-->

رواية جديدة طُياب الحبايب مكتملة لرضوى جاويش الفصل 1 - 4 - الجمعة 22/11/2024

 

قراءة رواية طُياب الحبايب كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى




رواية طُياب الحبايب

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة رضوى جاويش



الفصل الأول

4

تم النشر الجمعة

22/11/2024

ألقى التحية على خفيره شبل وهو يمر خارج البوابة الحديدية لسراي رسلان، والذي كان يرغب في مصاحبته في مروره اليومي على أعماله المتعددة، لكن حبيب هتف أمرا: لاه، خليك ع البوابة يا شبل، وأني هلف لفتي وراچع، عشان تحضيرات الليلة الكبيرة. 

هتف شبل مهللا: خلاص يا بيه، حددتوا ميتا! 

أكد حبيب: بعد سبوع بالمشيئة! 

هتف شبل فرحا: ألف مليون مبروك، عجبال فرحتنا الكبيرة بِك يا بيه.. 

ابتسم حبيب رابتا على كتف شبل في مودة، واستكمل طريقه على طول الطريق الترابي الضيق لعدة أمتار حتى وصل لذاك الجسر العتيق الذي يمر فوق تلك الترعة الضيقة التي تمر عبر الرسلانية منذ عصور بعيدة، ترعة هي في الأصل فرع غير مكتمل من النيل الذي يحيط ذاك الجزء القابع فوقه سراي الرسلانية والذي يشكل شبه جزيرة صغيرة مقام عليها السراي، ومرتبطة بالبر المشكل لباقي نجع الرسلانية الذي تمتد أراضيه الخضراء حتى حدود النخيل الباسق المشرأب العنق هناك على مدد الشوف، يناطح الجبل الشرقي.. 

مر عبر بعض الغيطان ملقيا التحية على أصحابها العاملين فيها، سائرا صوب ذاك المبنى الأخضر الكائن هناك على بعد ثلاثة غيطان، والمحاط بسور خشبي قصير، تآكل بعض من خصاصه، وصله عابرا بوابته المترنحة، فآتاه صوت خفير الشونة العجوز عبد الباسط مترنما: 

            يا بت طيعي تعي في ريحي..

               ‏ده أني ياما كترت تباريحي..

                   ‏ميتا الزمان يصفالي.. 

            ‏وألاجي جلعي وافج ريحي** 

قهقه حبيب متسائلا في مرح: لسه يا عم عباسط متآمل ف الحريم تاچي ف ريحك! 

ابتسم عبدالباسط مؤكدا وهو ينهض من موضعه في احترام لزيارة السيد التقليدية المعتادة: واه يا بيه، وماله! .. ما دام الجلب لساته أخضر، الحريم تاچي رمح.. 

ارتفعت ضحكات حبيب متعجبا: وكمان رمح!  جلجلت ضحكات عبدالباسط بدورها، والتي اتسعت مبرزة فم خالِ من الأسنان تقريبا، جعلت حبيب يربت على كتف الرجل في محبة يدعوه لمعاودة الجلوس تاركا موضعه ليدخل الشونة متطلعا حوله لذاك البراح الواسع الذي كان خاليا منذ بضعة أشهر، وقد أضحى مكتظا بأجولة الغلال التي تم حصدها وتجميعها للبيع وتخزين الباقي للزرعة الجديدة الموسم القادم واستهلاك البعض طوال الموسم في توفير خزين السراي الغذائي.. 

ابتسم حبيب في رضا لوفرة المحصول هذا العام، حامدا ربه في سره مدركا أن الأمر ما هو إلا ستر من المولى حتى يستطيع تلبية احتياجات جهاز منيرة وإتمام زواجها على عجل دون مماطلة تكسر خاطرها وتهز صورة العائلة العريقة أمام انسبائها الجدد.. 

خرج حبيب من الشونة ليعاجله عبدالباسط بكوب من الشاي الثقيل المصنوع على نار الركوة البعيدة نوعا ما عن موضع جلوسهما، تناول حبيب الكوب وبدأ في ارتشافه باستمتاع هاتفا في امتنان: الغلة الموسم ده چت خير عن كل مرة، الحمد لله.. 

