-->

رواية جديدة راهبات الحب لهالة محمد الجمسي الفصل 45 - السبت 23/11/2024

 

رواية رومانسية جديدة راهبات الحب

من روايات وقصص الكاتبة

 هالة محمد الجمسي


رواية جديدة 

راهبات الحب

تنشر حصريًا 

على مدونة رواية وحكاية 

قبل أي منصة أخرى


الفصل الخامس والأربعون

تم النشر السبت

23/11/2024



توقفت خطوات سليم أمام ود، ود لم ترفع عينيها له، كانت تعلم جيداً أنه هو من يقف أمام عينيها،  ما فا ئدة الكلام في هذا الوقت؟ بل ما جدوى العتاب من الأساس؟ الأنفاس متلاحقة والقلب مضطرب ومن يعتزون به في غرفة تبعد عنهم بضع سنتيمترات ولكنهم لا يستطيعون فعل شيء له، أن الأمر كله بيد الله، وقد تكون اللحظة القادمة هي لحظة قاسية ، ربما لن يشاهدون عنان ثانية، ربما قال الطبيب أن الأمور خرجت عن السيطرة، الخوف الخوف يسيطر على الأنفاس الخوف الموجع الذي يجبرك على الشلل التام والعجز ويضع بيدك قيد من حديد، قيد يجبرك على الخرس والانتظار، الانتظار الذي يعقبه لحظة حاسمة ونهائية 

أما أن تكون حانية أو تكون قاصمة ، وما بينهم زمن آخر يعيشه الفرد، أنها تلك الأوقات التي تضع في ميثاق عمرنا 

أنها الأشد ثقل على النفس وقد تكون اقسى ما في العمر رغم كونها مجرد لحظات في حسابات الآخرين،



الطبيب خرج من الغرفة أخيراً، نهضت ود في لهفة ممزوجة بتوسل واتجهت له، في حين اتجهه سليم خلفها يعقب خطواتها وقال وهو ينظر إلى الطبيب في قلق وهو يرجوه من خلال سؤاله أن يخبره أن كل شيء بخير :

ـ  خير يا دكتور ؟؟ 

نظر له الطبيب في دهشة ثم قال في إبتسامة ظفر  هادئة :

ـ أنت سليم ؟!  

هز سليم رأسه علامة الموافقة مما جعل الطبيب يهتف:

ـ الحمد لله هو بخير، بس هو مش هيخرج من العناية المركزة غير بعد فترة معينة مش أقل من أسبوع٠

ثم قال وهو ينظر إلى سليم نظرة فاحصة:

-أنا سمعت منه بعد ما فاق اسمك هو صوته كان واطي اوي، بس انا قدرت أميز الأسم٠


هتفت ود في توسل ورجاء:

ـ اقدر اشوفه يا دكتور؟ من فضلك محتاجة اشوفه٠


الطبيب عمران نظر لها في حسم وقال:

ـ لأ اكيد لأ، علشان مصلحته هو، ممكن بكرة أو بعده، دلوقت ممكن تشوفيه من ورا  الباب الأزاز غير كدا مافيش٠ 


الطبيب أشار إلى الممرضة التي تمر إلى جوارهم في تلك اللحظة وقال:

ـ ماريا مش عايز زيارات لحالة عنان، عايز هدوء وراحة ومتابعة لحالة القلب كل ساعة التقرير يكون على مكتبي٠

ثم أشار إلى ود وسليم وقال:

ـ وطبعاً مش محتاج اقولكم أن انتم لازم تلتزموا  قبل اي حد الزيارة ممنوعة حالياً٠


ابتعد الطبيب عن كل منهم مسافة كافية، اتجهت ود وسليم مباشرة إلى غرفة العناية المركزة، وقفا كل منهم يشاهد عنان الذي يرقد تحت الأجهزة ويده تعلوها الأسلاك، وعينيه مغلقتان، كان شعور الذنب يعتصر قلب سليم، لقد  واجه الجد هذا الثقل النفسي والجسماني  فترة كبيرة ثم لم يعد قادرا على هذا،  اختل كل شيء من حوله، سقطت كل الأمور وتهاوت في لحظة، وهو الحفيد الوحيد له لم يكن هناك في تلك اللحظة، ربما كان وجوده  ما يجعل الأمور أخف وطأة من هذا، ربما كان وجوده حاجز  و واقي ل عنان  من الضغط النفسي الذي لم يتحمله قلبه وعقله، لقد كان الجد في حاجة إلى من يستند عليه في هذا الضعف النفسي الذي يواجهه، تمنى أن ينظر له عنان مرة ثانية، أن يبتسم له، أن يخبره أن كل شيء بخير، انتبه سليم من أفكاره إلى صوت ماريا الممرضة وهي تقول في لهجة اعتراض:

