-->

رواية جديدة قلب نازف بالحب لهاجر التركي - الفصل 28 - 1 - الإثنين 18/11/2024

  

قراءة رواية قلب نازف بالحب كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى




رواية قلب نازف بالحب

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة هاجر التركي


الفصل الثامن والعشرون

1

تم النشر الإثنين

18/11/2024



طرقات خفيفة على باب الغرفة قُطعت بها سكون المكان، كانت صاحبتها "رضوى"، طرقت بحذر كمن يتوجس رد فعل مجهول. دقائق ثقيلة مرّت قبل أن يأتيها صوت "حنان"، والدة زوجها، يسمح بالدخول. حمحمت" رضوى" قليلًا، قبضت أناملها المرتعشة على مقبض الباب ودفعته بهدوء كأنها تخشى أن تزعج حتى الجدران.


ابتسامة خفيفة رسمتها على وجهها، لكنها لم تستطع إخفاء التوتر الذي يتسلل إلى أعماقها، كشعور بإنقباض خفي أسفل معدتها.لماذا كل هذا التوتر؟ إنه مجرد لقاء، أليس كذلك؟ حاولت طمأنة نفسها، لكن الأفكار لم تتوقف عن الدوران.


_"تعالي يا رضوى، واقفة مكانك ليه؟"


رفع الصوت الحيادي لـ"حنان" من نهاية الغرفة جعل نبضها يتسارع. كانت السيدة جالسة على منضدة أنيقة تحتسي قهوتها بهدوء، ملامحها جامدة لا تحمل أي تعبير. تقدمت "رضوى" بخطوات مترددة، تقول بلباقة مصطنعة:


_"أزي حضرتك يا نينة؟"


رفعت "حنان" حاجبها قليلاً، ترد بنبرة نصف ساخرة:


_"حضرتي ونينة؟ طيب تعالي بس وبعدين نبقى نشوف موضوع حضرتي ده."


جلست رضوى بجوارها، جسدها مشدود وكأن الهواء في المكان أصبح أثقل، بينما نظرات "حنان" المثبتة عليها زادت من حدة التوتر. شعرت وكأن كل حركة أو كلمة منها تحت المجهر، تردد قلبها كما لو كان في مواجهة محاكمة.


_"طبعًا أنتِ مستغربة أنا جيباكِ فجأة ليه كده؟"


ابتسمت "رضوى" بتوتر، تهز رأسها سريعًا وهي تقول:


_"أنتِ تطلبيني في أي وقت يا نينة."


نهضت "حنان" من مكانها ببطء، وكأنها تتعمد منح الكلمات ثقلًا أكبر. وضعت كوب القهوة الفارغ على الطاولة المستديرة، التفتت ببطء قائلة:


_"مراد."


كلمة واحدة فقط، لكنها جعلت دماء" رضوى" تتجمد في عروقها. تحركت شفتيها سريعًا لتسأل بصوت مرتعش:


_"ماله؟"


التفتت "حنان" إليها، عيناها جادة ونبرتها صارمة:


_"بقاله فترة حاله مش عاجبني، وده بسببك."


تسارعت دقات قلب "رضوى" حتى شعرت أنها تسمعها، تحاول استيعاب الجملة، تسأل بخضة:


_"بسببي أنا؟ ليه؟ أنا عملت إيه؟"


تعمقت نظرات "حنان" نحوها، وكأنها تخترق أفكارها، قالت بهدوء مشوب بحدة دفينة:


_"مراد من لما رجعتوا من السفر وهو مش بينزل شغله، أهمله الفترة دي على غير عادته، ومشيل الحمل كله لطارق... وده بسببك."


ابتلعت" رضوى" ريقها بصعوبة، قلبها ينبض بشدة وكأن الكلمات التي تسمعها تضغط عليه مباشرة. جمعت شتات أفكارها محاولة الرد، لكن التوتر كان يثقل لسانها. رفعت عينيها بخجل نحو "حنان"، تقول بصوت خافت:


_"ها... مش فاهمة يعني؟ أنا ذنبي إيه؟"


تقوّست شفتي "حنان" بابتسامة صغيرة، لكنها لم تصل إلى عينيها، جلست بجوار "رضوى "مرة أخرى، تنظر لها بجدية:


"ذنبك إن الواد مبقاش ينزل من شقته، على طول قاعد معاكي. أنا كنت بقول دي عيلة وصغيرة... بس حقه طبعًا، مين يبقى قدامه الجمال والحلاوة دي كلها وينزل يروح شغله؟ مش معقول."