هتف عبدالباسط مؤكدا: رزق ورضا من المولى، ربنا يبارك فيه يا ولدي، حاكم زمان الأرض كانت كيف المرا الطايعة، تعطيها تعطيك، لكن اليومين دول بجي حالها عچب، كيف المرا العوچة، مهما عطيتها تجولك مشفتش منك خير أبدا.. 

هز حبيب رأسه موافقا، وما أن أنهى ارتشاف كوبه حتى وضعه جانبا، راحلا ليستكمل جولته.. 

                        ❈-❈-❈

وقفت في ذهول متطلعة لجسد أمها المسجي من خلف ذاك الحاجز الزجاجي، لا تصدق أنها كادت أن تفقد حياتها حين داهمتها تلك النوبة القلبية، كانت تعلم أن قلب أمها ليس على ما يرام منذ آخر زيارة لطبيبها... والذي أوصى بالراحة وعدم التعرض لأمور قاسية أو مزعجة من شأنها زيادة الحالة سوءا.. وهي بدورها احاطتها بكافة وسائل الراحة وابعدتها عن كل ما يمكن أن يتسبب في ضيقها، لكن ما لم تكن تتوقعه مطلقا، أن تكون على هذه الحالة فجأة دون أي مقدمات، أو ربما هناك ما قد حدث دون علمها.. أثر عليها لهذه الدرجة! 

جذبها ذاك الخاطر مبعدها عن الحاجز لتسير صوب مقعد خالتها درية وولدها ممدوح، متسائلة في ريبة: هو في حاجة زعلتها! أنا كنت سيباها زي الفل! 

أكدت درية ودموعها تنساب: والله يا أنوس ما في حاجة حصلت.. إحنا كنا بنتكلم عادي في التليفون زي كل يوم، وفجأة لقتها بتقولي أنا.. يعني هي.. 

حالة من الارتباك ظهرت على محيا خالتها.. وتطلعت نحو ولدها ليحاول إنقاذها من حصار أُنس وهي تتطلع إليها في تركيز في انتظار الإجابة هاتفة تتعجلها: هي ايه..! 

لم يفطن ممدوح لنظرات أمه المتوسلة كعادته، بل أضحى في فضول لسماع الإجابة كابنة خالته، التي عاودت الإلحاح: هي إيه يا دودو! ماما مالها! 

أكدت درية دامعة العينين، مترددة الكلمات كأنها تستجمعها: والله ملهاش، بس هي بقالها فترة كده بتقول إن بباها وحشها، وكان نفسها تروح تزور قبره.. 

لم تقتنع أُنس بالإجابة، لكنها هزت رأسها مدعية التصديق، هاتفة في نبرة كاظمة الحنق: أنا عارفة إن في قصة كبيرة وراكي أنتِ وماما، وطول عمري عارفة إنكم مخبيين حاجة عليا أنا وممدوح، وحاولت كذا مرة أعرف في ايه، وكنت بلاقي إجابات عجيبة منها مكنتش بتقنعني، زي إجابة حضرتك دلوقت، أنا مش هضغط عليكي يا دودو عشان عارفة إن ده مش وقته، تقوم ماما بالسلامة، وأعرف فيه ايه بالظبط.. 

اضطربت خالتها، وادعت أنها تمسح ما بقى من دمع على خديها.. حتى لا تقابل نظرات أُنس المتفحصة، وأخيرا ظهر الطبيب فجذب انتباه الجميع، دخل غرفة العناية الفائقة حيث ترقد المريضة، تفحص بعض الأجهزة والقراءات، ثم خرج وعاجلهم مؤكدا: الحمد لله، الحالة استقرت، لكن هتستمر تحت الملاحظة لحد ما نقرر موضوع العملية.. 

هتفت أُنس في ذعر: عملية! هي الحالة للدرجة دي خطيرة! 

أكد الطبيب بمهنية شديدة: العملية حتمية، ممكن نستنى عليها شوية مع بعض المحاذير، لكن في الآخر لابد منها، مسألة وقت مش أكتر. 

صمت ساد لثوانِ قبل أن تسأل أُنس الطبيب: العملية مكلفة! 

هز رأسه مؤكدا، واستطرد: الأهم دلوقت نطمن على اكتمال العلاج وتخرج بالسلامة، وخلي الموضوع ده لوقته. 

استأذن الطبيب مغادرا، تاركا الجميع يغلفهم الصمت، لاعبة برؤوسهم الحيرة..

