-->

رواية جديدة على سبيل الألم لرانيا ممدوح - الفصل 4 - 1 - الثلاثاء 24/12/2024

  

قراءة رواية على سبيل الألم كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخر


رواية على سبيل الألم 

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة رانيا ممدوح 

الفصل الرابع

1

تم النشر الثلاثاء

24/12/2024



لا تَنشَغِلي بالمستقبلِ يا سيدتي

سوف يظلُّ حنيني أقوى مما كانَ..

وأعنفَ مما كانْ..

أنتِ امرأةٌ لا تتكرَّرُ.. 

في تاريخ الوَردِ..

وفي تاريخِ الشعْرِ..

وفي ذاكرةَ الزنبق والريحانْ...

ولهذا أحبكِ .. 


"قطع الضابط شرودها ثم قال بلطف، وهو ينظر إليها بعينيه الثابتتين التي تعكس القلق:


"ممكن نتكلم مع بعض شوية؟ الدكتور قال لي إنك مستعدة للتحقيق."

قالت سبيل بصوت خافت، مع لمحة من التردد في عينيها:


"ممكن."

جلس الضابط على كرسي موضوع بجانب السرير، وأخذ نفسًا عميقًا قبل أن يوجه نظره إليها بحذر، محاولًا قراءة ملامح وجهها المتجهم.


"ممكن تقوليلي إيه اللي حصل يوم الحادث؟"


تراجعت سبيل قليلاً إلى الوراء، وكان على وجهها تعبير مختلط من الحيرة والخوف، كأنها تسترجع اللحظات في عقلها ببطء، قبل أن تجيب بصوت ضعيف وتفكر في كل كلمة تخرج من فمها.

❈-❈-❈

ابتلعت سبيل غصتها بألم، وظهرت على وجهها تجاعيد الحزن والدموع التي كادت تلمع في عينيها، ثم تابعت بحرقة، وكأن الكلمات تخرج بصعوبة من بين شفتيها:


"يومها كان يوم عادي زي أي يوم، أمي صحتني من النوم وجهزت لي ساندويتشات للمدرسة، وفطرت معاها هي وبابا زي كل يوم وودعتهم، ومشيت. قضيت اليوم عادي في المدرسة بعد ما أخدت حصصي الساعة أربعة، ورجعت كلنا مع بعض تاني. بابا بينام شوية بعد الشغل، وماما بتفضل تشتغل في البيت، تنضف أو تسقي الزرع أو تلعب شوية رياضة. وأنا بجهز نفسي علشان أروح للتمرين تلت أيام في الأسبوع.

روحت التمرين وخلصت، ورجعت الساعة ستة زي كل مرة. بس المرة دي كانت مختلفة، وأنا داخلة البيت لقيت البوابة مفتوحة، وده كان غريب بالنسبة لي، وحتى لما جيت أفتح باب البيت لقيته مفتوح برضو. فضلت أنادي على أبويا وأمي لحد ما لقيت بابا مرمي على الأرض ومضروب بالسكينة. فضلت أحرك فيه وأنادي عليه: بابا يا بابا، وأنا بصرخ ومش قادرة، وبعدها ما دريتش بنفسي، ولا أعرف إيه اللي حصل؟"


كانت ملامح وجهها متوترة، وعينيها مليئة بالتساؤلات والألم، بينما كانت يدها ترتجف وهي تمسك بجانب السرير، وكأنها تحاول أن تعود إلى تلك اللحظة التي لا تستطيع هضمها أو فهمها.


قال الضابط بنبرة حادة، وهو يحدق في عيني سبيل:


"بس أنتِ متهمة بقتل والدك."


ردت سبيل بسرعة، وكأن كلمات الضابط صدمتها وأثارت فيها حيرة كبيرة، وعينيها اتسعتا في ذهول:


"هقتله إزاي؟ ده بابا كان كل حاجة في حياتي هو وماما."


الضابط أومأ برأسه وكأن شيئًا ما بدا له واضحًا، ثم سأل بنبرة أكثر إلحاحًا:


"أيوة... وماما، مين ماما بقى؟"


تنفست سبيل بعمق، وكان واضحًا في عينيها الخوف من التلميح الذي في كلامه، لكنها ردت بلا تردد:


" ماما سميرة "

تابع الضابط قائلا:

"إحنا دورنا على سجل مامتك، مالهاش أي أثر وكأنها مجتش الدنيا."


نظرت إليه سبيل بإستنكار، وكان وجهها يعكس عدم التصديق والدهشة:


"إزاي ده؟"


الضابط نظر إليها بجدية، وأضاف بحسم:


"زي ما بقولك كده. جايز تكوني قتلتيها واخفيتي جثتها، ولما جه الدور على والدك جسمك متحملش ده فأغمى عليكِ."


كان كلامه قاسيًا، وكأنّه يحاول أن يزرع الشك في قلبها، بينما كانت سبيل تجلس صامتة، تغمرها مشاعر مختلطة من الدهشة والارتباك.


نظرت له سبيل بصدمة، عينيها مليئة بالدهشة، ثم قالت بنبرة صوت مهزوزة، تكاد الكلمات تتلعثم في فمها:


"معقول في حد يقتل أهله؟ طب هعمل كده ليه؟ أرجوك سيبني في اللي أنا فيه، ياريت تقدر تعبي وصدمتي في اللي شوفته، وياريت أمي تطلع عايشة علشان أنا مستحملش أفقد الاتنين في نفس الوقت."


الضابط نظر إليها بحزم، وكان وجهه خاليًا من أي تعاطف، وقال بصوت قاسي:


"لازم تعرفي إن كل الأدلة ضدك. البيت مفيهوش أي آثار للعنف سواء من الداخل أو الخارج، والكاميرات مسجلتش أي شيء غريب اليوم ده. ده معناه حاجتين: واحد، إنك أنتِ اللي ارتكبتي الجريمة دي. اتنين، إنك سهلتي للقاتل دخوله البيت وهو خلص وخلع."