انهارت حدة الأجواء قليلًا مع تلك العبارة الأخيرة، خاصة حين ارتسمت ابتسامة واسعة على وجه "حنان"، ما جعل" رضوى" تبتسم لا إراديًا، لكنها سرعان ما قالت بخجل واضح:


_"والله يا نينة..."


قاطعتها "حنان" سريعًا برفع يدها:


_"نينة تاني؟ بقولك إي، قوليلي يا ماما حنان زي مراد، ولا عندك مانع؟"


ضحكت بحرج، تهز رأسها موافقة:


"لا خالص، حاضر... يا ماما حنان."


ابتسمت "حنان" براحة:


_"كده أحبك بقى... مالك مخضوضة ليه كده؟ فكي شوية. معلش خوفتك، بس جيباكي النهارده عشان تشوفيلي حل مع جوزك. خليه ينزل شغله، كده عيب بقى."


رفعت حاجبيها تضيف بلهجة مازحة:


"وأنتِ خفي عليه شوية يا بنتي، بالراحة على الراجل،وخليه يخف شقاوة شويه، مش كده. هتبقي أنتِ وأمك مكوشين على ولادي الاثنين."


ضحكت "رضوى" بخجل أكبر، تشعر بحمرة دافئة تصعد إلى وجنتيها، ترد بلطف:


_"حاضر والله يا ماما... هو أنا مكنتش واخدة بالي إنه مش بينزل شغله، كنت فاكرة إنه في أجازة."


ضحكت "حنان" بخفة وهي تهز رأسها:


_"أجازة إيه بقى! إنتو شهر ونص تقريبًا مسافرين، إجازة شهر العسل شهر واحد، معروف... كده طمع."


ضحكت "رضوى" بخفوت، تقول بأسلوب هادئ:


_"من عيوني، أنا هكلمه النهارده."


ربتت "حنان" على يدها برضا، تضيف بصوت أكثر دفئًا:


"عارفة يا رضوى، أنتِ بتفكريني بسهام، لما اتجوزت  فضلت مقعدة الواد شهر من شغله، متفرغ لها هي وبس. بس حقكوا بقى... ربنا يحفظكوا لبعض."


شعرت رضوى بحرارة الكلمات تدفئ قلبها، نظرت إلى "حنان" بإمتنان عميق، تقول بإبتسامة صغيرة:


_"ربنا يخليكِ لينا يا ماما."


❈-❈-❈


. "بعد أسبوع كامل".


المساء هادئ، تكاد تسمع فيه أنفاس الكون وهو يخلد إلى الراحة. الضوء الخافت ينبعث من المصابيح الجانبية، يرسم ظلالًا خافتة على الجدران، بعد أن تخطت الساعه الواحدة بعد مُنتصفِ الليل، جلست" رضوي"علي الأريكة بجوار زوجها، وأمامهم منضدة صغيرة وَضعت عليها صنية صغيرة بها طعام العشاء.... "مراد"يتناول الطعام بهدوء تامْ،أرتفع صوت تأفأف الأخري تقول بمضض:


_"مُراد،خليك النهارده أرتاح،مش معقول أنتَ يادوب جاي من ساعة بس،وهترجع تاني".


أبتلعَ ما بفمهِ،ثم تجرع بعض الماء سريعًا،يقول بهدوء:


_"مش هينفع يا حبيبتى،الشركة اليومين دول داخلة في تعاقدات كبيرةومهمة،لازم أبقي موجود طول الوقت".


زفرت بحنق أكبر:


_"عايز تقنعني يعني أن فيه موظفين موجودين دلوقتي؟".


_"لا،بس أنا صاحب المكان المسؤلية كلها عليا،لازم اراجع وأشوف كل حاجة بتركيز،ده شغل".


