-->

رواية جديدة حان الوصال لأمل نصر الفصل 40 - 1 - الجمعة 13/12/2024

  

قراءة رواية حان الوصال كاملة 

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى



رواية حان الوصال

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة أمل نصر

الفصل الأربعون

1

تم النشر يوم الجمعة

13/12/2024  


"ليتني كنت القوة التي تحمل عنكِ الأوجاع، ليت لي يداً تمسح تعبك وتخفف همك. ليتني أكون الحماية التي تحيط بكِ، ليتني أستطيع أن أكون كل شيء تحتاجينه. ليتني أُم، لأكون لكِ كل الأمان والراحة يا أمي."


اهداء الادمن القمر سنا الفردوس 




ممكن نقعد أنا وأنتِ لوحدنا؟



دوت هذه العبارة في ذهنها، مع انتباهها الشديد لتجنبه المقصود، وتهربه من النظر إليها. لقد صدق ما قالته بالفعل، أن رؤيتها لم تكن مفاجأة سارة على الإطلاق. ابتلعت الغصة التي مرّت في حلقها، وعلت فوق جرحها، مفضلة الانسحاب بكرامتها، في تعارض مع نجوان التي اكتنفها الحرج والدهشة في آن واحد.


وماله، نتغدى الأول أنا وأنت وبهجة، وبعدين...


مفيش بعدين يا نجوان هانم، أنا أصلاً كنت ماشية. عن إذنك بقى، أسيبك مع الباشا.



استدارت على الفور مغادرة، بقلب مفطور، تتابع نجوان انصرافها بذهول مضاعف نحو ابنها الذي لم يرفع حتى بصره أو يبادر لإيقافها.


فخرج قولها بتوبيخ:


في إيه يا رياض؟ مخدتش بالك إنك أحرجت البنت؟



زفر بتثاقل، مخرجًا دفعة من الهواء المحبوس في صدره، يعلق على قولها بجمود:


بهجة مقدور عليها إن شاء الله. المهم إنك ما تضيعيش مني.



عقدت حاجبيها بريبة واستفهام:


وأنا أضيع منك ليه؟ إنتَ مخبي عني إيه بالضبط؟



رد متمعنًا النظر بها:


هتعرفي دلوقتي، لما نفتح في الحديث اللي بقاله سنين معلق بينا.



❈-❈-❈


كانت في طريقها إلى السوق، حينما اصطدمت عينيها به، جالسًا على إحدى المقاهي ينفث الدخان من خرطوم أرجيلته بشموخ، فارضًا سيطرته على من حوله. هو الآخر انتبه لرؤيتها، فتحفز معتدلًا بجذعه بتركيز تام لھا رغم حديث شخص آخر معه. ثم نهض فجأة متجاهلًا الرجل، وتقدم نحوها.


ارتجف داخلها برد فعل غريزي أصبح يلازمها كلما التقت به، رغم إنكارها طوال الوقت وادعائها العكس، لكن ذلك لا ينفي أبدًا فرض سطوته عليها.


ماشية كده، وواخدة في وشك، رايحة فين؟



توقفت على غير إرادتها، لتزفر بسأم، قائلة:


يعني هكون رايحة فين؟ بالعباية السودا دي اللي لابساها؟ أكيد طبعًا مش هبعد عن السوق اللي ورانا بشارعين، أظن دي مش محتاجة استئذان.


أمممم...



زم بها ثم أومأ بعينيه كي تتراجع عن طريق المارة وتقف في زاوية قريبة من البناية المجاورة لها. اضطرت للتراجع واطاعة الأمر، فلطمت بيدها على ظهر الآخر، وتابعت بحنق:


اديني اتنيلت، لكن لزومها إيه الوقفة في الشارع؟ على فكرة، أنا بكره كده.



وافقها الرأي مؤيدًا بنبرة لائمة:


وأنا كمان مبحبش يا سامية، بس اعمل إيه بقى؟ وإنتِ سايقة العوج، وقافلة نفسي من المرواح لبيتكم عشان أقابلك وأقعد معاكِ؟ ولا أكلمك في التليفون زي أي اتنين مخطوبين؟ ولافكرك إن ده هين عليا، بس بصبر نفسي على ما تيجي بيتي ونتكلم ونرغي كمان. هو انا هفضى لحاجة تانية غيرك.



هل كان هذا خجلًا؟ تلك اللمحة التي طفت على ملامحها سريعًا، قبل أن تُجليها بسرعة، عائدة لطبيعتها الشرسة، بصورة أظهرت اضطرابها وهي تنهره:


لمّ نفسك وبلاها تلميحاتك القبيحة دي يا طلال.



ردد بابتسامة رائقة علت محياه:


يا حلاوة طلال اللي طالعة منك، تصدقي حبيت اسمي، مع إنّي كنت اتعودت على شيكاغو.



زمت ثغرھا بضيق تدعيه، رغم تأثرها الواضح بغزله، تستدعي حدتها في الرد:


أنا بنطق الاسم عادي، عشان ده اللي اتعودت عليه من وأنا عيلة صغيرة، مش دلع يعني عشان يستاهل ده كله. عن إذنك بقى، كفاياها عطلة.



لم يتأثر بخشونتها، ليوجه السؤال نحوها بنعومة عارضًا:


تحبي أبعت معاكي حد من عيال الشارع؟ ولا أروح أنا وأشيل عنك؟



بالطبع كانت عازمة على الرفض، ولكن ما أجبرها على التريث هو طريقته الجديدة واللطيفة في الحديث معها، حينما لامس حس الأنثى الذي يتأثر بالتدليل، فارتد عليها ذلك بانتقاء كلماتها في الرد عليه بلطف:


متشكرة أوي، هما يدوب كام حاجة هجيبهم، مش كتير... عن إذنك.


