رواية جديدة قلب نازف بالحب لهاجر التركي - الفصل 22 - 2 - الجمعة 1/11/2024
قراءة رواية قلب نازف بالحب كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية قلب نازف بالحب
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة هاجر التركي
الفصل الثاني والعشرون
2
تم النشر الجمعة
1/11/2024
جلست على حافة السرير، يديها ترتجفان وهي تمسك بيد "مراد" وكأنها تريد أن تعطيه جزءًا من قوتها المُستمَدة منهُ هو . كانت نظراتها متشبثة بوجهه الذي كان مغطى بكدمات وأثر الضربات
كان يبدو شاحبًا وضعيفًا، كان وجهه يشبه لوحة مؤلمة،ويداه موصولتان بأجهزة طبية، مما زاد من قلقها. ضمَّت يديها إلى صدرها، وكأنها تحاول حبس الألم بداخلها، لكن لا جدوى. شعرت بضغطٍ خانق في صدرها، وكأن العالم بأسره ينهار من حولها. عينيه مغلقتان،ومع ذلك، شعرت أن هناك بقايا من روحه تحارب للبقاء. كانت الكدمات على وجنتيه تخبر قصة من الألم، لكن في قلبها كانت تمنيات الأمل تنمو كزهور برية في صحراء القلق.....
دنت منهُ تهمسُ بضعفٍ:
_"مراد، من فضلك، افتح عينيك. أنا هنا معاك، مش هقدر أعيش من غيرك يا مُراد، أوعي تستسلم وتسيبني، أنا والله من غيرك أموت "
صوتها كان مليئًا بالعواطف المتناقضة، الخوف والحنان، وهي تجلس بجانبه، تتمنى لو تستطيع نقل بعض من طاقتها إليه، نظرت إلى جبينه المقطب، وعندما لمحت ما كانت تخشاه، بدأت دموعها تتسلل من عينيها.....
همست بصوتٍ منخفض، وكأنها تخشى أن يسمعها أحد. أحست أن خوفها يتصاعد كدخانٍ يملأ الغرفة، مُحاصرًا مشاعرها بين قلقٍ لا ينتهي وحبٍ متأجج:
_"مش هعرف أعيش من غيرك، أنتَ وعدتني هتبقي جمبي وهتفضل حمايتي، أوفي بوعدك علشان خاطري ".
فلتت منها شهقةً رغمًا عنها، أخذت نفسًا عميقًا، محاولتها للسيطرة على مشاعرها كانت صعبة، ولكنها كانت مصممة على أن تكون قوية من أجله. كانت الأصوات من حولهم تهمس، لكن كل ما كانت تريده هو أن تكون معه، تشعره أنه ليس وحده.
شعرت بألمٍ يخترق قلبها عندما رأته بهذه الحالة، ورغم كل شيء، ظلت تعاود النظر إلى وجهه، وكأنها تتوسل إليه أن يعود.
_" أنا هنا جمبك يا حبيبي، مُش هسيبك ثانية، أنا معاك، فوق أنا ماليش غيرك والله العظيم. "
وضعت رأسها على كتفه، ودموعها تتساقط على صدره. شعرت بأنها تحتاج إلى التمسك به أكثر من أي وقت مضى، تمسكت بيديهِ أكثر:
_"أنتَ كنت كويس أي بس اللي حصلك، مين عمل فيك كده؟"
بكت بحرقة، كأن كل دمعة تسقط من عينيها تحمل معها جزءًا من روحها. كانت تتمنى أن تلمسه، أن تزيل عنه الألم، لكن الخوف كان يسيطر عليها، يخطف أنفاسها ويجعلها عاجزة عن التحرك، كل ما كان يشغل بالها هو أن ينهض من سريره، أن يستعيد قوته
_"متسبنيش، وحياتي عندك متيسبني ".
تمنت بصمت، وهي تمسح دموعها بظهر يدها، تحاول أن تتماسك أمام ضعفه، لكن قلبها كان يخفق بشدة، يصرخ بمدى خوفها وحبها له.
❈-❈-❈
. "بعد مرور يومين".
في تلك اللحظة، حين أفاق" مُراد" أخيرًا، كان كأنه يُبعث للحياة من جديد. رمش عينيه ببطء، وبدا وكأنه غارق في ضباب خفيف، يحاول أن يستوعب ما حوله. أول ما شعر به هو الضوء الناعم في الغرفة، يمتزج بصوت خافت لنبضات الأجهزة من حوله. كانت عيناه مثقلتين، ووجهه يبدو عليه الإرهاق والهدوء معًا.
