رواية جديدة قلب نازف بالحب لهاجر التركي - الفصل 23 - 1 - الأحد 3/11/2024
قراءة رواية قلب نازف بالحب كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية قلب نازف بالحب
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة هاجر التركي
الفصل الثالث والعشرون
1
تم النشر الأحد
3/11/2024
استقرت الشمس في كبد السماء، مرسلةً شعاعها الدافئ الذي تسلل عبر النوافذ الزجاجية، ملامسًا تفاصيل الغرفة برقة وقد قامت هي بفتحِ الشُرفة صباحًا ما أن وجدت أن الجو جميل ومُشمس ودافئ، لتجعل الحياة تدب بالغُرفة بعد كآبة الليل الطويل......
" مراد"، الذي استعاد شيئًا من عافيته، ولله الحمد، كان يجلس على الأريكة الكبيرة، بملامح تحمل آثار التعب لكن تعب خفيف، الكدمات بوجههِ بدأت تختفي شيئًا فشيئًا، عدا من كدمة بسيطة في مقدمة رأسهِ هي التي كانت بارزة بوضوحٍ، بينما كدمات ما أسفل عينيه وجانب شفتيهِ أختفوا تمامًا، كان يرتدي قميصًا بسيطًا بألوان دافئة بنصفِ كُمٍ نظرًا للجبيرة أعلي ذارعهِ الأيسر، ولأن الجو بارد قليلاً كانت قد أشعلت التدفئة الصناعية بالغُرفة، سابقًا، والآن أغلقتها لوجود تدفئة طبيعية من الشمس الساخن اليوم علي عكس الأيام الماضية حيث كانت أيام مطيرة..........
كان يجلسُ بأرياحيةٍ، يبدو عليه الاسترخاء بعد فترة من المرض والضعف، وقد شُفي جسدهُ عدا من بعض الكدمات القليلة التي تركت بصمة قوية، وستستمر لمدة طويلة حتى تُمحَي تلك الآثار، من علي جسدهِ......
في تلك الأثناء، دخلت" رضوى" تحمل صينية عليها كأسان من الشاي الساخن وقطعة من الكعك تفوحُ رائحتهُ متغلغلة لأنفهِ بسُرعةٍ، تأملها بهدوء، كانت ترتدي كنزة صوفية بألوان زاهية ،مع بنطال بيتي مُريح من اللون الأسود،وقد عكصت خُصلاتها الشقراء للأعلي لكي لا يُعرقل حركتها بالمطبخ أثناء أعدادها للكعكة الساخنة، اقتربت منه بخطوات خفيفة، كأنها تخشى إزعاج تلك اللحظة الساكنة،....
وضعت الصينية على الطاولة الصغيرة أمامه، ثم جلست إلى جانبه،تمد يدها بطبقٍ به الكعك،التقطتهُ منها يتأملهُ قائلاً بشُكرٍ:
_"تسلم إيدك ".
_"بالهنا والشفا".
تجرأت ومدت يدها برفق نحو يده، تسأله بصوتها الناعم، بينما تُراقبُ ردة فعلهِ علي أقتراحها:
_" أنتَ الحمدلله بقيت كويس، أي رأيك ننزل نتمشي شويه، الجو دافئ النهارده وجميل.... "
كان يحرص على أن يتظاهر بالهدوء الخارجي، رغم أنه كان يشعر بشغف متجدد للخروج معها ليسَ من أجلهِ،بل من أجلها هي في المقام الأول، يريدها أن تغير مشاعر البقاء في البيت بعد فترة طويلة، مُنذ أن جائت وهي لم تخرج سوى مرة واحدة، وقد جلبت لهُ الكوارث حينها، وهو الآن يتحمل نتيجة خروجها تلك المرة، لكنها تعبت معه الأيام الماضية وهو يريد أن يجعلها تتناسي تلك الأجواء المشحونة الماضية.......
لذا صدرت منه إيماءة بسيطة يقول ببسمة هادئة:
_"موافق، الجو فعلاً حلو النهارده أوي، وأنا أصلاً زهقت من قعدة السرير المُملة".
_"حمدالله على سلامتك ".
