-->

رواية جديدة قلب نازف بالحب لهاجر التركي - الفصل 23 - 2 - الأحد 3/11/2024

  

قراءة رواية قلب نازف بالحب كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى




رواية قلب نازف بالحب

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة هاجر التركي


الفصل الثالث والعشرون

2

تم النشر الأحد

3/11/2024


كانت الضوء الذي يتلألأ في تلك المساحة الهادئة، حيث كانت تملأ المكان بحماسها وحبها للمعرفة.


" مراد" أخذ نفسًا عميقًا، يستمتع بلحظة الفرح التي كانت تعكس روحها النقية. صوت صفح الكتب كان كالموسيقى في أذنه، وكل ما في المكان كان يتناغم مع ضحكتها الخفيفة التي أطلقتها عند اكتشاف كتاب قديم يحمل بين صفحاته قصصًا من عصور مضت.


توجهت رضوى نحوه، ووجهها مشرق كالشمس، وعندما التقت نظراتهما، شعر" مراد" بأن كل شيء حوله قد تلاشى. كان ذلك الإحساس السعيد يجعل قلبه يرفرف، وكأنه يدعو لالتقاط تلك اللحظة إلى الأبد. في تلك المكتبة، حيث تواجدت أصداء الماضي، كانت فرحتها هي كل ما يحتاجه، وهذا الشعور بأنهما معًا في هذا المكان الساحر كان أجمل من أي قصة كتبها أحدهم بالنسبة لها هي...... 


بينما كانت" رضوى" تتنقل بين رفوف المكتبة، تغمرها الألوان الدافئة والروائح الغنية للكتب القديمة، استدارت فجأة نحو" مُراد"، واحتضنته بشغف. كانت لحظة غير متوقعة، لكنها كانت تعبيرًا عن مشاعر لم تستطع أن تحتفظ بها بعد الآن.


_"مراد، بجد شكرا أوي!" 


همست بكلمات خرجت من أعماق قلبها، وكأنها كانت تُفصح عن كل ما عجزت عن قوله. كان عناقها مليئًا بالامتنان والحب، شعور كاد يغمرها كالموج الهادر.


تراجع مراد خطوة إلى الوراء، مذهولًا قليلاً، لكنه سرعان ما استجاب لذلك العناق. كان الشعور بدفء جسدها قريبًا منه، وكأن العالم من حولهما اختفى. أغمض عينيه، وسمح لنفسه بأن يتوغل في تلك اللحظة، حيث كانت تتداخل الأنفاس، وتعبر الأرواح عن نفسها بلغة لا تحتاج إلى كلمات أحتضنها بيداه الغير مصابة مطوقًا إياها لأحضانهِ، علي أحدهم أن يلتقطت لهم صورة وسط هذه الكتب والآثار الفكرية والأدبية..... 


في تلك اللحظة، أدرك مراد أن رضوى ليست مجرد فتاة تثير إعجابه، بل هي جزء منه، بل جزء من حلمه. كانت فرحتها، تلك البهجة العفوية التي تسللت إلى قلبه، هي ما كان يسعى إليه طوال الوقت.... 


"أنا مبسوط أن المكان عجبك وحبتيه كده ". 


رد" مراد" بصوتٍ خافت لكنه مليء بالشغف. كان صدى كلماته يختلط مع صوتها، وكأن كل منهما يؤكد للآخر أن هذا اللحظة كانت أكبر من الكلمات.... 


احتفظت رضوى برأسها على كتفه، وأحست وكأن الوقت قد تجمد. كل كتاب حولهما، وكل رائحة عتيقة، كانت تحمل قصة حبها العميق ، في زاوية تلك المكتبة، شعرت كأن كل شيء ممكن..... 


فصلت العناق تنظر له بإمتنان حقيقي، هتف يقول بهدوء مع بسمة هادئة أحتلت ثُغرهُ: 


_"شُوفي الرف الكبير إللي هناك ده، فيه أقدم الروايات الرومانسيه والأسطورية اللي بتحبيهم " قالها وهو يشير إلى رفوف الكتب 


أخذت" رضوي" كتابًا قديمًا بغطاء جلد، وعندما فتحته، شعرت بنسيم التاريخ: 


_"مُش مصدقة أن الكتب دي كانت هنا طول السنين الطويلة دي، دي تُحفة فنية بجد ". 


جلسوا علي طاولة مستطيلة الشكل كبيرة، أمامهم كومة كبيرة من الكتب الكثيرة،" رضوي "تتفقدهم بشغف، بدأت تتحدث عن كُتّابها المفضلين بينما تحمل كُتبهم بين يديها 


"بحب قراءة أعمال غابرييل غارسيا أسلوبه في السرد بيأثر فيا جدا ومُمتع جدا" 


ردَ بمزاح: 


_"أهو ده عارفه بقا، وبحب أقراء له، أن شاءلله في زيارة تانية، نقدر نروح مكتبة متخصصة في الأدب اللاتيني"


❈-❈-❈


ليلة طويلة قد أنهكها فيها التفكير الطويل، بعد عودتهم ليلة أمس من النُزهة، جائتها رسالة من الطبيبة، وقد كانت تحتوي علي تقرير طبي طلبتهُ هي منها، كانت سعيدة عند عودتهما من النُزهة حقًا لقد أستمتعت جدًا، لكن جائت تلك الرسالة كالصخرة التي تحطمت عليها فرحتها، جائتها كالإنذار القوى، الذي يُخبرها بأن ما هي فيهِ الآن ما هو إلا مؤقتًا ليسَ إلاَ.....


