقط خطت قدميها علي الأرضية.....
حتى ضرخت بصرخة مكتومة، نتيجة يداهُ التي فجأة أمتدت وجذبتها من خُصلاتها بقوةٍ وعُنف بالغ، شهقت بألم، وبنفس الوقت مصدومة من فعلتهِ تصيح برعب:
_"مُراد في أي؟ ".
صوته خرج عميقًا مشحونًا بقهرٍ مكتوم، وكأنه يحاول السيطرة على زلزالٍ بداخله، وعينيه كانت كاجمرٍ مشتعل:
"بقا بتستغفليني أنا يروح أمك... مفكراني مختوم على قفايا؟".