ـ حالة الاستاذ عنان اللي هيتعامل معاها الدكاترة والممرضين، وجودكم هنا قدام الاوضة  مش بيقدم حاجة، هو مش هينتبه ل حد غير الصبح، أنا شايفة أنكم تروحوا دلوقت و تيجوا الصبح٠

سليم نظر إلى ود ثم نظر إلى عنان ثم قال في لهجة حاسمة:

ـ يا لا يا ود  علشان أوصلك للبيت٠ 

 

ترددت ود لحظة، أنها المرة الأولى التي سوف تعود بها إلى المنزل دون عنان، هتفت ماريا الممرضة وهي تشاهد تردد ود:

ـ ممكن تيجي بكرة عادي بعد الساعة تمانية، هكون موجودة هنا،  هنا الإشراف الطبي طول الليل هيكون متابع للحالة ولازم بكرة تجيبي معاك شوية حاجات خاصة بيه هاكتب لك عليهم٠ 


وافقت ود على الأمر، ذهب سليم إلى خزينة المستشفى حتى يضع مبلغ مالي كبير، ثم انتظر ود في السيارة، كانت ود تسير في اتجاه معاكس بعيد عن سيارة سليم، خرج من السيارة ثم اتجه لها دون كلمات أشار إلى السيارة، حين لم تتحرك ود قال في لهجة حاسمة:

ـ يا لا علشان نروح  البيت،  جهزي  اللي طلبوه منك  في شنطة و الصبح هنيجي سوا هنا ٠

كادت ود أن تعترض كادت أن تخبره أنها ترغب في السير على القدم بعض الوقت، تريد أن تظل تسير بلا هدف إلى أن يأتي الصباح، ولكنها شعرت كذلك بضعف كبير، فقدت قوتها و عزمها  وهي تفكر  في عنان وما يمر به،  ثم عادت كلمات سليم من جديد ولكن هذا المرة في لهجة حادة فهو قد أدرك أنها لا تريد أن تكون معه، هي تلقى عليه لوم في أشياء كثيرة هو يعلم ولكنه لا يهتم في الوقت الحالي سوى بصحة جده وما يجب أن يكون:

ـ الشنطة الخاصة بيه لازم تكون موجودة هنا الصبح٠ 

 ورغماً عنها سارت إلى سيارة سليم،  وجلست إلى جواره وهو يقود السيارة مسرعاً إلى المنزل، فور أن أوقف السيارة حتى اتجهت ود إلى غرفة عنان مباشرة وأغلقت على ذاتها الباب، وشرعت في البكاء، في حين فتح سليم اضواء المنزل كله ثم اتجه إلى غرفة المكتب جلس هناك يراقب الساعة في صمت وهو يأمل أن يأتي النهار سريعاً فلقد أيقن في تلك اللحظة أنه غير قادر على مقاومة الظلام دونه، الأمر أصعب مما يظن، الأمر مأساوي٠


جاء الصباح أخيراً بعد أن فشل كل منهم في النوم، ود كانت قد قامت على تحضير حقيبة ملابس خاصة بالجد، كل منهم لم يبدل ملابسه ولم يهتم بالأمر،  كان شعر سليم أشعث ملابسه غير مئزرة 

وغير مهتم بما يبدو عليه مظهره في حين كان وجه ود المنتفخ من البكاء يخبر من يشاهدها أن الفتاة في حالة يرثى لها، ولكن كل منهم لم يكن يلاحظ كيف يبدو الآخر، قاما بوضع النظارات العاكسة للشمس وانطلقت بهم السيارة في طريق المستشفى، تشبثت يد كل منهم بزجاج غرفة عنان، وكأنهم ينا شدونه في رجاء أن ينظر لهم 


حين استجاب أخيراً وفتح عينيه في ضعف

أخبرهم الطبيب عن أن هناك خيار واحد فقط لا بديل عنه:

ـ واحد بس فيكم  اللي ممكن يدخل يبص عليه دقيقة واحدة ويخرج تاني النهاردة٠ 


كانت خطوات سليم هي الأسرع في اقتحام الغرفة إلى حيث يرقد عنان، حرك عنان عينيه في إتجاه سليم اقترب سليم منه قال في صوت منخفض يشبه الهمس:

ـ أنا هنا٠ 

نظر له عنان في ضعف ووهن، في حين أعقب سليم وهو يدرك جيداً كيف يفكر الجد:

