رواية جديدة حان الوصال لأمل نصر الفصل 44 - 3 - الأحد 29/12/2024
قراءة رواية حان الوصال كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية حان الوصال
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة أمل نصر
الفصل الرابع والأربعون
3
تم النشر يوم الأحد
29/12/2024
هو إيه اللي يجيبه؟
تمتمت بها بهجة وهي تتخذ مقعدها على الكرسي المجاور لها، ثم سرعان ما انتفضت بتخمين:
معقول تكوني جايباه معاكي؟ لا، أرجوكِ! أنا حددت قراري امبارح ومش عايزة أرجع فيه تاني. رياض لا ينفعني ولا أنفعه.
قابلت نجوان ثورتها بالرفض، تأمرها بهدوء:
اهدي وشوفي الأول أنا قصدي إيه.
قصدك إيه؟
وما كادت تنهي عبارتها حتى تفاجأت بشقيقها قادمًا نحوهما بعلبة ضخمة تشبه الحقائب الكبرى. وضعها على الأرض ثم قام بفتحها بتنبيه من نجوان التي ساعدته كذلك، حتى أخرجَا منها ذلك الفستان الأبيض الضخم. رفعه إيهاب أمام أبصارهم، لتظهر تفاصيله بالكامل.
بأكمام من الشيفون المُخرم وصدر مشغول بحبات دقيقة من الألماس، يمتد منها على الصدر كذلك، ضيق حتى الخصر ثم يتسع بالطبقات المتعددة، بما يشبه ملابس أميرات القرون الوسطى، وبإبهار يفوق الخيال.
كانت تطالعه مشدوهة، فاقدة النطق بحال يشبه حال أشقائها، غير أن التفسير جاء من عائشة التي تذكرت شيئًا ما لتسألها:
مش هو دا الفستان اللي كنتِ حاطة صورته على تليفونك يا بهجة؟
استفاقت، تتملك حالها كي تنفي كاذبة، ثم تتوجه بعد ذلك لنجوان:
دي كانت صورة عادية زي أي صورة يا عائشة، المهم بقى، إيه اللي جابه هنا؟
رمقتها نجوان بغيظ:
إنتِ لسه برضو مفهمتيش يا بهجة؟ ولا مش عايزة تفهمي؟ الصورة العادية اللي كانت على تليفونك مكانتش عادية، لأن غيرك شافها على تليفونك في مرة من المرات، وفضل مخزنها بعقله، لحد ما لاقاه قصاده في آخر سفرية ليه واشتراه... ليكي.
باستيعاب بطيء، وكأن غباء العالم قد أصابها في هذه اللحظة الفارقة، تردد وعيناها تتنقل ما بين الجميع:
مين اللي اشتراه؟ وغيري دا يبقى مين أصلاً؟
أجابتها جنات بأعين دامعة بالفرح:
يعني هيكون مين بس يا بهجة؟ دي مش محتاجة تفكير يا حبيبتي.
طبعًا هو في غيره، الباشا ابن الباشا.
علقت بها عائشة بلهفة، ليخرج قول إيهاب بإعجاب هو الآخر وعيناه لا تترك الفستان:
بصراحة فاجأني، والله طلع بيفهم.
طبعًا بيفهم يا ولد يا إيهاب، دا شغلته الهدوم والملابس أصلاً، إنت ناسي ولا إيه؟
تفوهت بها نجوان ردًا عليه، قبل أن تجفلها بهجة بصياحها بهم جميعًا:
إنتو بتقولوا إيه كلكم؟ فستان مين ولا باشا إيه؟... إنتو عايزين تجننوني؟
لا يا بهجة، مش عايزين نجننك، إحنا عايزين نفهمك، وكفاية أوي علينا اللي ضاع من العمر.
❈-❈-❈
بعد تعب طويل وصبر لا ينتهي، يأتي الوصال كأنّه شفاء للروح. لحظة تلتقي فيها الأرواح بعد أن مرّت بكلّ ما يكسرها، فتكتشف أن كل لحظة ألم كانت تستحق هذا اللقاء.
داخل غرفة مكتبه، حيث كان يعمل على بعض الملفات العاجلة مجبرًا رغم أخذه إجازة من أجل أن يريح عقله من كل شيء اليوم، يرتشف من فنجان قهوته منهمكًا بتركيز شديد، ليجفل على حين غرة باندفاع الباب أمامه بقوة فيجدها أمامه تلج إلى داخل الغرفة، بهيئة عاصفة كالإعصار، ثم تلقي بالعلبة الكبيرة بالفستان أمامه، بوجه مشتعل بالحمرة القانية وزمردتيها تشعان بالشرر نحوه، وكأنها على وشك الفتك به.
لينهض من محله حتى يقف مقابلا له سائلًا بعدم فهم:
إيه في إيه؟ هو الفستان مش عاجبك؟
وكأن بسؤاله البسيط ضغط على زر الانفجار لتصرخ به وتضربه بقبضتيها على صدره:
عاجبني؟ وليك عين تسأل يا بارد؟ ليك عين تسأل كمان.
استطاع السيطرة على جموحها، ممسكًا بقبضتيها داخل يده الكبيرة يهادنها بحزم:
اهدئي طيب وفهميني، ليه العصبية والانفعال ده كله؟
بعد أن منعها، صار صراخها يعلو أكثر:
ما هو كله منك، أنت السبب، هتدخلني سراية المجانين بعمايلك... والله لو اتجننت هتبقى أنت السبب، أنت السبب يا رياض.
