-->

رواية جديدة قلب نازف بالحب لهاجر التركي - الفصل 23 - 3 - الأحد 3/11/2024

 

قراءة رواية قلب نازف بالحب كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى




رواية قلب نازف بالحب

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة هاجر التركي


الفصل الثالث والعشرون

3

تم النشر الأحد

3/11/2024


شفتاها قد ترتجفان قليلًا، وكأنها تلتقط أنفاسها بصعوبة، مترددة في إطالة النظر أو الابتعاد، متوقعة ومترقبة. قد تكتفي برفع حاجبيها برفق، لتترك الكلمات غير المنطوقة تحوم في الهواء، تملأ الصمت بموسيقي غير مرئية.... 


يتسرب الصمت بينهما كوشاح ثقيل، كأنها تتشبث بنظراته، تنتظر أن يقرأ ملامحها ويفهم ما بداخلها، دون أن تضطر لكسر هذا الهدوء بكلمة واحدة، 


قلبها يقرع كالطبول بداخل صدرها... ترجمت صمته بطريقة خاطئة، نهضت تقول بنبرة منكسرة: 


_"أحنا هنستني لحد متخف وتبقي بخير، وبعد ما نرجع مصر بفترة نطّلق، أظن مفيش داعي أنك تفضل جو التمثيليلة دي لفترة أطول، أنتَ عندك حياتك اللي أنا جيت بوظتهالك.... بعد أذنك يا مُراد "


❈-❈-❈


بعد أنتهاء حوارهم وجدَ نفسهُ يخرج من الشقة بأكملها بكل هدوء، وساقتهُ أقدامهِ إلي مقهي أسفل البناية، وجد نفسه يجلسُ هناك، كان غارقًا في دوامة من المشاعر المتضاربة، المُتلاطمة كـ أمواج بحرٍ ثائر في ليلة عصيفة، كأنما تسحب أفكاره إلى دوائر لا نهاية لها. في كل مرة يظن أنه يعرف الإجابة، يظهر شيء جديد يجعله يشك في كل ما يشعر به....


يشعر بشيء غريب ينبض في داخله كلما نظر إلى "رضوى" بعد كل ما فعلته من أجله. يختلط بداخله مزيج من الامتنان والحيرة، وكأنه يُدرك لأول مرة أن هناك من يهتم به بصدق دون مقابل، دون شروط أو حسابات. مشاعره نحوها تتجاوز مجرد الشكر، هي أقرب لدفء يملأ قلبه، شعور بأنه ليس وحيداً..... دومًا ما كان هو الشخص الصلب المسؤال عن الجميع، لأول مرة يشعر بحقْ أن هناك من يحمل مسؤليتهُ علي عاتقيه، هناك من يهتم لأمرهِ..... 


رغم ذلك، يبقى هناك شيء من الصراع الداخلي، فهو لم يعتد هذا النوع من القرب، لم يعرف معنى أن يكون محطّ اهتمام أحد دون انتظار شيء في المقابل. ومع كل هذا، ينمو بداخله إحساس جديد، رغبة دفينة في أن يراها بخير دائمًا، أن يحميها كما فعلت هي، دون أن يعلم كيف يصف هذا الإحساس أو حتى كيف يتعامل معه.


كلما استرجع تلك اللحظات التي كانت فيها بجانبه، يشعر وكأن روحه بدأت تلين، وشيئًا فشيئًا، تتحول هذه الحيرة إلى انجذاب هادئ، وكأنها أولى خطواته نحو اكتشاف الحب... حب لم يعرفه من قبل، لكنه بدأ يُدرك أن" رضوى" قد تكون بوابته إليه.... 


كلما مرّت الأيام، يجد  نفسه يقترب منها دون أن يعي كيف يحدث ذلك. يراقبها بصمت حين تكون غارقة في تفاصيل بسيطة، كابتسامتها الخفيفة وهي تتحدث عن شيء تحبه، أو تركيزها حينما تفكر في شيء بعمق. تلك التفاصيل الصغيرة تلتهمه، تجعله يرغب في البقاء قريبًا منها، دون أن يدري إن كان هذا مجرد فضول أو بداية شعور أعمق.


