-->

رواية جديدة قلب نازف بالحب لهاجر التركي - الفصل 22 - 1 - الجمعة 1/11/2024

  

قراءة رواية قلب نازف بالحب كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى




رواية قلب نازف بالحب

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة هاجر التركي


الفصل الثاني والعشرون

1

تم النشر الجمعة

1/11/2024




رجعت بظهرها إلي الخلف تجلسُ بإرياحية أكبر علي كُرسيها الوثير القابع بمُنتصفِ الشُرفة، وآهٍ من الشُرفة،أنهُ عشقً آخر، حياة أُخري، ليست لأنها تُعتبر أستثمار هندسيّ رائع لفكرة الأعيُن، بل لأنها أيضًا، الجزء المرئي من روحِ المكان، وأي مكان لا يوجد بهِ شُرفة هو بلا روحٍ من وجهة نظرها هي......بينما هي هنا تجلسُ بمُفردها دونَ فعلِ شيئًا مهم ولديها بعض الفراغ،وهي تكره ذالكَ بالطبع،وقد أتفقَ كل البشر معها هنا، وبالرغمِ من ذالكَ كانت القراءة أستثناء، خروج عن القاعدة، فالقراءة هي الفراغ الوحيد التي تقفزُ لها متغلغلة بينَ أركانها بكامل أرادتها......... 


ظلت أعيُنها مُركزة علي الكتاب بينَ يديها، تقرأ فيهِ بتمعنٍ وتركيز، قد كانَ كتابًا عن الفلسفة، لم يسبق لها وإن قرأت فالفلسفة، لكن وجدت الكتاب هنا كما وجدت العديد من الكُتب الأخري في مجالات مختلفة .... لذا هي جالسة هنا بالشُرفة منذ ساعة لا تشعر بمرور الوقت من حولها، القمر يتوسط السماء، نسمات الهواء اللذيذة تُداعب جلد بشرتها العارية،أقصدُ جزئها العلوي، حيث كانت مُرتدية كنزة زهرية بحمالات رفيعة، غير مُبالية بالجو، وكونه بارد قليلاً.....


للحظة مرت صورتهُ لذهنها، مما جعلها تبتسمُ تلقائيًا، وأغلقت الكتاب، ترجعُ برأسها للخلفِ متنهدة بحرارة، وصدرها مُتسع بأبتهاج، شعرت بالأشتياقِ له، تُعد من ضمن  الضروريات الأكثر أهمية لأرتفاع نسبة أقبالها علي الحياة، هي رؤيتهُ، رؤيتهُ ضرورة حتمية لا نقاش بها، تُعيد لها أتزان قلب تبعثر وأهتز كيانهُ في غيابهُ، وهي لم تُتيح لها الفُرصة ورأتهُ، طوال اليوم خارج المنزل، غابت شمسهِ عن سماءها يوم كامل، ليترك خلفهُ غيوم داكنة مُتبلدة تُنذر بهطول أمطار شديدة، وحشية......يا لها من مُبالغة، أحدكم يصفعها بأحدي الزجاجات علّها تخفُ من وطئة رومانسيتها المُبالغ بها تلك الفتاة...... 


تبًا نحن علي وشكٍ الأقلاع إلي رحلة من الأحاسيس المُرهفة والمشاعر الجياشة بعد قليلٍ، أستعدو يا رفاق!..... 


منذ أن أستيقظت صباح اليوم وهي تشعرُ بثقلٍ برأسها، لقد خفَ الثُقل قليلاً الآن، هذا جيدًا، لا تعرف أينَ كان عقلها عندما شربت ذاكَ المشروب الغريب.....الذي جعلها مستيقظة صباحًا لا تتذكر شيئًا مما حدث ليلة أمس، آخر ما تتذكره هو تواجدها في المكان بمفردها بعد مغادرة تلك المرأة....... 


أنتبهت لأصوات دقات علي باب الشقة، نظرت لساعة يدها الرقمية، وجدتها تُشير إلي الثامنة مساءًا، "مُراد" قد أخبرها أنه سيعود بالعاشرة.... أبعدت الكتاب تضعه علي الطاولة الصغيرة، من ثم ألتقطت روب منامتها ترتديهُ فوقَ ملابسها.... أقتربت من الباب بتحفظٍ، نطقت باللغُة الفرنسية ظنً منها أنهم عُمال الفُندق: 


_"نعم، منْ؟ ". 