جال بصره حول الغرفة، وبعد لحظات شعر بيدٍ ناعمة تُمسك بيده، مما جعل قلبه ينتفض بصمت. كانت" رضوى" جالسة إلى جواره، ملامحها باهتة من السهر، لكن وجهها ينير بابتسامة واسعة، كأنها لا تصدق أن" مُراد"أخيرًا عاد إليها... لم تستطع "رضوى" السيطرة على دموعها، فقد انهمرت كأنها تمطره فرحًا، تحاول أن تتكلم لكنها كانت خائفة من أن تفسد هذه اللحظة بالكلام. ظلّت تتأمل وجهه بتلك النظرة التي تحمل مزيجًا من الحب والشوق العميق والارتياح، وكأنها تراه للمرة الأولى بعد غياب طويل أنهكها وملأها بالخوف.....
لاحظت رضوى أول حركة منه، وشهقت بخفة وهي تضع يدها على فمها، محاولة كتم فرحتها الهائلة
بدأ "مراد" بتحريك أصابعه ببطء، وكأنه يتحسس دفء يدها، بينما راحت" رضوى" تضغط على يده بحنان، تكاد لا تصدق أن الوعي عاد إليه.أمسكت بيده برفق، وكأنها تتشبث بحياة لم تتوقع أن تستعيدها. نظرتها لم تكن مجرد فرحة عادية؛ كانت تمتلئ بالامتنان والطمأنينة، كأن شيئًا داخلها تهدّم وعاد لبنائه من جديد. شفتيها كانت ترتجف من شدة التأثر، وعيناها تتحدث بآلاف الكلمات التي لم تستطع التعبير عنها
اقتربت منه بحذر، همست باسمه بصوت مخنوق:
_"مراد... سامعني؟"
ابتسم ابتسامة ضعيفة جداً، ثم رمقها بنظرة صامتة، كأنه يحاول أن يعتذر بصمته على كل شيء. فتح شفتيه بصعوبة، وكأن صوت خافت، بالكاد مسموع، خرج منه:
"رضوى..."
ابتسمت رضوى بحرارة، وعينيها تلمعان بالدموع التي لم تعد تستطيع السيطرة عليها، همست له بشوق:
"كنت متأكدة إنك مُش هتسيبني حمدالله على سلامتك، أنتَ مُش متخيل أنا مبسوطة أزاي، ألف حمدالله على السلامة".
سعلَ ببعض التعب، يبتسمُ لها بخفوت، حاول جاهدًا أن يعتدل في جلستهِ،كانت رضوى تقف إلى جانب سريرهُ، وعينيها مليئتان بالاهتمام والقلق، تمسك بيديه برفق لتساعده على الجلوس ببطء، وجهه شاحب وعيونه تُظهر إرهاقًا شديدًا، لكن ابتسامة صغيرة بدأت ترتسم على شفتيه بينما يراها تساعده بحرصٍ، وأهتمام:
"مراد، خد بالك وحاول تتحرك بهدوء،".
قالت له بنبرة حنونة، وهي تمسك بكتفه وتدعمه بلطف، تدعوه لأن يعتدل دون أن يشعر بالتعب،قائلة بحنان:
"مش مستعجلين، المهم إنك ترتاح، علي مهلك "
حاول "مراد "أن يستقيم قليلاً، وعضلاته تؤلمه بعض الشيء، لكنه أبى أن يظهر ذلك أمامها. شعر بالدفء يغمره بينما يدها الحنونة على كتفه تعطيه طمأنينة وراحة،نظر إليها بامتنان، وهمس بصوت خافت:
_"شُكرًا تعبتك معايا وقلقت أوي".
علي ماذا يشكرها؟ هي من توجه له كامل الشُكر في مقاومتهُ وعودته للحياة من أجلها، ابتسمت له بحنان قائلة:
__"أنا هنا علشانك، وهفضل هنا ".
أحاطته بذراعها لتثبته، وساعدته على التقدم بهدوء ليرتاح على الوسادة، ثم رتبت له الغطاء بإتقان، وكأنها تخشى أن يشعر بأي تعب
نظرت إليه بحنان، وتمسكت بيده لثوانٍ أخرى، وكأنها تطمئن نفسها قبل أن تطمئنه،فـَ" مراد" هنا، في مكانه، يعود إليها رويدًا رويدًا.. تنهد يقول بهدوء:
_" رضوي أنا عايزك ترجعي تلمي حاجتنا من الشقه! ".
عقدت حاجبيها تسأله:
_" ليه؟ أي إللي حصل؟ ".
_" أسمعي الكلام دلوقتي، وبعدين أبقي أفهمك، هترجعي الشقة تجيبي الشُنط، السواق هيبقي معاكِ.... أنتِ روحتي الشقة من لما أنا جيت هنا؟ ".
هزت رأسها نافية:
_" لا، مقدرتش أسيبك هنا لوحدك! ".
