رواية جديدة قلب نازف بالحب لهاجر التركي - الفصل 24 - 2 - الإثنين 4/11/2024
قراءة رواية قلب نازف بالحب كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية قلب نازف بالحب
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة هاجر التركي
الفصل الرابع والعشرون
2
تم النشر الإثنين
4/11/2024
يبدو الزمن وكأنه يتوقف. تتداخل الأنفاس، فتنتشر حرارة الشغف في كل مكان، كالنار التي تشتعل بهدوء، ثم تندلع في لمسة واحدة....
تتدفق المشاعر كالنهر المتسارع، تخترق القلب وتضيء الروح، لن تُمانع أن بقيت هكذا لدهرٍ، تمنع أي كلمة أخري بعد تلك الكلمة بأن تخرج منهُ، فالتُسدلوا الستائر علي هذا المشهد التاريخي..... فاليتوقف الزمن لدهرٍ أو أكثر عند هذا المشهد، حيث كل شيء كان مثالياً. تمنت لو أن الحياة يمكن أن تُحفظ في زجاجة، كما يُحفظ العطر، لتعود إليه كلما احتاجت لجرعة من السعادة. وقد أخذت نصيبها من الحياة بـ نيلِ مُرادها، وبدت وكأنها قد عثرت على مبتغاها في تلك اللحظة العاطفية، فلو كانت ستغادر هذا العالم الآن، ستفعل ذلك بسلام، مُمتنةً لكل ما عاشته
قد أخذت نصيبها من الحياة بـ نيلِ مُرادها.........تخلت عن خجلها وتوترها وتجردت من كل قيودها.....
❈-❈-❈
. "بعد يومين".
المطبخ، والتعب، كلمتان كانتا مُرتبطتان ببعضهما البعض، مُلتصقاتان هكذا برأيها هي، تري أن أعمال المطبخ وتحضير الطعام مهمة شاقة، تتطلب جهدًا كبيرًا، وبما أنها لا تدخل المطبخ إلاَ قليلاً، دومًا تشعر بثُقل المهمة، ليسَ لأنها فتاة مدللة، والداتها هي من تُحضر لها الطعام حتى وإن كان كوب عصير، بعيدًا عن والداتها بالفعل هي من تحضر لها أي شئ يتم أكله أو شُربه..... بل لأنها كانت مقتنعة بأنه لا يوجد سبب لدخوها المطبخ، ما الذي يُجبرها أن تقف لساعات تُعد طعامًا؟ لا شيء، والداتها تُعد الطعام لها ولشقيقاتها ولزوجها وللعائلة كُلها.... بينما هي لا يوجد من تُعد له طعمًا وبدونها لن يجد شيئًا يأكله.....
لكنها الآن وجدت من تقف من أجله لساعات وأكثر بالمطبخ من أجل إعداد الطعام له، منتظرة بكل حماسة رأيهُ فيما صنعت يداها من أجلهِ.....
وقفت في مُنتصفِ المطبخ، تتحرك بخفة وكأنها ترقص على أنغام داخلية لا يسمعها غيرها. عينها تتلألأ بحماسة، وشفتيها تزينها ابتسامة عفوية تتسع بين الحين والآخر. تتوقف قليلًا لترتب شعرها خلف أذنها، ثم تعود بتركيزها إلى المكونات التي أمامها. تقطع الخضار بمهارة، تراقب حركة السكين بانسجام، وكأنها ترسم لوحة بألوان الطبيعة. أحيانًا تهمس لنفسها بألحان صغيرة، وأحيانًا تطلق ضحكة خفيفة بلهاء كُلما تذكرت أنها بالفعل أعترفت له بمكنونات قلبها...
دفء مشاعرها يملأ المكان، ويترك أثرًا رقيقًا على كل زاوية من المطبخ، وكأن روحها أصبحت جزءًا من كل شيء حولها، تقف أمام الفرن هُناك تتأمل بعناية الدجاجة المشوية وهي تتلون باللون الذهبي المثالي. تمد يدها بحذر وتفتح الفرن ببطء، لتتسرب رائحة التوابل الذكية، مزيج من الزعتر والثوم والليمون، فتغمر المكان وتخلق جواً منزلياً دافئاً. تراقب الدجاج بتركيز، تتأكد من أن كل قطعة نالت نصيبها من التحميص، ثم تغلق الفرن بابتسامة راضية....
على الموقد، تغلي المكرونة النجرسكو في قدر كبير، ورضوى تُقلبها بملعقة خشبية لتتأكد من أنها لا تلتصق. بعدها تصنع صلصة كريمية غنية، تضيف فيها الفلفل الأسود والجبن المبشور، وكل رشّة من التوابل تضعها بعناية وكأنها تعزف لحناً صامتاً. بمجرد أن تكتمل النكهة، تمزج المكرونة بالصلصة برفق، وتزينها بجبنة بارميزان طازجة.