لم يأتهَ ردً،توترت أكثر،ترددت في فتحِ الباب،أستجمعت شجاعتها،تطمئن ذاتها أنه لا يوجد شيءً مخيف،أحكمت أغلاق روبها،من ثم فتحت الباب بتروٍ ممزوج ببعض الحذر، استقبلتها الأضواء الخافتة التي تنبعث من الخارج، لكن شيء ما كان غريبًا، قلبها بدأ ينبض بسرعة، وأحست بشيء غير مريح في صدرها


نظرت أمامها لكنها عقدت حاجبيها عندم لم تجد أحدٍ، وبتلقائية، أنتقلت ببصرها للأسفل، تحديدًا لعتبة الشقة،  تجمدت مكانها. كان هناك جسم مُلقى على الأرض. اقتربت بحذر، جسد مُلقي بأهمال علي بطنهُ وتصدرُ منه أصوات أنات خفيضة مُتألمة ، وكأن كل خطوة تخاف من أن تكون خاطئة


وعندما اقتربت أكثر، اتضح لها أن هذا"مُراد" مرمي بأهمال أمام الشقة وكأنه جثة هامدة لا حياة بها، أنقبضَ قلبها،وتسارعت دموعها، وكادت أن تفقد وعيها من الصدمة، "مراد"، الذي لطالما كان مصدر قوتها، كان مرميًا على الأرض، وجهه كان متورمًا، وعيناه مغلقتان بشدة كأنه يحاول أن يهرب من الألم،قلبها تمزق من المشهد، سرت قشعريرة في جسدها وهي تراه بتلك الحالة


_"مُراد لا! ". 


صاحت بها بذهول وعدم تصديق،صوتها ارتعش. اندفعت نحوه وراحت تراقب ملامح وجهه المكسور، الذي كان يعكس كل معاناته. شعرت بنبض قلبها يتسارع كما لو كان يتسابق مع الزمن لإنقاذه


انحنت عليه سريعًا والرؤية بدت غير واضحة بفعل دموعها، تحاول استيعاب ما حدث، كان مغمض العينين، وشفتيه متورمتين، لكن نبض قلبه كان واضحًا عندما أنحنت سريعًا تتفقدهُ بعد أن عدلت من وضعيته بأيدي مُرتعشة باردة..... 


_" مُراد، أبوس إيدك لا علشان خاطري، متعملش فيا كده  .... يا مُراد رُد عليا؟ "


قالت ذالكَ بصوتٍ متقطع،همست، وبصوتها كان خليطًا من الذعر والألم. كان كل شيء يدور حولها، لكنها شعرت أن العالم قد توقف في تلك اللحظة، والدموع تتساقط على خديها، تتمنى لو كانت قادرة على نقل الألم الذي يشعر به إليها، أن تأخذ عنه كل ما حدث، ومع كل لمسة، كانت تشعر بمدى ضعفه،وهذالة جسدهِ  وبمدى الخوف الذي كان يعتري قلبها. كان جسده باردًا، لكنها كانت تأمل أن تستعيد فيه الحياة. عادت إلى الواقع عندما شعرت بحركة في يده، أبتسمت بأملٍ من بين دموعها، تناديهِ بقلبٍ منفطر: 


_"علشان خاطري متسبنيش، فوق علشان خاطري، اي اللي حصلك؟ ". 


تسرب الخوف إلى عظامها، وضغطت يديها على كتفيه. كانت تدرك أن حياتها على المحك، فتح عينيه بصعوبة، ورآها، فابتسم لها رغم الألم الذي كان يعاني منه،


"متعيطيش أنا كويس متخافيش" 


همس بصوت بالكاد يُسمع، ووجهه كان مليئًا بالآلام التي لم تستطع أن تتجاهلها، كانت تلك الكلمات كالسحر، لكنها لم تكن كافية لتهدئة روعها 


_"أنا هكلم أقرب مستشفى هنا مش هسيبك، علشان خاطري خليك صاحي، اوعا تروح مني، كل حاجه هتبقي كويسه وأنت هتبقي كويس"


كانت صرخاتها تعلو، وقلبها يكاد ينفطر، محاولتها أن تكون قوية رغم أن قلبها كان ينهار،استدارت بسرعة نحو الهاتف بالداخل علي الطاولة،بينما بأعين مذعوة تراقبهُ، الذي بدا وكأنه يحاول أن يكون قويًا من أجلها كي لا تخاف، لكنه كان ضعيفًا في نظرها، وكانت خائفة، خائفة جدًا....


شعرت بدموعها تتجمع في عينيها، وكأن الألم الذي يشعر به كان جزءًا منها. كانت تخشى أن تفقده، وأن تصبح تلك اللحظة واحدة من اللحظات التي تطاردها طوال حياتها. كانت الأصوات في داخلها تعبر عن مشاعر متناقضة، الحب، والخوف، والأمل... 


همست بصوتٍ مُرتعش مُتقطع : 


_"لا لا، مش هسمحلك تتخلي عني، مش هسمح أبدًا"


❈-❈-❈


مراد كان مستلقياً على السرير في غرفة المستشفى، جسده مُمدّدٌ على الفراش الأبيض، الذي كان ناصع البياض وذو رائحة معقمة. كان يتنفس بصعوبة، ويُظهر على وجهه علامات الألم والتعب. عينيه الرماديتين كانت مغمضتين، وكأنهما تحاولان الهروب من واقع مرير.