إذنك معاكِ.



تمتم بها من خلفها، يتابع أثرها بنظرات كانت تشعر بها كسهام تخترقها، والغريب أنه لم يزعجها، بل العجيب أن هذا الشعور الذي يشبه الراحة كان يرافقها بمراقبته لها واستحواذه على اهتمامها.


❈-❈-❈


دلف خلفها داخل غرفة المكتب الخاص بها، في منصب نائب مجلس إدارة الجمعية الموقرة، بخطوات متأنية، دارت عيناه قليلًا يتأمل محتوياته، والديكور الأنثوي الرقيق لأغلى امرأتين على قلبه، مكتب والدته بالقرب من مكتب حبيبته.


كانت من خلفه تتأمله بتوجس حتى فرغ من استكشافه ليلتفت إليها قائلاً بإستدراك جيد لفعل والدته من تغيير شامل قامت بھ لحبيبته 


حقك عليا أني أشكرك يا نجوان هانم، عملتي مع بهجة اللي معرفتش أعمله أنا.


مفيش داعي للشكر، لأنّي ما عملتش حاجة. بهجة حتة جوهرة، كانت محتاجة انھا تبان للنور وتعرف قدرها. المهم، سيبنا من الكلام ده، وادخل في الموضوع على طول... حديث إيه يا رياض اللي معلق بقاله سنين؟



بادرته بطلبها المباشر، فلم تكن لديها طاقة للتريث، وكأنها على استعداد تام للمواجهة وفتح جراح الماضي. بالطبع هو يريد ذلك، ولكن هذا لن ينفي صعوبة الأمر.


جلس على أقرب كرسي وجده أمامه، وأشار لها بيده لتقابله في جلسته، ومرت لحظات قليلة من الصمت كان الترقب فيها هو سيد الموقف، قبل أن يحسم الموضوع ويبدأ بمفتاح الحديث:


ناريمان.



اعتدلت في جلستها وتحفزت كل خلية بجسدها، لتعلق بحدة، مُعلنة أنها ما زالت متذكرة:


مالها؟



تردد قليلاً في إجابتها، لتواصل هي بحدة:


إنت لسة ليك علاقة بيها يا رياض؟



كادت أن تصيبه خيبة الأمل لوقوفها عند نفس النقطة في الخلاف القديم، لكن في النهاية تدارك لالتقاط الفرصة أخيرًا في توضيح موقفه، فخرج قوله بهدوء:


أولًا، يا ست الكل، أنا عمري في حياتي ما كان لي علاقة بيها.



فتحت فمها في نية لمقاطعته، لكنه لحق ليوقفها قبل أن تبدأ:


أرجوكي يا ماما، اسمعيني المرة دي... وبلاش تعملي زي المرة اللي فاتت لما ضيّعتي نفسك وضعت أنا بعدها معاكِ.



استجابت لرجاءه، وأغلقت فمها، بشفاه مرتعشة ودموع تلألأت بعينيها، لتزيد من صعوبة المهمة عليه. ولكن آن الأوان لكشف كل الحقائق. يناجي الله المساعدة:


أنا مقدر صعوبة الموقف عليكِ لما تكتشفي بعد وفاة بابا في الحادثة إياها، إن غريمتك حيّة وفي بيتك كمان، بس أنا كنت مُجبر أحتفظ بيها، مش حبًا فيها، قسمًا بالله العظيم وربنا شاهد.



دموع حارقة أصبحت تسيل على خديها، وذهنها يستعيد تلك اللحظة القاسية بعد الحادث الأليم وانهيارها، لتمكث أيامًا وليالي داخل المشفى تتلقى العلاج المكثف كي تستعيد رغبتها في الحياة بعد صدمتها القصوى في حبيب العمر، واكتشاف خيانته لها مع تلك الفتاة اللعوب سكرتيرته، والتي ظنت وفاتها مثله كما شيّع وانتشر أمام الجميع، حتى جاءت القاصمة، حينما قطعت علاجها، لتخرج من المشفى بنفس لم تهدأ وجرح لم يُشفى.


بدون تصريح من طبيب أو إعلام أحد من عائلتها أو الطاقم الطبي المسؤول عنها، هربت عمدًا ذلك اليوم لتذهب إلى منزلها. فكانت المفاجأة حين دخلت المنزل لتفاجأ بتلك الفتاة حية أمامها. كانت الفتاة في طريقها للخروج، مستندة بجسدها إلى ذراع ابنها الوحيد، والذي تجمدت عيناه باتساع هلعًا لرؤيتها. حاول أن يترك الأخرى ليشرح لها حقيقة الموقف، لكنها لم تسمع أو تري ظلت تصرخ فقط ،صوتھا يدوى في أنحاء المنزل الخالي إلا منهم:


"إنت كمان يا رياض، انت كمان طلعت زيه، طلعت شبهه، طلعت شبهه!"



وسقطت بعدها في دوامة من الصدمة والإنكار، ترفض الواقع والحياة، ولا تريد سماع أي تفسير منه.


"ليه يا رياض؟ ليه؟ من وقت ما استرديت عقلي، وأنا رافضة أسألك عشان عايزة أنسى وأعيش. إنت بقى جاي دلوقتي تفكرني بيها ليه؟"


الصفحة التالية