مع كل خطوة، يزداد حماسها، وتضيء عينيها برضا داخلي وهي ترى الطبقين يقتربان من الاكتمال،لقد بقيت لساعة الليلة الماضية تحضر إحدي الفيديوهات الخاصة بالطبخ، لتستعد بالصباح أن تُعد ما تعلمت...... وها هي تُطبق ما تعلمتهُ بكل دقة..... كانت ترتدي بيجامة منزلية بسيطة، تتكون من قميص قصير بأكمام واسعة بلون أخضر داكن، مزين بنقوش زهور صغيرة. القميص كان ينساب برفق على جسدها، مما يبرز ملامحها بشكل أنيق. أما البنطال، فقد كان واسعًا ومريحًا، بلون مكمّل للقميص، يضفي على مظهرها لمسة من الأناقة والراحة.... ونظرًا لأن درجة الحرارة بداخل المطبخ دافئة لم تكن بحاجة لإرتاد السُترة العلوية للبيچامة
❈-❈-❈
كانت تتحرك بخفة وأناقة، تزين السفرة بألوان وأشكال جذابة كأنها لوحة فنية. وضعت مفرشًا من الكتان الناعم بلون فاتح يتناغم مع زهور بيضاء ووردية زاهية في منتصف الطاولة. رصّت الأطباق بترتيب دقيق، تضع في كل زاوية لمسة من البساطة والأناقة؛ كؤوس زجاجية تعكس الضوء بشكل خافت، وأدوات مائدة بلمعان ناعم. بين كل صحن وآخر وضعت مناديل قماشية مطوية بدقة، بينما زينت الأطباق لمسات صغيرة من الخضار الطازجة والليمون.....
خرجَ هو من المرحاض، وفورًا أستقبلتهُ رائحة الطعام الشهية، لتُداعب معدتهُ الفارغة، القي بالمنشفة علي الطاولة بعد أن أنتهي من تجفيف وجههِ.... وتقدمَ يخطو نحوها.....، أستقبلتهُ بأبتسامة واسعة رقيقة، أقترب من السفرة أكثر يتأملها بأعجاب، قائلاً بحماسة:
_"الله، الله، ده اي الحلاوة دي؟ بنتنا بقت شيف يا جماعة، شويه كمان وهتنافس الشيف حسن! ".
ضحكت بخفةٍ، كانت ملامحها تشع إشراقًا براقًا لم تستطع إخفاءه. ابتسامة رقيقة رسمت نفسها على شفتيها، وعيونها كانت تتلألأ بلمعة حماس ودفء يملأ المكان. خدودها توردت بلون وردي خفيف يزيدها جمالًا، وجبينها انبسط بارتياح يُظهِر سعادتها الصافية. كل حركتها كانت خفيفة، تكاد تنعكس في عينيها نظرة فخر وسرور، كأنها تفتخر بكل ما أعدته. كان من الواضح أن سعادتها ليست عابرة، بل عميقة ومتغلغلة في تفاصيل وجهها، مما جعلها تبدو كنسمة دافئة تُضفي حياة وبهجة على المكان....
لم تحتاج لدعوته للجلوس، هو قد سحبَ لنفسهِ كُرسيًا وجلسَ، عندما تتحدث المعدة، كل الأصوات تصمت أحترامًا، لا وقت لتضييعهُ، الدجاجة الموضوعة أمامه بمنتصف الطاولة المتوسطة الحجم، تُغريهِ لتناولها:
_" ريحة الأكل تجنن، تسلم إيدك، شكلي مش هأكل غير من إيدك بعد كده، مع أن الحجة لو سمعت كده ممكن تطردنا أنا وأنتِ ".
جلست علي الكرسي المجاور له:
_" يااه تصدق وحشوني أوي، البيت هناك كُله وحشني...".
_"وأنا كمان، كلها أسبوع بالكتير ونرجع.... إلا لو أنتِ حابة نقعد أكتر معنديش مانع".
_"لا علشان شُغلك ".
غرفت له قطعة من المكرونة تضعها بصحنهِ، أجابها بينما شرعَ في تناول طعامه:
_" مجاتش علي يومين زيادة عادي! وبعدين طارق مظبط كل حاجه هو وإبراهيم، أنا بعتمد عليهم جدًا ".
أبتسمت له بلطف وقد شرعت في تناول طعامها هي الأخري بصمت، حتى قطعَ هو هذا الصمت يقول:
_" ناوليني بقا الفرخة دي، من ساعة مشوفتها وهي بتغريني أكلها كلها".
_"ألف هنا".
رفعت الطبق كُله لتضعه أمامه:
_"الواحد نفسه يمسكها كلها يقطعها زى الحج عبدالغفور البُرعي".
