رواية جديدة قلب نازف بالحب لهاجر التركي - الفصل 31 - 2 - السبت 23/11/2024
قراءة رواية قلب نازف بالحب كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية قلب نازف بالحب
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة هاجر التركي
الفصل الواحد والثلاثون
2
تم النشر السبت
23/11/2024
"نانسي"، التي غرقت في وهم الانتصار، لم تفهم تلك النظرة. لكنها شعرت بشيء خفي، كأنما الجو من حولها تبدل. ومع ذلك، لم تدع نفسها للتراجع.... كانت واثقة منذ لحظات من أنها أحرزت تقدمًا، شعرت بشيء غريب في صدرها، كأن الهواء حولها أصبح أكثر كثافة، أو أن حرارة جسده التي شعرت بها في العناق قد بردت فجأة. ومع ذلك، أقنعت نفسها بأنها تسيطر على الوضع، على الرغم من أن تلك النظرة أثارت قلقًا لم تستطع تفسيره
"أنا عارفة إنك قوي، بس حتى الأقوياء محتاجين حد يكون جنبهم.... وأتمني أكون أنا الحد ده"
أكملت بجرأة، محاولة أن تسيطر على اللحظة، على الرغم من الشك الذي تسلل إلى قلبها.
"مراد" لم يرد مباشرة. اكتفى بتلك الابتسامة الخفيفة، التي اختفت بسرعة كما ظهرت. جلس على حافة السرير، يمرر يده على وجهه وكأنه يحاول طرد التعب، ثم قال بصوت هادئ، لكنه حمل معه شيئًا أشبه بالسخرية:
"نانسي... شكراً إنك موجودة."
❈-❈-❈
. "صباح اليوم التالي".
كان" مُراد" جالسًا في مكتبه، غارقًا في صمت لا يقطعه إلا همسات الرياح التي كانت تعبر عبر النوافذ المغلقة. كانت الساعة قد تجاوزت التاسعة، لكن مزاجه كان لا يزال عالقًا في الليل، يتأرجح بين الذنب والإحباط. نظراته كانت شاردة على الأوراق أمامه، لكنه لم يكن يرى شيئًا، كان ذهنه بعيدًا عنه، بعيدًا عن كل شيء.
فجأة، دُفع الباب برفق، ثم دخلت والدته. وقفت هناك، عند عتبة الباب، ملامح وجهها متجمدة، والهواء بينهما مشحون بالكلمات التي لم تُقال بعد. عيونها كانت متورمة، وأطراف شفتيها مشدودة بإحكام كما لو كانت تمنع دمعة من الهروب. لكنها لم تكن بحاجة للكلام لكي يعلم. كان يعرف تمامًا ما تشعر به، ويعرف أن اللحظة التي سيواجهها قد جاءت أخيرًا.
"ماما، في حاجه ولا أي ؟".
همس" مراد" بصوت منخفض، لكن كلماته لم تكن سوى محاولة للهروب من الحقيقة.لم ترد. فقط تقدمت بخطوات ثقيلة، بطيئة، كأن الزمن توقف لحظة واحدة، كما لو أنها كانت تحاول جمع شجاعتها للقيام بما كان مستحيلًا بالنسبة لها.
توقف الوقت عند تلك اللحظة، حينما أوقفته يدها فجأة. صفعة قوية اخترقت الفضاء، دفعت "مراد" ليتراجع قليلاً على الكرسي. الصوت كان مدويًا في الأذن، لكن ما تبعها كان أكثر وقعًا من الصوت نفسه:
"أنا... أول مرة أمد إيدي على حد من ولادي... وعليك أنت بالذات،بس بعد القرف اللي أنتَ هببته،فأنت تستاهل أكتر من كده!"
كان صوتها يتشقق، وحروفها تتناثر على وجهه كالحجارة... لم يستطع التحرك، كانت الصدمة تلبسه تمامًا. عينيه كانتا مفتوحتين على آخرهما، وكأن قلبه توقف للحظة. في تلك اللحظة، لم يكن الألم في الخد هو الذي جعله لا يعرف كيف يرد، بل الألم الذي قرأه في عينيها.
"عملتلك أي علشان تعمل فيها كده؟ ها.... مقدرتش ليه تسمعها وتعرف الحقيقة منها، للدرجة دي مكنتش عارف تتحكم في نفسك، من أمتا وأنتَ مبتعرفش تتحكم في نفسك..... حتى لو مبتعرفش، أظن عند رضوى بالذات هتعرف ونص، وغصبن عنك... "
كانت والدته تنفث كلماتها بين تنهدات ودموع موقوتة، وكل كلمة كانت تجرح أكثر من التي قبلها.
"يا أمي حضرتك مش فاهمه حاجه والله العظيم!".
لكن والدته لم تنتظر اعتذاره. هي كانت تحتاج أن يسمع الحقيقة من فمها، وتحتاج أن يواجهه الذنب الذي لم تستطع أن تحمله عنه.
"أنا آه كُنت رافضة أرتباطكم من الأول لأسباب، بس بعدين عرفت إني كُنت غلطانة، أنا أصدق أي حاجة إلا أنها تعمل الهبل اللي أنت بتقوله... بالعقل والمنطق كده في أم عاقلة هتموت أبنها...ممكن أصدقك فأنها كانت ممكن تكون فكرت تعمل كده، أنا ست وعارفة كويس، أول ما الست بتحس بأن في حتة منها بتكبر جواها... مهما كانت قاسية وجاحدة، بتحن... هي مستحيل تكون عملت كده!، مراتك بتحبك وأنتَ عارف كويس... أي اللي شقلب حالك".