_"يوه بقا يا مُراد،بقالك أسبوع بتقول نفس الكلمتين،شُغل شُغل شُغل،أنا بقيت بشوفك صُدفة يا مُراد".


أنتهي من طعامهِ علي عُجالة،وسريعًا ما التقط المحرمة يمسحُ بها يدهِ،يقول بإبتسامة هادئة:


_"معلش يا حبيبتى ضغط شغل،طارق عاملي فيها دور العريس بقاله كام يوم،ومش راضي يشتغل". 


هزت رأسها بغضب طفولي، تقول متذمرة: 


_" مليش دعوة، أنا كل يوم مش بشوفك غير علي النُوم بس، مش بلحق أشبع منك، غير كده أنتَ مأهملني خالص خالص ". 


سحبَ كف يدها بينَ راحته، يقبلهِ برقةٍ، قائلاً بإبتسامة حانية، يُطيب خاطرها: 


_" حقك عليا، يخلص بس ضغط اليومين دول، وأوعدك هعوضك ونروح أسبوع في أي حتة تحبيها". 


_"خلاص... بس تبات هنا النهارده، أنت مقعدتش ساعة علي بعضها يا مُراد، طول اليوم بره، وأنا لوحدي". 


_"لوحدك ليه بس؟ ما البيت مليان أهو؟ ". 


عقدت حاجبيها تقول بغيظ: 


_" لا ولله، أنتَ مش منبه عليا منزلش تحت غير وأنتَ معايا بس، حتى ماما هي اللي بتطلع لي... كل ده ليه علشان نادر رجع". 


حينَ نطقت بإسمه بعفوية، لاحظت تغير ملامحه من الهدوء الي الحدة، شيئًا فشيئًا، زادت ملامحه حدة وظهر الغضب علي وجه، يقول بنبرة تغيرت مئة وثمانون درجة عن نبرتهِ الحنونة السابقة: 


_"وإنتِ بقا عايزة تنزلي ورايحة جاية قُدامه، وتحتكي بيه بقا؟ ". 


كانت نبرته تحمل بين طياتها أتهام خفي، توترت، قائلة: 


_" لا والله أبدًا، أكيد مقصُدش كده". 


_"يبقي تسكُتي وكلامي يتفنذ بالحرف الواحد... سامعة". 


لم يأته رد منها سوى نظرات غاضبة، كرر ما قال لكن بنبرة أعلي هذه المرة: 


_"سامعة؟ ". 


زفرت بغيظ كبير، تقول مُجبرة: 


_" حاضر، سامعة، مش طرشة أنا"


_"شطورة". 


نظرت له بغيظ كبير، تود أن تضربه بأي شئ بجوارها، نهضَ يتجهُ ناحية المرحاض، علمت أنه سيستحم، وبالتالي سيعود مرة أخري للعمل، نهضت خلفه، وأوقفته قبل أن يدخل تقول بهدوء: 


_"برضو مش هتبات هنا". 


_"لا"


أجابَ بإقتضاب مازال غاضبًا منها، بمجرد أن تأتي بذكر أسم رجل أخر، يشتعل غيرةً، ما بالكم أن كان هذا الأسم،هو"نادر".، أقتربت منه أكثر تتود له، بنظراتها الناعسة تشبه القطة الوديعة: 


_"علشان خاطري يا مارو، النهارده بس! ". 


_" قُولت لا مينفعش، عديني عايز أخلص بسرعة عندي شغل". 


تركها ودلف، يغلق الباب وراه في وجهها، زفرت بحنق تُتمتم بكلمات حانقة: 


_"أبو أم الشُغل يا شيخ... ماشي يا مُراد، أستني عليا بس ". 


لمعت برأسها فكرة خبيثة، ماكرة، عزمت فورًا علي تنفيذها دون تفكير للمرة الثانية، هرولت للداخل، تحديدًا غُرفة الملابس، وبرأسها الشيطاني الصغير تنمو خطط ضده الليلة... 


_" يا أنا يا أنتَ النهارده يا مُراد".


الصفحة التالية