ـ ود  كمان هنا ود برا٠


❈-❈-❈


( أيا صديق 

أيا صديق 

 أتتذكر يوم وعد؟؟ 

أنك باقي للأبد 

وأن ساعدك متكئ

علية أضع مر الصعب 

أيا صديق ؟ 

أيا صديق 

يا من كنت للروح رفيق 

وللعقل الحائر تمهد طريق 

لا جرم لمن يبدل صديق بصديق ولا عتب لمن ترك رفيقه بمنتصف طريق 

ظن القلوب الساذجه  

 إن كل ما قيل 

يجب الوفاء فيه

أيا صديق 

كذبت يوم معتقدات العرب. أن الصديق و الرخ كذب. من مستحيلا تهم كتبوا  ولم ألتفت لقول 

أيا صديق 

أكان وهما وزيف 

أنني  التقيتك يوم 

 حلم اليقظه ما أقساه

ما بين حقيقة ووهم) 



لمس سليم بيده اصبع يد الجد، كان يريد أن يرسل له رسالة أن كل شيء بخير وأنه في أمان، وكل شيء تحت السيطرة، أشار الطبيب إلى سليم أن يخرج من الغرفة، هذا الوقت يكفى 


فور أن خرج سليم جلس على إحدى المقاعد القريبة من الغرفة، في حين فضلت ود أن تظل هناك تنظر إلى عنان الذي لا يستطيع أن يرفع رأسه و يشاهدها، في رحلة العودة إلى المنزل 

توقفت السيارة أمام المنزل شاهد سليم القفل الكبير على البيت الخشبي نظر إلى ود التي تستعد للهبوط من السيارة وقال:

ـ مين اللي حط القفل دا هناك؟ جدي؟؟ 

صمت دقيقة ثم قال وعينيه بها  اتهام صريح :

ـ ولا أنت يا ود؟ 

ود تجاهلت السؤال الذي يحمل اتهام وغضب، في حين أعقب سليم وهو يسير خلفها:

ـ ود،  جدي جت له الأزمة دي ازاي؟ اللي حصل قبلها؟ سمع اي بالضبط ؟

صرخت ود في وجهه وهي تشير له بيدها:

ـ  أنت بتسأل عن اللي حصل ل بابا عنان منك ؟؟ مش فاهمة يعني انت كدا يتنكر اللي حصل؟ اللي حصل قبلها أنك::::

توقفت الكلمات على لسان ود كانت تريد أن تخبره أنه هو من تسبب في أزمة عنان الصحية، ولكنها شعرت باستخفاف من سليم هل هو فعلاً لا يعلم بهذا؟؟  أو هل هو اتهام لها انها من فعلت هذا؟ كيف يعقل هذا؟  سليم ادرك تماما ماذا كانت تريد ان تقول فتابع في صوت منخفض وهو ينظر إلى ملامح وجهها الغاضبة:

ـ زي ما توقعت أنت اللي عرفتيه ٠


فكرت ود أن تخبره أنها لم تخبر الجد عن فتاة الليل التي جاء بها سليم إلى البيت الخشبي، كادت أن تخبره أن الجد قد اتعبه وآلمه فكرة فقده له وهو على قيد الحياة، شعور الحرمان منه  بعد حرمانه من والده كذاك، أنه يشعر أن من تبقى له من عائلته قد تنكر له، عاقبه بأقسى حرمان يمكن أن يناله في تلك المرحلة من العمر،  وفكرة أن سليم قد ابتعد عنه وانفصل  إلى الأبد هي من جعلت قدم عنان لا تقويان على حمله، وجعلت قلب عنان لا يقوي على ضخ الدم إلى الجسم وكأنه يريد أن يغادر سريعاً من الحياة، ، ولكنها لم تفعل ود  اكتفت بأن تبتعد  بخطواتها عنه 

فليظن ما يشاء،   أنها لا تريد أن  تظل هنا في هذا المكان في  جدال معه، هي  تريد أن تبتعد عن هذا الجو المشحون، إذ كان سليم يريد تقديمها هي  قربان فداء حتى يكفر عن ذنبه، فهي لن تقف في ساحة محاكمته حتى تأتي بشهادة  إبراء التهم،  صعدت إلى الطابق العلوي في حركات سريعة غاضبة، استمعت إلى خطوات سليم وهي تغادر المنزل وتستقر في الحديقة، تساءلت ود كثيراً في حيرة  كيف تغير سليم إلى تلك الدرجة من النقيض إلى النقيض؟ هل هذا هو حقاً سليم من نشأت وشبت عن الطوق  إلى جواره؟ أو هو مسخ مخيف يلحق الأذي بكل من يقترب منه؟ ما تمر به هو سلسلة من الكوابيس المتلاحقة التي لا تستطيع أن تدفعها بعيداً عنها، أو أن تستيقظ من تلك الكوابيس التي تقتحم حياتها وتحيلها إلى جحيم