فوضى من الأسلاك والأجهزة كانت تحيط به، مما يضفي طابعاً تقنياً على المشهد. صوت الآلات الطبية كان يتداخل مع صوت أنفاسه، مما أعطى انطباعًا بأنه في معركة حقيقية للبقاء... كان شعره الداكن فوضويًا ومبللاً، وكأن أحدًا لم يهتم بتسريحه منذ أن وُضع هنا.


إحدى ذراعيه كانت مرفوعة بمساعدة المحاليل الوريدية، بينما الأخرى كانت مُربطة برباطٍ ضاغط، مما جعل جلده شاحبًا وعلامات التعب بادية عليه. كانت هناك كدمات صغيرة تحت عينيه


رغم حالته، كانت هناك لحظة من الهدوء على وجهه، وكأنه غارق في أحلام بعيدة. ربما كان يحلم بلحظات جميلة، أو بضحكة "رضوى"، تلك التي كان يراها دائمًا كطيفٍ يرافقه في كل مكان. شعور بالحنين يحيط به، ويدعو له أن يعود إلى حياته الطبيعية، بعيدًا عن هذه الجدران الباردة والأضواء القاسية.


كان" مراد" في تلك اللحظة، ليس فقط جسدًا مُصابًا، بل روحًا تواقة للحياة، تُحارب بشراسة لتعود إلى من تحب، لتعيد بناء ما تهّدم.... 


❈-❈-❈


رضوى كانت تجلس في غرفة الانتظار، عينيها تراقبان الباب باهتمام، حتى دخل الطبيب بوجهٍ جاد، ممسكًا بملفٍ. تقدمت نحوه بسرعة، وعلامات القلق تتلألأ في عينيها... 


نهضت من معقدها تهرولُ نحوهُ، وقد كانَ طبيبًا مصريًا صديق قديم لَـ "مُراد" لجئت له بعد أن ضاقت بها السُبل في العثور علي رقم إحدي المُستشفايات هنا، وجدته كطوقِ نجاة عندما تذكرت أنه صديق زوجها، فورًا جذبت الهاتف من جيب سروال زوجها المُصاب وأتصلت به، وقد نجدها بحقٍ.... 


_"دكتور مصطفى، جوزي كويس صح؟ قُولي أن مُراد بخير ومحصلوش حاجه؟ ". 


كانت دموعها تسبق حديثها، أجابها بهدوءٍ، وبعلمية يقول: 


_" سلامة مراد بتعتمد على مدى استجابته للعلاج، هو أتعرض لضرب قوي، بس أطمني دلوقتي حالتُه مُستقرة نوعًا ما! ". 


سألتهُ بحذرٍ: 


_" في أي أصابات خطيرة يا دكتور، متخبيش عليا، أنتَ شوفت شكله كان عامل أزاي؟؟ 


_"أي نعم أن الكدمات اللي علي وشه وفي جسمُه بتشير أنه أتعرض لضرب مُبرح، بس مفيش الحمدلله أي كسر فالدماغ مثلا، هو بس كسر بسيط في دراعه الشمال، هنحتاج بس لمراقبتهُ كام يوم! "


_"مراقبته؟ هو هيفوق أمتا؟طمني؟"


القي نظرة خاطفة للملف بيدهِ يقول: 


_"صعب نحدد ده دلوقتي، حالته مستقرّة، لكن محتاج راحة، هنراقب أي تغيرات في حالته"


أبعدت عينيها، تنظرُ ناحية الغرفة القابع بها، ثُم عاودت النظر للطبيب تسأله: 


_ "هو أنا ينفع أدخل أشوفه؟ ولو لدقيقتين، عايزة أكون جنبه ."


اومأ لها مُتفهمًا حالتها، قائلاً بتحذير: 


_"مُمكن، بس من فضلك الزمي الهدوء حالته محتاجة راحة، يعني بلاش عياط، أتكلمي معاه بصوت واطي قدر المُستطاع". 


ابتسمت برغم القلق الذي كان يعتصر قلبها، وأومأت برأسها في فهم، دخلت غرفة "مراد "ووجدته مستلقيًا، عينيها تملؤها الدموع، لكنها عرفت أنها بحاجة إلى أن تكون قوية ولكن كيفَ ومصدر قوتها مُمدد لا حول له ولا قوةٍ؟؟


والصمت كان يعم المكان إلا من صوت جهاز المراقبة الذي ينبض بالحياة، ويعكس القلق الذي يعتري" رضوى"..... عندما رأت " مراد "مستلقيًا على سرير المستشفى، لم تستطع كبح مشاعرها. تجمعت الدموع في عينيها، تتلألأ كالجواهر، وعندما انفجرت، كانت كأمطار غزيرة تتساقط من عيونها. كان قلبها يتقطع وهي تنظر إلى وجهه المتورم وكدماته البارزة، شعور الخوف يتسلل إلى أعماقها، وكأنها تعيش كابوسًا لا ينتهي.


الصفحة التالية