❈-❈-❈

                         

أربعة أيام مضت، وقد استقرت حالة أمها وتم نقلها من العناية الفائقة لغرفة عادية، لكن ما يزل عليها التجهيز لاجرائها عملية دقيقة في أقرب وقت، حتى تستعيد كامل عافيتها.. 

الطبيب أكد أن تكلفة الجراحة لن تكون بسيطة، من أين لها بالمال! حتى ولو كان الأمر لن يكلفها مبلغا ضخما، لكنها لا تملك من المدخرات ما يكفل لها الشروع في إجراء العملية بالسرعة المطلوبة.. 

وعلى حد علمها، خالتها لا تملك المال الذي يمكنها اقتراضه حتى.. تنهدت في ضيق محاولة دفع التفكير في المال بعيدا، غاب النوم عن أجفانها منذ دخول أمها المشفى، ثلاث ليالِ ما ذاقت للنعاس طعما، تتقاذفها الأفكار والخواطر، ويسلب القلق منها راحة البال، تنبهت على صوت أمها فانتفضت مقتربة من الفراش، ظنت أنها تناديها طلبا لأمر ما، لكنها كانت تغط في سبات عميق، كأثر للعقاقير التي تتناولها كل عدة ساعات، وما كانت كلماتها التي تنطق بها إلا بعض الهزيان لا أكثر.. لكن أكثر ما  لفت انتباهها هو تكرار أمها لاسم ما.. كانت تكرر أحرفه بشكل متقطع، ما أن تنهه حتى تشرع في إعادته مجددا، دخل ممدوح الغرفة في غفلة منها وهي تولي كل تركيزها لاستنتاج الاسم الذي تعيده أمها في تتابع متمهل، ليهتف متعجبا في سخرية وقد أدرك ما تفعله أُنس.. فاقترب مستفسرا بدوره: خروووف! خالتي بتقول خروف! هي برلنت كان نفسها فالضاني ولا ايه! 

تطلعت أُنس نحوه شذرا، بنظرات غضبى ألجمته، لتعاود التركيز مدركة أخيرا الاسم الذي ينساب في هوادة من بين شفتي أمها.. 

رؤوف!؟ ... من يكون رؤوف هذا! 

لم تعرف شخصا يحمل هذا الاسم في محيط معارفهم أو أصدقائهم، ولم هو بهذه الأهمية العظمى، والتي تجعل أمها وهي في مثل هذه الحالة، لا تذكر سوى اسمه! 

انتبهت من خواطرها على صوت طرقات على باب الغرفة، والذي دُفع في بطء لتدخل صديقتها هاجر مندفعة نحوها تفتح ذراعيها لاستقبالها في تعاطف، هامسة وهي تضمها: ألف سلامة على طنط يا أنوس، والله لسه حمدية قيلالي ع التليفون لما أتصلت أبلغك إني رجعت من السفر.. 

هتف ممدوح مهللا ما أن لمح محيا هاجر، لكن أُنس تعمدت إرساله لإحضار بعض المشروبات لهن، فاطاع ممتعضا، كانت تعلم أنه يميل لهاجر، لكنها تدرك أيضا أن لا أمل له معها.. 

ما أن غادر ممدوح الغرفة، حتى همست أُنس متسائلة، وهي تجذب صديقتها نحو الأريكة الجلدية بأحد أركان الغرفة: سافرتي معاه برضو! 

همست هاجر: طبعا معاه، هيكون مع مين يعني! هو أنا ورايا غيره! 

تنهدت أُنس: يا بنتي والله عمرك حيروح هدر ويا الأخ ده، أنا مشفتش حد بيعامل بنت عمه كده! مديرة أعمال وقلنا ماشي، لكن سكرتيرة وطباخة ومدبرة منزل وبعد كل ده بخلان عليكي بقلبه، أنا متهيء لي معندوش قلب من أساسه! 

هتفت هاجر معاتبة: متقوليش كده يا أُنس، أنا بحبه ومش هسيبه إلا لما يعترف ويقر إنه بيحبني وميقدرش يستغنى عني.. 

هتفت أُنس ساخرة: ربنا يوفقك، مع إني أشك.. 

تطلعت نحوها هاجر معاتبة ما دفع أُنس للصمت، وخاصة حين دخلت الممرضة لإعطاء أمها بعض العقاقير التي حان موعدها.. 

                     

الصفحة التالية