_" أتحركي دلوقتي، أنا بقيت كويس الحمدلله، هاتي شنطنا هنا، وأنا هدبر مكان تاني،ومتنسيش تلفوني محتاجه ".
لم تكن تفهم لماذا؟ ما علاقة الشقة بالذي حدث؟، لكنها لم تفضل أن تسأله أو تستفسر كي لا تُتعبهُ بالحديث، لذا، اوماءت بتفهمٍ، مُبتسمة لهُ بهدوء قائلة:
_" حاضر... ".
رجعَ برأسهِ للخلف براحةٍ، متنهدًا.....
❈-❈-❈
في الأيام التي قضاها مراد في المستشفى والتي تمثلت في ثلاثة أيام قضاهم هنا، كانت رضوى بقربه كأنها روحه الثانية. كانت تعيش كل لحظة معه، تستشعر كل ألم يمر به، وتحاول أن تخفف عنه وكأنها تعطيه من قوتها وصبرها. لم تكتفِ بالجلوس قربه فقط؛ بل كانت تلمس يده بحنان، تغمره بنظرات مليئة بالشجاعة والتفاؤل، وكأنها تخبره بصمت أن هناك من يقاتل معه في هذه المعركة....
حين كانت ملامح التعب ترتسم على وجهه الشاحب، كانت تهمس له،تخبره بأشياء مضحكة قد تبدو سخيفة لكنها كانت تتعمد قولها بطريقة درامية، فتنساب على شفتيه ابتسامة خفيفة وكأنها تزرع فيه الحياة مجدداً. وكلما شعر بالضعف أو الإحباط، كانت تقف بجانبه، تُعانقه بعينيها، وتملأ الغرفة بصوتها الهادئ وحضورها تسانده كتفًا لكتف
ليلة أمس حينَ أشتدَ عليه الألم بسبب كسر ذراعهِ،جلست بجوارهِ، على حافة السرير، تدلك يديه برفق، وكلما أغمض عينيه، كانت تُناغمه بلمساتها، تُربت على جبينه، ولا تنفك عن الدعاء له بصوتٍ خافت يختلط بأنفاسها المتقطعة من التعب.
حتى حين يغفو هو للحظات، كانت لا تجرؤ على مغادرة الغرفة، تخشى أن يحتاجها ولو لدقيقة وهي بعيدة. وعندما يأتي الصباح، تُحضر له قهوته سرًا،لأن الطبيب منعَ عنه المشروبات،لكنها تعلم أنه يُحبها ولا يستطيع تفويت صباحهُ من دون القهوة.....
بذلت قصاري جُهدها للأعتناء بهِ، تُمسك يده لتساعده على الجلوس قليلاً، تُعدل له الوسادة وتساعده على الاستقامة، تشجعه بنظراتها المليئة بالعزيمة، لم تكن لحظات وجودها بجواره تمر عليه عابرة، بل كانت تشعره أن كل حركة، كل همسة، وكل لمسة من يديها كانت بمثابة طوق نجاة.
❈-❈-❈
وقفت السيارة أمام أحدي المباني في أحد الأحياء، في قلب" باريس" وبالقرب من حي" سان جيرمان" الشهير، يوجد حي "سان ميشيل" الذي يُعتبر ملاذًا هادئًا بين صخب المدينة. يتميز بشوارعه المرصوفة بالحجارة، والمُظللة بأشجار السنديان التي تتيح للضوء أن يتسلل بلطف من خلال أوراقها
تتميز المباني هنا بتصاميمها الكلاسيكية، حيث تتناغم النوافذ الكبيرة المُزودة بالشرفات الحديدية مع واجهات المباني المطلية بلون البيج الفاتح. يُضيف السور الحجري الأبيض المحيط بالحدائق العامة لمسة من الجمال، حيث يجتمع السكان المحليون للاستمتاع بنزهاتهم أو القراءة في هدوء، لاحظت هي جمال المنطقة الخلاب، مكان يبعثُ الراحة بالأنفُس، وقد كان أختيارًا موفق من زوجها، حيث أنه هو أكثر شخص يحتاج للراحة والهدوء، حتى يتعافي ويستردُ عافيتهُ كاملة
أقتربَ السائق من الحقيبة الخلفية للسيارة وبدأ بأخراج الحقائب خاصتهم، ساعدتهُ هي بلطفٍ لكي يخرج من السيارة:
_"المكان حلو أوي هنا، أنتَ لحقت تجيب الشقة ازاي بالسرعة دي؟ ".
أبتسمَ بثقةٍ، يقول مازحًا:
_" فرنسا كلها تحت أمري، تلفون صغيرة مني بس كانت جاهزة ومفروشة ".
شاركتهُ الضحكِ تقول:
_" أممم، شخصية مُهمة بقا وكده؟ ".