بدأ يشعر بقلق لا يعرف تفسيره حين تغيب عنه، وكأن شيئًا ناقصًا بداخله، كأنها جزء منه. يدور في رأسه سؤال لا يستطيع الهروب منه: لماذا يهتم؟ لماذا يشعر برغبة في حمايتها؟ لماذا يبعث حضورها بداخله شعورًا بالحياة؟


في لحظات سكونه، يطيل التفكير في احتمال لم يكن يعترف به من قبل... ربما هو بالفعل يحبها، لكن، كيف يكون الحب بهذا الصمت؟ بهذا العمق الذي لا يحتاج إلى كلمات أو اعترافات، بل يكفيه أن يشعر بقربها ليشعر بالراحة. هو يحبها، لكنه يخشى الاعتراف لنفسه، يخشى أن يفسد هذا الشعور الرقيق، أن يضعه تحت مسميات أو تفسيرات.


يتذكر وجهها بوضوح، ملامحها الهادئة، كيف كانت تواسيه في صمت، وكأنها كانت تفهمه أكثر من أي أحد. في تلك اللحظة، أدرك أن وجودها في حياته ليس مجرد صدفة، بل هي الأمان الذي لم يعرفه يومًا وكانَ يظنُ أنه صلبً يقف شامخًا بمفردهِ لكنها بدأت بتغيير معتقدات بداخلهِ،يالها من مُحتالة.... بدأ يُدرك أن عليه الكف عن الهروب... فهذا الشعور أعمق من أي شيء سبق وعاشه.


كانت "رضوى" بالنسبة له شيئًا لطيف دخلَ لحياتهُ الروتينيه،ملئتها بنوعٍ من الحيوؤة، دون أن يُدرك ذالكَ أو يعترف به بداخلهِ هي باتت جزءًا أساسيًا من حياته، يثق بها، ويشعر بالراحة عندما تكون قريبة منه. لكنه لم يكن واثقًا إن كان ما يشعر به هو الحب العميق، أم مجرد ارتياح وامتنان لوجودها المستمر بجانبه في أوقاته الصعبة...... يشعر أنه عاد مراهقًا لا يعرف خط سير مشاعرهُ، وليسَ رجل ثلاثيني ناضج 


في لحظات معينة، كان يشعر بدفء غريب يسري في قلبه كلما نظر إليها وهي تهتم بتفاصيل صغيرة تخصه، لكنه كان يخشى أن يكون هذا الدفء مجرد أثر للعادة أو الاعتياد على وجودها حوله. كان يتساءل في صمت: "هل هذا هو الحب الذي أسمع عنه؟ أم أنني أبحث فقط عن شريك مؤنس في وحدتي؟".


كان يريد الإجابة، ولكنه يخشى أن يكون اعترافه لنفسه هو سببًا لانهيار تلك العلاقة الخاصة التي تجمعهما.


" مراد" كان كمن يتلمس طريقه في عتمة مشاعره، يجهل تمامًا ماهية الحب أو كيف يمكنه التعرف عليه. كان يشعر كأن قلبه يتردد، بين الرغبة في الاستقرار مع "رضوى" وبين خوف غامض من الالتزام. الأفكار تدور في رأسه، وكلما حاول الإمساك بإحساس واضح، تلاشى وكأنه سراب.


لم يكن الحب بالنسبة له سوى كلمة تجري على ألسنة الناس، دون أن يحمل لها أي صورة واضحة. هو لم يعرف كيف يكون شعور الشخص حين يحب، أو كيف تتبدل حياته. فكان كل شيء في داخله ضبابيًا، مشوشًا، يجعله عاجزًا عن اتخاذ قرار أو الوصول لإجابة تريحه.


يشعر بأن وجودها في حياته يشبه نسمة هواء باردة في حر خانق، أو ضوء خافت في ليلة حالكة؛ شيء يجعل عالمه، رغم عتمته، أكثر احتمالًا. لم تكن مجرد شخص في حياته، بل كانت أقرب إلى محور يتكئ عليه حين تضعف قواه، كتربة ثابتة تحت قدميه في عالم متغير ومتقلب.