أخذت تنظر إلى ساعتها، ثم عادت بنظرها إليه، مفعمة بالحيوية تقول بحماس:
_" نقدر نروح الحديقة القريبة من هنا، أو حتى ناخد جولة كده في المكان هنا المكان بجد تُحفة.... المُهم نبعد شويه عن الأربع حيطان دول "
عزيمة" رضوى "وإصرارها على مساعدته في استعادة نشاطه كانت لها تأثير ساحر عليه. استعد للخروج، ونبضات قلبه بدأت تتسارع عند فكرة قضاء وقت معها بعيدًا عن هموم الحياة اليومية وفترة مرضهِ العصيبة.....
بعد نصفِ ساعة، خرجت مستعدة للنزول بعد أن بدلت ثيابها، حيث أرتدت معطفًا شتويًا طويلًا من الصوف بلون الكراميل الدافئ، ينسدل برشاقة على قوامها. كان المعطف مزينًا بأزرار معدنية لامعة، تضفي لمسة من الأناقة عليه. تحت المعطف، كانت ترتدي سترة صوفية ناعمة باللون الأبيض الكريمي، تعكس الدفء والراحة.
سروالها كان باللون الأسود، ضيقًا عند الخصر لكنه واسع عند الساقين، مما أضفى لمسة عصرية على إطلالتها. كانت ترتدي أيضًا حذاءً جلدياً أسود ذا كعب متوسط، يكمل إطلالتها الجذابة ويمنحها بعض الطول.
تزينت بأوشحة ملونة تُعقد بأناقة حول رقبتها، وكان أحد الأوشحة مزخرفًا بنقوش هندسية جميلة، تضفي لمسة من الحيوية على إطلالتها. لم يكن هناك أي تفصيل في ملابسها يفتقر إلى العناية، فقد كانت كل قطعة تعكس ذوقها الرفيع ورغبتها في إظهار أناقتها حتى في الأيام الباردة
عند رؤيتها، شعرت كأنها تجسد روح الشتاء، بألوان دافئة وتصميمات أنيقة تجذب الأنظار. كانت تبدو كأشعة الشمس التي تشرق في يوم غائم، تمنح الحياة والأمل من حولها......
أستقبلها بإبتسامة مُعجبة، قائلاً بنبرة يتغللها الحماس، وقد حدد هو خريطتهم اليوم:
_"أختارتلك برنامج لليوم هايل!، هبهرك النهارده، لو عايزة نلف باريس كلها هنلفها "..
ضحكت بخفةٍ تقول مازحةً:
_" بالراحة علي نفسك أنت لسه تعبان ".
_" لا أنا بقيت كويس الحمدلله، يلاّ علشان نلحق اليوم من أوله ".
_" يلّا ".
❈-❈-❈
سارت إلي جوارهِ تتأبط يدهُ السليمة، تتأمل المكان أثناء سيرهم بفضول كبير، لأستكشاف المكان أكثر، كان يعدها بجولةٍ لن تراها في حياتها قط، وكانت هي متحمسة جداً، عندما دخلت رضوي ومراد حي" سان جيرمان" شعرت وكأنها دخلت عالمًا مختلفًا، حيث يمتزج التاريخ بالأدب والفن. يُعتبر هذا الحي واحدًا من أعرق الأحياء في باريس، ويشتهر بمقاهيه التي كانت ملتقى للكتاب والفنانين، مما جعله مكانًا ملهمًا لمحبي الأدب، وقد كانت هي أكثر الناس شغفًا وحُبًا للأدب، "مُراد" يعرف نقطة ضعفها لذا بدأ جولتهم بالمجئ إلي هنا
تتنوع المباني في" سان جيرمان" بين الطراز التقليدي الكلاسيكي والمباني الحديثة، مما يخلق تباينًا جذابًا يمكنك رؤية واجهات ملونة وأعمدة مزخرفة تُضفي على الشوارع طابعًا فنيًا مميزًا
توقفت "رضوي "أمام أحد المقاهي الشهيرة، "كافي دو فلور"، تتأمل للمقهي بعيون لامعة مُتسعة، لا تصدق أنها هنا بالفعل، صرخت بحماس طفولي:
_" في المكان ده كان بيقعد همنغواي وسارتر،أنا عايزة أجرب أقعد في المكان اللي كانوا بيقعدوا فيه"..