أطلقت ضحكة رنانة، تناوله السكين الصغيرة:
_"بس دراعي معطلني.... هو مش معطلني عن الأكل بس، هو معطلني عن حاجات تانية ".
غمزَ بطرف عينيهِ بعبثٍ، ولقد فهمت ما يرمي إليه، أحمر خديها، وصوبت عينيها بطبقها تعبث بالمعلقة، تقول:
_" مُراد كُل يا حبيبي ".
_" رضوي اللي كانت بتقولي يا عمو.... دلوقتي بتقولي يا حبيبي، سُبحان مغير الأحوال".
رمقته بغيظٍ، من ثم رفعت سكينتها الصغيرة، تصوبها ناحيتهُ قائلة بدرامية:
_"أسكت أحسنلك ".
مثلَ أنه حقًا قد خافَ منها، متراجعًا يقول:
_" حاضر يا روبانزل.... بس أهون عليكِ".
توقفت رضوى للحظة، عاقدة حاجبيها بشيء من الفضول وهي تنظر إليه ثم ابتسمت ببطء وسألته بلطف:
_"صح أنتَ ليه دائما بتناديني بـ 'روبنزل'،من زمان نفسي اسألك؟".
ابتسم "مراد" بدوره، وظهر على وجهه مزيج من الحنان والهدوء، وكأنه كان ينتظر هذه اللحظة ليفصح عمّا في قلبه. قال بصوت منخفض وعينيه تتأملان ملامحها:
_"فالأول علشان كُنتِ شبهها، شعرك.... شكلك، براءتك حسيته لايق عليكِ، كنت بقوله بتلقائيًا ".
أبتسمت تقول بفضول:
_"ودلوقتي؟! ".
_" ودلوقتي لما قربت منك، وعلاقتنا خدت مُسمي تاني....أكتشفت أنك فعلاً شبهها قلبًا وقالبًا، أنتِ زي الأميرة الي فضلت بعيدة في بُرجها، مُحاصرة بمخاوفها وأسرارها، وبالرغم من كده، عندك شجاعة خاصة، بتخلي أي حد يقرب منك يبقي عنده رغبة في كسر الحواجز اللي حواليكِ، زي ما عملتي فيا بالضبط"
صمت لثانية وكأنه يتأمل وقع كلماته عليها، ثم أكمل:
_"وكمان في حاجة تانية، زي روبانزل، عندك القدرة الفريدة، فأنك تدي النور للي حواليكِ....علشان كده أنتِ روبانزل بالنسبة ليا، علشان ده اللي عملتيه فيا، ".
ابتسمت" رضوى" بخجل، وعينيها تلمعان بمزيج من الدهشة والفضول، لكنها لم تقاطعه، فأكمل "مراد "حديثه وكأنما غرق في أفكاره:
_" عارفة؟ روبانزل مكانتش تعرف قوتها الحقيقة، كانت محبوسة، بتخاف من العالم، كانت فاكره أنها مجرد شخص عابر عادي، وبالرغم من كده، لما جه اللي يكسر حواجزها، أكتشفت أن جواها قوة أكبر مما كانت تتصور، أنتِ زيها يا رضوي، ورا كل سكوتك وكسوفك وتوترك، عندك شجاعة عميقة مدفونة جواكِ..... وليكِ نظرة تفاؤلية للحياة بتخليني أحس إني عايز أحميكِ، حتى لو أنتِ قوية"
توقف للحظة، وحدق فيها بشيء من الانبهار، ثم أضاف بهدوء:
"ويمكن كمان، أنتِ شبهها، مش محتاجه حد ينقذك أنت منقذة نفسك، وبالرغم من كده، أنا حاسس إني محتاج أكون جنبك، أكون الشاهد علي لحظات أمتداد نورك".
شعرت" رضوى" بارتباك يسري في أوصالها، لكنها أبقت عينيها على" مراد"، مستسلمة لكلماته التي تحفر أعماق قلبها. كانت تريد أن ترد، أن تعبر عن شيء، لكن صوت "مراد "كان أعمق وأقرب، واسترسل وكأنه لا يملك خيارًا سوى البوح:
_"بس هنا بقا أنتِ اللي خلتيني أكتشف قوتي، أكتشف الحُب، كنت بشوف زمان الحب ضعف،ودلوقتي أنا شايفة أكبر قوة..... حاسس أن ربنا وضع فيكِ حاجه كده خلتني أحبك حتى من غير ما أخد بالي، ومن غير أي مجهود منك لقيتني بتعلق بيكِ وبرمي أي حواجز وأي حاجه ورا ظهري.... عمري ما كُنت أتخيل إني أتحط فالموقف ده... وبالذات معاك أنتِ".