تواجدها كان يحمل تفاصيل دقيقة يتجاهلها أغلب الناس؛ صوت أنفاسها المتزن في لحظات الصمت، لمعة في عينيها عندما تضحك، أو الطريقة التي تستمع بها إليه دون أن تقاطعه. كانت تلك التفاصيل الصغيرة كقطرات ماء تروي جذور روحه الجافة، تملأ حياته دون أن يشعر.


كلما اختلى بنفسه، كان يدرك أن" رضوى" ليست مجرد وجه مألوف، بل أصبحت مثل نبض خفي يحيا معه، كأنها انسلت إلى قلبه دون أن يدري، وملأت فراغًا لم يعترف بوجوده. كان يشعر أن افتقاده لها سيكون أشبه بفقدان جزء من كيانه، كأن حياتها وحياته تداخلتا بطريقة عميقة غير مرئية، يصعب عليه أن يفسرها، لكنه يشعر بوجودها في كل لحظة.



تلك اللحظة كانت كافية له. أدرك أن مشاعره تجاهها ليست مجرد إعجاب، بل هي مشاعر حب عميق ورغبة في حمايتها وأبقاءها قريبة منهُ، من ماذا يخاف؟، بحقٍ هو لم يجرب معني أم يكون أحدهم غارق بالحُب، لطالمـا أعتبر الحُب فقط بالسينمات والروايات..... لم يكن ينكر وجوده بشكل كامل، بل كان معترف أنه موجود لكن بشكل نادر، نادر جدًا! وبما أنه لم يكن يبحث عن الحُب في حياتهُ يومًا ما، أعتبر أن الحُب لن يزوره طوال حياتهِ، وقد قسّم أولوياتهُ بناءًا علي ذالكَ..... 


فالبنهاية كانَ سيجد نفسه بجوار امرأة مناسبة من حيث الكماليات الأخري... لكن من ناحية الحُب كان لا يهم...... الآن بدأ كـ مُراهق يتعرف علي مشاعره لأول مرة بحياته، يستكشف نفسهُ،يبحث عن الحُب وللمرة الأولي تمني أن يكون ما يشعر به ناحيتها حُبًا صادقًا، حتمًا ستكون تجربة الحُب معها مُميزة هو واثق من هذا...... 


❈-❈-❈


وقفت" رضوى" في شرفة شقتها، يلفها الليل ببرودته وهدوئه، بينما عيناها تجولان في الشارع المظلم أسفلاً. كان قلبها يضطرب كلما مر الوقت ولم يظهر" مراد"،مُنذ أن خرجَ بالصباح بعد حوارهم، خرج بدون أن تشعر، وعندما خرجت هي من الغُرفة بعد عدة ساعات، لم تجد أثره بالشقة، حضّرت له الطعام وتركته بالمطبخ، ودخلت لغرفتها مرة ثانية.... لكن مرت ساعات أخري ولم يأتي، والآن الوقت أصبحً مُتأخرًا، ولم يعد بعد؟ 


بدأت تشعر بالتوتر، وسُحب القلق بدأت تتراكم في عينيها اللتين تلتمعان بانعكاس أضواء الشوارع. وضعت كفيها على السور البارد، تشعر ببرودة الهواء تلفح وجهها، لكنها لم تكترث، كل ما يشغلها الآن هو عودته، صوت خطواته التي اعتادت أن تهدئ روعها وتطمئن قلبها..... 


أنقبضَ قلبها فور أن مر علي ذاكراتها تلك الليلة المشؤمة التي ضُربَ بها، خافت أن يكون أصابه شئ مرة أخري، نفضت تلك الفكرة عن رأسها، عليها أن تفكر بأيجابية أكثر، هو بخير... أن شاءلله 


فجأة، قطع صمت الليل صوت سيارة قريبة، ارتفع الأدرينالين في عروقها، لكن سرعان ما تلاشى الأمل عندما لم يكن" مراد "هو من يخرج منها. التفتت مرة أخرى إلى الشارع، وقررت أن تنتظر، حتى لو طالت الساعات. كانت تعلم أن انتظار" مراد "يعني انتظار الأمان، الانتظار الذي يستحق كل لحظة.... 


يتبع...


إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة هاجر التركي، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية


رواياتنا الحصرية كاملة