أستيقظت بالعاشرة صباحًا تقريبًا، بعد أن نامت لأربع ساعات فقط، حيث ظلت يقظة طوال الليلة الماضية، أستيقظت بملامح مغايرة تمامًا لملامحها ليلة أمس، وجهها شاحب، عيونها بدت خاوية مُتعبة، جفونها متهدلة قليلاً، وكأن ثُقل الأفكار المتضاربة أستقر علي كاهلها، خصلاتها التي كانت عادةً تنسدل كخيوط حريرية، بدت متجعدة قليلاً ومبعثرة بعشوائية، تحمل آثرًا من عدم نومها الليلة الماضية والتفكير العميق.... 


شفتيها كانتا شاحبتين، لونهم فاتح، هذا الشحوب لم يكن سوي مرآة لمشاعرها المتضاربة، وعمق تفكيرها الذي لم يتوقف طوال الليل.....لقد أتخذت قرارها وهو بلا رجعةً، ستركن قلبها جانبًا الآن، وتتصرف بالمنطق والعقل، هو يجب أن يعرف، عاجلاً كانَ أم أجلاً، سيعرف، ومن الأفضل أن يعرف الآن.... أنتظرتهُ لنصف ساعة أضافية حتى أستيقظَ، كانت تنتظره بالصالون تجلس علي الأريكة محتضنة الوسادة وشاردة..... 


القي عليها تحية الصباح، بينما كان متجها للمطبخ لشرب بعض المياه، لم ترد عليه، بل قالت بنبرة جادة: 


_"مُراد مُمكن أتكلم معاك بعد أذنك؟ ". 


أنتهي من تجرعِ المياه، متوجهًا نحوها، وأستقلَ الأريكة بجوارها، كان شحوب وجهها واضحًا، قد لاحظه، وشعرَ بأن هناكَ خطبًا ما.... هتفَ يدفعها للحديث: 


_" أكيد طبعاً، أتكلمي في اي حاجه مزعلاكِ؟ ". 


هزت رأسها نافيةً بحدةً، بينما أنتقلَ قلقها وأرتباكها له هو تلقائيًا، فقد شعرَ بالقلق، جلستهُ أصبحت غير مريحة، ينصتُ لها بتركيز..... 


أستجمعت شجاعتها، وهي التي لم تكن يومًا شُجاعة في أي أمر يخصه، قائلة بنبرة متوترة خفيضة: 


_" أنا تعبتك معايا جامد طول الفترة اللي فاتت، شيّلتك مسؤلية كبيرة أوي، وقلبت حياتك فجأة ولغبطها....الأول عايزة أشكرك جدًا جميلك ده عمري مهنساه، وممتمنة جدًا لكل لحظة أن قضيتها جمبك، وكل لحظة كنت بتحاول تفرحني فيها.... ". 


قاطعها يسأل بعدم فهمٍ: 


_" لي بتقولي الكلام ده دلوقتي؟ مش فاهم! ". 


لم تعطهِ ردً سريعًا، بل أخرجت هاتفها وعبثت بهِ لثواني، ثم ناولتهُ له، أخذهُ منها ينظر بالشاشة، وعلي وجههِ العديد من علامات الأستفهام، لا يفهم شئ، نظرَ لها بعينيهِ بنظرة فهمتها، يطلب منها التفسير: 


_" ده تقرير طبيي، بيثبت أني لسه عذراء، وأن أعتداء نادر عليا كان أعتداء سطحي...". 


للحظة نظرَ له بصدمة، عينيه تنتقل بينها وبينَ الهاتف بين يديهِ، أستكملت تقول بينما تفرك أظافرها ببعضهم البعض: 


_"لما روحت عند الدكتوره علشان أتاكد من موضوع الحمل ده، طلبت منها تكشف عليا وهي عملت كده، وقالتلي أني لسه عذراء، بس أنا طلبت منها تأكيد أكبر، التقرير ده مثلاً". 


مع كل كلمه كانت تتفوه بهَ، كانت ملامح وجههُ تتغير، تعكسُ الصدمة والقلق عينيه كانتا متسعتين، كانت تصدمه بكل كلمة تقولها، لكن هناك..... في عُمق عينيهِ كانَ هناك شعور آخر متضارب لم يستطع تحديدهُ، مزيج من الفرحة مع الأعجاب مع الخوف من الأقتراب..... 


عندما نطقت بجملتها مصرحة بأنها لا تزال عذراء، وتلك الحادثة كانت سطحية، تجمدت تعبيرات وجههِ للحظة، كانت عواطفهُ تتصارع داخلهُ، بينَ شعور بالراحة وهذا كانَ شعور خفي لا يعلم لماذا يشعر بهِ أهو لأنه قد فرحَ لوجود فرصة حقيقية بينهم دون وجود ماضيها كعائق يعركل خُطاهم، أمّ سعيد لكونها ستتعافي من تلك التجربة القاسية عليها...... وهناكَ شعور آخر بعيد كل البعد عن كل ذالك، شعور بالخوف، نعم الخوف!، الخوف من أن تكون تنوي تركهُ، أو حديثها ذالك ماهو إلا مجرد مقدمة لطلبها الأنفصال عنه......... 


بينما هي كل ما يستحوذ علي تفكيرها في هذه اللحظة، أنها تنتظر ردة فعله بمزيج من التوتر والخجل والارتباك. وجهها، الذي ربما توردت وجنتاه بلون وردي خفيف، يعكس ترددًا واضحًا، وكأنها تمشي على خيط رفيع من المشاعر المضطربة. عينيها قد تحملان بريقًا، ذلك البريق الذي يخفي خلفه ألف سؤال وألف توقع، وكأنها تبحث في عينيه عن إجابة، عن طمأنينة، عن ردّ فعل يبدد قلقها.


الصفحة التالية