وختمت تعود للبكاء مرة أخرى، فما كان منه إلا أن ضم رأسها إلى صدره، يسيطر على جسدها بذراعيه وليتحرك بها حتى أجلسها معه على الأريكة الجانبية بالغرفة، يتركها تبكي حتى تهدأ قليلًا، فيشاكسها قائلًا:
مكنتش أعرف إنك شرسة كده، بقى كل الخناق والضرب ده عشان فستان؟!
توقفت عن البكاء على الفور حينما استفزها بكلماته، لترفع رأسها إليه، تعقب على قوله بحنق:
هو الموضوع في الفستان؟ الموضوع فيك أنت، أنت اللي ساكت وكتوم وبارد.
برقت عينيه بإجفال ودهشة لقولها:
إيه اللي أنتِ بتقوليه ده يا بهجة؟ ليه يعني؟ ما أنا كان ليَّ ظروفي؟
حتى لو عندك ظروفك برضو تتكلم، مش تسيبني أضرب أخماس في أسداس طول الوقت، تسيبني في نار الحيرة والظنون، وأنا بموت ألف مرة من التفكير، أنت تعبتِ أوي، أوي يا رياض.
تبسم بخفة يذكرها:
ما أنتي كمان طلعتي عيني يا بهجة، ولا نسيتي إنّي حاولت أفهمك لكن إنتِ رفضتي، ده أنا جيتلك لحد البيت وإنتِ تقريبًا طردتيني، ولا ناسية دي كمان؟
لا مش ناسية، بس أنت معرفتنيش بظروفك مع آدم ولا بتعبه الأخير، كنت دايمًا بتحسسني إني على الهامش في حياتك، واحدة وحافظة دورها كويس أوي، اللي ما ينفعش تحيد عنه، ودي صعبة أوي.
بح صوتها في الأخيرة ودمعت عيناها بغصة جرحت حلقه، ليضمها إليه بقوة من خصرها، يشدد عليها بذراعيه مرددًا باعتذار:
إنتِ عمرك ما خدتي الدور ده يا بهجة، حتى لما طلبت منك الجواز وجرحتك بشرطي، كان غباء مني عشان أخمد الإحساس اللي في قلبي من ناحيتك، أنا كنت بضحك على نفسي، لدرجة إن كان بيطلع كلام الحب من قلبي يترجمه لساني من غير ما أقصد، وأظن إنه كان بيوصلك حتى ولو على غير إرادتي.
ما هو ده تعبني وضعفني معاك، إني عارفة ومتأكدة من حبك، لكن جارحني نكرانك، كأنك مكسوف ولا مستعر.
خلاص يا بهجة.
تمتم بها يهزها معنفًا بخفة حتى لا تكررها، ليردف بحزم:
اللي جاي كله في النور، اللي جاي كله تعويض عن اللي فات، هعملك كل اللي إنتِ عايزاه، كل اللي تحلمي بيه.
نزعت نفسها من ضمته، كي ترى صدقه جليًا في بندقيتيه، ومع ذلك تريد مزيدًا من التأكيد:
بتتكلم جد يا رياض، يعني هتقدمني لقرايبك حتى لو كانت... بهبرة شوكت؟
ضحك يقرصها من وجنتيها:
أنا فعلاً قولت لبهيرة في الحفلة، يا خسارة، ما شوفتيش رد فعلها ولا صدمتها.
❈-❈-❈
في لحظات جنون الحب، يصبح العقل ضيفًا ثانويًا، والقلب هو الحاكم الأول. تبدأ الأفكار في التمرد، والخيال يندفع دون استئذان. تقول أشياء لم تكن لتقولها أبدًا، وتضحك لأشياء لا تستحق أكثر من ابتسامة صغيرة. جنون الحب لا يعني سوى أنك مستعد للسخرية من نفسك، لأنك في النهاية تعلم أن ذلك الضحك هو ما يجعل الحياة أكثر جمالًا، وأن هذا الحب المضحك هو ما يجعل قلبك ينبض بحيوية.
داخل السيارة التي دلفت إليها للتو في استعداد للمغادرة والعودة إلى منزلها، كانت على وشك أن تدير المحرك حينما تفاجأت بمن يفتح الباب بغتة وينضم معها، حتى همت أن تصرخ لولا معرفتها بهويته، لتكتم شهقتها واضعة كفها على صدرها مرددة بجزع:
قلبي وقف من الخضة، بقى دي عمايل دكتور عليه القيمة برضو.
صدحت ضحكته في محيط السيارة ينفي لها:
لا، للأسف حظك وقعك وقعة مسخرة...
واقترب برأسه منها مردفًا:
بس معاكي إنتِ بس؟
ارتدت بجسدها للخلف قائلة بغيظ من أفعاله:
بطل حركاتك دي يا هشام، أنا خلقي ضيق.
وماله، أوسعهولك.
برقت عينيها برفض مطلق لأفعاله، فتابع هو دون أن يعير غضبها اهتمامًا:
ما هو اسمعي، أما أقولك، تكشري تعيطي، تعملي قرد حتى، أنا واحد فاض بيه من دور الخطوبة المؤقت، أنا عايز خطوبة طبيعية يا صفية، حقوق وواجبات، اللي يشوفك معدية في الشارع يعرف إنك خطيبتي...
ناس مين يا هشام؟دا إنتِ مخليتش حد في المكتب ولا حتى في العمارة اللي المكتب فيها، إلا وعرفتة،