لم ينتبه سليم إلى الوقت الذي مر عليه وهو يجلس في الحديقة صامتاً، ساعات وساعات 

قبل أن يلفح جسده الهواء البارد مما جعله ينتبه إلى أن الليل قد جاء  فور أن دخل إلى غرفة المكتب فرد جسده على المقعد و غفا، في اليوم التالي تساءل سليم مع الطبيب عن الحالة الصحية للجد عنان 

ـ حالته مستقرة، بس مينفعش يخرج، مينفعش كمان يتعرض لأي  انفعال٠


سليم في صوت منخفض:

ـ طيب انا عايزة اتكلم معاه و أوعدك مافيش انفعال٠


نظر له الطبيب في شك وقال بعد تفكير:

ـ تتكلم معاه!!؟ 

هز سليم رأسه علامة الموافقة وتابع وهو يوضح له:

ـ أنا اللي هتكلم،  مش هاخد اكتر من دقيقة، كلام ممكن هو محتاج يسمعه٠


وافق الطبيب بعد الحاح سليم ومع اعتراض نظرت عين ود التي كانت ترغب في الدخول حسم سليم الأمر في صوت به نبرة حسم وهو يوجه كلامه إلى ود:

ـ أكيد أنا اللي محتاج اللحظة دي، لاني في الصورة البلاك ( السوداء)


 

لمس سليم يد الجد في هدوء وحذر شديد مما جعل الجد ينتبه له ويفتح عينيه، همس سليم في اذن عنان 


ـ أنا منتظرك تخرج بسرعة، معنديش استعداد اجرب الحرمان من الاب تاني، أنا خسرت زوجه ممكن تتعوض أو متتعوضش مش فارق  بس انت اللي فارق معايا، أنا عارف انك اتصرفت تصرفات مش مقبولة منك عارف وفاهم سبب التعب دا، بس انا كنت مش فاهم اي اللي بيحصل، كنت حاسس اني جوا شرنقة، شرنقة بتضيق على نفسي كنت بحاول اهرب واتنفس، تصرفاتي كانت غلط، بس أنا مكنتش قادر افهم اي اللي بيحصل؟ دلوقت عرفت أن كل حاجة بتحصل ليها معنى، الأزمات جواها رحمة،  ويمكن القرار اللي انت خدته هو دا اكبر رحمة حصلت لي لاني اللحظة دي عايز احط كل الدنيا في كفة قدام انك تطلع من هنا في كفة ٠


نظرت عين الجد حملت إلى سليم الصفح، التسامح و الغفران ، بل إن مجرد رؤيته له قبل أن يتحدث قد جعل الغفران من نصيب سليم ومع شعور سليم بهذا الأمر هدأت الآمه  كان جزء كبير من كيانه قد أزاح شعور الذنب الكبير الذي كان يوقد نار داخل صدره وجنباته، هو قد استقر نفسياً بعض الشيء، في رحلة العودة إلى المنزل، لم يكن هناك سوى الصمت بين ود وسليم، في اليوم الرابع  كانت حالة عنان قد تحسنت بعض الشيء 

حملت لهم البشرى ماريا وهي تهتف لهم قبل أن يتوجها بخطواتهم إلى الطبيب المعالج ل عنان:

ـ  والضغط اتعدل ومستوى تدفق الدم في الأوردة بيتحسن تدريجي والنبض كمام بدأ في التحسن ودي حاجة نقدر نقول فيها استقرار كبير اوي للحالة الصحية بتاعته، يعني عدينا مرحلة الخطر والخوف عليه خلاص٠

ود في لهفة وشوق :

ـ يعني بابا عنان  هيروح معانا؟! 

اعترضت ماريا في رفق وتحذير:

ـ لأ،  الحالة مستقرة صح، دا لطف من الله  و  مجهود دكاترة وتمريض 

 بس بردوا لسه في شوية حاجات لازم تكون تحت إشراف طبي، مينفعش الخروج العشوائي دا، لازم نتأكد أن القلب كمان رجع لحالته الاولانيه ٠ 



سمح  الطبيب  لكل منهم بالدخول بضع دقائق، ود اقتربت من عنان في لهفة وحنين له طبعت قبلة على جبهته، ولم تستطع أن تمنع دموعها من الهبوط وهي تنطق باسمه وهي تحمد الله أن لا يزال هناك سند  لها في الحياة  :

ـ بابا عنان ٠


يتبع

إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة هالة الجمسي، لا تنسى قراءة روايات و قصص أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية


رواياتنا الحصرية كاملة