رواية جديدة قلب نازف بالحب لهاجر التركي - الفصل 31 - 3 - السبت 23/11/2024
قراءة رواية قلب نازف بالحب كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية قلب نازف بالحب
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة هاجر التركي
الفصل الواحد والثلاثون
3
تم النشر السبت
23/11/2024
بدت كلماته كأنها حائط لا يمكن اختراقه، لكن ذلك لم يمنعها من المحاولة. أزاحت خصلة شعرها وراء أذنها بحركة مدروسة، قبل أن تميل بجسدها قليلًا للأمام، تستند بمرفقها على حافة المكتب، تضيق المسافة بينهما بشكل طفيف لكنه ملحوظ.
"أنا موجودة علشانك، مراد. مش مهم إيه اللي حصل أو هيحصل.."
صوتها كان ناعمًا، كأنها تحاول أن تحيطه بعاطفة دافئة تخفي نواياها.ابتسم مرة أخرى، لكنه هذه المرة كان يدرك تمامًا كيف يرسم الابتسامة. قال بنبرة منخفضة لكنها واضحة:
"عارف يا نانسي... عارف.... وأنا محتاجلك جمبي فالوقت ده بالذات "
كان يعلم كيف يضعها في المكان الذي يريده، لكنها، بغرورها، لم تدرك أنها مجرد قطعة أخرى في لعبته، تتحرك بخطى متسرعة نحو الفخ الذي ينتظرها... لم يبعد نظراته عنها، لكن عينيه كانت تحملان تلك اللمعة التي لا يمكن لأحد أن يفسرها بسهولة...
كانت كلماته كافية لتجعلها تظن أنها نجحت، أنها خطت خطوة كبيرة نحو أن تكون "الوحيدة" في حياته وتستعديه إليها.... لكنها لم تكن تدرك أن "مراد"، بهدوئه المدروس وصمته الطويل، كان يرسم خطوطًا خفية لتحركها القادم. كل كلمة، كل نظرة، كانت جزءًا من لعبة أكبر، لعبة هو وحده من يضع قواعدها.
بينما كانت تتابع حديثها وتحاول بث مزيد من دفء زائف في الغرفة، كان" مراد" يراقبها، يزن كل حركة، كل كلمة، بعقل لا يتوقف عن التخطيط. أما هي، فقد انغمست تمامًا في وهم قربها منه.... شعرت أن كلماته البسيطة، كانت اعترافًا ضمنيًا، كأنها انتصرت في جولة صغيرة في معركة أكبر. رفعت عينيها إليه بابتسامة طفيفة، وكأنها تقتنص لحظة من ضعف مزعوم....
_"مراد...".
قطعت الصمت الذي طال للحظات، صوتها هذه المرة أعمق، وكأنها تبوح بسر:
"أنا دايمًا شايفة أكتر من اللي الناس بتشوفه. شايفة إنك بتحاول تخفي تعبك، إنك لوحدك حتى وسط الزحمة. يمكن محدش يقدر يشوف ده... بس أنا شايفاه."
كلماتها كانت كالشبكة، مصممة بعناية لاصطياده، لكنه جلس هناك كصخرة لا تتحرك، يداه متشابكتان على المكتب، عيناه مثبتتان عليها، تراقب كل تفصيلة، كأنها صفحة كتاب مفتوح يقرأها بلا تردد.
لم يُظهر أي رد فعل، فقط استند بظهره أكثر إلى الكرسي، أخرج تنهيدة طويلة، ثم قال بنبرة محايدة:
_"أنتِ دايمًا عندك نظرة فريدة، والأهم من كل ده فهماني وحاسة بيا. وده اللي بيعجبني فيكي."
شعرت" نانسي" بحرارة في قلبها، أو على الأقل، ما كانت تظنه حرارة. جلست أقرب، وكأنها تجرأت أكثر. رفعت يدها لتعدل وضع طبق الطعام، حركة بدت عفوية، لكنها كانت محاولة أخرى لتقليل المسافة:
_"وأنا جمبك فأي وقت..."