انفجرت سبيل، ثم قالت بخوف:


"طب هعمل كده ليه وأأذي أهلي بالشكل ده ليه؟"


أجابها الضابط بنبرة جافة، دون أن يبدو عليه أي شعور بالندم:


"معرفش بقى. المفروض إنك تجاوبيني على السؤال ده."


ردت سبيل بسرعة، بعينين مليئتين بالدموع، وقالت بعناد:


"وأنا بقولك إني مظلومة ومعملتش حاجة زي دي."


وقف الضابط فجأة، وهندم ملابسه بحركة سريعة كما لو كان يتجاهل كل ما حوله، ثم قال بلا مبالاة:


"لو اتكلمتي وقلتِ الحقيقة هتنقذي نفسك، واحتمال تاخدي حكم مخفف. لأن اللي في حالتك، حتى لو ما بلغتش السن القانوني، يا بياخد حكم مؤبد يا بياخد خمسة عشر سنة سجن. وفي كلتا الحالتين هتتحرمي من الميراث، لأن القاتل لا يرث في الشرع بتاعنا."


قالت سبيل، وقد بدأت الدموع تتجمع في عينيها، وتكاد تبكي بصوت خافت:


"قلت لك أنا مظلومة... مظلومة... استحالة أعمل حاجة زي دي."


الضابط ألقى نظرة أخيرة عليها قبل أن يتحرك نحو الباب. قال بلا أي تردد أو تعاطف:


"على العموم براحتك. عقلك في رأسك تعرفي خلاصك."


ثم رحل، تاركًا إياها وحدها، تبكي بمرارة، بينما تساءلت عن مصيرها الذي يزداد ضبابية مع كل كلمة خرجت من فم الضابط.


❈-❈-❈


كانت ليان، ابنة عم ليث، تجلس في حديقة منزلهم تحتسي مشروبها المفضل بينما كانت تتصفح الجرائد. رغم حداثة تخرجها من كلية الحقوق، إلا أنها كانت قد تدربت لدى أشهر المحاميين أثناء دراستها، مما منحها خبرة جيدة في هذا المجال. كانت في الثالثة والعشرين من عمرها، شقية ومرحة، تحب أن تكون مشغولة وتكره الملل والتكرار. كانت تعشق كل ما هو غير روتيني، وهو ما جعلها دائماً تسعى إلى القيام بعدة أشياء في وقت واحد.


بينما كانت تقلب صفحات الجرائد، توقفت فجأة عند قضية أثارت اهتمامها. كانت تتعلق بفتاة تدعى سبيل، اتهمت بقتل والدها واختفاء والدتها أيضًا. قرأت تفاصيل القضية بشغف، حيث ذكر التقرير أن لا أحد من المحاميين يقبل الدفاع عنها، وأن عمها تبرأ منها تمامًا. كما أشار إلى أن في حال إثبات الجريمة، ستذهب كل أموال القتيل إلى أخيه شوقي، باعتبار أن القاتل لا يرث.


للحظة، فكرت ليان في تلك القضية الغامضة. رغم أن القضية كانت تحمل الكثير من الأسئلة والتفاصيل التي تحتاج إلى تحقيق، إلا أن تلك التركة الضخمة التي ستؤول إلى شوقي في حال ثبوت الجريمة أثارت فضولها. كانت تعلم أن هذه القضية قد تكون أكثر تعقيدًا مما تبدو عليه، خاصةً مع غموض اختفاء الأم. بدأت ليان تتساءل عن إمكانية وجود تلاعب في القصة أو جوانب غير مكتشفة.


ليان، وهي تقلب صفحات الجرائد بسرعة، قالت بدهشة:


"معقول في واحدة تعمل كده في أبوها وأمها؟ هي الدنيا جرى فيها إيه يا ناس؟ مش معقول أبدًا."


قبل أن تكمل حديثها، دخل ليث لينضم إليها. جلست ليان، ثم نظر إليها مبتسمًا وقال:


"سبيل لا يمكن تعمل حاجة زي كده أبدًا يا ليان، سبيل أفضل من كده ميت مرة."


سحب كرسيًا ليوضع بجانبها، وجلس عليه.


"أنا كنت عايزك تترافعي عنها وتقفي جنبها. دي بنت غلبانة، صدقيني، لا يمكن تعمل حاجة زي دي."


ليان نظرت إليه بدهشة وسخرت قليلًا، ثم قالت:


"أمممم، وأنت تعرفها منين بقى يا سي ليث؟"


رد ليث بصوت هادئ لكنه حازم:


"كانت زميلتي في التمرين، وكانت طول الوقت لوحدها ومبتتكلمش مع حد."


ليان ابتسمت بخبث، ثم أضافت في لهجة ساخرة:


"ما يمكن مريضة نفسيًا وعملت كده. أنا شفت حالات كتير كده."


رد ليث بسرعة، وهو يحاول أن يظهر قناعته التامة:


"لأ، هي زي الفل. أنا متأكد من براءتها."


ابتسمت ليان بتشويق، ثم قالت بمرح:


"يا سلام، ده شكل الموضوع في إن."


نفى ليث بحسم:


"ولا إن ولا حاجة، كل الحكاية إنها مظلومة، وحابب أساعدها."


ليان نظرت إليه بعينين لامعتين بالذكاء، ثم قالت بصوت منخفض، تلاعبه بعض الشيء:


"انت عارف أتعابي كام يا أستاذ ليث؟ هتدفع ولا حين ميسرة؟"


الصفحة التالية