.كان الصوت حادًا، وكان كل حرف يخرج منها وكأنه صاعقة" مُراد" رغم كل شيء، لم يستطع إلا أن يرفع يده بحركة آلية نحو خده، حيث شعرت يده بحرارة الصفعة التي تركت أثرًا في مكان لم يكن يستطيع تحمله.... أقتربت منه تتحدث وهي تنظر إلي عينيه مباشرة:
_"وأنتَ بتحبها.... لو عقلك صدق أنها تعمل كده، قلبك عُمره ما يقدر يصدق لو جابولوا أدلة العالم كله، لو مصلحتش اللي أنت عملته ده، أنا حقيقي مش هقدر أسامحك طول ما أنت ظالم مراتك بالشكل ده، كُله إلا الظُلم يا مُراد.... ".
❈-❈-❈
." بعد مرور يومين ".
تسلل الضوء الباهت من مصباح المكتب ليكشف عن هدوء مريب يسيطر على المكان، كأن الجدران تنتظر بترقب ما ستسفر عنه تلك المواجهة.....كان"مُراد"جالسًا بهيبتهِ وراء مكتبهِ بالمنزل، يرتدي ملابس بيتية، بيده قلم يعبث به علي ورقة فارغة،أصبح معظم وقتهِ يَقضهِ هنا بالمكتب،لا يطيق الشقة بدونها،كأنها تضيق عليه تخنقه من دونها... ليلتهِ الماضية مضت عليهِ طويلة لأبعد حد، جفاهُ النوم، أعتاد عليها بجوارهِ... لكنها الآن غير موجودة...
قطعَ الصمت الذي خيمَ علي المكان،أصوات طرقات ناعمة علي باب المكتب فورًا ميزَ صاحبتهم،أبتسمَ بخُبث دفين قبل أن يسمح لها بالدخول،ولم ينسي أن يظهر نبرته متعبة.....
دخلت"نانسي" بخطوات خفيفة حذاؤها العالي بالكاد أحدث صوتًا على الأرضية الخشبية. كان وجهها مزيجًا من القلق المزيف والإصرار. تحمل بين يديها صنية صغيرة، مُغطاه بورق شفاف، تظهر بداخلها تفاصيل دقيقة لطعام معدّ بعناية.، وقد اختارت عطرها بعناية ليكون ثقيلًا بما يكفي ليترك أثرًا، لكن ليس مبالغًا فيه. وضعت الصنية على المكتب ببطء، نظراتها تراقبه بتمعن بينما كان يجلس خلف مكتبه، متكئًا بيده على ذقنه بعد أن تركَ قلمهِ جانبًا.....
_"مُراد..."
نادت باسمه بصوت بدا كأنه يتسلل من مكان دافئ بصوت هادئ متردد، كمن لا يريد إزعاجه لم يرفع عينيه في البداية، لكنه حين فعل، كان بطيئًا، مدروسًا، كأنه يمنحها فرصة لالتقاط أنفاسها قبل أن يثبّتها في مكانها بنظرة حادة لا تخلو من الغموض...
"سمعت من مرات عمي أنك بقالك يومين مش بتأكل بسبب اللي حصل، مقدرتش أمسك نفسي بصراحه قلبي مطاوعنيش، عملتلك الأكل ده، وجبتهولك علشان تأكله".
رفع" مُراد" عينيه إليها ببطء، نظرة ثابتة لا تفضح مشاعره. ثم أشار بيده لتجلس دون أن ينطق بكلمة، كأنه يمنحها فرصة لتبرير وجودها. جلست "نانسي" على الكرسي المقابل، ورسمت على وجهها ابتسامة صغيرة حزينة، كأنها تريد إظهار اهتمامها وإخفاء خبثها في آن واحد.... لم يتحدث، اكتفى برفع حاجبه قليلًا، إيماءة صغيرة أشعرتها أنها حصلت على اهتمامه، أو ربما جزء منه، وابتسامتها مشوبة بحزن مصطنع، كأنها تتظاهر بأنها الوحيدة التي ترى ثقل العالم على كتفيه.
وضعت الصنية أمامه بحركة متأنية، أطراف أصابعها بالكاد تلمس السطح الخشبي، وكأنها تحاول أن تضيف لمسة من الحنان غير المعلن. بدأت ترفع الغطاء الشفاف عن الصنية ، وأخرجت منها وجبة بسيطة لكنها مُعدة بإتقان، كأنها تحاول إيصال رسالة غير منطوقة، بأنها الوحيدة التي أهتمت بهِ في ظل الأحداث الماضية.....
وضعت الطعام أمامه وقالت:
"أنا عارفة إن اللي حصل كان صعب عليك... بس أنت لازم تعدي اللي فات، احنا محتجانلك يا مُراد، كلنا بنتسند عليك".
صوتها كان منخفضًا، بالكاد يعلو على صوت أنفاسهما في الغرفة، لكنها تعمدت أن تجعل كلماتها مشبعة بالإخلاص المزيف تركها تتحدث، يدقق في كلماتها كأنها قطع شطرنج يتحرك بها. ثم ابتسم، ابتسامة بالكاد لاحقتها عينها، وقال بصوت هادئ:
"شكرًا يا نانسي... دايمًا بتيجي في الوقت المناسب."
نظر إليها للحظة طويلة، عيناه تبحثان عن شيء ما في وجهها، ثم ابتسم، تلك الابتسامة الخفيفة التي بالكاد تُظهر أسنانه، لكنها تحمل في طياتها الكثير من الغموض. يستأنف حديثه قائلاً:
" تعبتي نفسك.".