هذه المرة، ترك" مراد" الصمت يتحدث بدلاً منه. أخذ شوكة الطعام، تناول لقمة صغيرة، وكأنه يختبرها هي قبل أن يختبر الطعم. نظراته لم تفارقها، مما جعلها تعتقد أنه أخيرًا بدأ يعتمد عليها، أو ربما يراها كما تريد أن تُرى.
_"الأكل حلو تسلم إيدك.... "
قال أخيرًا، بصوت خالٍ من العاطفة لكنه يحمل ثناءً بسيطًا.
ابتسمت ابتسامة واسعة، شعرت وكأنها انتصرت في معركة صغيرة أخرى:
_"كنت متأكدة إنه هيعجبك.. ألف هنا "
ثم أضافت:
"لو عايز أي حاجة، في أي وقت، متترددش لحظة تُطلب ده مني."
أبتسمَ لها بتلاعب يقول بنبرة حيادية:
_"أكيد! ".
قالت بنبرة هادئة، تحاول أن تخفف من حدة التوتر:
_"أنا مش قادرة أشوفك في الضعف ده كتير.... اللي حصل حصل خلاص، أنسي... هي أصلاً مكانتش تستاهلك يا مُراد، هي اللي خسرتك."
رفعت عيناه إليها ببطء، شبح ابتسامة ساخرة يرتسم على شفتيه، لكنه كان كمن يخبئ خنجراً خلف ظهره. رد بصوت يحمل مزيجًا من الهدوء والخطر:
_"فعلاً مكانتش تستاهلني...."
ترك كلماته تتدلى في الهواء بينهما، يتلذذ بتأثيرها عليها. خطوة صغيرة أخذها نحوها، وكأن قربه منها سيزيد من وطأة كلماته. عينيه تراقبان أدنى تغيير في ملامح وجهها، قبل أن ينطق بخبث لم تخطئه أذناها:
_"أنتِ اللي كُنتِ تستاهليني."
حبست أنفاسها، شعرت كأن قلبها قد توقف لبرهة، شيء ما في نبرة صوته أو نظرته جعلها تشعر بانتصار صغير، خجول، لكنه لم يدم طويلًا. أكمل كلامه بنبرة أبطأ، وكأنه يسدد طعناته بروية:
_"أنتِ الوحيدة اللي كُنتِ شايفة أنها متستاهلنيش، نظرتك كانت غير... علشان كده سقطيها...."
شهقت بصوت مسموع، وجهها تلوّن بدرجة من الصدمة لم تعرف أنها ممكنة. شفتيها ارتعشتا وهي تهتف بتقطع:
_"أي، أنت.... أنت بتقول أي؟"
تغيرت ملامحه في لحظة، غضب مفاجئ اشتعل في عينيه، كأنه كان يخبئ بركانًا انفجر دون إنذار:
_"أي هتنكري....مش ده اللي حصل؟"
رفعت يديها بتوتر، كأنها تحاول أن تخلق درعًا وهميًا أمامها. أخذت خطوة صغيرة إلى الوراء، محاولة أن تسيطر على صوتها الذي بدأ يرتجف:
_"أنتَ فاهم غلط يا مُراد مُش ده اللي حصل."
لكنه لم يترك لها مساحة لتلتقط أنفاسها، تقدم نحوها، صوته صار أكثر حدة، لكن فيه نبرة تحدٍ خطيرة:
_"أومال أي اللي حصل؟... وقبل متفكري تكدبي، أعملي حسابك إني عارف كل حاجة قبل متلفي وتدوري."
شعرت وكأنها تحاول الإمساك برمال متحركة، كلما حاولت التفسير، شعرت بأنها تغرق أكثر. قالت بصوت يائس، يتوسل فرصة لفهم ما حدث:
_"أنت فاهم غلط والله العظيم.... الموضوع مش كده خالص... أديني بس فرصة هشرحلك.".
لم يُمهلها فُرصة، وكأنّ كل الكلمات التي كانت تودّ قولها قد سُجنت بين شفتيها. عيناه الرمادية اشتعلتا غضبًا حارقًا، وملامحه التي كانت دائمًا ما تتسم بالهدوء تحولت إلى وجه آخر، كأنّها تراه للمرة الأولى.