كانت عيناها تلمع بشغف كبير،هي تُحب الكاتبان الكبيران"همنغواي "الكاتب الأمريكي يُعرف بأسلوبه الساخر والبسيط ، والذي يعتمد على الجمل القصيرة والواضحة. كان يفضل استخدام الكلمات المحددة والابتعاد عن التعقيد وكانت هي من أشد المُعجبين بما يقدمه من أدب، وقد بدت متعلقة بروايته الشهيرة" وداعًا للسلاح"...
أما الفيلسوف "ستاراتر" هو فيلسوف فرنسي الجنسية، يُعتبر أحد أبرز الفلاسفة الوجوديين. تركت أفكاره حول الحرية، والمسؤولية، وعدم معنى الحياة تأثيرًا عميقًا على الفلسفة الحديثة، بالرغم من عدم حبها للفلسفة بشكل كبير كَـ حُبها للأدب لكن كتابتهِ وضعت بصمة مختلفة لديها....
عقدَ "مراد" حاجبيه لا يفهم عن من تتحدث، سألها بعدم فهم:
_"مين دول، دي أنواع سندوتشات دي ولا أي؟ "
نظرت له بصدمة، تصيح بذهول:
_"سندوتشات أي؟ في حد ميعرفش همنغواي وستاراتر ".
_" وربنا معرفهم قرايبك دول طيب ولا أي؟ ".
ضيقت عينيها عليه بسأمٍ تقول بغيظ:
_" قرايبي آه!، همنغواي ده كاتب ومفكر عظيم أزاي متعرفهوش، وستاراتر ده فيلسوف كبير..... وأنا إللي فكراك مثقف".
_" هو علشان أبقي مثقف لازم أبقي عارف هواي وستارة دول، أستهدي بالله ".
صاحت بغيظ من سخريته:
_" هواي وستارة أي بس.... بقولك كتاب كُبار ".
_" حصلنا الشرف، أي اللي هيحصل يعني لما أعرفهم؟ "
ضيقت عينيها عليه بسأمٍ مرة أخري تقول:
_"خلاص، تعال بقا نقعد هنا شويه عايزة أتصور ".
أستقلت طاولة بالخارج، بدأت رضوي في استكشاف قائمة الكتب المخصصة للمقهى بشغفٍ جامح، والتي كانت تحتوي على عناوين الأدب الكلاسيكي، وتحمل أسماء أكبر وأعظم الكُتاب عبر العصور، كانت تشعر بشغف كبير، حيث تذكرت بعض الكتب التي قرأتها وبدأت بالتقاط العديد والعديد من الصور، بالطبع حقها، زيارة لن تتكرر، ستكون غبية أن فوتت فُرصة التقاط الصور حتمًا ستُصاب بتقرحات معدة أن لم تفعل ذالكَ وجعلت الأمر يمر مرور الكرام........
❈-❈-❈
هو من قرر أن يجلبها إلي هنا تحديدًا، أذًا يتحمل نتيجة قرارتهِ، ويسامحها علي ما ستفعلهِ بهِ اليوم، فبعد أن أنتهت من تناول القهوة بالمقهي، وبالطبع أنتهت من التصور بعدة زوايا معينة،قررا زيارة أحد المكتبات المستقلة، مثل "شركَة كيلدريدج". دخلت" رضوي" المكتبة كأنها دخلت إلى كنز من المعرفة. رائحة الكتب القديمة والمجلدات التي تعود لقرون ماضية جعلتها تشعر بالدهشة....
تُطالع رفوف الكُتب الكبيرة بعيون متسعة مندهشة، تتفقد كل شئ حولها حرفيًا، هي في مكان ثمين جدا جدا لمُحبي الأدب والكُتب مثلها....
في زاوية المكتبة الكبيرة، حيث تكتظ الرفوف بالكتب القديمة التي تحمل عبق الزمن، كان" مراد "واقفًا، يراقب" رضوى" وهي تتجول بفضول. عيناها اللامعتان تتألقان كلما اكتشفت كتابًا جديدًا، وهي تتلمس أغلفة الكتب برفق، كأنها تتعامل مع كنوز ثمينة
ابتسم" مراد "بارتياح وهو يشاهد تعابير وجهها تتغير من الدهشة إلى السعادة. كان يشعر بقلبه ينفطر من الفرح لرؤيتها بهذا الشكل، وكأن كل مجهوداته لإسعادها قد أثمرت فهو يعرف كم هي شخصية عميقة وتُحب الأدب ومهووسة بالقراءة والأطلاع علي الثقافات المختلفة،