قال بحدة وهو يقترب منها بخطوة ثقيلة تُشبه وقع المطرقة:
_"نانسي، مش عايز لف ولا دوران، أي كلام غير الحقيقة هيبقى ضدك مش لصالحك."
رفعت يديها بتوتر، كأنّها تحاول أن تُمسك الهواء حولها لتستنشق قليلًا من الشجاعة، لكنها لم تجد شيئًا سوى الاختناق:
_"مراد... أنا مكنتش أقصد... الموضوع كله غلطة، غلطة مالهاش أي معنى."
ضحك بسخرية باردة، لكنها كانت حادة كالسكين:
_"غلطة؟ دي كلمة صغيرة قوي على اللي حصل. إنتِ فاكرة إني هسيب اللي عملتيه يعدي؟ فاكرة إني مش شايف حقدك وغلك والسواد اللي جواكِ ؟!"
تراجعت خطوة للخلف، لكنها شعرت كأن ظهرها قد اصطدم بجدار لا مفر منه. قالت بصوت مكسور:
"مراد، أقسم بالله ما كنت عايزة الأذية لأي حد... الموضوع خرج عن السيطرة. لو تسمعني، هفهمك."
تقدم نحوها خطوة أخرى، وكأنه لا يُريد ترك أي مساحة تُشعرها بالأمان. عينيه ثبتت على عينيها، وحركته كانت أشبه بصياد يُضيق الخناق على فريسته:
_"تسمعني؟! أسمع إيه يا نانسي؟".
شهقت، محاولة أن تجمع شتات نفسها، لكن الكلمات كانت تخذلها، تتساقط من شفتيها كأنها تحترق قبل أن تصل إليه:
_"مراد... أنا عملت اللي عملته عشانك. كنت بحاول أحميك!"
انفجر صوته كالرعد في المكان:
_"تحميني؟! بتحميني إزاي وأنتِ السبب فكل المصايب دي،؟ أنتِ فاكرة إني مش عارف إن اللي حصل لرضوي كان بسببك،وكله من تحت راسك ؟!"
انهارت قدماها تحت ثقل كلماته، كأنّها لم تعد قادرة على الوقوف. بكت، لكن دموعها لم تحرك ساكنًا في ملامحه التي اكتست بصلابة من حجر. همست بصوت ضعيف:
_"مراد، ما كنتش عايزة كده... أقسم بالله كنت فاكرة إن ده الصح."
نظر إليها بنظرة أخيرة، مليئة بالخذلان أكثر من الغضب:
"عُمري ما كُنت أتخيل أنك تأذيني بالطريقة دي! لولا أني سمعت بوداني عمري ما كُنت هصدق فيكِ حاجة زي دي، عارفة ليه؟ علشان كُنت بثق فيك...كنت بعزك....لي عملتي كده؟ أنا عملتلك أي علشان تعملي فيا كده؟".
الجو كان خانقًا، كأن الغرفة بأكملها تضيق عليهما شيئًا فشيئًا" نانسي" وقفت أمام "مراد" عيناها تحملان مزيجًا من الألم والغضب. أصابعها كانت ترتعش بخفة وهي تضغط قبضتيها معًا،
نطق "مُراد "بصوت مبحوح، كأن الكلمات تخرج بصعوبة من حلقه مُكررًا ما قال:
_" لي؟ لي؟ لي تعملي فينا كده؟ ".
رفعت حاجبيها بسخرية مريرة، وخطت خطوة أقرب إليه، بعد أن رأت أنه لا مفر من المواجهة:
_"أنت اللي لي؟ لي غدرت بيا؟"
تراجع "مُراد" في مكانه، نبرة الدفاع تُغلّف كلماته، حين سألها:
_ "غدرت بيكِ؟".
_"أيوه غدرت بيا!".
صاحت بصوتٍ مشحون بالوجع، قبل أن تتابع بحدة تكاد تقطع الهواء:
_ "وأيوه أنا اللي موِّت أبنك! وحطيت لها الحباية في العصير".